مصادر سيرة النبي صلى الله عليه وآله
ولادة الرسول الأكرم (ص)
من الضروريّ جدّاً أن نُكوِّن صورةً واضحةً ونقيّة عن حياة وسيرة رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وأن نعتمد على مصادر صحيحة، ومعايير وضوابط تكون قادرةً على إعطائنا الصورة الحقيقيّة الأكثر نقاءاً وصفاءاً عن شخصيّة النبيّّ صلى الله عليه واله وسلم، وتكون قادرة أيضاً على تمييز الجانب المُصطنَع والمُزيَّف عن الصحيح
عدد الزوار: 202
من الضروريّ جدّاً أن نُكوِّن صورةً واضحةً ونقيّة عن حياة وسيرة رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وأن نعتمد على مصادر صحيحة، ومعايير وضوابط تكون قادرةً على إعطائنا الصورة الحقيقيّة الأكثر نقاءاً وصفاءاً عن شخصيّة النبيّّ صلى الله عليه واله وسلم، وتكون قادرة أيضاً على تمييز الجانب المُصطنَع والمُزيَّف عن الصحيح وإبعاده عن محيطنا الفكريّ والعمليّ بصورةٍ كاملة، طبق ضوابط ومعايير حقيقيّة.
هناك عدّة مصادر يُمكننا بالاعتماد عليها أن نستخلص معالم شخصيّة النبيّّ صلى الله عليه واله وسلم، وتفاصيل حياته وسيرته وهي:
القرآن الكريم
لقد قدّم القرآن الكريم صورةً واضحة ورائعة عن شخصيّة النبيّّ صلى الله عليه واله وسلم وصفاته وخصائصه ومواقفه في كثير من السور والآيات. ويستطيع قارئُ القرآن من خلال التدبُّر التامّ في الآيات التي نزلت في شأنِ رسول الله، أنْ يُحيط بالكثير من جوانب شخصيّته وحياته، مُنذ أن بعثه الله وإلى أن فارق هذه الدنيا.
فقد أشار القرآن مثلاً إلى مكانة النبيّّ (منزلته وعظمته) صلى الله عليه واله وسلم، في كلٍّ من سور الحجرات والنور والأحزاب وغيرها، وأشار إلى أسمائه وألقابه صلى الله عليه واله وسلم في سور الصفّ وآل عمران والمائدة، وإلى صفاته وخصائصه صلى الله عليه واله وسلم، كالعصمة والطهارة والرأفة والرحمة والعطف والشجاعة، في كلٍّ من سور آل عمران والتوبة والأحزاب والأنبياء وغيرها، وأشار القرآن إلى أخلاقه وصبره وثباته صلى الله عليه واله وسلم في مواقع التحدّي، وإلى طريقة تبليغه للرسالة، وإلى مواقفه من عدم استجابة قومه لدعوته وغير ذلك ممّا يرتبط بحياته وسيرته، في كثير من الآيات والسور.
فالرجوع إلى نفس القرآن لاستخراج سيرة النبيّّ يُعتبر من أوثق وأصحّ الطرق والمصادر لدراسة السيرة النبويّة الصحيحة.
النصوصُ الواردة عن أئمّة أهل البيت عليهم السلام
التي عرضت سيرة وحياة رسول الله، فإنّ هذه النصوص تُعتبر في الأهميّة بعد القرآن الكريم، لأنّ أهل البيت عليهم السلام أدرى بما فيه، وهم الأئمّة المعصومون الذين يحملون العلم الإلهيّ... وعندهم علم الكتاب وعلم ما كان ويكون بإذن الله تعالى. وليس لأحد- كائناً من كان - أن يُناقش فيما يُنقل بطريق صحيح عن عليّ بن أبي طالب عليه السلام، الذي لازم رسول الله صلى الله عليه واله وسلم في جميع مراحل حياته، وكان يتّبعه اتبّاع الفصيل أثرَ أمّه، ويراه في الأوقات التي لا يراه فيها غيرُه. وقد ورد عن أئمّة أهل البيت عليهم السلام مئات بل آلاف النصوص والروايات، التي تحدّثت عن حياة رسول الله العامّة والأحداث الكبرى التي عاشها في حياته، وعن سيرته الذاتيّة والخاصّة.
الروايات التاريخيّة المرويّة بالتواتر عن المسلمين الأوّلين
فالنصوص المرويّة عن الأثبات من الصحابة الذين لا يميل بهم هوى عن جادّة الحقّ، والتي تتحدّث عن سيرة النبيّّ صلى الله عليه واله وسلم، تُعتبر من مصادر السيرة والتاريخ إذا ثبتت صحّتها بالتواتر أو بإحدى وسائل الإثبات الأخرى.
ضوابط السيرة الصحيحة
أهمُّ الضوابط والقواعد التي ينبغي اعتمادها في تصحيح السيرة هي:
دراسة أحوال وأوضاع الناقلين للحديث
فإنَّ أوّل ما ينبغي ملاحظته في الحديث المنقول السندُ: وهو عبارةٌ عن مجموع أسماء الأشخاص الذين نقلوا لنا الحديث أو الحدث التاريخيّ، فلا بُدّ من دراسة أحوال وأوضاع هؤلاء الرواة لمعرفة ميولهم وارتباطاتهم السياسيّّة والمصلحيّة، ولمعرفة مدى صدقهم ودقّتهم فيما أخبرونا به، لتحديد مدى امكانيّة الوثوق والاعتماد على نقلهم. وطبيعيٌّ أنّ من عُرف عنه أنّه يكذب في خبره أو لا يُدقِّق في نقله، لا يُمكن الاعتماد عليه، إلّا بعد أن نتأكد من صحّة ما نقله من مصادر وجهات أخرى. وكذلك من عُرف عنه أنه ينساقُ وراء أهوائه السياسيّّة أو المذهبيّة أو المصلحيّة، لا يُمكن الأخذ بما ينقله لنا، لأنّه يكون بذلك قد أخلّ بدرجة الوثوق والاطمئنان. انسجام مضمون النصّ مع صفات وخصائص الشخصيّة النبويّة ومميّزاتها المثاليّة والرساليّة. عندها يكون مقبولاً ونأخذُ بمضمونه إذا توافرت فيه سائرُ شروط القبول الأخرى.
مثلاً: إذا ثبت لدينا بالدليل القطعيّ الصحيح، أنّ شخصيّة النبيّّ صلى الله عليه واله وسلم هي في أعلى درجات الطُّهر والعصمة والحكمة والشجاعة، وأنّه يتحلّى بكلّ الصفات النبيلة والفاضلة، جامعاً لكلّ القيم الإنسانيّّة السامية، فلا بُدّ من جعل كلّ ذلك معياراً وميزاناً لأيّ نصٍّ يُروى بشأنه، أو يُريد أن يُسجّل لنا قولاً أو فعلاً أو تقريراً أو موقفاً له صلى الله عليه واله وسلم. فإذا لم يكن النصُّ منسجماً مع هذه الخصائص والمميّزات الثابتة بالدليل القطعيّ الصحيح فإنّه لا يُمكن قبوله، كما لو نسب النصُّ - والعياذ بالله، الرذيلة أو الفجور لرسول الله صلى الله عليه واله وسلم، أو عبادة الأصنام، أو التصرّفات التي تُعبّر عن جهله أو عدم اتِّزانه، فإنّنا لا نتردّد في رفض مثل هذا النص. كذلك لا نقبل أن تُنسب إلى أحدٍ من أئمّة أهل البيت عليهم السلام تصرُّفات لا تليق بمقامهم الثابت.
عرضُ النصوص على القرآن الكريم
هذه قاعدةٌ لا بُدَّ أن نعتمدها في كلّ الأحاديث المنقولة عن النبيّّ صلى الله عليه واله وسلم أو عن أحد أئمّة أهل البيت عليهم السلام سواء أكانت تاريخيّة أم فقهيّة أم أخلاقيّة أم غير ذلك، فما وافق كتاب الله نأخذ به وما خالفه نتركه.
عدم التناقض والتنافي بين النصوص
فإنّ وجود التناقض فيما بينها يُشير إلى وجود نصّ مجهول، أو تعرّض النصّ لتصرُّفٍ ما أزاله عن وجهته الصحيحة، الأمر الذي يستدعي مزيداً من الانتباه، وبذل المزيد من الجهد لمعرفة الصحيح من المزيَّف منها.
عدم مخالفة البديهيّات والضرورات العقليّة الثابتة
كالقول أن الله عادل وحكيم، ولكنه يُجبر عباده على أفعالهم، ثمّ يُعاقبهم عليها.
عدم مخالفة الحقائق العلميّة الثابتة بالأدلّة القطعيّة
كالنصّ الذي يقول: إنّ الأرض تقوم على قرن ثور.
عدم التناقض مع الثوابت التاريخيّة القطعيّة
كما لو ورد في نصّ ما أن النبي ولد عام الفيل، مع أنه ولد في ذلك التأريخ.
* هذا ما اتفق عليه علماء السير وراجع في هذا المجال كتاب دروس في سيرة الرسول الأعظم / جمعية المعارف الإسلامية.
2012-02-08