العلة في تسميتهما وسؤال الملائكة في ذلك
قصص الصالحين
الخليفة من ينوب عن غيره والهاء للمبالغة وهذه الآية وما بمعناها دالة على أن الغرض والمقصود من خلق آدم عليه السلام أن يكون خليفة في الأرض لمن تقدمه من الجان وليس المقصود من خلقه أن يكون في الجنة نعم كان الأولى به...
عدد الزوار: 217
قال الله تعالى﴿وَ إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قالُوا أَ تَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيه ويَسْفِكُ الدِّماءَ ونَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ ونُقَدِّسُ لَكَ قالَ إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ وعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ قالُوا سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ قالَ يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمائِهِمْ قالَ أَ لَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ والْأَرْضِ وأَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ﴾.
أقول: الخليفة من ينوب عن غيره والهاء للمبالغة وهذه الآية وما بمعناها دالة على أن الغرض والمقصود من خلق آدم عليه السلام أن يكون خليفة في الأرض لمن تقدمه من الجان وليس المقصود من خلقه أن يكون في الجنة نعم كان الأولى به ألا يفعل ما فعل وينزل من الجنة عزيزا كريما على خلع الجنة وعلى زوجته ثياب حور العين والملائكة يزفونه ويسجدون له في الجنة.
و أما قول الملائكة أَ تَجْعَلُ فِيها فهو تعجب أما من أن يستخلف لعمارة الأرض وإصلاحها من يفسد فيه واستكشاف عما خفي عليهم من الحكمة التي غلبت تلك المفاسد واستخبار عما يزيح شبههم وليس باعتراض على الله ولا طعن في بني آدم وعلى وجه الغيبة كما توهمه من جواز الذنوب على الملائكة فإنهم أجل وأعلى من أن يظن بهم ذلك.
و إنما عرفوا ذلك بإخبار من الله وتلق من اللوح المحفوظ وقياس لأحد الثقلين على الآخر.
و قوله ﴿وَ نَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ﴾ حال مقررة لجهة الإشكال عليهم قيل وكأنهم علموا أن المجعول خليفة ذو ثلاث قوى عليها مدار أمره شهوية وغضبية تؤديان به إلى الفساد وسفك الدماء وعقلية تدعوه إلى المعرفة والطاعة ونظروا إليها مفردة وقالوا ما الحكمة في استخلافه وهو باعتبار تينك القوتين لا تقتضي الحكمة إيجاده فضلا عن استخلافه وأما باعتبار القوة العقلية فنحن نقيم بما يتوقع منها سليما عن معارضة تلك المفاسد وغفلوا عن فضيلة كل واحد من القوتين إذا صارت مهذبة مطاوعة للعقل متمرنة على الخير كالعفة والشجاعة ولم يعلموا أن التركيب يفيد ما يقصر عنه الآحاد كالإحاطة بالجزئيات واستخراج منافع الكائنات من القوة إلى الفعل الذي هو المقصود من الاستخلاف.
و أما تعليم آدم الأسماء فبخلق علم ضروري فيه وأنه ألقاه في روعه.
و قوله ﴿ثُمَّ عَرَضَهُم﴾ْ أي المسميات المدلول عليها ضمنا.
و أما ما يقال من أنه كان للملائكة أن يقولوا لو علمتنا كما علمت آدم لعلمنا مثله فجوابه أنهم أجابوا أنفسهم بقولهم ﴿إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ﴾.
و ذلك أن مقتضى الحكمة وضع الأشياء مواضعها على وفق الحكمة فحكمته تعالى إنما اقتضت إلقاء التعليم إلى آدم لا إلى الملائكة.
و روى الصدوق بإسناده إلى أبي عبد الله عليه السلام قال: إنما سمي آدم عليه السلام لأنه خلق من أديم الأرض.
قال الصدوق:اسم الأرض الرابعة أديم وخلق منها آدم فلذلك قيل من أديم الأرض.
و قال عليه السلام: سميت حواء لأنها من حي يعني آدم عليه السلام.
و قد اختلف في اشتقاق اسم آدم عليه السلام فقيل اسم أعجمي لا اشتقاق له كآزر.
و قيل إنه مشتق من الأدمة بمعنى السمرة لأنه كان أسمر اللون وقيل من الأدم بمعنى الألفة والاتفاق.
و أما اشتقاق حواء من حي والحيوان فهو من الاشتقاقات الشاذة والجعلية كلابن وتامر.
و روى الصدوق رحمه الله أيضا عن ابن سلام أنه: قيل للنبي صلى الله عليه وآله وسلم هل خلق آدم من الطين كله ومن طين واحد قال بل من الطين كله ولو خلق من طين واحد لما عرف الناس بعضهم بعض وكانوا على صورة واحدة قال فلهم في الدنيا مثل ذلك قال التراب فيه أبيض وفيه أخضر وفيه أشقر يعني شديد الحمرة وفيه أزرق وفيه عذب وفيه ملح فلذلك صار الناس فيهم أبيض وفيهم أصفر وفيهم أسود وعلى ألوان التراب الحديث.
و عن أمير المؤمنين عليه السلام: إن الله تبارك وتعالى بعث جبرئيل عليه السلام وأمره أن يأتيه من أديم الأرض بأربع طينات طينة بيضاء وطينة حمراء وطينة غبراء وطينة سوداء وذلك من سهله وحزنها ثم أمره أن يأتيه بأربع مياه عذب وماء مالح وماء مر وماء منتن ثم أمره أن يفرغ الماء في الطين فجعل الماء العذب في حلقه وجعل الماء المالح في عينيه وجعل الماء المر في أذنيه وجعل الماء المنتن في أنفه.
و جاء تعليله في توحيد المفضل.
عن الصادق عليه السلام: إنما جعل الماء العذب في الحلق ليسوغ له أكل الطعام وجعل الماء المالح في العينين إبقاء على شحمة العين لأن الشحم يبقى إذا وضع عليه الماء وأما الماء المر في الأذنين فلئلا تهجم الهوام على الدماغ.
و من ذلك أنها إذا وصلت إلى الماء المر في الأذنين ماتت وربما تعدى الماء المر ووصل إلى الدماغ.
و من العجب أنه جاءت إلي امرأة تستفتيني في أن بعض الجراحين أراد أن يكسر قطعة من عظم رأسها حتى يظهر الدماغ وذلك أن هامة تسمى هزارپا دخلت أذنه وهي نائمة فوصلت إلى الدماغ وإلى مخ الرأس فصارت تأكل منه وربما سكنت وبقيت على هذا أعوام وما أفتيت في حكاية كسر شيء من قحفة رأسه وجاء في كتب الطب أنه وقع مثل هذا في زمن أفلاطون فأخذ الرجل إلى الحمام ورفع قطعة من قحفة رأسه واستخرج الهامة ثم وضع القحفة على حاله وهذا منه ليس بعجيب فقد روي عنه لما قلع القحفة وظهر هزارپا في الدماغ أراد أن يتناوله بالمنقاش فقال له أحد تلاميذه لا تفعل فإنه محكم أيديه وأرجله في حجاب الدماغ فحمي له المنقاش ووضعه على ظهره حتى رفع رجليه من حجاب الدماغ فتناوله ورماه.
و عنه عليه السلام: أول من قاس إبليس قال ﴿خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ﴾ ولو علم إبليس ما جعل الله في آدم لم يفتخر عليه ثم قال إن الله عز وجل خلق الملائكة من نور وخلق الجان من النار وخلق الجن صنفا من الجان من الريح وصنفا من الماء وخلق آدم من صفحة الطين ثم أجرى في آدم النور والنار والريح والماء فبالنور أبصر وعقل وفهم وبالنار أكل وشرب ولو لا النار في المعدة لم تطحن المعدة الطعام ولو لا أن الريح في جوف بني آدم تلهب نار المعدة لم تلتهب ولو لا أن الماء في جوف ابن آدم يطفئ حر المعدة لأحرقت النار جوف ابن آدم فجمع الله ذلك في آدم لخمس خصال وكانت في إبليس خمسة فافتخر بها.
و عنه عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن القبضة التي قبضها الله عز وجل من الطين الذي خلق منها آدم أرسل إليها جبرائيل عليه السلام أن يقبضها فقالت الأرض أعوذ بالله أن تأخذ مني شيئا فرجع إلى ربه وقال يا رب تعوذت بك مني فأرسل إليها إسرافيل فقالت مثل ذلك فأرسل إليها ميكائيل فقالت مثل ذلك فأرسل إليها ملك الموت فتعوذت بالله أن يأخذ منها شيئا فقال ملك الموت وإني أعوذ بالله أن أرجع إليه حتى أقبض منك.
أقول: جاء في الرواية أن الله سبحانه أمر ملك الموت على الحتم ويدل على أن أمره تعالى لمن تقدمه ليس على سبيل الحتم.
و روىعلي بن إبراهيم بإسناده إلى الباقر عليه السلام عن أمير المؤمنين صلى الله عليه وآله وسلم قال: إن الله تعالى لما أراد أن يخلق خلقا بيده وذلك بعد ما مضى من الجن والناس في الأرض سبعة آلاف سنة فكشف عن أطباق السماوات وقال للملائكة انظروا إلى أهل الأرض من خلقي من الجن والناس فلما رأوا ما يعملون فيها من المعاصي عظم ذلك عليهم فقالوا ربنا أنت العزيز القادر وهذا خلقك الضعفاء يعيشون برزقك ويعصونك ولا تنتقم لنفسك فلما سمع من الملائكة قال إني جاعل في الأرض خليفة يكون حجة في أرضي فقالت الملائكة سبحانك تجعل فيها من يفسد فيها كما أفسدت بنو الجان فاجعل ذلك الخليفة منا فإنا لا نعصيك ونسبح بحمدك ونقدس لك فقال عز وجل ﴿إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ﴾ أريد أن أخلق خلقا بيدي وأجعل من ذريته أنبياء وعبادا صالحين وأئمة مهديين أجعلهم خلفاء على خلقي في أرضي وأطهر أرضي من الناس وأنقل مردة الجن العصاة على خلقي وأسكنهم في الهواء وفي أقطار الأرض وأجعل بين الجن وبين خلقي حجابا فقالت الملائكة يا ربنا افعل ما شئت فباعدهم الله من العرش مسيرة خمسمائة عام فلاذوا بالعرش وأشاروا بالأصابع فنظر الرب إليهم ونزلت الرحمة فوضع لهم البيت المعمور فقال طوفوا به ودعوا العرش فطافوا به وهو البيت الذي يدخله الجن كل يوم سبعون ألف ملك يعودون إليه أبدا فوضع الله البيت المعمور توبة لأهل السماء ووضع الكعبة توبة لأهل الأرض إلى أن قال ثم قبض الله سبحانه طينة آدم وأجرى فيها الطبائع الأربع الريح والدم والمرة والبلغم فلزمه من ناحية الريح حب النساء وطول الأمل والحرص ولزمه من ناحية البلغم حب الطعام والشراب والبر والحلم والرفق ولزمه من ناحية المرة الغضب والسفه والشيطنة والتجبر والتمرد والعجلة ولزمه من ناحية الدم حب النساء واللذات وركوب المحارم والشهوات.
أقول: قيل المراد بالريح السوداء وبالمرة الصفراء وبالعكس والمراد بالريح الروح والمرة الصفراء والسوداء معا إذ يطلق عليهم وتكرار حب النساء لمدخليتهما معا.
و عن الرضا عليه السلام قال: كان نقش خاتم آدم لا إله إلا الله محمد رسول الله هبط به معه في الجنة.
و عنه صلى الله عليه وآله وسلم: أهل الجنة ليست لهم كنى إلا آدم عليه السلام فإنه يكنى بأبي محمد توقير وتعظيما.
و عن أبي عبد الله عليه السلام: إن الله سبحانه خلق آدم عليه السلام من غير أب وأم وعيسى عليه السلام من غير أب ليعلم أنه قادر على أن يخلق من غير أب وأم ومن غير أب كما هو قادر على أن يخلق منهم وفي قوله خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ قال لما أجرى الله الروح في آدم من قدميه فبلغت إلى ركبتيه أراد أن يقوم فلم يقدر فقال الله عز وجل ﴿خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَل﴾ٍ وقال سميت المرأة امرأة لأنها خلقت من المرء يعني خلقت منآدم عليه السلام وسمي النساء نساء لأنه لم يكن لآدم أنس غير حواء.
و عن عبد العظيم الحسني قال: كتبت إلى أبي جعفر الثاني عليه السلام أسأله عن علة الغائط ونتنه قال إن الله عز وجل خلق آدم عليه السلام وكان جسده طيب وبقي أربعين سنة ملقى تمر به الملائكة فتقول لأمر ما خلقت وكان إبليس يدخل في فيه ويخرج من دبره فلذلك صار ما في جوف آدم منتنا خبيثا غير طيب.
و عن أحدهما (عليهما السلام) أنه سئل عن ابتداء الطواف فقال: إن الله تبارك وتعالى لما أراد خلقآدم عليه السلام قال للملائكة﴿ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَة﴾ً فقال ملكان من الملائكة ﴿ أَ تَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيه ويَسْفِكُ الدِّماء﴾َ فوقعت الحجب فيما بينهم وبين الله عز وجل وكان تبارك وتعالى نوره ظاهرا للملائكة فلما وقعت الحجب بينه وبينهما علما أنه سخط من قولهما فقالا للملائكة ما حيلتن وما وجه توبتنا فقالوا ما نعرف لكما من التوبة إلا أن تلوذا بالعرش فلاذا بالعرش حتى أنزل الله توبتهم ورفعت الحجب فيما بينه وبينهم وأحب الله تبارك وتعالى أن يعبد بتلك العبادة فخلق الله البيت في الأرض وجعل على العباد الطواف حوله وخلق البيت المعمور في السماء.
أقول: المراد من نوره تعالى الأنوار المخلوقة في عرشه وأنوار الأئمة صلى الله عليه وآله وسلم وأنوار معرفته وفيضه فتكون حجبا معنوية.
و في علل محمد بن سنان عن الرضا عليه السلام: أن الملائكة لما استغفروا من قولهم ﴿ أَ تَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها﴾ وعلموا أنهم أذنبوا فندمو ولاذوا بالعرش واستغفروا فأحب الله أن يتعبد بمثل تلك العبادة فوضع في السماء الرابعة بيتا بحذاء العرش يسمى الضراح ثم وضع في السماء الدنيا بيتا يسمى المعمور بحذاء الضراح ثم وضع البيت بحذاء البيت المعمور ثم أمرآدم عليه السلام فطاف به فتاب الله عليه وجرى ذلك في ولده إلى يوم القيامة.
و روي: أنه قيل لأبي عبد الله عليه السلام لم صار الطواف سبعة أشواط قال لأن الله تبارك وتعالى قال للملائكة ﴿ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً﴾ فردوا على الله تبارك وتعالى وقالوا﴿ أَ تَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها﴾ وكان لا يحجبهم عن نوره فحجبهم عن نوره سبعة آلاف عام فلاذوا بالعرش سبعة آلاف فتاب عليهم وجعل لهم البيت المعمور الذي في السماء الرابعة ووضع البيت الحرام تحت البيت المعمور فصار الطواف سبعة أشواط واجبا على العباد لكل ألف سنة شوطا واحدا.
و عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كان الصرد دليل آدم عليه السلام من بلاد سرانديب إلى جدة شهر وهو أول طائر صام لله تعالى.
و سأل أمير المؤمنين عليه السلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم كيف صارت الأشجار بعضها تحمل وبعضها لا تحمل فقال: كلما سبح آدم تسبيحا صارت له في الدنيا شجرة مع حمل وكلما سبحت حواء تسبيحة صارت لها في الدنيا شجرة من غير حمل.
و سئل مما خلق الله الشعير فقال: إن الله تبارك وتعالى أمرآدم عليه السلام أن ازرع مما اختزنت لنفسك وجاء جبرئيل بقبضة من الحنطة فقبض آدم عليه السلام على قبضة وقبضت حواء على قبضة فقال آدم لحواء لا تزرعي أنت فلم تقبل قول [أمر] آدم وكلما زرع آدم عليه السلام جاء حنطة وكلما زرعت حواء جاء شعيرا.
و روى الثقة علي بن إبراهيم بإسناده إلى أبي جعفر عليه السلام في قول الله ﴿وَ لَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ ولَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْما﴾ً قال: عهد إليه في محمد والأئمة من بعده صلى الله عليه وآله وسلم فترك ولم يكن له عزم فيهم أنهم هكذ وإنما سموا أولو العزم لأنه عهد إليهم في محمد وأوصيائه من بعده والقائم عليه السلام وسيرته فأجمع عزمهم أن كذلك والإقرار به.
و عن أبي عبد الله عليه السلام: في قول الله تعالى ﴿وَ هُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وصِهْرا﴾ً إن الله تعالى خلق آدم عليه السلام من الماء العذب وخلق زوجته من سنخه فيراها من أسفل أضلاعه فجرى بذلك الضلع بينهما نسب ثم زوجها إياه فجرى بسبب ذلك بينهما صهر فذلك قوله ﴿نَسَباً وصِهْرا﴾ًً فالنسب ما كان من نسب الرجال والصهر ما كان من سبب النساء.
و قال: إن الله تعالى خلق آدم من الطين وخلق حواء من آدم فهمة الرجال الأرض وهمة النساء في الرجال.
و قال عليه السلام: لما بكى آدم صلى الله عليه وآله وسلم على الجنة كان رأسه في باب من أبواب السماء وكان يتأذى بالشمس فحط من قامته.
و قال: إن آدم لما أهبط من الجنة وأكل من الطعام وجد في بطنه ثقلا فشكا ذلك إلى جبرئيل فقال يا آدم فتنح فنحاه فأحدث وخرج منه الثقل.
و قال عليه السلام: أتى هذا البيت ألف آتية على قدميه منها سبعمائة حجة وثلاثمائة عمرة.
و عنه عليه السلام: لما أن خلق الله آدم أوقعه بين يديه فعطس فألهمه الله أن حمده فقال الله يا آدم حمدتني فو عزتي وجلالي لو لا عبدان أريد خلقهما في آخر الزمان ما خلقتك قال يا رب بقدرهم عندك ما اسمهما فقال تعالى يا آدم انظر نحو العرش فإذا بسطرين من نور أول السطر لا إله إلا الله محمد نبي الرحمة علي مفتاح الجنة و
السطر الثاني إني آليت على نفسي أن أرحم من والاهم وأعذب من عاداهما.
و في قصص الأنبياء عن أبي عبد الله عليه السلام قال: اجتمع ولد آدم في بيت فتشاجروا فقال بعضهم خير خلق الله أبونا آدم وقال بعضهم الملائكة المقربون وقال بعضهم حملة العرش إذ دخل عليهم هبة الله فحكوا له فرجع إلى آدم عليه السلام وقال يا أبت إني دخلت على إخوتي وهم يتشاجرون في خير خلق الله فسألوني فلم يكن عندي ما أخبرهم فقال آدم يا بني إني وقفت بين يدي الله جل جلاله فنظرت إلى سطر على وجه العرش مكتوب بسم الله الرحمن الرحيم محمد وآل محمد خير من برأ الله.
و روى العياشي عن عمرو بن أبي المقدام عن أبيه قال: سألت أبا جعفر عليه السلام من أي شيء خلق الله حواء فقال أي شيء يقولون هذا الخلق قلت يقولون إن الله خلقها من ضلع من أضلاع آدم فقال كذبوا كان يعجزه أن يخلقها من ضلعه فقلت جعلت فداك يا ابن رسول الله من أي شيء خلقها فقال أخبرني أبي عن آبائي قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إن الله تبارك وتعالى قبض قبضة من طين فخلطها بيمينه وكلتا يديه يمين فخلق منها آدم وفضلت فضلة من الطين فخلق منها حواء.
أقول: هذا الخبر معمول عليه بين أصحابنا رضوان الله عليهم وما ورد من أنه خلق من ضلع من أضلاعه وهو الضلع الأيسر القصير محول على التقية وعلى التأويل وبأن يراد أن الطينة التي قررها الله سبحانه لذلك الضلع خلق منها حواء لأنها خلقت منه بعد خلقه فإنه يلزم كما قال عليه السلام أن يكون آدم ينكح بعضه بعضا فيقوى بذلك مذهب المجوس في نكاح المحرمات.
و عن جميل بن دراج عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن إبليس أ كان من الملائكة وهل كان يلي من أمر السماء شيئا قال لم يكن من الملائكة ولم يكن يلي من أمر السماء شيئا كان من الجن وكان مع الملائكة وكانت الملائكة تراه أنه منه وكان الله يعلم أنه ليس منها فلما أمر بالسجود كان منه الذي كان وقال عليه السلام لما خلق الله آدم قبل أن ينفخ فيه الروح كان إبليس يمر به فيضربه برجله ويقول إبليس لأمر ما خلقت.
و قال السيد ابن طاوس في كتاب سعد السعود من صحائف إدريس النبي عليه السلام: خلق الله آدم على صورته التي صورها في اللوح المحفوظ.
يقول علي بن طاوس فأسقط بعض المسلمين بعض هذا الكلام وقال إن الله خلق آدم على صورته فاعتقد الجسم فاحتاج المسلمون إلى تأويل الحديث.
و قال في الصحف ثم جعل طينة آدم جسدا ملقى على طريق الملائكة التي تصعد فيه إلى السماء أربعين سنة ثم ذكر تناسل الجن وفسادهم وهروب إبليس منهم إلى الله وسأله أن يكون مع الملائكة وإجابة سؤاله وما وقع من الجن حتى أمر الله إبليس أن ينزل مع الملائكة لطرد الجن فنزل وطردهم من الأرض التي أفسدوا فيها إلى آخر كلامه.
و اعلم أنهم ذكروا في أخبار الملائكة عن الفساد وجوها منها أنهم قالوا ذلك ظنا لما رأوا من حال الجن الذين كانوا قبل آدم في الأرض وهو المروي عن ابن عباس وفي أخبارنا إرشاد إليه.
و منها أنهم علموا أنه مركب من الأركان المتخالفة والأخلاط المتنافية الموجبة للشهوة التي منها الفساد والغضب منه سفك الدماء.
و منها أنهم قالوا ذلك على اليقين لما يروي ابن مسعود وغيره أنه تعالى لما قال للملائكة إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قال ربن وما يكون الخليفة قال تكون له ذرية يفسدون في الأرض ويتحاسدون ويقتل بعضهم بعضا فعند ذلك قالوا ربنا أَ تَجْعَلُ فِيها إلى آخره ومنها أنه تعالى كان قد أعلم الملائكة أنه إذا كان في الأرض خلق عظيم أفسدوا فيه وسفكوا الدماء.
و منها أنه لما كتب القلم في اللوح المحفوظ ما هو كائن إلى يوم القيامة فلعلهم طالعوا اللوح فعرفوا ذلك.
و منها أن الخليفة إذا كان معناه النائب عن الله في الحكم والقضاء والاحتياج إنما يكون عند التنازع واختلال النظام كان الإخبار عن وجود الخليفة إخبارا عن وقوع الفساد والشر بطريق الالتزام.
و منها أن الله سبحانه لما خلق النار خافت الملائكة خوفا شديدا فقالوا لمن خلقت هذه النار قال لمن عصاني من خلقي ولم يكن يومئذ خلق غير الملائكة فلما قال ﴿ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً﴾ً عرفوا أن المعصية منهم وقد جوز الحشوية صدور الذنب من الملائكة وجعلوا اعتراضهم هذا على الله من أعظم الذنوب ونسبة بني آدم إلى القتل والفساد من الكبائر لأنه غيبة لهم ولأنهم مدحوا أنفسهم بقولهم ﴿وَ نَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ﴾ وهو عجب.
و أيضا قولهم ﴿لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا﴾ اعتذار والعذر دليل الذنب.
و أيضا قوله﴿ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِين﴾َ دل على أنهم كانوا كاذبين فيما قالوه.
و الجواب عن هذا كله ظاهر وهو أن ليس غرضهم الاعتراض بل السؤال عما خفي عليهم من وجه الحكمة وليس لمن لم يوجد غيبة.
و في كتاب قصص الراوندي عن مقاتل بن سليمان قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام كم كان طولآدم عليه السلام حين هبط به إلى الأرض وكم كان طول حواء قال وجدنا في كتاب علي عليه السلام أن الله عز وجل لما أهبط آدم وزوجته حواء إلى الأرض كانت رجلاه على ثنية الصف ورأسه دون أفق السماء وأنه شكا إلى الله ما يصيبه من حر الشمس فصير طوله سبعين ذراعا بذراعه وجعل طول حواء خمسة وثلاثين ذراعا بذراعها.
و في الكافي بعد قوله من حر الشمس: فأوحى الله إلى جبرئيل عليه السلام أن آدم قد شكا ما يصيبه من حر الشمس فاغمزه غمزة وصير طوله سبعين ذراعا بذراعه واغمز حواء فصير طولها خمسة وثلاثين ذراعا بذراعها.
أقول: هذا الحديث عده المتأخرون من مشكلات الأخبار لوجهين.
الأول أن طول القامة كيف يصير سببا للتضرر بحر الشمس مع أن حرارة الشمس إنما تكون بالانعكاس من الأجرام الأرضية وحده أربعة فراسخ في الهواء.
الثاني أن كونه عليه السلام سبعين ذراعا بذراعه يستلزم عدم استواء خلقته وأنه يتعسر عليه كثير من الأعمال الضرورية وأجيب الأول بوجهين أحدهما أن يكون للشمس حرارة من غير جهة الانعكاس أيض وتكون قامته عليه السلام طويلة جدا بحيث تتجاوز الطبقة الزمهريرية ويتأذى من تلك الحرارة ويؤيده حكاية ابن عناق أنه كان يشوي بعين الشمس.
الثاني أنه كان لطول قامته لا يمكنه الاستظلال ببناء ولا شجر ولا جبل فلا يمكنه الاستظلال ولا الجلوس تحت شيء فكان يتأذى من حرارة الشمس لذلك.
و أما الجواب عن الثاني فمن وجوه أكثرها فيه من التكلف ما أوجب الإعراض عن ذكره لبعده عن لفظ الحديث ومعناه.
و أما الوجوه القريبة فمنها ما ذكره بعض الأفاضل من أن استواء الخلقة ليس منحصرا فيما هو معهود الآن فإن الله تعالى قادر على خلق الإنسان على هيئات أخر كل منها فيه استواء الخلقة وذراعآدم عليه السلام يمكن أن يكون قصيرا مع طول العضد وجعله ذا مفاصل ولينا بحيث يحصل الارتفاق به والحركة كيف شاء.
و منها ما روي عن شيخنا بهاء الدين طاب ثراه من أن في الكلام استخداما بأن يكون المراد بآدم حين إرجاع الضمير إليه آدم ذلك الزمان من أولاده ولا يخفى بعده وعدم جريانه في حواء إلا بتكلف.
و منها ما قاله شيخنا المحدث سلمه الله تعالى وهو أن إضافة الذراع إليهما على التوسعة والمجاز بأن نسب ذراع صنف آدم إليه وصنف حواء إليه ويكون الضميران راجعين إلى الرجل والمرأة بقرينة المقام.
و منها أن الباء في قوله بذراعه للملابسة أي كما قصر من طوله قصر من ذراعه لتناسب الأعضاء وإنما خص الذراع لأن جميع الأعضاء داخلة في الطول بخلاف الذراع والمراد بالذراع في قوله سبعين ذراعا أما ذراع من كان في زمن آدم وما كان في زمن من صدر عنه الخبر.
و الأوجه عندي هو الوجه الأول وذلك لأن استواء الخلقة إنما يكون بالنسبة إلى أغلب أنواع ذلك العصر والشائع في ذلك العصر روي أن موسى عليه السلام أرسل النقباء الاثني عشر ليأتوا له بخبر العمالقة حتى يغزوهم فلما قربوا من بلادهم رآهم رجل من العمالقة فوضع الاثني عشر رجلا في طرف كمه وحملهم إلى سلطانهم وصبهم بين يديه وقال هؤلاء من قوم موسى أ تأمرني أن أضع رجلي عليهم أقتلهم فقال اتركهم يرجعون إلى صاحبهم ويخبرونه بما يرون فطلبوا منه زادا للطريق فأعطاهم رمانة على ثور نصفها خال من الحب يضعونه فوق النصف الآخر الذي يأكلون منه وفي الليل ينامون في النصف الخالي فهو في الليل منام وفي النهار غطاء وكان قوم موسى بالنسبة إليهم غير مستوي الخلقة وكذا العكس.
على أن الأخبار الواردة بصفات حور العين وولدان الجنة وأكثر ما ورد فيها لو وجد في الدنيا لكان بعيدا عن استواء الخلقة.
* النور المبين /المحدّث العلامة نعمة الله الجزائري.
2012-11-28