قصة الذبح وتعيين المذبوح
قصص من زمان بعض الأنبياء(ع)
وَ قالَ إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي سَيَهْدِينِ رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قالَ يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ما ذا تَرى قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ فَلَمَّا أَسْلَم وتَلَّهُ لِلْجَبِينِ ونادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ...
عدد الزوار: 289
قال الله تعالى ﴿وَ قالَ إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي سَيَهْدِينِ رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قالَ يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ما ذا تَرى قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ فَلَمَّا أَسْلَم وتَلَّهُ لِلْجَبِينِ ونادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ وفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ وتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ وبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ وبارَكْنا عَلَيْهِ وعَلى إِسْحاقَ ومِنْ ذُرِّيَّتِهِما مُحْسِنٌ وظالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ﴾.
﴿فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ﴾ أي شب حتى صار يتصرف مع إبراهيم ويعينه على أموره وكان يومئذ ابن ثلاث عشرة سنة وقيل يعني بالسعي العمل لله والعبادة ﴿فَلَمَّا أَسْلَما﴾ أي استسلما لأمر الله ورضيا به.
﴿وَ تَلَّهُ لِلْجَبِينِ﴾ قيل وضع جبينه على الأرض لئلا يرى وجهه فتلحقه رقة الآباء.
و روي: أنه قال اذبحني وأنا ساجد لا تنظر إلى وجهي فعسى أن يرحمني.
﴿لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ﴾ أي الامتنان الظاهر والاختبار الشديد والنعمة الظاهرة بِذِبْحٍ عَظِيمٍ قيل كان كبشا من الغنم.
قال ابن عباس هو الكبش الذي تقبل من هابيل حين قربه وكونه عظيما لأنه رعى في الجنة أربعين خريف وبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ من قال إن الذبيح إسحاق قال يعني بشرناه بنبوة إسحاق وبصبره.
﴿وَ بارَكْنا عَلَيْهِ وعَلى إِسْحاقَ﴾ أي وجعلناه فيما أعطيناهما من الخير والبركة والمراد كثرة ولدهم وبقاؤهم قرنا بعد قرن إلى أن تقوم الساعة ﴿وَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِما﴾ أي من أولاد إبراهيم وإسحاق ﴿مُحْسِنٌ﴾ بالإيمان والطاعة ﴿وَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ﴾ بالكفر والمعاصي.
عيون أخبار الرضا بإسناده إلى الرضا عليه السلام وقد سئل عن معنى قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنا ابن الذبيحين قال: يعني إسماعيل بن إبراهيم وعبد الله بن عبد المطلب أما إسماعيل فهو الغلام الذي قال الله فيه إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فلما عزم على ذبحه فداه الله بكبش أملح يأكل في سواد وينظر في سواد ويبول في سواد ويبعر في سواد وكان يرتع قبل ذلك في رياض الجنة أربعين عام وما خرج من أنثى فكل ما يذبح بمنى فهو فدية لإسماعيل إلى يوم القيامة ثم ذكر قصة عبد الله.
ثم قال الصدوق رحمه الله وقد اختلفت الروايات في الذبح.
فمنها ما ورد بأنه إسماعيل ومنها ما ورد بأنه إسحاق ولا سبيل إلى رد الأخبار متى صح طرقه وكان الذبيح إسماعيل لكن إسحاق لما ولد بعد ذلك تمنى أنه هو الذي أمر أبوه بذبحه فكان يصبر لأمر الله ويسلم له كصبر أخيه وتسليمه فينال بذلك درجته في الثواب فعلم الله عز وجل من قلبه فسماه بين ملائكته ذبيحا لتمنيه ذلك.
ثم روي في ذلك حديثا عن الصادق عليه السلام: وقال:
قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنا ابن الذبيحين.
و يؤيد ذلك لأن العم قد سماه الله أبا في قوله تعالى ﴿أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قالَ لِبَنِيهِ ما تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قالُوا نَعْبُدُ إِلهَكَ وإِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وإِسْماعِيلَ وإِسْحاقَ﴾ وكان إسماعيل عم يعقوب فسماه الله أبا.
و قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: العم والد.
فعلى هذا الأصل أيضا يطرد قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنا ابن الذبيحين أحدهما ذبيح بالحقيقة والآخر ذبيح بالمجاز واستحقاق الثواب على النية والتمني فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم هو ابن الذبيحين من وجهين على ما ذكرناه وللذبح العظيم وجه آخر.
حدثنا ابن عبدوس عن ابن قتيبة عن الفضل قال سمعت الرضا عليه السلام يقول: لما أمر الله عز وجل إبراهيم عليه السلام أن يذبح مكان ابنه إسماعيل الكبش الذي أنزله عليه تمنى إبراهيم عليه السلام أن يكون قد ذبح ابنه إسماعيل وأنه لم يؤمر بذبح ذلك الكبش مكانه ليرجع إلى قلبه ما يرجع إلى قلب الوالد الذي يذبح أعز ولده بيده عليه فيستحق بذلك أرفع درجات أهل الثواب على المصائب فأوحى الله عز وجل إليه يا إبراهيم من أحب خلقي إليك قال يا رب ما خلقت خلقا هو أحب إلي من حبيبك محمد صلى الله عليه وآله وسلم فأوحى الله إليه فهو أحب إليك أم نفسك قال بل هو أحب إلي من نفسي قال فولده أحب إليك أم ولدك قال بل ولده قال فذبح ولده ظلما على أيدي أعدائه أوجع لقلبك أم ذبح ولدك بيدك في طاعتي قال يا رب بل ذبحه على أيدي أعدائه أوجع لقلبي قال يا إبراهيم فإن طائفة تزعم أنها من شيعة محمد ستقتل الحسين من بعده ظلم وعدوانا كما يذبح الكبش ويستوجبون بذلك سخطي فجزع إبراهيم عليه السلام لذلك وتوجع قلبه وأقبل يبكي فأوحى الله عز وجل إلى إبراهيم عليه السلام قد فديت جزعك على ابنك إسماعيل لو ذبحته بيدك بجزعك على الحسين وقتله وأوجبت لك أرفع درجات أهل الثواب على المصائب وذلك قول الله عز وجل ﴿وَ فَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ﴾.
أقول: هذا الحديث يرفع الإشكال الذي ربما يورد على أن المراد بالفداء الحسين عليه السلام بأن يقال إنه أفضل من إسماعيل فكيف يكون فداء له لأن الفداء أنفس درجة من المفدى.
و حاصل رفع الإشكال أن المراد من قوله ﴿وَ فَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ﴾ عوضناه لأن الفداء يكون عوضا عن المفدى والمعنى حينئذ أنا جعلنا مصيبة إبراهيم عليه السلام وحزنه عليه بدلا من مصيبته بذبح ابنه فيكون الله سبحانه قد رقاه في درجات التكليف ومصائب الحزن.
و ربما رفع جماعة من الأعلام هذا الإشكال بوجه آخر وهو أن إسماعيل أب للنبي وأهل بيته والأئمة الطاهرين صلى الله عليه وآله وسلم فلو ذبح إسماعيل عليه السلام فقد بذبحه جميع أهل هذه الشجرة المباركة ولا ريب أن مجموع هذه السلسلة العليا أفضل وأشرف من الحسين عليه السلام وحده وما في الحديث هو الأولى.
و في تفسير علي بن إبراهيم في حديث طويل عن الصادق عليه السلام: وفيه أنه لما أسلم إسماعيل أمره إلى الله في حكاية الذبح وأراد إبراهيم عليه السلام ذبحه أقبل شيخ وقال يا إبراهيم ما تريد من الغلام قال أريد أن أذبحه فقال سبحان الله تذبح غلاما لم يعص الله طرفة عين فقال إبراهيم إن الله أمرني بذلك فقال ربك ينهاك عن ذلك وإنما أمرك بهذا الشيطان فقال له إبراهيم ويلك إن الذي بلغني هذا المبلغ هو الذي أمرني به ثم قال يا إبراهيم إنك إمام يقتدى بك وإنك إن ذبحته ذبح الناس أولادهم فلم يكلمه وأقبل على الغلام فاستشاره في الذبح فلما أسلما جميعا لأمر الله قال الغلام يا أبتاه خمر وجهي وشد وثاقي فقال إبراهيم عليه السلام يا بني الوثاق مع الذبح ل والله لا أجمعها عليك فأضجعه وأخذ المدية فوضعها على حلقه ورفع رأسه إلى السماء ثم جر عليه المدية وقلب جبرئيل المدية على قفاه واجتر الكبش وأثار الغلام من تحته ووضع الكبش مكان الغلام ونودي من ميسرة مسجد الخيف أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا.
و فيه عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سأل ملك الروم الحسن بن علي عليه السلام عن سبعة أشياء خلقها الله لا تركضن في رحم فقال عليه السلام أول هذا آدم ثم كبش إبراهيم ثم ناقة الله ثم إبليس الملعون ثم الحية ثم الغراب التي ذكرها الله في القرآن.
و في عيون الأخبار قال: سأل الشامي أمير المؤمنين عليه السلام عن ستة لم يركضوا في رحم فقال آدم وحواء وكبش إبراهيم وعصا موسى وناقة صالح والخفاش الذي عمله عيسى عليه السلام فطار بإذن الله عز وجل.
علل الشرائع مسندا إلى أبان بن عثمان قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام كيف صار الطحال حرام وهو من الذبيحة فقال إن إبراهيم عليه السلام هبط عليه الكبش من ثبير وهو جبل بمكة ليذبحه أتاه إبليس فقال له أعطني نصيبي من هذا الكبش قال وأي نصيب لك وهو قربان لربي وفداء لابني فأوحى الله عز وجل إليه أن له فيه نصيب وهو الطحال لأنه مجمع الدم وحرم الخصيتين لأنهما موضع النكاح ومجرى النطفة فأعطاه الله الطحال والأنثيين وهما الخصيتان قال فقلت فكيف حرم النخاع قال لأنه موضع الماء الدافق من كل ذكر وأنثى وهو المخ الطويل الذي يكون في فقار الظهر.
و في الكافي عن الرضا عليه السلام: لو علم الله شيئا أكرم من الضأن لفدى به إسماعيل عليه السلام.
أقول: اختلف علماء الإسلام في تعيين الذبيح هل هو إسماعيل وإسحاق عليه السلام فذهبت الطائفة المحقة من أصحابن وجماعة من العامة إلى أنه إسماعيل عليه السلام والأخبار الصحيحة دالة عليه عليه السلام دلالة غيرهما من الآيات ودلائل العقل وذهب طائفة من الجمهور إلى أنه إسحاق عليه السلام وبه أخبار واردة من الطرفين وطريق تأويلها أما تحمل على التقية وأما حملها على ما قاله الصدوق طاب ثراه من أن إسحاق عليه السلام صار ذبيحا بالنية والتمني.
و روى شيخنا أمين الإسلام الطبرسي رحمه الله: أن إبراهيم عليه السلام لما خلا بابنه إسماعيل أخبره بما قد ذكر الله عنه في المنام فقال يا أبت اشدد رباطي حتى لا أضطرب واكفف عني ثيابك حتى لا ينتضح من دمي شيء فتراه أمي وأشحذ شفرتك وأسرع من السكين على حلقي ليكون أهون علي فإن الموت شديد فقال له إبراهيم نعم العون أنت على أمر الله1.
1 _النور المبين / المحدّث العلامة الجليل نعمة الله الجزائري.
2012-11-29