ثمرة الاعتقاد بالبداء
العدل
والبداء:انما يكون في القضاء الموقوف، المعبّر عنه بلوح المحو واللإثبات. والالتزام بجواز البداء فيه لا يستلزم نسبة الجهل إلى الله سبحانه، و ليس في هذاالالتزام ما ينافي عظمته و جلاله.
عدد الزوار: 342
والبداء:انما يكون في القضاء الموقوف، المعبّر عنه بلوح المحو واللإثبات. والالتزام بجواز البداء فيه لا يستلزم نسبة الجهل إلى الله سبحانه، و ليس في هذاالالتزام ما ينافي عظمته و جلاله.
فالقول بالبداء:
هو الاعتراف الصريح بأن العالم تحت سلطان الله و قدرته في حدوثه و بقائه، و أنّ إرادة الله نافذة في الأشياء أزلا وابدا.
بل وفي القول بالبداء يتّضح الفارق بين العلم الإلهي ّ و بين علم المخلوقين.
فعلم المخلوقين و إن كانوا أنبياء أو أوصياء لا يحيط بما أحاط به علمه تعالى، فانّ بعضاً منهم و إن كان عالما بتعليم الله إياه بجميع عوالم الممكنات لا يحيط بما أحاط به علم الله المخزون الذي استأثر به لنفسه، فإنه لا يعلم بمشيئة الله تعالى لوجود شيء أو عدم مشيئته إلا حيث يخبره الله تعالى به على نحو الختم.
والقول بالبداء:
يوجب انقطاع العبد إلى الله، و طلبه إجابة دعائه منه، و كفاية مهماته، و توفيقه للطاعة، و إبعاده عن المعصية. فإن إنكار البداء والالتزام بأن ما جرى به قلم التقديركائن لا محالة- دون استثناء- يلزمه يأس المعتقد بهذه العقيدة عن إجابة دعائه. فإنّ ما يطلبه العبد من ربّه إن كان قد جرى قلم التقدير بإنفاذه فهو كائن لا محالة، و لا حاجة إلى الدعاء و التوسّل. و إن كان قد جرى القلم بخلافه لم يقع أبداً، و لم ينفعه الدعاء و التضرّع.
و إذا يئس العبد من إجابة دعائه ترك التضرع لخالقه، حيث لا فائدة في ذلك، و كذلك الحال في سائر العبادات والصدقات التي ورد عن المعصومين عليهم السلام انها تزيد في العمر أو في الرزق، أو غير ذلك ممّا يطلبه العبد. وهذا هو سرّ ما ورد في روايات كثيرة عن أهل البيت عليهم السلام من الاهتمام بشأن البداء.
فقد روى الصدوق في كتابه "التوحيد بإسناده عن زرارة، عن أحدهما عليهما السلام، قال:"ما عبد الله عزّو جلّ بشيء مثل البداء."1.
وروى بإسناده عن هشام بن سالم، عن أبي عبدالله عليه السلام، قال: "ما عظّم الله عزّو جلّ بمثل البداء"2.
و روى و بإسناده عن محمد بن مسلم، عن أبي عبدالله عليه السلام، قال:"ما بعث الله عزوجل نبياً حتى يأخذ عليه ثلاث خصال: الإقرار بالعبودية، و خلع الأنداد، و أنّ الله يقدّم ما يشاء و يؤخّر ما يشاء"3.
والسرّ في هذاالاهتمام:
أنّ إنكار البداء يشترك بالنتيجة مع القول بأنّ الله غير قادر على أن يغيّر ما جرى عليه قلم التقدير، تعالى الله عن ذلك علوّاً كبير، فإن كلا القولين يؤيس العبد من إجابة دعائه، و ذلك يوجب عدم توجّهه في طلباته إلى ربّه. و روى الشيخ الكليني بإسناده عن مالك الجهني، قال: سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول: لو علم الناس ما في القول بالبداء من الأجر ما فتروا عن الكلام فيه4.
حقيقة البداء عند الشيعة
وعلى الجملة: فإن البداء بالمعنى الذي تقول به الشيعة الإمامية هومن الإبداء (الإظهار) حقيقةً 5، و إطلاق لفظ البداء عليه مبني على التيزيل و الإطلاق بعلاقة المشاركة، وقد أطلق بهذا المعنى في بعض الروايات من طرق أهل السنة.
روى البخاري بإسناده عن أبي عمرة، أنّ أبا هريرة حدّثه أنة سمع رسول الله صلى الله عليه وآله يقول:"إنّ ثلاثة في بني إسرائيل: أبرص، وأعمى، وأقرع، بدا لله عزّ و جلّ أن يبتليهم ن فبعث إليهم ملكاً فأتى الأبرص..."6.
و قد وقع نظير ذلك في كثير من الاستعمالات القرآنية:
كقوله تعالى: ﴿الآنَ خَفَّفَ اللّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا﴾7.
وقوله تعالى: ﴿لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا﴾8.
و قوله تعالى: ﴿لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾9.
و ما أكثر الروايات من طرق أهل السنّة في أنّ الصدقة و الدعاء يغيّران القضاء.
أما ما وقع في كلمات المعصومين عليهم السلام من الإنباء بالحوادث المستقبلة، فتحقيق الحال فيها: أنّ المعصوم متى ما أخبر بوقوع أمر مستقبل على سبيل الحتم و الجزم، و دون تعليق، فذلك يدلّ أنّ ما أخبر به مما جرى به القضاء المحتوم، وهذا هو القسم الثاني (الحتمي) من أقسام القضاء المتقدّمة، و قد علمت أنّ مثله ليس موضعاً للبداء، فإنّ الله لا يكذّب نفسه و لانبيّه10.
1-التوحيد: 332 ح 1(باب البداء ص 272 ط سنة 1386، و في نسخة أخرى: "أفضل من البداء" بدل "مثل البداء")، ورواه الشيخ الكليني أيضاً في الكافي 1/113 ح 1، وعنه في الوافي 1/507 ح 403(باب البداء ج 1 ص113).
2-التوحيد: 333 ح 2 (باب البداء ص 272 ط سنة 1386)، و رواه الشيخ الكليني أيضاً في الكافي 1/113 ذ ح 1، و عنه في الوافي1/507 ح 404 (باب البداء ج 1ص 113).
3-التوحيد: 333 ح 3 (باب البداء ص272 ط سنة1386)، و رواه الشيخ الكليني أيضاً في الكافي 1/114 ح 3 وفيه: "الإقرار له"، و عنه في الوافي1/510 ح 406 (باب البداء ج1ص113).
4-الكافي 1/115 ح12.
5-أنظر مادّة "بدا" من: لسان العرب 14/65 و الصحاح 6/2278.(م).
6-صحيح البخاري 4/208(4/146 باب ما ذكر عن بني إسرائيل).
7-الأنفال:66.
8-الكهف:12.
9-الكهف:7.
10-بحث حول البداء / الإمام الخوئي قدة.