العقل ودوره في الأخلاق
الأخلاق في القرآن
يقول الإمام علي عليه السلام: أغنى الغنى العقل، وأكبر الفقر الحمق. هذه الرواية من لسان أمير البلغاء والحكماء، تعطي للعقل دوراً مهمّاً في حياة الإنسان، وفي مقابل العقل أي الحمق تعطيه محلاً هابطاً في وجود الإنسان..
عدد الزوار: 311
يقول الإمام علي عليه السلام: "أغنى الغنى العقل، وأكبر الفقر الحمق"1.
هذه الرواية من لسان أمير البلغاء والحكماء، تعطي للعقل دوراً مهمّاً في حياة الإنسان، وفي مقابل العقل أي الحمق تعطيه محلاً هابطاً في وجود الإنسان.
فبين العقل والحمق مساحة واسعة، فأينما وجد العقل كان الغنى، وأينما وجد الحمق كان الفقر.
ولقد فسِّر العقل لغة: "العلم بصفات الأشياء من حسنها وقبحها وكمالها ونقصانها أو العلم بخير الخيرين أو شرِّ الشرِّين أو مطلق الأمور، أو القوة التي بها يكون التمييز بين القبح والحسن..."2.
ولقد فسِّر الحمق لغة: "وحقيقة الحمق وضع الشيء في غير موضعه مع العلم بقبحه،... والأحمق قليل العقل"3.
ولذا عندما سئل الإمام الصادق عليه السلام ما العقل؟ قال: "ما عبد به الرحمن واكتسب به الجنان، قال قلت: فالذي كان في معاوية؟ فقال: ذلك النكراء تلك الشيطنة وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل"4.
إذن فالعقل حسب الرواية هو ما يؤدي إلى طاعة اللَّه وعبادته، ونتيجة ذلك الوصول إلى رضا اللَّه وجنّة الخلد، وطبيعي أنَّ هذا العقل هو الذي يميِّز بين الحسن والقبح والكمال والنقصان، ويميِّز بين الخير والشر.
أما الخداع والفسق والفجور والفساد والفحشاء، هذه كلها خلاف العقل، حتى ولو كان الإنسان أذكى الأذكياء، ومن السَّاسة البارزين، ومن المخترعين الجهابذة، إلا أنه إن لم يوصله عقله إلى اللَّه والصلاح فهو ليس بعاقل، في المفهوم الإسلامي.
فما نراه في الغرب من تطوّر علمي وتكنولوجي، شيء جيِّد، ولكن هذا العقل الذي أوصل إلى هذا التطوّر التقني، هو ليس عقلاً بالمفهوم الإسلامي. إن العقل في الإسلام، هو الذي يوصل إلى الغنى المعنوي، والكمال الروحي والأخلاقي، أما الغنى المادي وإن كان ليس مرفوضاً إسلامياً دون الغنى النفسي فهذا لا يعني شيئاً في التصور الإسلامية.
وهنا لسائل أن يسأل طالما أن الإنسان يملك عقلاً، لماذا لم يصل كلُّ الناس إلى اللَّه؟ ولماذا ينغمس كثير من الناس في المفاسد والغرب أكبر مصداق ؟
هنا يأتي الجواب، إن هذا العقل الذي وضعه اللَّه في البشر، ليميِّزوا بين التقوى والفجور "ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها" قد يصل إلى مرحلة لا يستطيع التمييز فيها وذلك لموانع وأسباب.
موانع العقل
هناك موانع كثيرة تعيق العقل وتقف حاجزاً بينه وبين اللَّه أهمها على الاطلاق اتباع الهوى والشهوات.
1- اتّباع الشهوات: إنَّ غلبة الشهوة على كيان الإنسان، يجعل هناك حجاباً عظيماً، بحيث يعطل العقل النوراني عن دوره، فلا يميِّز بين القبيح والحسن.
والمقصود بالشهوات ما ذكر في الاية الكريمة ﴿زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسوَّمة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا﴾(ال عمران:14).
هنا أريد أن أعطيكم مثالاً من التاريخ، المجتمع الرومي، الذي كان مستغرقاً في الشهوات بحيث وصل إلى مرحلة لم يعد يتذوّق معنى الروح والأخلاق.
يقول درابر الأمريكي عن الدولة الرومية وهي في الحقيقة أم الحضارة الغربية الحالية: "لمّا بلغت الدولة الرومية في القوّة الحربية والنفوذ السياسي أوجها، ووصلت في الحضارة إلى أقصى الدّرجات، هبطت في فساد الأخلاق وفي الانحطاط في الدين والتهذيب إلى أسفل الدّركات.
بطر الرومان معيشتهم وأخلدوا إلى الأرض واستهتروا استهتاراً، وكان مبدؤهم أن الحياة إنما هي فرحة للتمتع، ينتقل فيها الإنسان من نعيم إلى ترف ومن لهو إلى لذّة... كانت موائدهم تزهو بأواني الذهب والفضة مرصعة بالجواهر، ويحتف بهم خدّام في ملابس جميلة خلاّبة وغادات رومية حسان وغوان كاسيات عاريات غير متعفِّفات... ويزيد في نعيمهم حمّامات باذخة وميادين للهو واسعة ومصارع يتصارع فيها الأبطال مع الأبطال أو السباع... كان نظام روما المدني يشف عن أبّهة الملك، ولكنه كان طلاء خادعاً كالذي نراه في حضارة اليونان في عهد انحطاطها"5.
ممّا سرده (درابر) نرى انزلاق الدولة الرومية في المفاسد والانحرافات وضعف الروح والأخلاق، وذلك لغلبة الشهوات.
العالم الغربي اليوم هو نسخة طبق الأصل عن المجتمع الرومي، فقد فقدَ المجتمع الغربي العقل النوراني باتباعه للشهوات، ولم يعد يدري الصواب من الخطأ، وانغمس في مفاسد سترديه إلى مزبلة التاريخ.
ولقد عبّر الصحافي الأمريكي (John Gunther) جون كونثر، عن نفسية الانجليز وعقليتهم المتبعة للشهوات المادّية "إن الإنجليز إنما يعبدون بنك إنجلترا ستة أيام في الأسبوع ويتوجهون في اليوم السابع إلى الكنيسة!"6.
إن المجتمع الغربي لإنغماسه في الشهوات لم يعد يؤمن حتى بالمسيحية كدين، يقول جون رئيس الفلسفة وعلم النفس في جامعة لندن: "سألت عشرين طالباً وتلميذة كلهم في أوائل العقد الثاني من أعمارهم: كم منهم مسيحي بأي معنى من المعاني فلم يجب ب"نعم" إلا ثلاثة فقط، وقال سبعة منهم: إنهم لم يفكروا في هذه المسألة أبداً. أما العشرة الباقية فقد صرّحوا أنهم معادون للمسيحية..."7.
وإليك بعض مفاسد الجاهلية الحديثة، لترى كيف فقدوا حاسَّة التمييز بين الحسن والقبح
• ثمانية الاف جريمة عنصرية في عام واحد في أميركا.
• مليون وثمانمائة ألف طفل غير شرعي في بريطانيا.
• نحو تشريع البغاء في أوروبا.
• هولندا تجيز زواج المثليين، وفرنسا على الطريق ذاته8.
أليست هذه حماقات، تؤدي إلى الفقر المعنوي، وتمنع عن الغنى الروحي؟
2- كثرة الذنوب: ... وقد أشار القران الكريم إلى هذا المعنى ﴿كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾(المطففين:14)، والقلب يطلق أيضاً على العقل.
قال الفرّاء: "قد يعبِّر بالقلب عن العقل كما في قوله: إنَّ في ذلك لذكرى لمن كان له قلب، أي عقل"9.
3- ترك جهاد النفس: ... فإنَّ الإنسان الذي لا يربّي نفسه ويراقبها ويجاهدها، فسيقع في الذنوب، وبالتالي ستحجب عنه الرؤية الصحيحة، ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾(العنكبوت:69). أما من لم يجاهد فإنه سيفقد الهداية.
تنمية العقل
على الإنسان المؤمن بعدما عرف خطورة الحمق، وأهمية العقل، أن ينمي عقله ويسعى للوصول إلى الغنى الروحي والمعنوي.
ومما عرفت من موانع العقل، تعرف الأسباب التي تدعو إلى رقي العقل وتطوره، وهي كثيرة أهمها:
1- عدم اتباع الشهوات المنحرفة.
2- عدم الاقتراب من الذنوب.
3- والجهاد الدائم والمتواصل ضد أهواء النفس.
ونزيدك هنا أموراً تساعد على التنمية العقلية، منها
4- مجالسة العلماء والصالحين: وهذا أمرٌ مهم في رقي العقل ونمائه، يقول الإمام علي بن الحسين عليه السلام: "مجالسة الصالحين داعية إلى الصلاح، واداب العلماء زيادة في العقل... وكف الأذى من كمال العقل"10.
5- قراءة القران والتدبر والتفكر باياته: يقول اللَّه تعالى: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾(يوسف:2).
6- الاستزادة من العلم الإلهي، أي: التفقه في الدِّين، أو بمعنى عصري: أن تسعى لامتلاك الثقافة الإسلامية.
ففي القران ايات كثيرة تشير إلى أهمية العلم ودوره في ترقية العقل، مثل: ﴿وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ﴾(العنكبوت:43).
لاحظ أن هذه الاية تشير إلى أن العالمين هم الذين يعقلون أمثال اللَّه واياته.
﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء﴾(فاطر:28).
﴿هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾(الزمر:9).
العقل في القرآن
لقد حثَّ القران الكريم في كثيرٍ من اياته على التعقُّل، ولطالما كرَّر عبارة "أفلا تعقلون"، وهنا نماذج من ذلك:
﴿ذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾(البقرة:242).
﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَآجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنزِلَتِ التَّورَاةُ وَالإنجِيلُ إِلاَّ مِن بَعْدِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ﴾(ال عمران:65).
﴿يَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلاَ تَعْقِلُون﴾(هود:51).
﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾(يوسف:2).
﴿...أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ اتَّقَواْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ﴾(يوسف:109).
﴿أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾(الأنبياء:67).
﴿وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَلَهُ اخْتِلَافُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾(المؤمنون:80).
﴿مَا أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾(القصص:60).
بعض ما ورد في السنّة في العقل
• كمال العقل فيمن يحبه اللَّه
عن أبي جعفر عليه السلام قال: "لما خلق اللَّه العقل استنطقه ثم قال له: أقبل فأقبل، ثم قال أدبر فأدبر، ثم قال: وعزتي وجلالي ما خلقت خلقاً هو أحب إلي منك ولا أكملتك إلا فيمن أحب، أما إني إياك آمر وإياك أنهى وإياك أعاقب وإياك أثيب"11.
• دعامة الإنسان العقل
عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: "دعامة الإنسان العقل، والعقل منه الفطنة والفهم والحفظ والعلم، وبالعقل يكمل وهو دليله ومبصره ومفتاح أمره، فإذا كان تأييد عقله من النور كان عالماً حافظاً ذاكراً فطناً، وأخلص الوحدانية للَّه وأقر بالطاعة، فإذا فعل ذلك كان مستدركاً لما فات، ووارداً على ما هو آت، يعرف ما هو فيه ولأي شيء هو ها هنا، ومن أين يأتيه، وإلى ما هو صائر، وذلك كله من تأييد العقل"12.
• العقل دليل المؤمن
عن أبي عبد اللَّه عليه السلام: "العقل دليل المؤمن"13.
• الفلاح مع العقل
وعنه أيضاً عليه السلام: "لا يفلح من لا يعقل"14.
• فقد العقل فقد الحياة
عن أمير المؤمنين عليه السلام: "... مفارقة الدين مفارقة الأمن، فلا يتهنّأ بحياة مع مخافة، وفقد العقل فقد الحياة ولا يقاس إلا بالأموات"15.
• بين الإيمان والكفر قلة العقل
عن أبي عبد اللَّه عليه السلام: "ليس بين الإيمان والكفر إلا قلة العقل، قيل وكيف ذاك يا ابن رسول اللَّه؟ قال: إن العبد يرفع رغبته إلى مخلوق فلو أخلص نيته للَّه لأتاه الذي يريد في أسرع من ذلك"16.
• الشباب والعقل
في حديث عن ابن مسعود: "الشباب شعبة من الجنون، إنّما جعله شعبة منه، لأنَّ الجنون يزيل العقل، وكذلك الشباب قد يسرع إلى قلة العقل، لما فيه من كثرة الميل إلى الشهوات"17.
موعظة للعبرة
في نهاية المطاف نقول: إن ما يميِّز الإنسان عن الحيوان، هو العقل، الذي به يحيي الإنسان، ومن دونه يموت، حتى ولو كان حيَّاً في الدنيا.
علينا أن نسعى بكلِّ نشاط، لتنمية عقولنا بالجهاد الدائم والمتواصل ضد أهواء النفس، وبمجالسة العلماء الربّانيين، وبقراءة القرآن والتفكُّر، وبالسيطرة على شهواتنا التي تُنزل بنا إلى مرتبة الحيوانية، وبغير ذلك من وسائل التنمية العقلية التي مرّت معكم.
ألا نسمع نداء اللَّه لنا في القران الكريم؟ أفلا تعقلون؟...
موعظة للعبرة
في التفكر في المصنوع
يقول الإمام الخميني قدس سره : ومن مراتب التفكُّر، التفكُّر في روائع الصنع واتقانه ودقائق الخلق، بما يتناسب وقدرة الإنسان من طاقة للتفكر. ونتيجة هذا التفكُّر هي معرفة المبدأ الكامل والصانع الحكيم...
وملخّص الكلام، أن التفكّر في لطائف الصنعة ودقائقها وفي اتقان نظام الخليقة، من العلوم النافعة، ومن أفضل الأعمال القلبية، وخير من جميع العبادات، لأن نتيجته أشرف نتيجة...
وعلى أيّ حال أنَّ الإطلاع على لطائف الصنعة وأسرار الخليقة بحسب الحقيقة والواقع لم يتيسَّر للبشر، حتى الآن.
إنَّ أساس الخليقة ونظامها يكون من الدقة والاستحكام ومن الجمال والكمال في مستوى لو أن الإنسان أمعن النظر في أي كائن مهما كان حقيراً، مستخدماً كل علومه التي اكتسبها خلال قرون، لما استطاع أن يطلع على نسبة واحد بالألف، من ذلك، فكيف له أن يتمكن من إدراك النظام الكلي الجميل...
إننا سنلفت انتباهك إلى إحدى دقائق الخلق...
أيها العزيز، انظر وتأمل في العلاقة بين هذه الشمس والأرض. وفي المسافة المعينة بين الشمس والأرض، وحركة الأرض حول نفسها وحول الشمس. تلك الحركة التي تكون على مدار محدّد فيحصل منها الليل والنهار والفصول. فما أتقنه من صنع وما أكملها من حكمة.
ولولا هذا التنظيم، أي لو كانت الشمس أقرب أو أبعد، لما تكوّن في الأرض في الحالة الأولى من الحر، وفي الحالة الثانية من البرد معدن، ونبات، وحيوان. كذلك لو توقفت الأرض عن الحركة، على ما هي عليه من البعد عن الشمس لما كان الليل أو النهار، ولا كانت الفصول، ولما تكوّنت الأرض نهائياً أو القسم الأكبر منها...
فهل بعد هذا التفكّر يحتاج عقلك إلى دليل اخر ليذعن بأن كائناً عالماً حكيماً، لا يشبه الكائنات الأخرى، هو الذي أوجد هذه الكائنات بكل حكمة ونظام وترتيب واتقان؟
﴿أَفِي اللّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ﴾(إبراهيم:10).
إن كلَّ هذا الخلق المتقن الذي يعجز عقل الإنسان عن فهمه، لم يظهر عبثاً وتلقائياً فلتعم عين القلب التي لا ترى اللَّه، ولا تشاهد جمال جميله في هذه المخلوقات. وليمحق الذي يبقى في الشك والتردد بعد كل هذه الايات والاثار، ولكن ما الذي يستطيع هذا الإنسان المسكين عمله بالأوهام؟
لو أنك عرضت مسبحتك وزعمت أن حبّاتها قد انتظمت تلقائياً من دون أن ينظمها منظم، لاستهزأت بك البشرية.
والأدهى من ذلك أنك لو أخرجت ساعتك من جيبك وزعمت نفس الزعم نفسه أيضاً بالنسبة إليها، ألا يخرجونك من زمرة العقلاء؟ وألا يرميك كل عقلاء العالم بالجنون؟ فإذا وصف الذي يُخرج نظام هذه الساعة من قاعدة العلة والمعلول، بأنه مجنون ويجب أن يُحرم من حقوق العقلاء فما الوصف المناسب الذي يجب أن يوصف به من يزعم أن نظام هذا العالم، لا بل هذا الإنسان ونظام روحه وجسمه قد ظهر تلقائياً؟ هل يجب إبقاؤه في زمرة العقلاء؟ ترى أي بلهٍ أشدّ من هذا؟ ﴿قُتِلَ الْإِنسَانُ مَا أَكْفَرَه﴾(عبس:17)18.
1- بحار الأنوار، المجلسي، ج1، ص95.
2- القاموس المحيط، الفيروزابادي، ج4، ص18.
3- تاج العروس، الزبيدي، ج6، ص223.
4- شرح أصول الكافي، مولى محمد صالح المازندراني، ج1، ص74.
5- ماذا فسر العالم بانحطاط المسلمين، أبو الحسن الندوي، ص184.
6- ن.م، ص203.
7- ن.م، ص200.
8- مجلة نور الإسلام، عدد 72 71، ص91، عدد 76 75، ص97، عدد 78 77، ص586.
9- لسان العرب، ابن منظور، ج1، ص687.
10- شرح أصول الكافي، مولى محمد صالح المازندراني، ج1، ص175.
11- شرح أصول الكافي، مولى محمد صالح المازندراني، ج1، ص65.
12- ن.م، ص310.
13- ن.م، ص315.
14- ن.م، ص320.
15- ن.م، ص327.
16- ن.م، ص332.
17- لسان العرب، ابن منظور، ج1، ص500.
18- الأربعون حديثاً، الإمام الخميني قدس سره، ص191 وما بعدها.