مقام خدمة الناس وثوابه
العلاقة مع المجتمع
عن أمير المؤمنين عليه السلام: تنافسوا في المعروف لإخوانكم وكونوا من أهله، فإن للجنة باباً يقال له المعروف، لا يدخله إلا من اصطنع المعروف في الحياة الدنيا فإن العبد ليمشي في حاجة أخيه المؤمن فيوكّل اللَّه به ملكين، واحداً عن يمينه وآخر عن شماله، يستغفران له ربّه ويدعوان بقضاء حاجته...
عدد الزوار: 427
عن أمير المؤمنين عليه السلام: "تنافسوا في المعروف لإخوانكم وكونوا من أهله، فإن للجنة باباً يقال له المعروف، لا يدخله إلا من اصطنع المعروف في الحياة الدنيا فإن العبد ليمشي في حاجة أخيه المؤمن فيوكّل اللَّه به ملكين، واحداً عن يمينه وآخر عن شماله، يستغفران له ربّه ويدعوان بقضاء حاجته..."1.
أ- مع الوصية
من النعم الإلهية الكبرى أن يوفّق الإنسان للقيام بخدمة أو معروف اتجاه إخوانه، لأنه لو اطلع على ما أعدّه اللَّه تعالى له من عطاء أبدي لا ينفذ لأدرك أن الأمر بالعكس بمعنى أن المحتاج والمخدوم هو الذي يسدي خدمة للخادم والباذل لأنه السبب في حصوله على هذه الهبة الربانية ، وعليه ليس من الصواب أن تتاح فرصة لأحدنا كي يقوم بتقديم مساعدة للآخرين وقضاء حوائجهم فيفوّت تلك الفرصة.
وبالواقع من يطرق بابك محتاجاً إلى معاونتك فقد ساق رحمة اللَّه تعالى إليك وينبغي أن تستبشر خيراً وتقابله بوجه ملؤه البسمة والانشراح فإن قدرت على إجابته وتلبية طلبه كان زيادة في حسناتك وذخيرة ليوم معادك وإلا سعيت في ذلك طالباً رضا اللَّه سبحانه، ومن غير اللائق استقباله بوجه عبوس ومنطق غليظ وأسلوب مهين، حتى مع العجز عن القيام بخدمته وإيصاله إلى مطلوبه حيث لا يبّرر عدم القدرة على تلبية طلبه التعامل السيء معه، مع كونه سبباً من أسباب الرحمة كما في الحديث: "أيما مؤمن أتى أخاه في حاجة، فإنما ذلك رحمة من اللَّه ساقها إليه وسبّبها له، فإن قضى حاجته كان قد قبل الرحمة بقبولها وإن ردّه عن حاجته وهو يقدر على قضائها فإنها رد عن نفسه رحمة من اللَّه عزَّ وجلَّ، ساقها إليه وسبَّبها له، وذخر اللَّه تلك الرحمة إلى يوم القيامة، حتى يكون المردود عن حاجته هو الحاكم فيها، إن شاء صرفها إلى نفسه، وإن شاء صرفها إلى غيره..."2.
وفي الوصية المتقدمة حدّثنا أمير المؤمنين عليه السلام عن الثواب الجزيل المعدّ لأهل المعروف جزاء مشيهم وخطواتهم في حاجات إخوانهم مشيراً إلى الميدان الذي فيه تكون هذه التجارة الرابحة مع اللَّه ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم في قوله عليه السلام: "من اصطنع المعروف في الحياة الدنيا".
فعلينا اغتنام هذه الفرصة الثمينة وتزيين صفحات وجودنا بها ولنا من الخالق سبحانه خير الجزاء.
ب- خدمة الناس هي خدمة اللَّه
فيما جاء عن مولانا الصادق عليه السلام: "من قضى لأخيه المسلم حاجة كان كمن خدم اللَّه تعالى عمره"3.
يقول الإمام الخميني قدس سره: "ليهيء الأحبة الأعزاء أنفسهم لخدمة الإسلام والشعب المحروم وليشدوا الأحزمة لخدمة العباد التي تعني خدمة اللَّه".
يكشف لنا هذا الحديث الشريف عن عمق وحقيقة الخدمة الإنسانية مبيّناً بأنها خدمة إلهية طالما المراد بها وجه اللَّه تعالى ونيل رضاه، وإلا لو كانت للتباهي وكسب مودة أصحاب النفوذ ورياء يراد بها وجه الناس فليس هناك شك في عدم اعتبارها خدمة للَّه تعالى وإنما خدمة للناس بغية نيل مكانة لديهم أو الحصول على منصب من مناصب الدنيا الفانية.
ج- خدمة الناس أفضل الأعمال
والخدمة طالما كانت خالصة لوجه اللَّه تعالى فهي من أفضل الأعمال وأحبها إلى اللَّه عزَّ وجلَّ يقول الإمام الخميني قدس سره: "لا أظن أن هناك عبادة أفضل من خدمة المحرومين".
وكانت حياة الإمام قدس سره عامرة من بداياتها، إلى أن التحق بالملكوت الأعلى بخدمة المؤمنين والشعب المستضعف والعلماء والأصدقاء. ينقل بعضهم أن الإمام الخميني قدس سره بعد أن تشرّف بزيارة الإمام الرضا عليه السلام في إحدى المرّات كان يترك رفاقه في الحرم المشرّف يتعبدون إلى الصباح ويعود إلى المنزل لكي يهيىء لهم الفطور ويشتري الخبز ويقوم بخدمات المنزل الذي نزلوا به وحينما يسأله أحدهم لماذا لم تبق أنت في الحرم المطهّر وتأمر أحدنا بأن يعود إلى المنزل ويقوم بتهيئة الطعام، يكون جوابه قدس سره: "لم يثبت عندي أن البقاء في حرم الإمام عليه السلام بعد الزيارة أفضل من خدمة المؤمنين"4.
ويحدثنا مولانا الصادق عليه السلام عن هذه الحقيقة التي شاهدناها في سلوك الإمام الخميني قدس سره وحياته العملية قائلاً: "لأن أسعى مع أخ لي في حاجة حتى تقضى أحب إليّ من أن أعتق ألف نسمة وأحمل على ألف فرس في سبيل اللَّه مسرجة ملجمة"5.
وفي حديث آخر: "قال اللَّه عزَّ وجلَّ: الخلق عيالي، فأحبهم إليّ ألطفهم بهم، واسعاهم في حوائجهم"6.
ويحدثنا مولانا الباقر عليه السلام عن مدى حبّه وتفضيله لخدمة المحرومين حيث يقول: "لأن أعول أهل بيت من المسلمين. أسدّ جوعتهم وأكسو عورتهم، فأكف وجوههم عن الناس أحب إليّ من أن أحج حجة وحجة ومثلها ومثلها حتى بلغ عشراً ومثلها ومثلها حتى بلغ السبعين"7.
د- ثمرات خدمة الناس
في روايات أهل البيت بيان كافٍ ووافٍ للآثار المترتبة على خدمة الناس باختلاف أشكالها وأساليبها حتى ورد التفضيل في كل نوع من هذه الخدمات بما لها من ثمرات، لكننا سوف نذكرها مجتمعة دون أن نفرد لكل عنوان فقرة مستقلة حيث لا يسع المجال لها.
1- الأمن يوم القيامة
روي عن مولانا الكاظم عليه السلام إنه قال: "إن للَّه عباداً في الأرض يسعون في حوائج الناس هم الآمنون يوم القيامة"8.
2- ألف ألف حسنة
عن الباقر عليه السلام: "من سعى في حاجة أخيه المسلم طلب وجه اللَّه كتب اللَّه له ألف ألف حسنة"9.
ونلاحظ هنا أن هذا الأثر الأخروي مترتب على السعي حتى وأن لم تقض الحاجة فلو بذل الإنسان وسعه وسعى ليقضي حاجة أخيه فلم يوفّق كان له هذا الأثر فكيف لو قضيت؟ وكذلك يشير هذا الحديث الشريف إلى مسألة طلب وجه اللَّه تعالى بذلك لا طلب وجه الناس والدنيا كما أوضحنا في الفقرة الثانية (ب). وأن الثمرة متوقفة على هذا الأمر.
3- ثواب عبادة تسعة آلاف سنة
يقول رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم: "من سعى في حاجة أخيه المؤمن فكأنما عبد اللَّه تسعة آلاف سنة، صائماً نهاره قائماً ليله"10.
4- كان اللَّه في حاجته
عن الصادق عليه السلام: "من كان في حاجة أخيه المؤمن المسلم كان اللَّه في حاجته ما كان في حاجة أخيه"11.
5- استغفار الملائكة له
في الحديث: "إن العبد ليمشي في حاجة أخيه المؤمن، فيوكّل اللَّه عزَّ وجلَّ به ملكين: واحداً عن يمينه وآخر عن شماله، يستغفران له ربّه ويدعوان بقضاء حاجته"12.
6- ثواب المجاهدين
عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "من مشى في عون أخيه ومنفعته فله ثواب المجاهدين في سبيل اللَّه"13.
7- ثواب السعي بين الصفا والمروة
عن الصادق عليه السلام: "الماشي في حاجة أخيه كالساعي بين الصفا والمروة"14.
8- كمن عبد اللَّه دهره
يقول رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم: "من قضى لأخيه المؤمن حاجة كان كمن عبد اللَّه دهره"15.
9- الفوز بالجنة
عن الصادق عليه السلام: "ما قضى مسلم لمسلم حاجة إلا ناداه اللَّه تبارك وتعالى: عليّ ثوابك، ولا أرضى لك بدون الجنة"16.
10- كساء الجنة
في الحديث: "من كسا مؤمناً ثوباً من عري كساه اللَّه من استبرق الجنة، ومن كسا مؤمناً ثوباً من غنى لم يزل في سترٍ من اللَّه ما بقي من الثوبة خرقة"17.
11- تهون عليه سكرات الموت
12- يوسّع اللَّه تعالى قبره
13- تتلقاه الملائكة بالبشرى
جاءت الآثار الأربعة الأخيرة في حديث جامع لها كما رواه الكليني رضوان الله تعالى عليه في الكافي: "من كسا أخاه كسوة شتاء أو صيف كان حقاً على اللَّه أن يكسوه من ثياب الجنة، وأن يهوّن عليه سكرات الموت، وأن يوسّع عليه قبره، وأن يلقى الملائكة إذا خرج من قبره بالبشرى"18.
14- قبول الأعمال
عن مولانا الكاظم عليه السلام: "إن خواتيم أعمالكم قضاء حوائج إخوانكم والإحسان إليهم ما قدرتم وإلا لم يقبل منكم عمل"19.
قصة للعبرة
قضاء حوائج الناس والحج
عن المشمعل الأسدي، قال: "خرجت ذات سنّة حاجّاً فانصرفت إلى أبي عبد اللَّه الصّادق، جعفر بن محمد عليه السلام، فقال عليه السلام: من أين بك يا مشمعل؟
قلت: جعلت فداك كنت حاجّاً.
فقال عليه السلام: أوَ تدري ما للحاجّ من الثّواب؟
فقلت: ما أدري حتى تعلّمني.
فقال عليه السلام: إنّ العبد إذا طاف بهذا البيت أسبوعاً وصلّى ركعتيه، وسعى بين الصفا والمروة، كتب اللَّه له ستة آلاف حسنة، وحطّ عنه ستّة آلاف سيئة، ورفع له ستة آلاف درجة، وقضى له ستّة آلاف حاجة للدنيا كذا، وادّخر له للآخرة كذا.
فقلت له: جعلت فداك إنّ هذا لكثير
فقال عليه السلام: أفلا أُخبرك بما هو أكثر من ذلك؟
قلت: بلى.
قال عليه السلام: لقضاء حاجة امرىء مؤمن أفضل من حجَّة وحجَّة وحجَّة، حتى عدّ عشر حجج20.
*من وصايا العترة عليهم السلام ، إعداد ونشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، ط1، ربيع اول1424هـ ، ص105-114.
1- جامع السعادات، ج2، ص238.
2- م.ن. ص239.
3- غوالي االئالي، ج1. ص374.
4- مجلة بقية اللَّه، العدد 140، ص43.
5- البحار، ج74، ص316.
6- الكافي، ج2، ص199.
7- م.ن. ص195.
8- البحار، ج74، ص319.
9- الكافي، ج2، ص197.
10- البحار، ج74، ص315.
11- أمالي الطوسي، ص97.
12- الكافي، ج2، ص195.
13- ثواب الأعمال ص340.
14- تحف العقول، ص303.
15- ميزان الحكمة، حديث: 4461.
16- م.ن. حديث: 4465.
17- الكافي، ج2، ص205.
18- الكافي، ج2، ص204.
19- البحار، ج75، ص379.
20- أمالي الصدوق، 295. 2013-04-01