أدب الجوارح- اليد والرجل
آداب إسلامية
الإمام السجاد زين العابدين: وأما حق يدك، فأن لا تبسطها إلى ما لا يحل لك بما تبسطها إليه من العقوبة في الآجل، ومن الناس بلسان اللائمة في العاجل، ولا تقبضها مما افترض الله عليها، ولكن توقرها بقبضها عن كثير مما لا يحل لها، وتبسطها إلى كثير مما ليس عليها...
عدد الزوار: 83
الإمام السجاد زين العابدين: ... وأما حق يدك، فأن لا تبسطها إلى ما لا يحل لك بما تبسطها إليه من العقوبة في الآجل، ومن الناس بلسان اللائمة في العاجل، ولا تقبضها مما افترض الله عليها، ولكن توقرها بقبضها عن كثير مما لا يحل لها، وتبسطها إلى كثير مما ليس عليها، فإذا هي قد عقلت وشرفت في العاجل، ووجب لها حسن الثواب من الله في الآجل1.
إن اليد كغيرها من الجوارح التي خلقها اللَّه تعالى لما فيه فائدة الإنسان فباليد يسعى الإنسان للعمل وبها يجاهد في سبيل الله ويحمي نفسه وأرضه وعرضه وباليد يتناول الأشياء... إلى الكثير من الفوائد الأخرى.
إلا أن اليد كما يمكن الاستفادة منها في الأمور التي تصب في صالح الإنسان، فإنه يمكن أن تكون سببا لدخوله في حلقة العاصين المتعرضين لسخط الملك الجبار، من هنا فلا بلد للالتفات لليد وتهذيبها حتى تكون بكل أعمالها وحركاتها وسكناتها لله رب العالمين.
عن ماذا ننزه اليد؟
لقد حرم الشارع المقدس على يد الإنسان أمورا وأوعد عليها النار، لما لهذه الأمور من أثر سلبي على النفس وعلى المحيط والمجتمع ومن هذه الأمور التي حرمها الشارع:
1- السرقة: وقد أشار الإمام الرضا عليه السلام إلى سبب تحريمها في حيث قال: "حرم الله السرقة لما فيه من فساد الأموال وقتل النفس لو كانت مباحة، ولما يأتي في التغاصب من القتل والتنازع والتحاسد، وما يدعو إلى ترك التجارات والصناعات في المكاسب، واقتناء الأموال إذا كان الشيء المقتنى لا يكون أحد أحق به من أحد"2.
والسرقة لا تتوقف عند مد اليد على المال الموجود عند الآخرين وأخذه بل يشمل كل حق في مال الإنسان لا يخرجه، ومن هذه الحقوق ما أشارت إليه الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام: "السراق ثلاثة: مانع الزكاة، ومستحل مهور النساء، وكذلك من استدان ولم ينوِ قضاءه"3.
2- الاعتداء على الغير: لم يترك الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام مناسبة إلا وتحدثوا فيها عن العلاقات الطيبة بين الأخوة في الدين لكيلا يتحول المجتمع الإسلامي الأخلاقي المنسجم المترابط إلى حلبة للمصارعة والتضارب بين كل غاضب أو ذي قوة متسلط يستعرض بين الناس قوته وبطشه، ففي الرواية عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله: "... ألا ومن لطم خد امرى مسلم أو وجهه بدد الله عظامه يوم القيامة، وحشر مغلولا حتى يدخل جهنم إلا أن يتوب"4.
3- الإضرار بالآخرين: عن الإمام الرضا عليه السلام عن رسول الله الأكرم صلى الله عليه وآله: "ليس منا من غش مسلما أو ضره أو ماكره"5.
4- اللمس المحرم: أي لمس الأجنبية بالمصافحة أو غيرها، وقد ورد في الرواية عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله: "من صافح امرأة تحرم عليه، فباء بسخط من الله"6.
اليد طريق للآخرة
بعد أن تحدثنا عن بعض الأمور التي ينبغي تهذيب اليد عنها، نشير إلى الأمور التي يكتسب فيها المؤمن آخرته من خلال يده، ومن هذه الأمور
1- الجهاد في سبيل الله: يقول تعالى: ﴿يَا أيُّهَا الَّذِينَ امَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وابتَغُوا إلَيهِ الوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا في سَبِيلِهِ لَعَلَّكُم تُفلِحُونَ﴾(المائدة:35) حيث أن الله علق حصول الفلاح على الجهاد.
وكذلك أكدت روايات المعصومين عليهم الصلاة والسلام على أهميته ففي الرواية عن أمير المؤمنين: "فإن الجهاد باب من أبواب الجنة فتحه الله لخاصة أوليائه وهو درع الله الحصينة وجنته الوثيقة، فمن تركه رغبة عنه ألبسه الله ثوب الذل وشمله البلاء"7.
2- الصدقة: والصدقة من المستحبات الأكيدة، ولها أجر كبير عند الله تعالى إذا كانت بإخلاص له عز وجل ومن آثار الصدقة أنها:
أ- تظل المؤمن من حر يوم القيامة ففي الحديث عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله: أرض القيامة نار، ما خلا ظل المؤمن فإن صدقته تظله8.
ب- تدفع البلاء ففي الحديث عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله: "الصدقة تدفع البلاء، وهي أنجح دواء، وتدفع القضاء وقد ابرم إبراماً، ولا يذهب بالأدواء إلا الدعاء والصدقة"9.
ج- تخلف البركة: ففي الحديث عن الإمام الصادق عليه السلام: "الصدقة تقضي الدين وتخلف بالبركة"10.
يبقى أن نشير إلى أن من أفضل الصدقات هي الصدقات التي تستبطن الإيثار ومثلنا الأعلى في ذلك أئمتنا الأطهار عليهم السلام، فقد أنزل الله تعالى في مدحهم سورة الدهر حيث قال عز من قائل: ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً﴾(الدهر/الإنسان:8-9).
وفي الحديث عن الإمام الصادق: "إن صاحب الكثير يهون عليه ذلك، وقد مدح الله عزَّ وجل صاحب القليل فقال: ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾(الحشر:9).
تهذيب القدم
إن القدمان اللتان أنعم الله تعالى بهما على الإنسان، واللتان تحملان الإنسان إلى مقاصده، فيسير بهما في أرض الله باحثا عن الرزق أو ساعياً في قضاء الحوائج، كغيرها من الجوارح التي تحدثنا عنها كاللسان والعين، فإنها مثلهما لا بد وأن تكون تحت سيطرة العقل الذي أدرك لزوم طاعة الله، واتباع الرسالة الإلهية، وما لم تكن كذلك فإن هذه القدم ستورد صاحبها النار أو تعرضه لسخط الجبار والعياذ بالله من غضبه، كما يمكن لها أن تورده الجنة لو التزمت بما أملاه الشرع عليها من الحدود، فما هي الحدود الشرعية لهذه الجارحة، وما هي المحذورات التي ينبغي التنبه لها والابتعاد عنها؟
القدم والمعاصي
هناك الكثير من النواهي المتعلقة باستخدام الإنسان للقدم، تعرضت لها الشريعة ومن هذه الأمور
1- المشي في خدمة الظلمة: إن تكثير أنصار الظالم هي تقوية له ومشاركة في ظلمه الذي يرتكبه بحق الناس، ولذلك ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: "من مشى مع ظالم فقد أجرم"11.
2- المشي لأصحاب البدع: لأن المشي إليهم هو دعم وتقوية لهم على المستوى العام، وهو يؤثر على الفرد أيضاً ويمكن أن يتسبب بانحرافه، لما يأتونه بأفكار ومشاريع لا تنسجم مع الدين، والأخلاقيات، ومن هنا جاء في الرواية عن أبي عبد الله، عن أبيه، عن علي عليهم السلام قال: "من مشى إلى صاحب بدعة فوقره فقد مشى في هدم الإسلام"12.
القدم والطاعات
القدم أيضاً هي نعمة إلهية خلقها الله تعالى لتكون أداة إضافية يستفيد منها الإنسان ويعمر آخرته، فكيف تكون القدم أداة عمارة الآخرة؟ يكون ذلك من خلال أمور كثيرة نشير إلى بعضها:
1- المشي إلى المساجد: إن للمسجد دوراً أساسياً ومحورياً في حياة الإنسان المؤمن، ومعلَم ومنطلق لحياة المجتمع الإسلامي، حتى نسبها الله تعالى إليه، يقول تعالى ﴿وَأَنَّ المَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلاَ تَدعُواْ مَعَ اللَّهِ أَحَداً﴾(الجن:18) من هنا كان التأكيد على المشي إلى المساجد، ومن الروايات التي تتحدث عن فضله ما ورد عن الإمام أبي عبد الله الصادق عليه السلام، أنه قال: "عليكم بإتيان المساجد فإنها بيوت الله في الأرض، ومن أتاها متطهراً طهره الله من ذنوبه وكتب من زواره فأكثروا فيها من الصلاة والدعاء"13.
2- المشي لقضاء حاجة المؤمن
والمشي في قضاء حوائج المؤمنين من أعظم العبادات وفضلها عظيم عند الله تعالى ففي الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام: "من مشى مع أخيه المسلم في حاجته كتب الله له ألف ألف حسنة، ومحا عنه ألف ألف سيئة، ورفع له ألف ألف درجة"14.
وفي رواية أخرى عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، قال: "من مشى إلى أخيه بدين ليقضيه إياه فله به صدقة"15.
3- المشي لزيارة المراقد المطهرة: وقد وردت فيها الروايات الكثيرة منها ما عن الإمام الرضا عليه السلام: "ما زارني أحد من أوليائي عارفا بحقي إلا تشفعت له يوم القيامة"16.
وعنه: "من أتى قبر الحسين عليه السلام ماشيا كتب الله له بكل خطوة ألف حسنة، ومحى عنه ألف سيئة ورفع له ألف درجة..."17.
4- المشي في الجنائز: عن الإمام أبي جعفر محمد الباقر عليه السلام: "من مشى مع جنازة حتى يصلى عليها ويرفع كان له قيراط من الأجر فإذا مشى معها حتى تدفن كان له قيراطان والقيراط مثل جبل أحد"18.
من مات ماشياً في طاعة الله تعالى
ليس للموت موعد مسبق وهو الذي يدهم الناس فجأة بدون إذن فما مصير من أدركه الموت وهو يمشي في طاعة من طاعات الله سبحانه وتعالى؟
يقول أمير المؤمنين: "ضمنت لستة الجنة: رجل خرج بصدقة فمات فله الجنة، ورجل يخرج يعود مريضا فمات فله الجنة ورجل خرج مجاهدا في سبيل الله فمات فله الجنة، ورجل خرج حاجا فمات فله الجنة ورجل خرج إلى الجمعة فمات فله الجنة ورجل خرج في جنازة فمات فله الجنة"19.
ولكن المصيبة بل كل المصيبة أن يدركنا الموت ونحن على معصية الله تعالى والعياذ بالله نسأله تعالى حسن العاقبة وحسن الخاتمة.
للمطالعة
اليقظة من الغفلة
من مواعظ الإمام الخميني قدس سره في كتاب "الأربعون حديثاً":اعلم إذاً، أيها العزيز، أن أمامك رحلة خطرة لا مناص لك منها، وأن ما يلزمها من عدّة وعدد وزاد وراحلة هو العلم والعمل الصالح. وهي رحلة ليس لها موعد معين، فقد يكون الوقت ضيقاً جداً، فتفوتك الفرصة. إن الإنسان لا يعلم متى يقرع ناقوس الرحيل للانطلاق فوراً. إن طول الأمل المعشعش عندي وعندك الناجم من حب النفس ومكائد الشيطان الملعون ومغرياته، تمنعنا من الاهتمام بعالم الآخرة ومن القيام بما يجب علينا. وإذا كانت هناك مخاطر وعوائق في الطريق، فلا نسعى لإزالتها بالتوبة والإنابة والرجوع إلى طريق الله، ولا نعمل على تهيئة زاد وراحلة، حتى إذا ما أزف الوعد الموعود اضطررنا إلى الرحيل دون زاد ولا راحلة. ومن دون العمل الصالح، والعلم النافع، اللذان تدور عليهما مؤونة ذلك العالم، ولم نهيىء لأنفسنا شيئاً منهما. حتى لو كنا قد عملنا عملاً صالحاً، فإنه لم يكن خالصاً بل مشوباً بالغش، ومع آلاف من موانع القبول وإذا كنا قد نلنا بعض العلم، فقد كان علماً بلا نتيجة وهذا العلم إما أنْ يكون لغواً وباطلاً، وإما أنه من الموانع الكبيرة في طريق الآخرة. ولو كان ذلك العلم والعمل صالحين، لكان لهما تأثير حتمي وواضح فينا نحن الذين صرفنا عليهما سنوات طوالاً، ولغيّرا من أخلاقنا وحالاتنا. فما الذي حصل حتى كان لعملنا وعلمنا مدة أربعين أو خمسين سنة تأثير معكوس بحيث أصبحت قلوبنا أصلب من الصخر القاسي؟ ما الذي جنيناه من الصلاة التي هي معراج المؤمنين؟ أين ذلك الخوف وتلك الخشية الملازمة للعلم؟ لو أننا أجبرنا على الرحيل ونحن على هذه الحال لا سمح اللَّه لكان علينا أن نتحمل الكثير من الحسرات والخسائر العظيمة في الطريق، مما لا يمكن إزالته!.
إذاً، فنسيان الآخرة من الأمور التي يخافها علينا وليّ الله الأعظم، الإمام أمير المؤمنين عليه السلام، ويخاف علينا من الباعث لهذا النسيان وهو طول الأمل، لأنه يعرف مدى خطورة هذه الرحلة، ويعلم ماذا يجري على الإنسان الذي يجب أن لا يهدأ لحظة واحدة عن التهيؤ وإعداد الزاد والراحلة، عندما ينسى العالم الآخر، ويستهويه النوم والغفلة من دون أن يعلم أن هناك عالماً آخر، وأن عليه أن يسير إليه حثيثاً. وماذا سيحصل له وما هي المشاكل التي يواجهها؟
يحسن بنا أن نفكر قليلاً في سيرة أمير المؤمنين والنبي الكريم صلّى اللَّه عليه واله وسلم، وهما من أشرف خلق اللَّه ومن المعصومين عن الخطأ والنسيان والزلل والطغيان، لكي نقارن بين حالنا وحالهم. إن معرفتهم بطول السفر ومخاطره قد سلبت الراحة منهم، وأن جهلنا أوجد النسيان والغفلة فينا.
إن نبينا صلى الله عليه وآله قد روّض نفسه كثيراً في عبادة اللَّه، وقام على قدميه في طاعة الله حتى ورمت رجلاه، فنزلت الآية الكريمة تقول له: ﴿طه، مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْانَ لِتَشْقَى﴾(طه:2). وعبادات علي عليه السلام وتهجّده وخوفه من الحق المتعال معروف للجميع.
إذاً، اعلم أن الرحلة كثيرة المخاطر، وإنما هذا النسيان الموجود فينا ليس إلاّ من مكائد النفس والشيطان، وما هذه الآمال الطوال إلاّ من أحابيل إبليس ومكائده. فتيقظ أيها النائم من هذا السبات وتنّبه، واعلم أنك مسافر ولك مقصد، وهو عالم آخر، وأنك راحل عن هذه الدنيا، شئت أم أبيت. فإذا تهيأت للرحيل بالزاد والراحلة لم يصبك شيء من عناء السفر، ولا تصاب بالتعاسة في طريقه، وإلاّ أصبحت فقيراً مسكيناً سائراً نحو شقاء لا سعادة فيه، وذلّه لا عزّة فيها وفقر لا غناء معه وعذاب لا راحة منه. إنها النار التي لا تنطفئ والضغط الذي لا يخفف، والحزن الذي لا يتبعه سرور، والندامة التي لا تنتهي أبداً.
*جهاد النفس، إعداد ونشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، ط1، حزيران 2005م ، ص109-120.
2- ميزان الحكمة محمدي الريشهري، ج2، ص1298.
3- ميزان الحكمة محمدي الريشهري، ج2، ص1299.
4- مكاتيب الرسول الأحمدي الميانجي، ج2، ص149.
5- مستدرك سفينة البحار الشيخ علي النمازي، ج6، ص457.
6- الأمالي الشيخ الصدوق، ص515.
7- نهج البلاغة، ج1، الخطبة27.
8- ميزان الحكمة محمدي الريشهري، ج2، ص1594.
9- ميزان الحكمة محمدي الريشهري، ج2، ص1595.
10- ميزان الحكمة محمدي الريشهري، ج2، ص1597.
11- مستدرك الوسائل الميرزا النوري، ج31، ص125.
12- وسائل الشيعة (آل البيت) الحر العاملي، ج61، ص268.
13- بحار الأنوار، ج80، ص384.
14- مختلف الشيعة العلامة الحلي، ج4، ص197.
15- مستدرك الوسائل الميرزا النوري، ج7، ص263.
16- ميزان الحكمة محمدي الريشهري، ج2، ص1199.
17- وسائل الشيعة (آل البيت) الحر العاملي، ج41، ص440.
18- المعتبر المحقق الحلي، ج1، ص333.
19- وسائل الشيعة (الإسلامية) الحر العاملي، ج8، ص251. 2009-08-12