الآثار الفردية للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
العلاقة مع المجتمع
إن بركات وآثار أداء فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تشمل الفرد كما تشمل المجتمع، فالذين يقومون بأداء هذه الفريضة ولا يقصرون فيها سيتنعمون بها وببركاتها، وستعمهم هذه الآثار والبركات في الدنيا فضلاً عن الأجر العظيم في الآخرة...
عدد الزوار: 109
مقدمة
إن بركات وآثار أداء فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تشمل الفرد كما تشمل المجتمع، فالذين يقومون بأداء هذه الفريضة ولا يقصرون فيها سيتنعمون بها وببركاتها، وستعمهم هذه الآثار والبركات في الدنيا فضلاً عن الأجر العظيم في الآخرة.
الآثار الفردية الدنيوية
1- سلامة الدين والدنيا
قال أمير المؤمنين علي عليه السلام: "من كانت فيه ثلاث سلمت له الدنيا والآخرة: يأمر بالمعروف ويأتمر به، وينهى عن المنكر وينتهي عنه، ويحافظ على حدود اللَّه عزَّ وجلَّ"1.
ذلك لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إن أثّرا التأثير المطلوب في المأمورين والمنهيين سيسلم المجتمع من الآفات، بما يؤدي إلى سلامة أجواء المجتمع، الذي يعتبر الآمرين والناهين من أفراده، مما يصنع جواً سليماً للعيش والتطور والتكامل.
2- النصرة الإلهية
يقول الإمام الصادق عليه السلام: "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خلقان من خلق اللَّه فمن نصرهما نصره اللَّه ومن خذلهما خذله اللَّه"2.
إن الغرض من الأمر والنهي هو محاربة الفساد وبث الصلاح وهذان مراد اللَّه الدائم من الناس فالذي يقوم بهذه الفريضة يكون محققاً لما يريده اللَّه وناصراً له في الأرض وبالتالي فهو عامل من عمال اللَّه وجندي من جند اللَّه في الأرض ولا بد أن يكون منصوراً من اللَّه عزَّ وجلَّ.
3- حفظ حظه من العمر والرزق
يقول أمير المؤمنين عليه السلام: "إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يقربان من أجلٍ ولا يقطعان من رزق"3. كأن الإمام علي عليه السلام يريد أن يقول إن المقدر للإنسان من العمر والرزق لا يخرم بالقيام بهذا الواجب، ومعنى ذلك أن القيام بفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليس من أسباب تقصير الآجال ونقص الأرزاق.
4- الأمان من البلاء
قال اللَّه تعالى: ﴿فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُون﴾(الأعراف:165).
تحدثنا هذه الآية أن اللَّه تعالى يختص القائمين بفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالنجاة مما ينزله من عذاب وعقاب على الذين ظلموا. هذه الآية تحدثت عن قصة القرية التي كانت حاضرة البحر، حيث نهاهم الله تعالى عن الصيد يوم السبت، فقسم لم ينتهِ وقسم انتهى ولكنه لم ينه عن المنكر، وقسم انتهى ونهى عن المنكر، وخص الله الذين قاموا بالنهي بالنجاة من العذاب.
الآثار الأخروية
1- رضوان اللَّه تعالى
قال اللَّه تعالى عن سليمان عليه السلام: ﴿وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا﴾(مريم:55).
فاللَّه تعالى قد عقب على قيام النبي سليمان عليه السلام بفريضة الأمر بالمعروف بخصوص الصلاة والزكاة بأنه "وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا" مشعراً بأن عاقبة قيامه بهذا الأمر جعله مرضياً عند اللَّه.
2- الفلاح
يقول تعالى في كتابه الحكيم بعد ذكره لطبيعة العلاقة بين أفراد المجتمع الإيماني القائمة على أساس المودة والتي من تفاصيلها الإيمان عقائدياً والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ﴿وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾(آل عمران:104).
فقيام الأفراد بواجب الأمر والنهي إضافة إلى تحليهم بالإيمان سبب موصل إلى قمة النجاح وهي الفلاح حيث يكون قد استثمر طاقاته ووجوده خير استثمار فأفلح بهذا الاستثمار وأنتج النتيجة العالية المباركة لهذا الوجود.
3- دخول الجنة
عن الإمام الصادق عليه السلام: "إن للجنة باباً يقال له باب المعروف فلا يدخله إلا أهل المعروف، وأهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة"4.
لقد ذكرت الروايات أن للجنة أبواباً كل باب مختص بفئة من الناس: فهناك باب خاص بالمجاهدين، كما أن هناك باباً خاصاً بالصابرين. وقد ذكرت هذه الرواية أن هناك باباً خاصاً لأهل المعروف وأهل المعروف تشمل العاملين بالمعروف وكذلك الآمرين به، لأن نفس أمرهم هو معروف من جهة وهو مقدمة لفعل المعروف فلهم شراكة مع العاملين به إذا كان فعلهم بتأثير من الآمرين، وتكريماً لهم جعل الله لهم باباً خاصاً يدخلون منه إلى الجنة.
4- الثواب العظيم
يقول تعالى: ﴿مَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَاز﴾(آل عمران:185) إن نفس النجاة من النار ودخول الجنة فوز وأي فوز. وللجنة درجات كما للنار دركات.
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليس دورهما فقط تخليص القائمين بهما من النار وفتح أبواب الجنة لهم ليعبروا إليها ويسكنوا فيها أي منزل (على عظمة هذه الكرامة وهذا الفضل) إلا أن علو المقام والدرجة أمر عظيم وله في دار الدنيا مسببات ومن الأمور التي تزيد الأجر والثواب والموجبة لرفعة المقام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقد أشار أمير المؤمنين عليه السلام إلى ذلك قائلاً: "لكن يضاعفان الثواب ويعظمان الأجر"5.
خاتمة
في افتتاح هذا المقال ذكرنا رواية عن الإمام علي عليه السلام ذكر فيها مجموعة من الأمور تؤثر في سلامة الدنيا والآخرة بقوله عليه السلام: "سلمت له الدنيا والآخرة"6، وذكر أن أحدهما الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
فصلاح دنيا الإنسان مترتب على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبالتالي فإن هذه الفريضة سبب وعلة لكل أمر يصلح الدنيا ويجعلها تسلم، فكل آفة يمكن أن نتصور أنها عامل من عوامل فساد دنيا الإنسان الفرد سيدفعها الفرد بالقيام بهذه الفريضة ويجعلها سالمة خالصة، وكذلك كل ما يمكن أن يتصور من مفسدات آخرة الإنسان ودينه يدفعها القيام بهذه الفريضة بل ويجلب كل ما يصلحها ويجعلها سليمة.
وبالتالي فما ذكرنا من الآثار الدنيوية والأخروية هو من قبيل المثال وبيان الأهمية لا من قبيل الإحصاء لجميع الآثار والبركات.
قصة للعبرة
أتي إلى معاوية بأعرابي معمِّر ودار بينهما حوار طويل ومما جاء فيه:
قال له معاوية: فأخبرني ما كانت صناعتك؟ قال: كنت رجلاً تاجراً، قال: فما بلغت في تجارتك؟ قال: كنت لا أستر عيباً ولا أرد ربحاً.
قال معاوية: سلني قال: أسألك أن تدخلني الجنة، قال: ليس ذلك بيدي ولا أقدر عليه. قال: فأسألك أن ترد علي شبابي، قال: ليس ذلك بيدي ولا أقدر عليه.
قال: فلا أرى عندك شيئاً من أمر الدنيا ولا أمر الآخرة، فردني من حيث جئت بي. قال: أما هذا فنعم.
ثم أقبل معاوية على جلسائه فقال: لقد أصبح هذا زاهدا فيما أنتم فيه راغبون7.
*حياة المجتمع، إعداد ونشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، ط1، نيسان 2006م ، ص33-39.
2- الكافي، ج5، ص59.
3- نهج البلاغة، ج2، ص49.
4- الكافي، ج4، ص30.
5- ميزان الحكمة، ج3، ص1944.
6- بحار الأنوار، ج74، ص422.
7- مواقف الشيعة الأحمدي الميانجي ج2 ص 80. 2009-08-15