يتم التحميل...

لقمان وحكمه(ع) وقصة أشموئيل وطالوت وجالوت وتابوت السكينة

قصص الصالحين

سألت أبا عبد الله عليه السلام عن لقمان وحكمته التي ذكرها الله عز وجل فقال أم والله لقد أوتي لقمان الحكمة لا بحسب ولا مال ولا أهل ولا بسط في جسم ولا جمال ولكنه كان رجلا قويا في أمر الله متورعا في الله عميق النظر طويل الفكر...

عدد الزوار: 52

﴿وَ لَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ ومَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ ومَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ.

تفسير علي بن إبراهيم عن حماد قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن لقمان وحكمته التي ذكرها الله عز وجل فقال أم والله لقد أوتي لقمان الحكمة لا بحسب ولا مال ولا أهل ولا بسط في جسم ولا جمال ولكنه كان رجلا قويا في أمر الله متورعا في الله عميق النظر طويل الفكر لم ينم نهارا قط ولم يره أحد من الناس على بول ولا غائط ولا اغتسال لشدة تستره ولم يضحك من شي‏ء قط ولم ينازع إنسانا قط ولم يفرح بشي‏ء أتاه من أمر الدني ولا حزن منها على شي‏ء قط وقد نكح من النساء وولد له الأولاد الكثيرة وقد مات أكثرهم أفراطا فما بكى لأحد منهم ولم يمر برجلين يختصمان ويقتتلان إلا أصلح بينهم ولم يسمع قولا من أحد إلا استحسنه إلا سأل عن تفسيره وعمن أخذه وكان يكثر مجالسة الفقهاء والحكماء وكان يغشي القضاة والملوك والسلاطين فيرثي للقضاة مما ابتلوا به ويرحم الملوك والسلاطين لغرتهم بالله وطمأنينتهم بذلك ويتعلم ما يغلب به نفسه ويجاهد به هواه وكان يداوي قلبه بالتفكر ويداوي نفسه بالعبر وكان لا يتكلم إلا فيما يعنيه فبذلك أوتي الحكمة وإن الله تعالى أمر طوائف من الملائكة حين انتصف النهار وهدأت العيون بالقابلة فنادوا لقمان حيث يسمع ولا يراهم فقالوا يا لقمان هل لك أن يجعلك الله خليفة في الأرض وتحكم بين الناس فقال لقمان إن أمرني ربي فالسمع والطاعة لأنه إن فعل بي ذلك أعانني وعلمني وعصمني وإن هو خيرني قبلت العافية فقالت الملائكة يا لقمان لم قال لأن الحكم بين الناس بأشد المنازل من الدين وأكثر فتن وبلاء ثم ساق الحديث إلى قوله فعجبت الملائكة من حكمته واستحسن الرحمن منطقه فلما أمسى وأخذ مضجعه من الليل أنزل الله عليه الحكمة فغشاه بها من قرنه إلى قدمه وهو نائم وغطاه بالحكمة غطاء فاستيقظ وهو أحكم الناس في زمانه وخرج على الناس ينطق بالحكمة فلما أوتي الحكم بالخلافة ولم يقبلها أمر الله الملائكة فنادت داود بالخلافة فقبله ولم يشترط فيها بشرط لقمان فأعطاه الله الخلافة في الأرض وابتلي فيها غير مرة وكل ذلك يهوي في الخطأ فيقيه الله ويغفر له وكان لقمان يكثر زيارة داود ويعظه بمواعظه وكان يقول له داود عليه السلام طوبى لك يا لقمان أوتيت الحكمة وصرفت عنك البلية وأعطي داود عليه السلام الخلافة وابتلي بالخط والفتنة فوعظ لقمان ابنه بالنار حتى تفطر وانشق وكان فيما وعظه أن قال يا بني إنك منذ سقطت إلى الدنيا استدبرته واستقبلت الآخرة فدار أنت إليها تسير أقرب إليك من دار أنت عنها متباعد يا بني جالس العلماء وزاحمهم بركبتيك ولا تجادلهم فيمنعوك وخذ من الدنيا بلاغ ولا ترفضها فتكون عيالا على الناس وصم صوما يقطع شهوتك ولا تصم صياما يمنعك من الصلاة فإن الصلاة أحب إلى الله من الصيام يا بني إن الدنيا بحر عميق قد هلك فيها عالم كثير فاجعل سفينتك فيها الإيمان واجعل شراعها التوكل واجعل زادك فيها تقوى الله فإن نجوت فبرحمة الله وإن هلكت فبذنوبك يا بني إن تأدبت صغيرا انتفعت به كبيرا يا بني خف الله خوفا لو أتيت يوم القيامة ببر الثقلين خفت أن يعذبك وأرج الله رجاء لو وافيت القيامة بذنوب الثقلين رجوت أن يغفر الله لك فقال له ابنه يا أبت وكيف أطبق هذ وإنما لي قلب واحد فقال يا بني لو استخرج قلب المؤمن فشق لوجد فيه نوران نور للخوف ونور للرجاء لو وزنا ما رجح أحدهما على الآخر مثقال ذرة يا بني لا تركن إلى الدني ولا تشغل قلبك بها فما خلق الله خلقا هو أهون عليه منها أ لا ترى أنه لم يجعل نعيمها ثوابا للمطيعين ولم يجعل بلاءها عقوبة للعاصين.

و عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كان فيما أوصى به لقمان ابنه ناتان أن قال له يا بني ليكن مما تتسلح به على عدوك فتصرعه المماسحة أي المصادقة وإعلان الرضا عنه ولا تزاوله بالمجانبة فيه فيبدو له ما في نفسك فيتأهب لك يا بني إني حملت الجندل والحديد وكل حمل ثقيل فلم أحمل شيئا أثقل من جار السوء وذقت المرارات كلها فلم أذق شيئا أمر من الفقر يا بني اتخذ ألف صديق وألف قليل ولا تأخذ عدوا واحد والواحد كثير.

فقال أمير المؤمنين عليه السلام:

تكثر من الإخوان ما اسطعت أنهم        عماد إذا ما استنجدو وظهور
و ليس كثير ألف خل وصاحب           وإن عدوا واحدا لكثير


و قال أمير المؤمنين عليه السلام: كان فيما وعظ به لقمان ابنه أن قال له يا بني ليعتبر من قصر يقينه وضعفت نيته في طلب الرزق أن الله تبارك وتعالى خلقه في ثلاثة أحوال من أمره وآتاه رزقه ولم يكن له في واحدة منها كسب ولا حيلة والله تبارك وتعالى سيرزقه في الحالة الرابعة وأما أول ذلك فكان في رحم أمه يرزقه هناك في قرار مكين حيث لا يؤذيه حر ولا برد ثم أخرجه من ذلك وأجرى له رزقا من لبن أمه يكفيه به ويربيه من غير حول ولا قوة ثم فطم من ذلك فأجرى له رزقا من كسب أبويه ورأفة له من قلوبهما لا يملكان غير ذلك حتى إنهما يؤثرانه على أنفسهما في أحوال كثيرة حتى إذا كبر وعقل واكتسب وضاق به أمره وظن الظنون بربه وجحد الحقوق في ماله وقتر على نفسه وعياله مخافة إقتار رزق وسوء يقين بالخلف من الله له في العاجل والآجل فبئس العبد هذا يا بني ثم قال يا بني إن تك في شك من الموت فادفع من نفسك النوم ولن تستطيع ذلك وإن كنت في شك من البعث فادفع عن نفسك الانتباه ولن تستطيع ذلك فإنك إذا فكرت في هذا علمت أن نفسك بيد غيرك وإنما النوم بمنزلة الموت وإنما اليقظة بعد النوم بمنزلة البعث بعد الموت يا بني لا تقترب فيكون أبعد لك ولا تبتعد فتهان كل دابة تحب مثله وابن آدم لا يحب مثله لا تنشر برك إلا عند باغيه يا بني لا تتخذ الجاهل رسولا فإن لم تصب عاقلا حكيما يكون رسولك فكن أنت رسول نفسك فإذا تحيرتم في طريقكم فانزلو وإذا شككتم بالقصد فقفو وتوامرو وإذا رأيتم شخصا واحدا فلا تسألوه عن طريقكم ولا تسترشدوه فإن الشخص الواحد في الفلاة مريب لعله أن يكون عينا للصوص ويكون هو الشيطان الذي يحيركم واحذروا الشخصين أيضا إلا أن تروا ما لا أرى فإن العاقل إذا بصر بعينه شيئا عرف الحق منه والشاهد يرى ما لا يرى الغائب يا بني فإذا جاء وقت الصلاة فلا تأخرها لشي‏ء وصله واسترح منها فإنها دين وصل في جماعة ولو على رأس زج ولا تنامن على دابتك فإن ذلك سريع في دبره وليس ذلك من فعل الحكماء إلا أن تكون في محل يمكنك التمدد لاسترخاء المفاصل وإذا قربت من المنزل فانزل عن دابتك وابدأ بعلفها قبل نفسك وإذا نزلت فصل ركعتين قبل أن تجلس وإذا أردت قضاء حاجة فأبعد المذاهب في الأرض وإذا ارتحلت فصل ركعتين وودع الأرض التي حللت به وسلم عليه وعلى أهلها فإن لكل بقعة أهلا من الملائكة وإياك والسير من أول الليل وعليك بالتعريس والعجلة من لدن نصف الليل إلى آخره وإياك ورفع الصوت في مسيرك.

و قال أمين الإسلام الطبرسي اختلف في لقمان.

فقيل إنه كان حكيم ولم يكن نبيا عن ابن عباس وأكثر المفسرين.

و قيل: إنه كان نبيا.

و قيل: إنه كان عبدا أسودا حبشيا غليظ المشافر مشقوق الرجلين في زمن داود عليه السلام.

و قال له بعض الناس أ لست كنت ترعى الغنم معنا فمن أين أوتيت الحكمة قال أداء الأمانة وصدق الحديث والصمت عما لا يعنيني.

و قيل: إنه كان ابن أخت أيوب.

و قيل: ابن خالته.

و عنه صلى الله عليه وآله وسلم: لم يكن لقمان نبي ولكنه كان عبدا كثير التفكر حسن اليقين أحب الله فأحبه ومن عليه بالحكمة.

و ذكر أن مولى لقمان دعاه فقال اذبح شاة فأتني بأطيب مضغتين منها فأتاه بالقلب واللسان ثم أمره بذبح شاة فقال له ائتني بأخبث مضغتين منها فأتاه بالقلب واللسان فسأله عن ذلك فقال إنهما أطيب شي‏ء إذا طاب وأخبث شي‏ء إذا خبثا.

و روي أن مولاه دخل المخرج فأطال الجلوس فناداه لقمان أن طول الجلوس على الحاجة يفجع منه الكبد ويورث الباسور ويصعد الحرارة إلى الرأس فاجلس هون وقم هونا.

قال فكتب حكمته على باب الحشر.

و روي أنه قدم من سفر فلقي غلامه في الطريق فقال ما فعل أبي قال مات قال ملكت أمري قال ما فعلت امرأتي قال ماتت قال أجدد فراشي قال ما فعلت أختي قال ماتت قال سترت عورتي قال ما فعل أخي قال مات قال انقطع ظهري.

و قيل: له ما أقبح وجهك قال تعيب على النقش وعلى فاعل النقش. وروي أنه دخل على داود وهو يسرد الدرع وقد لين الله له الحديد كالطين فأراد أن يسأله فأدركته الحكمة فسكت فلما أتمها لبسه وقال نعم لبوس الحرب أنت فقال الصمت حكمة وقليل فاعله فقال له داود بحق ما سميت حكيما.

و قال المسعودي كان لقمان نوبيا مولى للقين بن حر ولد على عشرة سنين من ملك داود عليه السلام وكان عبدا صالح ومن الله عليه بالحكمة ولم يزل في فيافي الأرض مظهر للحكمة والزهد في هذا العالم إلى أيام يونس بن متى حتى بعث إلى أهل نينوى من بلاد الموصل.
و من حكمته أنه قال يا بني إن الناس قد أجمعوا قبلك لأولادهم فلم يبق ما جمعو ولا من جمعوا له وإنما أنت عبد مستأجر قد أمرت بعمل ووعدت عليه أجرا فأوفه عملك واستوف أجرك ولا تكن في هذه الدنيا بمنزلة شاة وقعت في زرع أخضر فأكلت حتى سمنت فكان حتفها عند سمنه ولكن اجعل الدنيا بمنزلة قنطرة على نهر جزت عليه وتركته ولم ترجع إليها آخر الدهر أخربه ولا تعمرها فإنك لم تؤمر بعمارته واعلم أنك ستسأل غدا إذا وقفت بين يدي الله عز وجل عن أربع شبابك فيما أبليته وعمرك فيما أفنيته ومالك مما اكتسبته وفيما أنفقته فتأهب لذلك وأعد له جوابا.

و قال لقمان لأن يضر بك الحكيم فيؤذيك خير من يدهنك الجاهل بدهن طيب يا بني لا تطأ أمتك ولو أعجبتك وانه نفسك عنه وزوجها يا بني لا تفشين سرك إلى امرأتك ولا تجعل مجلسك على باب دارك يا بني تعلمت سبعة آلاف من الحكمة فاحفظ منها أربع وسر معي إلى الجنة أحكم سفينتك فإن بحرك عميق وخفف حملك فإن العقبة كئود وأكثر الزاد فإن السفر بعيد وأخلص العمل فإن الناقد بصير بيان التنزيل لابن شهرآشوب قال أول ما ظهر من حكم لقمان أن تاجرا سكر وخاطر نديمه أن يشرب ماء البحر كله وإلا سلم إليه ماله وأهله فلما أصبح وصحا ندم وجعل صاحبه يطالبه بذلك فقال لقمان أنا أخلصك بشرط أن لا تعود إلى مثله قل له أ أشرب الماء الذي كان فيه وقت إفادتي به وأشرب ماءه الآن فسد أفواهه لأشربه وأشرب الماء الذي يأتي به فاصبر حتى يأتي فأمسك صاحبه عنه1.


1 _النور المبين / المحدّث العلامة الجليل نعمة الله الجزائري.

2012-11-28