يتم التحميل...

مرور النبي سليمان(ع) بوادي النمل

النبي سليمان عليه السلام

وَحُشِرَ لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ والْإِنْسِ والطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ حَتَّى إِذا أَتَوْا عَلى وادِ النَّمْلِ قالَتْ نَمْلَةٌ يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وجُنُودُهُ وهُمْ لا يَشْعُرُونَ فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً مِنْ قَوْلِه وقالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ ...

عدد الزوار: 552

فقال الله سبحانه: ﴿وَحُشِرَ لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ والْإِنْسِ والطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ حَتَّى إِذا أَتَوْا عَلى وادِ النَّمْلِ قالَتْ نَمْلَةٌ يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وجُنُودُهُ وهُمْ لا يَشْعُرُونَ فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً مِنْ قَوْلِه وقالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وعَلى والِدَيَّ وأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ.

وادي النمل هو واد بالطائف وقيل بالشام وتلك النملة كانت رئيسة النمل.

و قولها ﴿لا يَحْطِمَنَّكُمْ يدل على أن سليمان وجنوده كانا ركبان ومشاة على الأرض ولم تحملهم الريح لأن الريح لو حملتهم بين السماء والأرض لما خافت النملة أن يطأه وجنوده بأرجلهم ولعل هذه القصة كانت قبل تسخير الله الريح لسليمان.

عيون الأخبار وعلل الشرائع بإسناده إلى داود بن سليمان الغازي قال: سمعت علي بن موسى الرضا عليه السلام يقول عن أبيه موسى بن جعفر عن أبيه جعفر بن محمد عليه السلام في قوله تعالى ﴿فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها لما قالت النملة يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ... الآية حملت الريح صوت النملة إلى سليمان وهو مار في الهواء والريح قد حملته فوقف وقال علي بالنملة فلما أتي بها قال سليمان يا أيتها النملة أ ما علمت أني نبي وأني لا أظلم أحدا قالت النملة بلى قال سليمان عليه السلام فلم حذرتهم ظلمي قالت خشيت أن ينظروا إلى زينتك فيفتتنوا بها فيبعدوا عن ذكر الله تعالى ذكره ثم قالت النملة أنت أكبر أم أبوك داود قال سليمان بل أبي داود قالت النملة فلم زيد في حروف اسمك حرف على حروف اسم أبيك داود قال ما لي بهذا علم قالت النملة لأن أباك داود داوى جرحه بود فسمي داود وأنت يا ابن داود أرجو أن تلحق بأبيك ثم قالت النملة هل تدري لم سخرت لك الريح من بين سائر المملكة قال سليمان ما لي بهذا علم قالت النملة يعني عليه السلام بذلك لو سخرت لك هذه الريح لكان زوالها من يدك كزوال الريح فحينئذ ﴿فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها.

و في تفسير الثعلبي قالت النملة هل علمت لم سمي أبوك داود فقال لا فقالت لأنه داوى جرحه بود هل تدري لم سميت سليمان قال لا قالت لأنك سليم وكنت إلى ما أوتيت لسلامة صدرك وإن لك أن تلحق بأبيك.

أقول هذا الحديث عدوه من مشكلات الأخبار وأطالوا الكلام في تأويله على وجوه كثيرة منها أن معناه أن أباك لما ارتكب ترك الأولى وصار قلبه مجروحا فداواه بود الله تعالى ومحبته فلذا سمي داود إشفاقا من الدواء بالود وأنت لم تركب بعد وأنت سليم منه سميت سليمان.
فخصوص العلتين للتسميتين صارتا علة لزيادة اسمك على اسم أبيك.

ثم لما كان كلاهما موهما لكونه من جهة السلامة أفضل من أبيه استدركت ذلك بأن ما صدر عنه لم يصر سببا لنقصه بل صار سببا لكمال محبته وتمام مودته وأرجو أن تلحق أيضا بأبيك في ذلك لتكمل محبتك.

الثاني أن المعنى هو أن أصل الاسم داوى جرحه بود وهو أكثر من اسمك وإنما صدر بكثرة الاستعمال داود ثم دعا له درجات بقوله أرجو أن تلحق بأبيك يعني في الكمال والفضل.

الثالث المراد أن هذا الاسم مشتمل على سليم ومأخوذ منه والسليم قد يستعمل في الجريح كاللذيع تفاؤلا بصحته وسلامته وأنت سليم من المداواة التي حصلت لأبيك فلهذا سميت سليمان.

فالحرف الزائد للدلالة على وجود الجرح فكما أن الجرح زائد في البدن والنفس عن أصل الخلقة كان في الاسم حرف زائد للدلالة على ذلك.

و فيه معنى لطيف وهو أن هذه الزيادة في الاسم الدالة على الزيادة في المسمى ليست مما يزيد به الاسم والمسمى كمالا بل قد تكون الزيادة لغير ذلك الرابع وهو المفهوم مما عنون الصدوق رحمه الله الباب الذي أورد الخبر فيه حيث قال باب العلة التي من أجلها زيد في حروف اسم سليمان حرف من حروف اسم أبيه داود عليه السلام فلعله رحمه الله كما قيل حمل الخبر على أن المعنى أنك لما كنت سليما أريد أن يشتق لك اسم يشتمل على السلامة ولما كان أبوك داود داوى جرحه بالود وصار كاملا بذلك أراد الله تعالى أن يكون في اسمك حرف من حروف اسمه لتلحق به في الكمال فزيد فيه الألف وما يلزمه لتمام التركيب وصحته من النون فصار سليمان وإلا لكان السليم كافيا للدلالة على السلامة.

فلذا زيد حروف اسمك على حروف اسم أبيك ولو كان في الخبر من حروف اسم أبيك كما هو الموجود في بعض النسخ كان ألصق بهذا المعنى وقوله أرجو أن تلحق بأبيك أي لتلك الزيادة فيدل ضمن وكتابة على أنه إنما زيد لذلك أقول ويحتمل فيه وجوه أخر لا نطول المقام بها.

و روى الطبرسي في مشارق الأنوار أن سليمان عليه السلام كان سماطه كل يوم سبعة أكرار فخرجت دابة من دواب البحر يوم وقالت يا سليمان أضفني اليوم فأمر أن يجمع لها مقدار سماطه شهرا فاجتمع على ساحل البحر كالجبل العظيم أخرجت الحوت رأسه وابتلعته وقالت يا سليمان أين تمام قوتي اليوم هذا بعض قوتي.

فتعجب سليمان وقال لها هل في البحر دابة مثلك فقالت ألف أمة فقال سليمان سبحان الله الملك العظيم.

و روي غيره أن سليمان عليه السلام رأى عصفورا يقول لعصفورته لم تمنعين نفسك مني ولو شئت أخذت قبة سليمان بمنقاري فألقيها في البحر فتبسم سليمان عليه السلام من كلامه ثم دعاهم وقال للعصفور أ تطيق أن تفعل ذلك فقال لا يا رسول الله ولكن المرء قد يزين نفسه ويعظمها عند زوجته والمحب لا يلام على ما يقول فقال للعصفورة لم تمنعيه من نفسك وهو يحبك فقالت يا نبي الله إنه ليس محب ولكنه مدع لأنه يحب معي غيري.

فأثر كلام العصفورة في قلب سليمان وبكى بكاء شديد واحتجب عن الناس أربعين يوما يدعو الله أن يفرغ قلبه لمحبة الله وأن لا يخالطها بمحبة غيره.

و روي أنه عليه السلام سمع يوما عصفورا يقول لزوجته ادني مني أجامعك لعل الله يرزقنا ولدا ذكرا يذكر الله تعالى فإنا كبرنا فتعجب سليمان من كلامه وقال هذه النية خير من ملكي ومرسليمان عليه السلام على بلبل يتصوت ويترقص فقال يقول إذا أكلت نصف الثمرة فعلى الدنيا العفاء.

و صاحت فاختة فقال إنها تقول ليت الخلق لم يخلقوا.

و روى الزمخشري أن قتادة دخل الكوفة والتف عليه الناس فقال سلوا عما شئتم وكان أبو حنيفة حاضر وهو غلام حدث فقال سلوه عن نملة سليمان أ كانت ذكرا أم أنثى فسألوه فأفحم فقال أبو حنيفة كانت أنثى بدليل قوله تعالى ﴿قالَتْ نَمْلَةٌ وذلك أن النملة مثل الحمامة والشاة في وقوعه على الذكر والأنثى فيميز بينهما بعلامة نحو قولهم حمامة ذكر وحمامة أنثى انتهى.

و قال الفاضل ابن الحاجب في بعض مصنفاته.

و الظاهر أن تأنيث مثل الشاة والنملة والحمامة من الحيوانات تأنيث لفظي.

و لذلك كان قول من زعم أن النملة في قوله تعالى ﴿قالَتْ نَمْلَةٌ أنثى لورود تاء التأنيث في قالت وهما لجواز أن يكون مذكرا في الحقيقة وورود تاء التأنيث كورودها في فعل المؤنث اللفظي ولذا قيل إفحام قتادة خير من جواب أبي حنيفة.

أقول وهذا هو الصواب كما حققه نجم الأئمة الشيخ الرضي نور الله ضريحه وقد فضح الله الرجلين قتادة حيث ادعى شيئا لم يدعه غير أمير المؤمنين عليه السلام إلا كان كاذب وهو قوله عليه السلام: سلوني قبل أن تفقدوني سلوني عما شئتم.

نص عليه الفريقان وأما أبو حنيفة فقد أجاب وهو حدث وافتخر أصحابه بجوابه فظهر جوابه غلطا كما قال أهل مذهبه وغيرهم.

و قال الثعلبي في تفسيره قال مقاتل كانسليمان عليه السلام جالسا إذ مر به طائر يطوف فقال هذا الطائر يقول السلام عليك أيها الملك المتسلط على بني إسرائيل أعطاك الله سبحانه وتعالى الكرامة وأظهرك على عدوك إني منطلق إلى فروخي ثم أمر بك ثانية وإنه سيرجع إلينا.

فنظر القوم طويلا فمر بهم فقال السلام عليك أيها الملك إن شئت أن تأذن لي كيما أكسب على فروخي حتى يشبوا ثم آتيك فافعل بي ما شئت فأذن له.

و قال صاح ورشان عند سليمان عليه السلام فقال أ تدرون ما يقول قالوا لا قال إنها تقول ليت الخلق لم يخلقوا.

و صاح طاوس فقال إنه يقول كما تدين تدان.

و صاح هدهد فقال إنه يقول من لا يرحم لا يرحم.

و صاح صرد عنده فقال إنه يقول استغفروا الله يا مذنبين.

و صاح طوطي فقال إنه يقول كل حي ميت وكل جديد بال.

و صاح خطاف فقال قدموا خيرا تجدوه.

و هدرت حمامة فقال تقول سبحان ربي الأعلى مل‏ء سماواته وأرضه.

و صاح قمري فقال تقول سبحان ربي الأعلى.

قال والغراب يدعو على العشارين.

و الحدأة تقول كل شي‏ء هالك إلا وجهه.

و القطاة تقول من سكت سلم.

و الببغاء وهو طائر يقول لمن الدنيا همه.

و الضفدع يقول سبحان ربي القدوس.

و الباز يقول سبحان ربي وبحمده.

و الضفدعة تقول سبحان المذكور بكل مكان.

و صاح دراج فقال إنها تقول الرحمن على العرش استوى.

دعوات الراوندي ذكروا أن سليمان كان جالسا على شاطئ بحر فبصر بنملة تحمل حبة قمح تذهب بها نحو البحر فجعل سليمان ينظر إليها حتى بلغت الماء فإذا بضفدعة قد أخرجت رأسها من الماء ففتحت فاها فدخلت النملة وغاصت الضفدعة في البحر ساعة طويلة وسليمان عليه السلام يتفكر في ذلك متعجبا.

ثم إنها خرجت من الماء وفتحت فاها فخرجت النملة ولم يكن معها الحبة.

فدعاها سليمان عليه السلام وسأله وشأنه وأين كانت فقالت يا نبي الله إن في قعر البحر الذي تراه صخرة مجوفة وفي جوفها دودة عمياء وقد خلقها الله تعالى هنالك فلا تقدر أن تخرج منها لطلب معاشه وقد وكلني الله برزقها فأنا أحمل رزقه وسخر الله تعالى هذه الضفدعة لتحملني فلا يضرني الماء في فيه وتضع فاها على ثقب الصخرة وأدخلها ثم إذا أوصلت رزقها إليها خرجت من ثقب الصخرة إلى فيها فتخرجني من البحر.

قال سليمان عليه السلام وهل سمعت لها من تسبيحة قالت نعم تقول يا من لا ينساني في جوف هذه اللجة برزقك لا تنس عبادك المؤمنين برحمتك1.


1 _النور المبين / المحدّث العلامة الجليل نعمة الله الجزائري.

2012-11-29