قصة سليمان(ع) مع بلقيس
النبي سليمان عليه السلام
تفسير علي بن إبراهيم كان سليمان عليه السلام إذا قعد على كرسيه جاءت جميع الطير فتظل الكرسي بجميع من عليه من الشمس فغاب عنه الهدهد من بين الطير فوقع الشمس من موضعه في حجر سليمان فرفع رأسه وقال ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ...
عدد الزوار: 1451
تفسير علي بن إبراهيم كان سليمان عليه السلام إذا قعد على كرسيه جاءت جميع الطير فتظل الكرسي بجميع من عليه من الشمس فغاب عنه الهدهد من بين الطير فوقع الشمس من موضعه في حجر سليمان فرفع رأسه وقال ﴿ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ...﴾ الآيات.
فلم يمكث إلا قليلا إذ جاء الهدهد فقال له سليمان أين كنت قال أحطت بما لم تحط به وحكى له قصة سبأ فقال له سليمان خذ الكتاب إليها.
فجاء به ووضعه في حجرها فارتاعت من ذلك وجمعت جموعه وقالت لهم ﴿إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ أي مختوم إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ...﴾ الآيات.
و ذكر الكتاب إلى قولها إن كان نبيا من عند الله كما يدعي فلا طاقة لنا به ولكن سأبعث إليه بهدية فإن كان ملكا يميل إلى الدنيا فيقبله وعلمنا أنه لا يقدر علينا فبعثت إليه حقة فيها جوهرة عظيمة وقالت للرسول قل له تثقب هذه الجوهرة بلا حديد ولا نار.
فأتاه الرسول بذلك فأمر سليمان عليه السلام بعض جنوده فأخذ خيطا في فمه ثم ثقبه وأخرج الخيط من الجانب الآخر وقال سليمان عليه السلام لرسولها ﴿فَما آتانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِه ولَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْها أَذِلَّةً وهُمْ صاغِرُونَ﴾.
فرجع إليها الرسول فأخبرها بقوة سليمان فعلمت أنه لا محيص لها فارتجلت وخرجت نحو سليمان.
فلما أخبره الله بإقبالها نحوه قال للجن والشياطين ﴿أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِها قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ قالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ﴾ قال سليمان عليه السلام أريد أسرع فقال آصف ﴿أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ﴾ فدعا الله بالاسم الأعظم.
فخرج السرير من تحت كرسي سليمان فقال سليمان ﴿نَكِّرُوا لَها عَرْشَها أي غيروه نَنْظُرْ أَ تَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لا يَهْتَدُونَ﴾.
﴿فَلَمَّا جاءَتْ قِيلَ أَ هكَذا عَرْشُكِ قالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ﴾ وكان سليمان قد أمر أن يتخذ لها بيت من قوارير ووضعه على الماء ثم قيل لها ادخلي الصرح فظنت أنه ماء فرفعت ثوبه وأبدت ساقيها فإذا عليها شعر كثير فقيل لها إنه صرح ممرد من قوارير ﴿قالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ﴾.
فتزوجها سليمان عليه السلام وقال للشياطين اتخذوا لها شيئا يذهب عنها هذا الشعر فعملوا الحمامات وطبخوا النورة.
فالحمامات والنورة مما أحدثه الشياطين لبلقيس وكذا الأرحية التي تدور على الماء.
و في الكافي عن أبي الحسن الأول عليه السلام: أن الله ما بعث نبيا إل ومحمد صلى الله عليه وآله وسلم أعلم منه.
ثم قال إن سليمان بن داود عليه السلام قال للهدهد حين فقده ما ﴿لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ﴾ فغضب لفقده لأنه كان يدله على الماء فهذ وهو طائر أعطي ما لم يعط سليمان فلم يكن سليمان عليه السلام يعرف الماء تحت الهواء أي الأرض وكان الطير يعرفه وأن الله يقول في كتابه ﴿وَ لَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ وقُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ وكُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى﴾ وقد ورثنا نحن هذا القرآن الذي فيه ما تسير به الجبال وتقطع به البلدان ويحيي به الموتى ونحن نعرف الماء تحت الهواء يعني الأرض.
و عن أبي جعفر عليه السلام: أن اسم الله الأعظم على ثلاثة وسبعين حرف وإنما كان عند آصف منها حرف واحد فتكلم به فخسف بالأرض ما بينه وبين سرير بلقيس حتى تناول السرير بيده ثم عادت الأرض كما كانت أسرع من طرفة عين ونحن عندنا من الاسم الأعظم اثنان وسبعون حرف وحرف عند الله تبارك وتعالى استأثر به في علم الغيب ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
و فيه عن أبي عبد الله عليه السلام: من أراد الاطلاء بالنورة فأخذ من النورة بإصبعه فشمه وجعله على طرف أنفه وقال صلى الله على سليمان بن داود كما أمرنا بالنورة لم تحرقه النورة.
و روى العياشي بالإسناد قال قال أبو حنيفة لأبي عبد الله عليه السلام كيف تفقد سليمان الهدهد من بين الطير قال لأن الهدهد يرى الماء في بطن الأرض كما يرى أحدكم الدهن في القارورة فنظر أبو حنيفة إلى أصحابه وضحك فقال أبو عبد الله عليه السلام ما يضحكك قال ظفرت بك جعلت فداك قال وكيف ذلك قال الذي يرى الماء في بطن الأرض لا يرى الفخ في التراب حتى يأخذ بعنقه فقال أبو عبد الله عليه السلام يا نعمان أ ما علمت أنه إذا نزل القدر أعشى البصر وفي قوله ﴿لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً﴾ أي أنتف ريشه وألقيه في الشمس.
و عن ابن عباس وقيل بأن أجعله بين أضداده أقول ورد أنه أمر بحبسه مع الحدأة في قفص واحد فلما أشكل الأمر على الهدهد لأن فيه عذابا روحانيا طلب من سليمان عليه السلام أن يعذبه بأشد عذاب الطيور ويخرجه من قفص الحدأة.
فسأل الطيور فقالوا العذاب الشديد عندنا أن ينتف ريشه الطيور بمناقيره وتبقي لحمه ملقاة حتى ينبت له الريش فصبر على هذا العذاب واختاره على ذلك لأنه عذاب جسماني وذاك عذاب روحاني. قال أمين الإسلام الطبرسي اختلف في الهدية فقيل أهدت إليه وصفاء ووصائف ألبستهم لباسا واحدا حتى لا يعرف الذكر من الأنثى.
عن ابن عباس وقيل أهدت مائتي غلام ومائتي جارية ألبست الغلمان لباس الجواري وألبست الجواري لباس الغلمان.
عن مجاهد وقيل أهدت له صفائح الذهب في أوعية الديباج فلما بلغ ذلكسليمان عليه السلام أمر الجن فزوقوا له الآجر بالذهب ثم أمر به فألقي في الطريق في كل مكان صغر في أعينهم ما جاءوا به. ولما كتبت نسخة الهدية كتبت فيها إن كنت نبيا فميز بين الوصيف والوصائف وأخبر بما في الحقة قبل أن تفتحه وقالت للرسول انظر إذا دخلت إليه فإن نظر إليك نظر غضب فاعلم أنه ملك فلا يهولنك أمره وإن نظر إليك نظر لطف فاعلم أنه نبي مرسل.
فانطلق الرسول بالهداي وأتى الهدهد إلى سليمان مسرعا مخبرا له.
ثم إن سليمان عليه السلام جمع الجن والإنس والطيور ووضع ميدان وذلك أن سليمان عليه السلام أمر الجن أن يبسطوا من موضعه الذي هو فيه إلى بضع فراسخ ميدانا واحدا بلبنات من الذهب والفضة وأن يجعلوا حول الميدان حائطا شرفها من الذهب والفضة ففعلوا.
ثم قال للجن علي بأولادكم فاجتمع خلق كثير فأقامهم عن يمين الميدان ويساره ثم قعد سليمان في مجلسه على سريره ووضع له أربعة آلاف كرسي عن يمينه ومثلها عن يساره وأمر الشياطين أن يصطفوا صفوفا فراسخ وأمر الإنس فاصطفوا فراسخ وأمر الوحوش والسباع والهوام والطير فاصطفوا فراسخ عن يمينه ويساره فلما دنا القوم من الميدان ونظروا إلى ملك سليمان عليه السلام تقاصرت إليهم أنفسهم ورموا بما عندهم من الهدايا.
فلما وقعوا بين يدي سليمان نظر إليهم نظرا حسنا بوجه طلق وقال ما وراءكم فأخبره رئيس القوم بما جاءوا به وأعطاه كتاب الملكة فنظر إليه وقال أين الحقة فأتي به وحركه وأخبره جبرائيل بما فيه وقال إن فيها درة يتيمة غير مثقوبة وخرزة مثقوبة معوجة الثقب فقال الرسول صدقت فاثقب الدرة وأدخل الخيط في الخرزة فأرسل سليمان إلى الأرضة فجاءت فأخذت شعرة في فيها فدخلت فيها حتى خرجت من الجانب الآخر.
ثم قال من لهذه الخرزة يسلكها الخيط فقالت دودة بيضاء أنا لها يا رسول الله فثقبتها ثم ميز بين الجواري والغلمان بأن أمرهم أن يغسلوا وجوههم وأيديهم فكانت الجارية تأخذ الماء من الآنية بإحدى يديها ثم تجعله على اليد الأخرى ثم تضرب به الوجه والغلام يأخذ من الآنية يضرب به وجهه وكانت الجارية على باطن ساعده والغلام على ظاهر الساعد وكانت الجارية تصب الماء صب وكان الماء يحدر على يده حدرا فميز بينهم بذلك.
و قيل: إنها أنفذت مع هداياها عصا كانت تتوارثها ملوك حمير وقالت أريد أن تعرفني رأسها من أسفله وبقدح قالت تملؤه ماء ليس من الأرض ولا من السماء فأرسل سليمان العصا إلى الهواء وقال أي الرأسين سبق إلى الأرض فهو أصله وأمر الخيل.
فأجريت حتى عرقت وملأ القدح من عرقه وقال هذا ليس من ماء الأرض ولا من ماء السماء.
فلما رجع الرسول وعلمت أنه نبي تأهبت للمسير إليه وأخبره جبرائيل عليه السلام فعند ذلك قال سليمان عليه السلام أيكم يأتيني بعرشها قبل أن تسلم فيحرم عليه أخذ ماله وقيل أراد أن يجعل دليل ومعجزة على صدقه ونبوته لأنها خلفته في داره ووكلت به ثقات قومها يحفظونه ويحرسونه.
و أما كيفية الإتيان به فذكر العلماء في ذلك وجوها أحدها أن الملائكة حملته بأمر الله تعالى.
و الثاني أن الريح حملته.
و الثالث أن الله تعالى خلق فيه حركات متوالية.
و الرابع أنما انحرف مكانه حيث هو هناك ثم نبع بين يدي سليمان عليه السلام.
و الخامس أن الأرض طويت له وهو المروي عن أبي عبد الله عليه السلام.
و السادس أنه أعدمه الله في موضعه وأعاده في مجلس سليمان عليه السلام.
و في تفسير العياشي عن الحسن العسكري عليه السلام: أنه سئل أ كان سليمان عليه السلام محتاجا إلى علم آصف بن برخيا يعني حتى أحضر له عرش بلقيس فقال عليه السلام إن سليمان لم يعجز عن معرفة ما عرفه آصف لكنه صلى الله عليه وآله وسلم أحب أن يعرف أمته من الجن والإنس أنه الحجة من بعده وذلك من علم سليمان عليه السلام أودعه آصف بأمر الله ففهمه الله ذلك لئلا يختلف في إمامته ودلالته كما فهم سليمان عليه السلام في حياة داود عليه السلام لتعرف إمامته ونبوته من بعده لتأكيد الحجة على الخلق.
و في تفسير العسكري عليه السلام: أن سليمان لما سار من مكة ونزل باليمن قال الهدهد إن سليمان عليه السلام قد اشتغل بالنزول فارتفع نحو السماء فانظر إلى طول الدني وعرضها ففعل ذلك ونظر يمين وشمالا فرأى بستانا لبلقيس فمال إلى الخضرة فوقع فيه فإذا هو بهدهد فهبط عليه وكان اسم هدهد سليمان عليه السلام يعفور واسم هدهد اليمن عنقير فقال عنقير ليعفور من أين أقبلت وأين تريد قال أقبلت من الشام مع صاحبي سليمان بن داود عليه السلام قال ومن سليمان بن داود قال ملك الجن والإنس والطير والوحوش والشياطين والرياح فمن أين أنت قال أنا من هذه البلاد قال ومن ملكها قال امرأة يقال لها بلقيس وإن لصاحبكم سليمان ملكا عظيم وليس ملك بلقيس دونه فإنها ملكة اليمن وتحت يدها اثني عشر ألف قائد فهل أنت منطلق معي حتى تنظر إلى ملكها قال أخاف أن يتفقدني سليمان في وقت الصلاة إذا احتاج إلى الماء قال الهدهد اليماني إن صاحبك ليسره أن تأتيه بخبر هذه الملكة فانطلق معه ونظر إلى بلقيس وملكه وما رجع إلى سليمان إلا وقت العصر فلما طلبه سليمان فلم يجده دعا عريف الطيور وهو النسر فسأله عنه فقال ما أدري أين هو وما أرسلته مكانا ثم دعا بالعقاب فقال على بالهدهد فارتفع فإذا هو بالهدهد مقبلا فانقض نحوه فناشده الهدهد بحق الله الذي قواك وغلبك علي إلا ما رحمتني ولم تعرض لي بسوء فولى عنه العقاب وقال له ويلك ثكلتك أمك إن نبي الله حلف أن يعذبك ويذبحك ثم طارا متوجهين إلى سليمان عليه السلام فلما انتهى إلى المعسكر تلقته النسر والطير فقالوا توعدك نبي الله فقال الهدهد وما استثنى نبي الله فقالوا بلى ﴿أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ﴾ فلما أتيا سليمان وهو قاعد على كرسيه قال العقاب قد أتيتك به يا نبي الله فلما قرب الهدهد منه رفع رأسه وأرخى ذنبه وجناحيه يجرهما على الأرض تواضعا لسليمان عليه السلام فأخذ برأسه فمده إليه فقال أين كنت فقال يا نبي الله اذكر وقوفك بين يدي الله تعالى فارتعد سليمان عليه السلام وعفا عنه.
التهذيب عن أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عز وجل ﴿وَ داوُدَ وسُلَيْمانَ إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ﴾ فقال لا يكون النفش إلا بالليل إن على صاحب الحرث أن يحفظ الحرث بالنهار وليس على صاحب الماشية حفظها بالنهار إنما رعيه وأرزاقها بالنهار فما أفسدت فليس عليه وعلى صاحب الماشية حفظ الماشية بالليل عن حرث النهار فما أفسدت بالليل فقد ضمنو وإن داود عليه السلام حكم للذي أصاب زرعه رقاب الغنم وحكم سليمان اللبن والصوف في هذا العام.
و فيه عنه عليه السلام: قال له أبو بصير قول الله عز وجل ﴿وَ داوُدَ وسُلَيْمانَ إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ﴾ قلت حين حكما في الحرث كانت قضية واحدة فقال إنه كان أوحى الله عز وجل إلى النبيين قبل داود عليه السلام إلى أن بعث داود عليه السلام أي غنم نفشت في الحرث فلصاحب الحرث رقاب الغنم ولا يكون النفش إلا بالليل وإن على صاحب الزرع أن يحفظ بالنهار وعلى صاحب الغنم حفظ الغنم بالليل فحكم داود عليه السلام بما حكمت به الأنبياء عليهم السلام من قبله وأوحى الله تعالى إلى سليمان أي غنم نفشت في الزرع فليس لصاحب الزرع إلا ما خرج من بطونه وكذلك جرت السنة بعد سليمان عليه السلام وهو قول الله عز وجل ﴿وَ كُلًّا آتَيْنا حُكْماً وعِلْماً﴾ فحكم كل واحد منهما بحكم الله عز وجل.
تفسير علي بن إبراهيم عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كان في بني إسرائيل رجل كان له كرم ونفشت فيه غنم لرجل بالليل وقضمته وأفسدته فجاء صاحب الكرم إلى داود عليه السلام فاستدعى على صاحب الغنم فقال داود عليه السلام اذهب إلى سليمان عليه السلام ليحكم بينكما فقال سليمان عليه السلام إن كانت الغنم أكلت الأصل والفرع فعلى صاحب الغنم أن يدفع إلى صاحب الكرم الغنم وما في بطنه وإن كانت ذهبت بالفرع ولم تذهب بالأصل فإنه يدفع ولدها إلى صاحب الكرم وكان هذا حكم داود وإنما أراد أن تعرف بنو إسرائيل أن سليمان عليه السلام وصيه بعده ولم يختلفا في الحكم ولو اختلف حكمهما لقال كنا لحكمهما شاهدين.
الكافي عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن الإمامة عهد من الله عز وجل معهودة لرجال مسمين ليس للإمام أن يزويها عن الذي يكون من بعده أن الله تبارك وتعالى أوحى إلى داود عليه السلام أن اتخذ وصيا من أهلك فإنه قد سبق في علمي أن لا أبعث نبيا إل وله وصي من أهله وكان لداود عليه السلام عدة أولاد فيهم غلام كانت أمه ضد داود عليه السلام وكان لها محبا فدخل داود عليه السلام عليها حين أتاه الوحي فقال لها إن الله عز وجل أوحى إلي أن أتخذ وصيا من أهلي فقالت له امرأته فليكن ابني قال ذاك أريد وكان السابق في علم الله المحتوم أنه سليمان عليه السلام فأوحى الله تعالى إلى داود عليه السلام أن لا تعجل دون أن يأتيك أمري فلم يلبث أن ورد عليه رجلان يختصمان في الغنم والكرم فأوحى الله تعالى إلى داود عليه السلام أن اجمع ولدك فمن قضى بهذه القضية فأصاب فهو وصيك من بعدك فجمع داود عليه السلام ولده فلما أن قضى الخصمان قال سليمان عليه السلام يا صاحب الكرم متى دخلت غنم هذا الرجل كرمك قال دخلته ليلا قال قد قضيت عليك يا صاحب الغنم بأولاد غنمك وأصوافها في عامك ثم قال له داود عليه السلام فكيف لم تقض برقاب الغنم وقد قوم ذلك علماء بني إسرائيل فكان ثمن الكرم قيمة الغنم فقال سليمان إن الكرم لم يجتث من أصله وإنما أكل حمله وهو عائد في قابل فأوحى الله عز وجل إلى داود عليه السلام أن القضاء في هذه القضية ما قضى سليمان به يا داود أردت أمر وأردنا غيره فدخل داود عليه السلام على امرأته فقال لها أردنا أمر وأراد الله غيره ولم يكن إلا ما أراد الله عز وجل وسلمن وكذلك الأوصياء عليهم السلام ليس لهم أن يتعدوا بهذا الأمر فيجاوزون صاحبهم إلى غير.
يقول مؤلف هذا الكتاب أيده الله تعالى: الأخبار الواردة في هذه القضية من التعارض وذلك أن بعضها دال على اختلاف حكمي داود وسليمان عليه السلام وبعضهم دال على اتحاد الحكم ويمكن الجمع بوجوه الأول حمل ما دل على الاختلاف في الحكم على التقية كما قاله بعض أهل الحديث لانطباقه على أقوال العامة من جواز الاجتهاد على الأنبياء عليهم السلام وبطلانه لا يحتاج إلى البيان.
الثاني حمل الحكم الذي تكلم به سليمان على أنه ناسخ لحكم داود كما تقدم في الحديث وبه قال جماعة من علمائن وكثير من المعتزلة. وما يرد عليه من النسخ إنما يكون في شرائع أولي العزم لمن تقدم عليهم.
فجوابه أن مثل هذه الأمور الجزئية يجوز وقوع النسخ فيها في كل الشرائع كما قاله بعض علمائنا رضوان الله عليهم.
الثالث أن الحكم الذي كان عند داود عليه السلام هو حكم من تقدمه من الأنبياء عليهم السلام ولهذا أحاله على الأنبياء والعلماء.
و أما داود فلم تقع له هذه المسألة إلى ذلك الوقت ولما أفهمها الله سبحانه سليمان كان ذلك الوحي بذلك الحكم لداود وسليمان عليه السلام فحكمهما واحد ولكنه مغاير لما أوحى الله سبحانه إلى الأنبياء المتقدمين وعليه كان عمل الأنبياء والعلماء إلى عصر داود عليه السلام.
و الوجه الرابع يستفاد من الحديث الذي رواه الثقة علي بن إبراهيم وقد تقدم.
علل الشرائع وعيون الأخبار مسندا إلى الحسين بن خالد عن أبي الحسن الرضا عليه السلام: قال سليمان بن داود عليه السلام قال ذات يوم لأصحابه إن الله تبارك وتعالى قد وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي سخر لي الريح والجن والإنس والطير والوحوش وعلمني منطق الطير وآتاني من كل شيء ومع جميع ما أوتيت من الملك ما تم لي سرور يوم إلى الليل وقد أحببت أن أدخل قصري في غد فأصعد أعلاه وأنظر إلى ممالكي فلا تأذنوا لأحد علي لئلا ينغص علي يومي قالوا نعم فلما كان من الغد أخذ عصاه بيده وصعد إلى أعلى موضع من قصره ووقف متكئا على عصاه ينظر إلى ممالكه مسرورا بما أوتي فرحا بما أعطي إذ نظر إلى شاب حسن الوجه واللباس خرج عليه من زوايا قصره فلما أبصر به سليمان عليه السلام قال له من أدخلك هذا القصر وقد أردت أن أخلو فيه اليوم فبإذن من دخلت فقال الشاب أدخلني هذا القصر ربه وبإذنه دخلت فقال ربه أحق به مني فمن أنت قال أنا ملك الموت قال وفيم جئت قال جئت لأقبض روحك فقال امض لما أمرت به فهذا يوم سروري وأبى الله عز وجل أن يكون لي سرور دون لقائه فقبض ملك الموت روحه وهو متكئ على عصاه فبقي سليمان عليه السلام متكئا على عصاه وهو ميت ما شاء الله والناس ينظرون إليه وهم يقدرون أنه حي فافتتنوا فيه واختلفوا فمنهم من قال إن سليمان عليه السلام قد بقي متكئا على عصاه هذه المدة الكثيرة ولم يتعب ولم ينم ولم يأكل ولم يشرب إنه لربنا الذي يجب أن نعبده وقال قوم إن سليمان عليه السلام ساحر وإنه يرينا أنه واقف متكئ على عصاه يسحر أعينن وليس كذلك وقال المؤمنون إن سليمان عليه السلام هو عبد الله ونبيه يدبر الله أمره بما شاء فلما اختلفوا بعث الله عز وجل الأرضة في عصاه فلما أكلت جوفها انكسرت العص وخر سليمان عليه السلام من قصره على وجهه فشكرت الجن للأرضة صنيعها لأجل ذلك لا توجد الأرضة في مكان إل وعندها ماء وطين وذلك قول الله عز وجل ﴿فَلَمَّا قَضَيْنا عَلَيْهِ الْمَوْتَ ما دَلَّهُمْ عَلى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ﴾ يعني عصاه ﴿فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ ما لَبِثُوا فِي الْعَذابِ الْمُهِينِ﴾.
ثم قال الصادق عليه السلام: والله ما نزلت هذه الآية هكذ وإنما نزلت فلما تبينت الإنس أن الجن لو كانوا يعلمون ما لبثوا في العذاب المهين.
أقول: هذه القراءة نسبها صاحب الكشاف إلى أنها قراءة ابن مسعود.
علل الشرائع بإسناده إلى أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام قال: أمر سليمان بن داود الجن فصنعوا له قبة من قوارير فبينما هو متكئ على عصاه في القبة ينظر إلى الجن كيف يعملون وهو ينظر إذ جاءت منه التفاتة فإذا رجل معه في القبة قال من أنت قال الذي لا أقبل الرش ولا إهاب الملوك أنا ملك الموت فقبضه وهو قائم متكئ على عصاه في القبة والجن ينظرون إليه فمكثوا سنة يدأبون حوله حتى بعث الله الأرضة الحديث.
و عنه عليه السلام: أنه لما هلك سليمان عليه السلام وضع إبليس السحر وكتبه في كتاب ثم طواه وكتب على ظهره هذا ما وضع آصف بن برخيا للملك سليمان بن داود عليه السلام من ذخائر كنوز العلم ومن أراد كذ وكذا فليفعل كذ وكذا ثم دفنه تحت السرير ثم أخرجه لهم فقرأه فقال الكافرون ما كان سليمان عليه السلام يغلبنا إلا بهذ وقال المؤمنون بل هو عبد الله ونبيه فقال جل ذكره ﴿وَ اتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ وما كَفَرَ سُلَيْمانُ ولكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ﴾.
أقول: وروي في السبب الذي لأجله أضافت الكفار من اليهود وغيرهم إلى سليمان عليه السلام وذلك أنه قد كتب السحر ووضعها في خزائنه.
و قيل: كتمها تحت كرسي لئلا يطلع الناس عليه ولا يعلمون بها.
فلما مات سليمان عليه السلام استخرجت السحرة تلك الكتب وقالوا إنما تم ملك سليمان عليه السلام بالسحر وزينوا السحر في أعين الناس بالنسبة إلى سليمان وشاع ذلك في اليهود فقبلوه لعداوتهم لسليمان وعلموه الناس وجرى بينهم.
القصص للراوندي بإسناده إلى أبي عبد الله عليه السلام قال: إن الله تعالى أوحى إلى سليمان عليه السلام أن آية موتك أن شجرة تخرج في بيت المقدس يقال لها الخرنوبة فنظر سليمان عليه السلام يوما إلى الخرنوبة قد طلعت في بيت المقدس فقال سليمان عليه السلام ما اسمك قالت الخرنوبة فولى مدبرا إلى محرابه حتى قام متكئا على عصاه فقبضه الله من ساعته.
و في حديث آخر: أنه عليه السلام سأل الشجرة ما اسمك قالت الخرنوبة قال لأي شيء أنت قالت للخراب فعلم أنه سيموت فقال اللهم أعم على الجن موتي ليعلم الإنس أنهم لا يعلمون الغيب وقد كان قد بقي من بناء بيت المقدس سنة وقال لأهله لا تخبروا الجن بموتي حتى يفرغوا من بنائه ودخل محرابه وقام متكئا على عصاه فمات وبقي سنة وتم البناء ثم سلط الله على منسأته الأرضة وكان آصف يدبر أمره في تلك المدة.
و عنه عليه السلام: قال قالت بنو إسرائيل لسليمان عليه السلام استخلف علينا ابنك فقال لا يصلح لذلك فألحوا عليه فقال إني أسأله عن مسائل فإن أحسن الجواب فيها أستخلفه ثم سأله فقال يا بني ما طعم الماء وطعم الخبز وبأي شيء ضعف الصوت وشدته وأين موضع العقل من البدن ومن أي شيء القساوة والرقة ومم تعب البدن ودعته ومم تكسب البدن وحرمانه فلم يجبه بشيء فقال أبو عبد الله طعم الماء الحياة وطعم الخبز القوة وضعف الصوت وشدته من لحم الكليتين وموضع العقل الدماغ أ لا ترى أن الرجل إذا كان قليل العقل قيل له ما أخف دماغه والقسوة والرقة من القلب وهو قوله ﴿فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ﴾ وتعب البدن ودعته من القدمين إذا تعبا في المشي يتعب البدن وإذا أودعا أودع البدن وكسب البدن وحرمانه من اليدين إذا عمل بهما ردتا على البدن وإذا لم يعمل بهما لم يردا على البدن شيئا1.
1 _النور المبين / المحدّث العلامة الجليل نعمة الله الجزائري.
2012-11-29