يتم التحميل...

دور الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

العلاقة مع المجتمع

نتحدث في هذا المقال عن دور ووظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويمكن تلمّس هذه الوظيفة وهذا الدور من خلال النصوص القرآنية وكذلك الأحاديث الشريفة ولا يخفى ما لها من دور في الثقافة والتربية والاجتماع والسياسة والأمن والاقتصاد وغير ذلك.

عدد الزوار: 126

مقدمة 
نتحدث في هذا المقال عن دور ووظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويمكن تلمّس هذه الوظيفة وهذا الدور من خلال النصوص القرآنية وكذلك الأحاديث الشريفة ولا يخفى ما لها من دور في الثقافة والتربية والاجتماع والسياسة والأمن والاقتصاد وغير ذلك.

1- صيانة القيم وحمايتها

إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عملية حيوية ترمي إلى الحفاظ على بقاء القيم حية في نفوس الناس وابقاء جميلها جميلاً وقبيحها قبيحاً. وبالتالي فهي تشكل ممارسة عملية لحماية منظومة القيم التي يتبناها الإسلام في وجه ما قد يعتريها من تشوه أو اندثار تحت ضغط عجلات الزمن والأفكار والدعاية المروجة للإنحراف.

فهي تتعلق بحماية العقيدة من خلال مواجهة الأفكار المضادة ورد إشكالاتها. وكذلك تتعلق بالشريعة أحكاماً وأخلاقاً من حيث حفظ جمالها بنظر أبناء الأمة.

2- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عملية تنموية

إن فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إضافة إلى كونها حامية للقيم وصائنة لها، تشكل عملية تنموية للجوانب الثقافية والتربوية وغيرها حيث تعمل على رفع مستوى الفهم للشرع والعقيدة والمفاهيم الإسلامية. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فهي باعث على تطوير وتنمية أساليب التثقيف والتبليغ. مما يغني الفكر والممارسة التثقيفية والتبليغية بالأبحاث التي تشكل عملية تطويرية دائمة لأنها كما سيأتي تفترض عملية اجتهاد دائمة في استنباط المفاهيم والأحكام والأساليب حيث إن مساحة الإبداع مفتوحة غير مقيدة إلا بقيد مشروعية الأساليب والوسائل ومؤثريتها. فالغاية منها هي الوصول إلى اقتلاع جذور المنكر وبث وتوسيع دائرة الإلتزام بالمعروف.

3- تعزيز روح المسؤولية

إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة تفترض حالة من الشعور بالمسؤولية لكل فرد من أفراد الأمة تجاه صلاح أبناء الأمة ومجتمع المؤمنين ودولة الإيمان، لأنه يرتب على كل فرد أن يتحرك لتغيير ما هو مخالف للدين في سير الأفراد والمجتمعات ولو بالإشارة إلى هذا الإنحراف، وبالتالي فهو يمثل حالة عالية من الشعور الاجتماعي لدى الأفراد.

ويمكن القول إن فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هي العنصر الأساس والمقوي لجهاز المناعة لدى الفرد والأمة المسلمة لأنها عملية تطهير دائمة وتدعيم دائمة للقيم والعقيدة والشريعة الإسلامية.

4- تقوية مناعة الأمة

لا شك في أن الإنحرافات السلوكية والثقافية والفكرية في بنية الفرد والأمة الإسلامية تشكل مواطن هشة في البنيان الفردي وكذلك في بنيان الأمة. وبالتالي فإن هذه الانحرافات تشكل نقاط ضعف وثغرات يمكن تسلل الأعداء من خلالها.

حيث إن الانكباب على الدنيا ومغرياتها سيشكل وسيلة يمكن جر الأفراد والمجتمعات من خلالها إلى السقوط والاستعباد. فتأتي عملية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لتعزز مناعة الفرد والأمة من خلال الحفاظ على تماسك البنيان الإيماني للفرد والأمة بما يشكل قوة للأفراد والأمة في وجه هجوم الإغراءات التي تريد استدراج الأمة من خلال افرادها إلى مستنقع التبعية والإذلال.

فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يعملان على تحرر الأفراد وكذلك المجتمع الإسلامي من عبودية الأهواء إلى فضاء حرية الإرادة.

عن أمير المؤمنين: "من أمر بالمعروف شد ظهور المؤمنين.."1، وبالتالي فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يعملان على تقوية وتثبيت البنى التحتية للأفراد والمجتمع، فهما يشكلان عملية صيانة وحماية للجبهة الداخلية للأمة والفرد.

عن أمير المؤمنين عليه السلام "من ترك إنكار المنكر بقلبه ويده ولسانه فهو ميت بين الأحياء"2.

فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يشكلان عاملاً أساسياً في الحفاظ على شخصية الأمة وتماسك هذه الشخصية وقوتها ومؤثريتها وفاعليتها.

توحيد المجتمع الإسلامي: إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يشكلان فقط عاملاً في الحفاظ على شخصية الأمة، بل يشكلان إضافة إلى ذلك العنصر الأساسي في وحدة المجتمع والأمة الإسلامية.

وقد أشرنا سابقاً إلى كونهما يشكلان حافظاً لمنظومة القيم التي تشكل البنية التحتية لشخصية الفرد والأمة التي بها تمتاز وتتميز عن غيرها وهو ما يؤثر في بناء وصيانة الوحدة.

فوحدة الخلفية الثقافية والفكرية والعقائدية تشكل أساساً ومدماكاً حوله يبتني الاجتماع بين أبناء الأمة. هذا من جهة، ومن جهة ثانية فهي رابط وثيق يصعب حلّ عراه لتفكيك هذا البنيان، قال تعالى: ﴿فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا(البقرة:256).

فهذه الفريضة تعمل على تمكين هذا الإيمان في النفوس. وللأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دور في صياغة وصناعة شخصية الأمة، كما أن لهما دوراً في الحفاظ على تماسك هذا البنيان، ولأن الوحدة تحتاج إلى أكثر من وحدة الخلفية الثقافية والعقائدية بل تحتاج إلى تعزيز الروابط الإنسانية، فكذلك للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دور في تعزيز وتمتين هذه الروابط. وقد أشار تعالى إلى هذا الأمر بالقول ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ...(التوبة:71).

فالآية إشارة إلى نوع العلاقة التي تشد أواصر مجتمع المؤمنين وأسماها الولاية ﴿بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ ثم أشار إلى الخلفيات التي تشكل عناصر بناء هذا اللون من العلاقة بأمرين: أحدهما الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والثاني الإيمان.

5- حماية إنجازات الإسلام العظيمة

كما تتعرض الأمم ومنها الأمة الإسلامية إلى غزوات خارجية تسقطها وتجعلها تحت سلطان الآخرين فتخرب بنيان حضارتها العمراني وربما بنيانها الثقافي والإنساني والديني، كذلك قد يتخذ الغزو شكلاً آخر غير الغزو العسكري المباشر كأن يكون غزواً ثقافياً عبر بث الدعايات المروجة لفكر ما أو التشكيك بعقائد وقيم ودين الأمة لتحل محلها قيم الغازين أو لتقود إلى انحلال الأمة، وبالتالي فإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وسيلة لها دور في مواجهة الغزوات بكل أنواعها وتحفيز الأمة لمواجهتها ونظم طاقاتها في صراعها مع مخربي حضارتها.

خاتمة

خلاصة ما يمكن أن يقال: إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لهما دور حيوي في بناء وحفظ وصيانة جمال الأمة الإسلامية وجلالها، ولهما دور في تكوين شخصية الأمة ورسم ملامحها الجميلة والحفاظ على هذا الجمال، ولهما دور في حفظ جلال الأمة وقوتها ووحدتها وصناعة منعتها وعزتها.

فهي عملية بناء دائمة لشخصية الفرد والأمة، وهي عملية عناية دائمة بالفرد والأمة وهي عملية ترميم دائمة لما يصيب بناء الفرد والأمة من تشوهات وغير ذلك ولذا علق اللَّه خيرية الأمة الإسلامية وصدارتها للأمم وكونها قبلة وقدوة الأمم بجملة من الأمور منها بقاء هذه الفريضة حيّة.

﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَر(آل عمران:110).

فجمال هذه الأمة وجلالها هما ببقائها خير الأمم آمرة بالمعروف ناهية عن المنكر في داخلها ومع نفسها وأبنائها ولغيرها من الأمم لتكون مصدر إشعاع بين الأمم يفيض بالنور ويمنح الجمال للبشرية كافة، فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر له أثر يعم الإنسانية، وهذا ما نفهمه من قوله تعالى: "أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ".

قصة للعبرة
إن محمد بن المنكدر كان يقول: ما كنت أرى أن علي بن الحسين عليه السلام يدع خلفاً أفضل منه حتى رأيت ابنه محمد بن علي عليه السلام، فأردت أن أعظه فوعظني، فقال له أصحابه: بأي شي‏ء وعظك؟ قال: خرجت إلى بعض نواحي المدينة في ساعة حارة فلقيني أبو جعفر محمد بن علي عليه السلام وكان رجلا بادنا ثقيلا وهو متكئ على غلامين أسودين أو موليين، فقلت في نفسي: سبحان الله! شيخ من أشياخ قريش في هذه الساعة على مثل هذه الحال في طلب الدنيا، أما إني لأعظنه.

فدنوت منه فسلمت عليه، فرد علي وهو يتصابّ عرقا، فقلت: أصلحك الله شيخ من أشياخ قريش في هذه الساعة على هذه الحال في طلب الدنيا؟!! أرأيت لو جاء أجلك وأنت على هذه الحالة ما كنت تصنع؟. فقال: لو جاءني الموت وأنا على هذه الحال جاءني وأنا في طاعة من طاعات الله عز وجل أكف بها نفسي وعيالي عنك وعن الناس، وإنما كنت أخاف أن لو جاءني الموت وأنا على معصية من معاصي الله عز وجل. فقلت: صدقت يرحمك الله، أردت أن أعظك فوعظتني3.

*حياة المجتمع، إعداد ونشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، ط1، نيسان 2006م ، ص25-31.


1- نهج البلاغة، الحكمة 31.
2- ميزان الحكمة، ج‏3، ص‏1951.
3- ميزان الحكمة محمد الريشهري ج 3  ص 2700.
2009-08-15