أحوال مؤمن آل فرعون وامرأة فرعون وخروج موسى(ع)وقومه من البحر وحال ابتلائهم بالتقية
قصص الصالحين
قال الله تعالى في مؤمن آل فرعون (فَوَقاهُ اللَّهُ) أي صرف الله عنه سوء مكرهم فجاء مع موسى عليه السلام حتى عبر البحر. (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّ وعَشِيًّا) أي يعرض آل فرعون على النار في قبورهم صباح ومساء فيعذبون.
عدد الزوار: 96
قال الله تعالى في مؤمن آل فرعون ﴿فَوَقاهُ اللَّهُ﴾ أي صرف الله عنه سوء مكرهم فجاء مع موسى عليه السلام حتى عبر البحر.
﴿النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّ وعَشِيًّا﴾ أي يعرض آل فرعون على النار في قبورهم صباح ومساء فيعذبون.
وقال أبو عبد الله عليه السلام: ذلك في الدنيا قبل يوم القيامة لأن نار القيامة لا تكون غدو وعشيا ثم قال إن كانوا يعذبون في النار غدو وعشيا ففيما بين ذلك هم من السعداء ولكن هذا في نار البرزخ قبل يوم القيامة أ لم تسمع قوله عز وجل ﴿وَ يَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ﴾ وهذا أمر للملائكة بإدخالهم في أشد العذاب وهو عذاب جهنم.
أقول: هذه النار هي نار البرزخ التي يعذب فيها أرواح الكفار في الدني وهي برهوت واد في حضرموت من بلاد اليمن كما إن جنة الدنيا وادي السلام ومحلها ظهر الكوفة بين النجف وكربلاء وفيها أرواح المؤمنين في أجساد مثالية يتنعمون بها حتى يوافوا جنة الخلد وأولئك يوافون نار جهنم.
تفسير الإمام الحسن العسكري عليه السلام عن آبائه عن الصادق عليه السلام: قال كان حزقيل مؤمن آل فرعون يدعو قوم فرعون إلى توحيد الله ونبوة موسى وتفضيل محمد صلى الله عليه وآله وسلم على جميع رسل الله وخلقه وتفضيل علي بن أبي طالب والخيار من الأئمة عليهم السلام وعلى سائر أوصياء النبيين وإلى البراءة من ربوبية فرعون فوشى به واشون إلى فرعون وقالوا إن حزقيل يدعو إلى مخالفتك ويعين أعداءك على مضادتك فقال لهم فرعون إنه ابن عمي وخليفتي على ملكي وولي عهدي إن فعل ما قلتم فقد استحق العذاب على كفره نعمتي وإن كنتم كاذبين فقد استحققتم أشد العذاب لإيثاركم الدخول في مساءته فجاء بحزقيل وجاء بهم فكاشفوه وقالوا أنت تجحد ربوبية فرعون وتكفر نعماءه فقال حزقيل أيها الملك هل جربت علي كذبا قط قال لا قال فسلهم من ربهم فقالوا فرعون قال ومن خالقكم قالوا فرعون قال ومن رازقكم الكافي لمعاشكم والدافع عنكم مكارهكم قالوا فرعون هذا قال حزقيل أيها الملك فاشهد ومن حضرك أن ربهم ربي وخالقهم هو خالقي ورازقهم هو رازقي لا رب لي ولا خالق ولا رازق غير ربهم وخالقهم ورازقهم وأشهدك ومن حضرك أن كل رب وخالق سوى ربهم فأنا بريء منه ومن ربوبيته وكافر بإلهيته يقول حزقيل هذ وهو يعني أن ربهم هو الله ربي ولم يقل إن الذي قالوا ربهم هو ربي وخفي هذا المعنى على فرعون ومن حضره وتوهموا أنه يقول فرعون ربي وخالقي ورازقي فقال لهم فرعون يا طلاب الفساد في ملكي ومريدي الفتنة بيني وبين ابن عمي وهو عضدي أنتم المستحقون لعذابي لإرادتكم فساد أمري وإهلاك ابن عمي ثم أمر بالأوتاد فجعل في ساق كل واحد منهم وتد وفي صدره وتد وأمر أصحاب أمشاط الحديد فشقوا بها لحومهم من أبدانهم فذلك ما قال الله تعالى ﴿فَوَقاهُ اللَّهُ سَيِّئاتِ﴾ ما مَكَرُوا به لما وشوا به إلى فرعون ليهلكوه ﴿وَ حاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذابِ﴾ وهم الذين وشوا بحزقيل إليه لما أوتد فيهم الأوتاد ومشط عن أبدانهم لحومهم بالأمشاط.
وعن ابن عباس قال: خط رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أربع خطط في الأرض وقال أ تدرون ما هذا قلنا الله ورسوله أعلم فقال أفضل نساء الجنة أربع خديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد ومريم بنت عمران وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون.
تفسير علي بن إبراهيم قدس الله ضريحه ﴿وَ قالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ﴾ قال كتم إيمانه ستمائة سنة وكان مجذوما مكنع وهو الذي قد وقعت أصابعه وكان يشير إلى قومه بيديه المكنوعتين ويقول ﴿يا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشادِ﴾.
وقوله ﴿فَوَقاهُ اللَّهُ سَيِّئاتِ ما مَكَرُوا﴾ يعني مؤمن آل فرعون.
فقال أبو عبد الله عليه السلام ولقد قطعوه إربا إرب ولكن وقاه الله أن يفتنوه في دينه وقال الثعلبي قالت الرواة كان حزقيل من أصحاب فرعون نجار وهو الذي نجر التابوت لأم موسى حين قذفته في البحر.
وقيل: إنه كان خازنا لفرعون مائة سنة وكان مؤمنا مخلصا يكتم إيمانه إلى أن ظهر موسى عليه السلام على السحرة فأظهر حزقيل يومئذ إيمانه فأخذ وقتل مع السحرة صلبا.
وأما امرأة حزقيل فإنها كانت ماشطة بنات فرعون وكانت مؤمنة.
وروي عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لما أسري بي مرت بي رائحة طيبة فقلت لجبرئيل ما هذه الرائحة فقال هذه ماشطة آل فرعون وأولادها كانت تمشطها فوقعت المشطة من يدها فقالت بسم الله فقالت بنت فرعون أبي قالت لا بل ربي وربك ورب أبيك فأخبرت فرعون فدعا به وبولده وقال من ربك قالت إن ربي وربك الله فأمر بتنور من نحاس فأحمي فدعا به وبولدها فقالت إن لي إليك حاجة وهي أن تجمع عظامي وعظام ولدي فتدفنها فقال ذلك لك لما لك من حق فأمر بأولادها فألقوا واحدا واحدا بالتنور حتى كان آخر ولده وكان صبيا مرضعا فقال اصبري يا أماه إنك على الحق فألقيت في التنور مع ولده وأما امرأة فرعون آسية فكانت من بني إسرائيل وكانت مؤمنة خالصة وكانت تعبد الله سرا إلى أن قتل فرعون امرأة حزقيل فعاينت حينئذ الملائكة يعرجون بروحها فزادت يقين وإخلاصا فبينا هي كذلك إذ دخل عليها فرعون يخبرها بما صنع فقالت الويل لك يا فرعون ما أجرأك على الله جل وعلا فقال لها لعلك اعتراك الجنون الذي اعترى صاحبتك فقالت ما اعتراني جنون بل آمنت بالله ربي وربك ورب العالمين فدعا فرعون أمها فقال لها إن ابنتك أخبريها فأقسم لتذوقن الموت ولتكفرن بإله موسى فخلت بها أمها فسألتها موافقته في ما أراد فأبت وقالت أما أن أكفر بالله فلا فأمر بها فرعون حتى مدت بين أربعة أوتاد ثم لا زالت تعذب حتى ماتت.
وعن ابن عباس قال أخذ فرعون امرأته آسية حين تبين له إسلامها يعذبها لتدخل في دينه فمر بها موسى وهو يعذبها فشكت إليه بإصبعها فدعا الله موسى أن يخفف عنها فلم تجد للعذاب ألم وإنها ماتت من عذاب فرعون فقالت وهي في العذاب رب ابن لي عندك بيتا في الجنة وأوحى الله إليها أن ارفعي رأسك فرفعت فرأت البيت في الجنة بني لها من در فضحكت.
فقال فرعون انظروا إلى الجنان التي بها تضحك وهي في العذاب.
وقيل: إنها كانت تعذب بالشمس وإذا انصرفوا عنها أظلتها الملائكة وجعلت ترى بيتها في الجنة.
عن سلمان في تفسير علي بن إبراهيم ﴿وَ ظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ الْغَمامَ وأَنْزَلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ والسَّلْوى...﴾ الآية.
فإن بني إسرائيل لما عبر بهم موسى البحر نزلوا في مفازة فقالوا يا موسى أهلكتن وقتلتن وأخرجتنا من العمارة إلى مفازة لا ظل ولا شجر ولا ماء وكانت تجيء بالنهار غمامة فتظلهم من الشمس وينزل عليهم بالليل المن فيقع على النبات والشجر والحجر فيأكلونه وبالعشي يجيء طائر مشوي فيقع على موائدهم فإذا أكلو وشبعوا طار ومر.
وكان مع موسى حجر يضعه في وسط العسكر ثم يضربه بعصاه فتنفجر منه اثنتا عشرة عينا فيذهب الماء إلى سبط في رحله وكانوا اثنا عشر سبطا.
فلما طال عليهم الأمد قالوا ﴿يا مُوسى لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ فَادْعُ لَنا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِه وقِثَّائِه وفُومِه وعَدَسِه وبَصَلِها﴾ والفوم هو الحنطة فقال لهم موسى ﴿أَ تَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ ما سَأَلْتُمْ ف قالُوا يا مُوسى إِنَّ فِيها قَوْماً جَبَّارِينَ وإِنَّا لَنْ نَدْخُلَها حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنَّا داخِلُونَ..﴾. فنصف الآية في سورة البقرة وتمامه وجوابها لموسى في سورة المائدة.
أقول هذا التبعيض في الآية الواحدة الظاهر أن منشأه ما وقع في مصحف عثمان الذي سموه إمام المصاحف ولم يكن له ربط بترتيب القرآن فكانت الآية الواحدة مقطعة في السورتين.
وروي أنهم لما لم يوافقوا موسى عليه السلام على قتال الجبارين أراد موسى أن يفارقهم ففزعو وقالوا إن خرج موسى من بيننا نزل علينا العذاب فسألوه أن يقيم معهم ويسأل الله أن يتوب عليهم فأوحى الله إليه أني قد تبت عليهم على أن يدخلوا مصر وحرمتها عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض عقوبة لقولهم ﴿فَاذْهَبْ أَنْتَ ورَبُّكَ فَقاتِلا﴾ فدخلوا كلهم في التوبة والتيه إلا قارون.
فكانوا يقومون في أول الليل ويأخذون في قراءة التوراة فإذا أصبحوا على باب مصر دارت بهم الأرض فردتهم إلى مكانهم وكان بينهم وبين مصر أربع فراسخ فبقوا على ذلك أربعين سنة. فمات هارون وموسى في التيه ودخلها أبناؤهم وأبناء أبنائهم.
وروى الثعلبي عن محمد بن قيس قال: جاء يهودي إلى علي بن أبي طالب عليه السلام فقال يا أبا الحسن ما صبرتم بعد نبيكم إلا خمس وعشرين سنة حتى قتل بعضكم بعضا قال بلى ولكن ما جف أقدامكم من البحر حتى قلتم يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة وفي حديث آخر أنه عليه السلام قال له إنا لم نختلف في نبين ولكنا اختلفنا عنه.
وعن ابن عباس قال: قال بنو إسرائيل لموسى عليه السلام حين جاز بهم البحر خبرنا يا موسى بأي قوة وبأي عدة تبلغ الأرض المقدسة ومعك الذرية والنساء والزمنى فقال موسى عليه السلام ما أعلم قوما ورثهم الله من عرض الدنيا ما ورثكم وسيجعل الله لكم مخرجا قالوا فادعه يطعمن ويسقين ويظلنا فأوحى الله تعالى إلى موسى قد أمرت السماء أن تمطر عليهم المن والسلوى وأمرت الريح أن تشوي لهم السلوى وأمرت الحجارة أن تنفجر وأمرت الغمام أن تظلهم وسخرت ثيابهم أن تنبت بقدر ما ينبتون فلما قال موسى ذلك سكنوا فسار بهم إلى الأرض المقدسة وهي فلسطين وإنما قدسها لأن يعقوب صلى الله عليه وآله وسلم ولد به وكان مسكن أبيه إسحاق ويوسف صلى الله عليه وآله وسلم ونقلوا كلهم بعد الموت إلى أرض فلسطين.
العياشي عن داود الرقي قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول كان أبو جعفر عليه السلام يقول نعم الأرض الشام وبئس القوم أهله وبئس البلاد مصر أما إنها سخط من سخط الله عليه ولم يكن دخول بني إسرائيل إلا من سخطه ومعصيته منهم لله لأن الله تعالى قال ﴿ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ﴾ يعني الشام فأبوا أن يدخلوها فتاهوا في الأرض أربعين سنة في مصر وفيافيها ثم دخلوها بعد أربعين سنة وما كان خروجهم من مصر ودخولهم الشام إلا من بعد توبتهم ورضا الله عنهم وقال إني لأكره أن آكل من شيء يطبخ في فخاره وما أحب أن أغسل رأسي من طينها مخافة أن يورثني ترابها الذل ويذهب بغيرتي.
وروى الشيخ في التهذيب قال الصادق عليه السلام: نومة الغداة مشومة تطرد الرزق وتصفر اللون وتغبره وتقبحه وهو نوم كل مشوم إن الله تعالى يقسم الأرزاق ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس وإياكم وتلك النومة وكان المن والسلوى ينزل على بني إسرائيل ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس فمن نام تلك الساعة لم ينزل نصيبه وكان إذا انتبه فلا يرى نصيبه احتاج إلى السؤال والطلب.
وعن الإمام الحسن العسكري عليه السلام في قوله: ﴿وَ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ والسَّلْوى﴾ المن الترنجبين كان يسقط على شجرهم فيتناولونه والسلوى السماني أطيب طير لحما يسترسل لهم فيصطادونه وفي قوله تعالى ﴿ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ﴾ وهو أريحا من بلاد الشام وادخلوا باب القرية سجدا لله تعظيما لمثال محمد وعلي مثل الله تعالى على الباب مثال محمد وعلي وأمرهم أن يسجدوا تعظيما لذلك المثال وأن يجددوا على أنفسهم بيعتهم وذكر موالاتهم وليذكروا العهد والميثاق المأخوذ عليهم ﴿وَ قُولُوا حِطَّةٌ﴾ أي قولوا إن سجودنا لله تعظيما لمثال محمد وعلي واعتقادنا لولايتهما حطة لذنوبن ومحوا ﴿لسيئاتنا فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ﴾ أي لم يسجدوا كما أمرو وقالوا كما أمرو ولكن دخلوها من منقلبها بأستاههم وقالوا اهتطانا سمقانا أي حنطة حمراء ينقونها أحب إلينا من هذا الفعل وهذا القول ﴿فَأَنْزَلْنا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ بدلوا ما قيل لهم ولم ينقادوا لولاية محمد وعلي وآلهما الطيبين ﴿رِجْزاً مِنَ السَّماءِ﴾ والرجز الذي أصابهم أنه مات منهم بالطاعون في بعض يوم مائة وعشرون ألف كلهم من علم الله أنهم لا يؤمنون ولا يتوبون وفي قوله ﴿وَ إِذِ اسْتَسْقى مُوسى لِقَوْمِهِ﴾ طلب منهم السقي لما لحقهم العطش في التيه وضجوا بالبكاء إلى موسى عليه السلام وقالوا أهلكنا بالعطش فقال موسى إلهي بحق محمد سيد الأنبياء وبحق علي سيد الأوصياء وبحق فاطمة سيدة النساء وبحق الحسن سيد الأولياء وبحق الحسين أفضل الشهداء وبحق عترتهم وخلفائهم سادة الأزكياء لما سقيت عبادك هؤلاء فأوحى الله تعالى يا موسى ﴿اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ﴾ فضربه ﴿فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً﴾ قد علم كل قبيلة من بني أب من أولاد يعقوب مشربهم فلا يزاحم الآخرين في مشربهم ﴿وَ إِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ﴾ يعني المن والسلوى ولا بد لنا من خلط معه ﴿فَادْعُ لَنا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ...﴾ الآية فقال اهْبِطُوا مِصْراً من الأمصار من هذه التيه ﴿فَإِنَّ لَكُمْ ما سَأَلْتُمْ﴾ في المصر... الحديث.
وعن أبي عبد الله عليه السلام: إن القائم عليه السلام إذا قام بمكة وأراد أن يتوجه إلى الكعبة نادى مناديه ألا لا يحمل أحد منكم طعام ولا شراب ويحمل حجر موسى بن عمران وهو وقر بعير فلا ينزل منزلا إلا انبعث عين منه فمن كان جائعا شبع ومن كان ظامئا روي فهو زادهم حتى ينزل النجف من ظهر الكوفة.
قال الثعلبي إن الله عز وجل وعد موسى عليه السلام أن يورثه وقومه الأرض المقدسة وهي الشام وكان يسكنها الجبارون وهم العمالقة من ولد عملاق بن لاوي بن سام بن نوح عليه السلام.
فأمر الله موسى عليه السلام وقومه بالمسير إلى أرض الشام وقال يا موسى إني قد كتبتها لكم دار وقرارا فجاهد فيها من العدو فإني ناصركم عليهم وخذ من قومك اثني عشر نقيبا من كل سبط نقيبا ليكون كفيلا على قومه بالوفاء منهم على ما أمروا به.
فاختار موسى النقباء من كل سبط نقيب وأمره عليهم فسار موسى ببني إسرائيل فبعث هؤلاء النقباء يتجسسون له الأخبار ويعلمون أحوالهم.
فلقيهم رجل من الجبارين يقال له عوج بن عناق وكان طوله ثلاثة وعشرين ألف ذراع بذراع الملك وكان عوج يحتجر بالسحاب ويتناول الحوت من قرار البحر فيشويه بعين الشمس يرفعه إليها ثم يأكله.
وروي أنه أتى نوحا أيام الطوفان فقال له احملني معك في سفينتك فقال له اذهب يا عدو الله فإني لم أومر بك وطبق الماء ما على الأرض من جبل وما جاوز ركبتي عوج وعاش عوج ثلاثة آلاف سنة حتى أهلكه الله تعالى على يدي موسى.
وكان لموسى عليه السلام عسكر فرسخ في فرسخ فجاء عوج حتى نظر إليهم ثم أتى الجبل ونقر منه صخرة على قدر العسكر ثم حملها ليطبقها عليهم فبعث الله تعالى إليه الهدهد ومعه المس يعني حتى نقرا الصخرة فانبثقت فوقعت في عنق عوج فطوقته فصرعته.
فأقبل موسى عليه السلام وطوله عشرة أذرع وطول عصاه عشرة أذرع ونزا في السماء عشرة أذرع فما أصاب إلا كعبه وهو مصروع بالأرض فقتله.
فأقبل جماعة ومعهم الخناجر فجهدوا حتى حزوا رأسه فلما قتل وقع على نيل مصر فحيرهم سنة وأم عناق إحدى بنات آدم من صلبه.
فلما لقيهم عوج وعلى رأسه حزمة حطب أخذ الاثني عشر وجعلهم في حجزته وانطلق بهم إلى امرأته وقال انظري إلى هؤلاء القوم الذين يزعمون أنهم يريدون قتالنا فطرحهم بين يديه وقال أ لا أطحنهم برجلي فقالت امرأته لا بل خل عنهم حتى يخبروا قومهم بما رأوا ففعل ذلك.
و كان لا يحمل عنقود عنبهم إلا خمسة أنفر بالخشب ويدخل في شطر الرمان إذا نزع حبها خمسة أنفر وأربعة.
فلما خرجوا قال بعضهم لبعض يا قوم إنكم إن أخبرتم بني إسرائيل خبر القوم تنكرو وارتدوا عن نبي الله ولكن اكتموا شأنهم وأخبروا موسى وهارون فيرون فيه رأيهما فأخذ بعضهم على بعض الميثاق ثم انصرفوا إلى موسى بعد أربعين يوم وجاءوا بحبة من عنبهم وقر رجل وأخبروه بما رأوه.
ثم إنهم نكثوا العهد وجعل كل واحد منهم ينهى سبطه وقريبه عن قتالهم ويخبرهم بما رأوا من أحوالهم إلا يوشع بن نون وكالب بن يوحنا ختن موسى على أخته مريم.
فلما سمع القوم ذلك من الجواسيس رفعوا أصواتهم بالبكاء وقالوا يا ليتنا متنا في أرض مصر ولا يدخلنا الله فتكون نساؤن وأموالنا غنيمة لهم وأرادوا الرجوع إلى مصر وقالوا يا موسى إن فيها قوما جبارين فقال لهم موسى إن الذي أنجاكم وفلق البحر هو الذي يظهركم عليهم فلم يقبلو وهموا بالانصراف إلى مصر.
فخرق يوشع وكالب ثيابهم وقالا لهم ادخلوا على الجبارين الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون لأن الله منجز ما وعد وإنا أريناهم واختبرناهم فكانت أجسامهم قوية وقلوبهم ضعيفة فلا تخشوهم وعلى الله توكلوا إن كنتم مؤمنين.
فأراد بنو إسرائيل أن يرموهم بالحجارة وعصوهم وقالُوا ﴿يا مُوسى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَها أَبَداً ما دامُوا فِيها فَاذْهَبْ أَنْتَ ورَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ﴾ فغضب موسى ودعا عليهم فقال ﴿رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَن وبَيْنَ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ﴾ وكانت عجلة عجلها موسى فظهر الغمام على قبة الزمر فأوحى الله تعالى إلى موسى إلى متى لا يصدقون بالآيات لأهلكنهم أجمعين ولأجعلن لك شعبا أقوى وأكثر منهم فقال موسى إلهي لو أنك قتلت هذا الشعب لقالت الأمم الذين سمعوا إنما قتل هذا الشعب من أجل أنه لم يستطع أن يدخلهم الأرض المقدسة فقتلهم في البرية وأنت طويل صبرك وتغفر الذنوب فاغفر لهم ولا توبقهم فقال الله عز وجل قد غفرت لهم بكلمتك ولكن بعد ما سميتهم فاسقين ودعوت عليهم بي حلفت لأحرمن عليهم دخول الأرض المقدسة غير عبدي يوشع وكالب ولأتيهنهم في هذه البرية أربعين سنة مكان كل يوم من الأيام التي تجسسوا فيها سنة وكانت أربعين يوم ولنلقين جيفهم في هذه القفار وأما بنوهم الذين لم يعملوا الخير والشر فإنهم يدخلون الأرض المقدسة.
فذلك قوله تعالى ﴿فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً﴾ في ستة فراسخ وكانوا ستمائة ألف مقاتل فكانوا يسيرون جادين حتى إذا أمسو وباتوا فإذا هم في الموضع الذي ارتحلوا منه ومات النقباء العشرة الذين أفشوا الخبر بغتة وكل من دخل في التيه ممن جاوز العشرين سنة مات في التيه غير يوشع وكالب ولم يدخل أريحا أحد ممن قال ﴿إِنَّا لَنْ نَدْخُلَها أَبَداً﴾.
فلما هلكو وانقضت الأربعون سنة ونشأت النواشئ من ذراريهم وساروا إلى حرب الجبارين وفتح الله لهم في ذكر النعم التي أنعم الله على بني إسرائيل في التيه.
قال الله سبحانه ﴿يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ﴾ أي على أجدادكم وأسلافكم1.
1 _النور المبين / المحدّث العلامة الجليل نعمة الله الجزائري.
2012-11-28