ميزان السلوك
الأخلاق في القرآن
على السالك إلى الله سبحانه وتعالى أن يحصر ما يود عمله بموارد لا يعتريها الشك، كما أن عليه الحذر من أمور أخرى، وحينها يكون قد نهل العلم من منابعه الأصيلة التي لا يعتريها كدر ولا يشوبها باطل، ولا بد من أن يكون هذا الالتزام بالموارد المحددة والحذر من الأمور الأخرى.
عدد الزوار: 205
يقول تعالى: ﴿مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ﴾(النساء:79)، هذه الآية الكريمة على قصرها تؤكد على حقيقة أن الحسنات لا تكون إلا بما علم الله تعالى وأوحى به لأنبيائه وأن طريق الهداية لا يمكن الإهتداء اليها لولا الوحي الذي رسمه الله تعالى، فالناس إن اتبعوا ما أنزل إليهم عبر الأنبياء اهتدوا، وأما إن تركوا مضمون هذا الوحي ليبحثوا عن طرق وصول خلف ذلك معتمدين على أنفسهم فلن يحصدوا إلا الخيبة ولن تكون لهم إلا السيئة.
على السالك إلى الله سبحانه وتعالى أن يحصر ما يود عمله بموارد لا يعتريها الشك، وحينها يكون قد نهل العلم من منابعه الأصيلة التي لا يعتريها كدر ولا يشوبها باطل.
وسنذكر فيما يلي المنابع الأصيلة وما ينبغي الحذر منه في هذه الطريق الطويلة.
المنابع الأصيلة
1- القرآن الكريم
فالقرآن الكريم كتاب الهداية الذي أنزله الله تعالى على رسوله الأكرم محمد صلى الله عليه وآله لكي يكون كتاب هداية للأمة سواء من خلال التشريع الذي تضمنه أو من خلال الإرشاد والوعظ الموجود فيه، فعن الإمام أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب عليه السلام في صفة القرآن: "جعله الله ريا لعطش العلماء، وربيعاً لقلوب الفقهاء"1.
وفي وصية الإمام علي عليه السلام إلى ابنه الإمام الحسن عليه السلام: "أن أبتدئك بتعليم كتاب الله عز وجل وتأويله، وشرائع الإسلام وأحكامه، وحلاله وحرامه، لا أجاوز ذلك بك إلى غيره".
2- الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله
ولكن لسائل أن يسأل: كيف يمكن للإنسان أن يعرف مراد القرآن ولا سيما أن المفسرين قد يختلفون في تفسيره، وأن كل الفئات والمذاهب والمسالك تدعي تمسكها بالقرآن الذي يعتبر الفرقان بين الحق والباطل فكيف لنا أن نعلم مراد الله الحقيقي من خلال التفسير على اختلافه بين العلماء؟
ومن هنا لا بد وأن نرجع إلى الرسول الأكرم الذي يعتبر أولى الناس بشرح معاني القرآن ومراد الله تعالى منه قال تعالى: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾(الحشر:7).
3- أهل البيت عليهم السلام
وقد حدد لنا الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله منهجاً واضحاً ومعياراً وميزاناً أمرنا بالتمسك به حينما قال صلى الله عليه وآله: "إني تارك فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض"2.
في الرواية عن الإمام الباقر عليه السلام: لسلمة بن كهيل والحكم بن عتيبة: "شرقا وغربا لن تجدا علماً صحيحاً إلا شيئاً يخرج من عندنا أهل البيت"3.
وعن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله: العلم ثلاثة: "كتاب ناطق، وسنة ماضية، ولا أدري"4.
4- العلماء
ويمكن للسائل أن يسأل من جديد: إن ما وصل إلينا من الروايات فيه الصحيح وغيره فمن أين للإنسان أن يميز الغث من السمين والصحيح من السقيم؟
والجواب: أنه ليس على كل إنسان أن يميز الصحيح من السقيم من هذا الكم الهائل من الأحاديث التي وردت إلينا، بل إن أهل البيت قد أرشدونا إلى الطريق لمعرفة ذلك فعن الإمام الصادق عليه السلام: "أما من كان من الفقهاء صائنا لنفسه، حافظاً لدينه، مخالفاً لهواه، مطيعاً لأمر مولاه، فللعوام أن يقلدوه"5.
فعلماؤنا رضوان الله تعالى عليهم قد بذلوا أعمارهم، وأضنوا عيونهم في دراسة ما ورد عن أهل البيت عليهم السلام من روايات ليحددوا الصحيح منها من السقيم ويتلمسوا المراد من صحيحها وما عناه أهل البيت عليهم السلام من أسرار العلوم الإلهية الحقة.
فالعلماء كما وصفهم الإمام الصادق: "إن العلماء ورثة الأنبياء، وذلك أن الأنبياء لم يورثوا درهماً ولا ديناراً، وإنما ورثوا أحاديث من أحاديثهم فمن أخذ شيئاً منها فقد أخذ حظاً وافراً، فانظروا علمكم هذا عمن تأخذونه فإن فينا أهل البيت في كل خلف عدولاً ينفون عنه تحريف الغالين، وانتهال المبطلين، وتأويل الجاهلين"6.
وبعد هذا كله يتلخص لدينا: إن على السائر إلى الله تعالى أن يستقي العلم من القرآن المشروح بلسان الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام، فيما ورد وقال عنه العلماء بأنه صحيح مما قالوه وشرحوه لنا من أسرار علومهم وما استنبطوه من الأحكام من خلال الأحاديث والآيات القرآنية المباركة، فإن من أعظم التوفيقات الإلهية أن يجد الإنسان المرشد من العلماء الذين أطاعوا الله تعالى حق طاعته، فيكون بمثابة دليل له في هذا الطريق، يحذره من قطاعها ويعرفه على تفاصيلها ويشد عزمه لو أحس منه الكسل أو الضجر، ويقومه لو رأى منه الزلل.
ما ينبغي الحذر منه
1- ما يخالف الشريعة
قد يتجه بعض الناس إلى أساليب غير شرعية ظناً منهم أن ذلك سيوصلهم إلى تكامل وروحية معينة، وقد يحصل لبعضهم بعض القوى الروحية كالعلم بالضمائر أو القدرة على المشي على النار فيعتبر ذلك كمالاً له، إلا أن ذلك ليس إلا لأجل الرياضات التي روض نفسه عليها وليس ذلك من الله بشيء، كما أن الحصول على هذه القوى ليست هدفاً للإنسان السالك إلى اللَّه تعالى بل قد تكون عائقاً في كثير من الأحيان أمام الاستمرار في السلوك لما يتبعها من العجب أو الاعتداد الزائد بالنفس، ومن تلك الأساليب غير الشرعية التي ينبغي الحذر منها:
أ- إرهاق الجسد: ويكون ذلك بتعذيبه أشد العذاب كالجرح بالآلات الحادة أو التجويع الذي يشارف الإنسان فيه على الموت أو الهلاك وغيرها من الأمور التي تحرمها الشريعة من باب عدم جواز أذية النفس.
ب- السقوط من أعين الناس: وأصحاب هذه الفكرة السقيمة يقومون بارتكاب المحرمات أمام الملأ ليسقطوا من أعين الناس لأن سقوطهم من أعين الناس بحسب زعمهم يجعلهم نظيفي النفوس من حب الاشتهار الذي يرجع إلى حب النفس، وهذا محرم شرعاً بما فيه من تحقير للنفس التي كرمها الله ومن ارتكاب للمحرمات التي تسقط الإنسان من عين الله قبل أعين الناس.
ج- العزلة عن المجتمع: ويتصور أصحاب هذه النظرية أن الابتعاد عن الناس يجعل قلب الإنسان صافياً وعبادته خالية من الرياء وغيره من الشوائب، ويكفي رداً عليهم ما جاء عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله: "لا رهبانية في الإسلام"7.
وفي رواية أخرى عنه صلى الله عليه وآله: "من أصبح لا يهتم بأمور المسلمين فليس منهم"8.
بل إنه صلى الله عليه وآله قد حارب هذه الممارسة منذ أيام الدعوة الأولى وطيلة حياته ففي الرواية عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " إن ثلاث نسوة أتين رسول الله صلى الله عليه وآله فقالت إحداهن: إن زوجي لا يأكل اللحم، وقالت الأخرى: إن زوجي لا يشم الطيب، وقالت الأخرى: إن زوجي لا يقرب النساء، فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله يجر رداءه، حتى صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: ما بال أقوام من أصحابي لا يأكلون اللحم ولا يشمون الطيب ولا يأتون النساء، أما إني آكل اللحم وأشم الطيب وآتي النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني"9.
2- الاختراع
والاختراع هو أن يبتدع الإنسان من خلال عقله عبادة معينة لم ترد في الكتاب ولم ترد في السنة المأثورة عن نبينا صلى الله عليه وآله وأهل بيته، وهذا الاختراع مما نهى عنه أهل البيت وفي الرواية عن عبد الرحيم القصير قال: دخلت على أبي عبد الله عليه السلام فقلت: جعلت فداك إني اخترعت دعاء قال: "دعني من اختراعك إذا نزل بك أمر فافزع إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وصل ركعتين تهديهما إلى رسول الله صلى الله عليه وآله"...10.
3- الهوى
وهو ما تمنّيه النفس الخيالية للإنسان من شهوات لتزيله عن مرتبة الإخلاص كالجاه وحب الدنيا وغيرها من الشهوات الزائلة، ومنها الكرامة بين الناس، وقد روي عن الإمام علي عليه السلام أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: "... أما أتباع الهوى فيصد عن الحق، وأما طول الأمل فينسي الآخرة"11.
*جهاد النفس، إعداد ونشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، ط1، حزيران 2005م ، ص31-41.
2- وسائل الشيعة الحر العاملي، ص. آل البيت، ج27، ص34.
3- بحار الأنوار العلامة المجلسي، ج2، ص92.
4- ميزان الحكمة محمد الريشهري، ج3، ص2103.
5- مستدرك سفينة البحار الشيخ علي النمازي، ج8، ص576.
6- بحار الأنوار العلامة المجلسي، ج2، ص92.
7- بحار الأنوار العلامة المجلسي، ج1، ص206.
8- وسائل الشيعة (آل البيت) الحر العاملي، ج61، ص337.
9- الكافي الشيخ الكليني، ج5، ص496.
10- الكافي الشيخ الكليني، ج3، ص476.
11- منية المريد الشهيد الثاني، ص146. 2009-08-11