يتم التحميل...

من قصص مريم وأمّها

البتول مريم(ع)

قوله تعالى: إذ قالت امرأة عمران رب إني نذرت لك ما في بطني محررا فتقبل مني إنك أنت السميع العليم، النذر إيجاب الإنسان على نفسه ما ليس بواجب. والتحرير هو الإطلاق عن وثاق، ومنه تحرير العبد عن الرقية، وتحرير الكتاب كأنه إطلاق للمعاني عن محفظة الذهن والفكر.

عدد الزوار: 219

﴿إِذْ قَالَتِ امْرَأَت عِمْرَنَ رَب إِنى نَذَرْت لَك مَا فى بَطنى مُحَرّراً فَتَقَبّلْ مِنى إِنّك أَنت السمِيعُ الْعَلِيمُ (35) فَلَمّا وَضعَتهَا قَالَت رَب إِنى وَضعْتهَا أُنثى وَ اللّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضعَت وَ لَيْس الذّكَرُ كالأُنثى وَ إِنى سمّيْتهَا مَرْيَمَ وَ إِنى أُعِيذُهَا بِك وَ ذُرِّيّتَهَا مِنَ الشيْطنِ الرّجِيمِ (36) فَتَقَبّلَهَا رَبّهَا بِقَبُولٍ حَسنٍ وَ أَنبَتَهَا نَبَاتاً حَسناً وَ كَفّلَهَا زَكَرِيّا كلّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيّا الْمِحْرَاب وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً قَالَ يَمَرْيَمُ أَنى لَكِ هَذَا قَالَت هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ إِنّ اللّهَ يَرْزُقُ مَن يَشاءُ بِغَيرِ حِسابٍ (37) هُنَالِك دَعَا زَكرِيّا رَبّهُ قَالَ رَب هَب لى مِن لّدُنك ذُرِّيّةً طيِّبَةً إِنّك سمِيعُ الدّعَاءِ (38) فَنَادَتْهُ الْمَلَئكَةُ وَ هُوَ قَائمٌ يُصلى فى الْمِحْرَابِ أَنّ اللّهَ يُبَشرُك بِيَحْيى مُصدِّقَا بِكلِمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَ سيِّداً وَ حَصوراً وَ نَبِيّا مِّنَ الصلِحِينَ (39) قَالَ رَب أَنى يَكُونُ لى غُلَمٌ وَ قَدْ بَلَغَنىَ الْكبَرُ وَ امْرَأَتى عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِك اللّهُ يَفْعَلُ مَا يَشاءُ (40) قَالَ رَب اجْعَل لى ءَايَةً قَالَ ءَايَتُك أَلا تُكلِّمَ النّاس ثَلَثَةَ أَيّامٍ إِلا رَمْزاً وَاذْكُر رّبّك كثِيراً وَسبِّحْ بِالْعَشىِّ وَالابْكرِ (41) 1.

قوله تعالى: إذ قالت امرأة عمران رب إني نذرت لك ما في بطني محررا فتقبل مني إنك أنت السميع العليم، النذر إيجاب الإنسان على نفسه ما ليس بواجب. والتحرير هو الإطلاق عن وثاق، ومنه تحرير العبد عن الرقية، وتحرير الكتاب كأنه إطلاق للمعاني عن محفظة الذهن والفكر. والتقبل هو القبول عن رغبة ورضى كتقبل الهدية وتقبل الدعاء ونحو ذلك.

و في قوله: قالت امرأة عمران رب إني نذرت لك ما في بطني، دلالة على أنها إنما قالت هذا القول حينما كانت حاملا، وأن حملها كان من عمران، ولا يخلو الكلام من إشعار بأن زوجها عمران لم يكن حيا عندئذ وإلا لم يكن لها أن تستقل بتحرير ما في بطنها هذا الاستقلال.

و من المعلوم أن تحرير الأب والأم للولد ليس تحريرا عن الرقية وإنما هو تحرير عن قيد الولاية التي للوالدين على الولد من حيث تربيته واستعماله في مقاصدهما وافتراض طاعتهما فبالتحرير يخرج من تسلط أبويه عليه في استخدامه، وإذا كان التحرير منذورا لله سبحانه يدخل في ولاية الله يعبده ويخدمه، أي يخدم في البيع والكنائس والأماكن المختصة بعبادته تعالى في زمان كان فيه تحت ولاية الأبوين لو لا التحرير، وقد قيل: إنهم كانوا يحررون الولد لله فكان الأبوان لا يستعملانه في منافعهما: ولا يصرفانه في حوائجهما بل كان يجعل في الكنيسة يكنسها ويخدمها لا يبرح حتى يبلغ الحلم ثم يخير بين الإقامة والرواح فإن أحب أن يقيم أقام، وإن أحب الرواح ذهب لشأنه.

و في الكلام دلالة على أنها كانت تعتقد أن ما في بطنها ذكر لا إناث حيث إنها تناجي ربها عن جزم وقطع من غير اشتراط وتعليق حيث تقول: نذرت لك ما في بطني محررا من غير أن تقول مثلا إن كان ذكرا ونحو ذلك.

و ليس تذكير قوله: محررا، من جهة كونه حالا عن ما الموصولة التي يستوي فيها المذكر والمؤنث إذ لو كانت نذرت تحرير ما في بطنها سواء كان ذكرا وأنثى لم يكن وجه لما قالته تحزنا وتحسرا لّما وضعتها (ربّ إني وضعتها أنثى)، ولا وجه ظاهر لقوله تعالى: والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثى.

و في حكايته تعالى لما قالته عن جزم دلالة على أن اعتقادها ذلك لم يكن عن جزاف واعتمادا على بعض القرائن الحدسية التي تسبق إلى أذهان النسوان بتجارب ونحوه فكل ذلك ظن، والظن لا يغني من الحق شيئا، وكلامه تعالى لا يشتمل على باطل إلا مع إبطاله، وقد قال تعالى: ﴿اللّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَى وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ(الرعد:8).

و قال تعالى: "عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام": لقمان: 34، فجعل العلم بما في الأرحام من الغيب المختص به تعالى، وقال تعالى: ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا(الجن: 26)، فجعل علم غيره بالغيب منتهيا إلى الوحي فحكايته عنها الجزم في القول فيما يختص علمه بالله سبحانه يدل على أن علمها بذكورة ما في بطنها كان ينتهي بوجه إلى الوحي، ولذلك لما تبينت أن الولد أنثى لم تيأس عن ولد ذكر فقالت ثانيا عن جزم وقطع: وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم الآية فأثبتت لها ذرية ولا سبيل إلى العلم به ظاهرا.

ملاحظة: والكلام في قولها: وذريتها، من حيث إنه قول مطلق من شرط وقيد لا يصح ان تفوه به في حضرة التخاطب ممن لا علم له به مع أن مستقبل حال الإنسان من الغيب الذي لا يعلمه إلا الله سبحانه، نظير الكلام في قولها رب إني نذرت لك ما في بطني محررا، على ما تقدم بيانه فليس إلا أنها كانت تعلم أن سترزق من عمران ولدا ذكرا صالحا ثم لما حملت وتوفي عمران لم تشك أن ما في بطنها هو ذلك الولد الموعود، ثم لما وضعتها وبان لها خطأ حدسها أيقنت أنها سترزق ذلك الولد من نسل هذه البنت المولودة فحولت نذرها من الابن إلى البنت، وسمتها مريم العابدة، الخادمة وأعاذتها وذريتها بالله من الشيطان الرجيم هذا ما يعطيه التدبر في كلامه تعالى.

قوله تعالى: فتقبلها ربها بقبول حسن وأنبتها نباتا حسنا، القبول إذا قيد بالحسن كان بحسب المعنى هو التقبل الذي معناه القبول عن الرضا، فالكلام في معنى قولنا: فتقبلها ربها تقبلا فإنما حلل التقبل إلى القبول الحسن ليدل على أن حسن القبول مقصود في الكلام، ولما في التصريح بحسن القبول من التشريف البارز.

و حيث قوبل بهاتين الجملتين أعني قوله: فتقبلها إلى قوله: حسنا، الجملتان في قولها: وإني سميتها إلى قولها: الرجيم كان مقتضى الانطباق أن يكون قوله: فتقبلها ربها بقبول حسن، قبولا لقولها وإني سميتها مريم، وقوله: وأنبتها نباتا حسنا، قبولا وإجابة لقولها: وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم، فالمراد بتقبلها بقبول حسن ليس هو القبول بمعنى قبول تقرب امرأة عمران بالنذر، وإعطاء الثواب الأخروي لعملها فإن القبول إنما نسب إلى مريم لا إلى النذر وهو ظاهر بل قبول البنت بما أنها مسماة بمريم ومحررة فيعود معناه إلى اصطفائها وقد مر أن معنى الاصطفاء هو التسليم التام لله سبحانه فافهم ذلك.

و المراد بإنباتها نباتا حسنا إعطاء الرشد والزكاة لها ولذريتها، وإفاضة الحياة لها ولمن ينمو منها من الذرية حياة لا يمسها نفث الشيطان ورجس تسويله ووسوسته، وهو الطهارة.

و هذان أعني القبول الحسن الراجع إلى الاصطفاء، والنبات الحسن الراجع إلى التطهير هما اللذان يشير إليهما قوله تعالى في ذيل هذه الآية: وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك.

فقد تبين أن اصطفاء مريم وتطهيرها إنما هما استجابة لدعوة أمها كما أن اصطفاءها على نساء العالمين في ولادة عيسى، وكونها وابنها آية للعالمين تصديق لقوله تعالى: وليس الذكر كالأنثى.

قوله تعالى: وكفلها زكريا، وإنما كفلها بإصابة القرعة حيث اختصموا في تكفلها ثم تراضوا بينهم بالقرعة فأصابت القرعة زكريا كما يدل عليه قوله تعالى: وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون، الآية.

قوله تعالى: كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا "الخ" المحراب المكان المخصوص بالعبادة من المسجد والبيت، قال الراغب: ومحراب المسجد، قيل: سمي بذلك لأنه موضع محاربة الشيطان والهوى، وقيل: سمي بذلك لكون حق الإنسان فيه أن يكون حريبا أي سليبا من أشغال الدنيا ومن توزع الخاطر، وقيل الأصل فيه أن محراب البيت صدر المجلس ثم اتخذت المساجد فسمي صدره به وقيل: بل المحراب أصله في المسجد وهو اسم خص به صدر المجلس فسمي صدر البيت محرابا تشبيها بمحراب المسجد، وكان هذا أصح، قال عز وجل: يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل، انتهى.

وذكر بعضهم أن المحراب هنا هو ما يعبر عنه أهل الكتاب بالمذبح، وهو مقصورة في مقدم المعبد، لها باب يصعد إليه بسلم ذي درجات قليلة، ويكون من فيه محجوبا عمن في المعبد. و قوله: قال يا مريم أنى لك "الخ" فصل الكلام من غير أن يعطف على قوله: وجد عندها رزقا، يدل على أنه عليه السلام (أي زكريا) إنما قال لها ذلك مرة واحدة فأجابت بما قنع به واستيقن أن ذلك كرامة لها وهنالك دعا وسأل ربه ذرية طيبة.

قوله تعالى: هنالك دعا زكريا ربه قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة "الخ"، طيب الشيء ملاءمته لصاحبه فيما يريده لأجله فالبلد الطيب ما يلائم حياة أهله من حيث الماء والهواء والرزق ونحو ذلك، قال تعالى: ﴿وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ(الأعراف: 58)، والعيشة الطيبة والحياة الطيبة ما يلائم بعض أجزائها بعضا ويسكن إليها قلب صاحبها ومنه الطيب للعطر الزكي فالذرية الطيبة هو الولد الصالح لأبيه مثلا الذي يلائم من حيث صفاته وأفعاله ما عند أبيه من الرجاء والأمنية فقول زكريا عليه السلام: رب هب لي من لدنك ذرية طيبة، لما كان الباعث له عليه ما شاهد من أمر مريم وخصوص كرامتها على الله وامتلاء قلبه من شأنها لم يملك من نفسه دون أن يسأل الله أن يهب له مثلها خطرا وكرامة، فكون ذريته طيبة أن يكون لها ما لمريم من الكرامة عند الله والشخصية في نفسها، ولذلك استجيب في عين ما سأله من الله، ووهب له يحيى وهو أشبه الأنبياء بعيسى عليه السلام، وأجمع الناس لما عند عيسى وأمه مريم الصديقة من صفات الكمال والكرامة، ومن هنا سماه تعالى بيحيى وجعله مصدقا بكلمة من الله وسيدا وحصورا ونبيا من الصالحين، وهذه أقرب ما يمكن أن يشابه بها إنسان مريم وابنها عيسى عليهما السلام.

قوله تعالى: فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب إن الله يبشرك بيحيى إلى آخر الآية، ضمائر الغيبة والخطاب لزكريا، والبشرى والإبشار والتبشير الإخبار بما يفرح الإنسان بوجوده.

و قوله: إن الله يبشرك بيحيى، دليل على أن تسميته بيحيى إنما هو من جانب الله سبحانه كما تدل عليه نظائر هذه الآيات في سورة مريم، قال تعالى: ﴿يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيًّا (مريم: 7).

و تسميته بيحيى وكون التسمية من عند الله سبحانه في بدء ما بشر به زكريا قبل تولد يحيى وخلقه يؤيد ما ذكرناه آنفا: أن الذي طلبه زكريا من ربه أن يرزقه ولدا يكون شأنه شأن مريم، وقد كانت مريم هي وابنها عيسى عليهما السلام آية واحدة كما قال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ (الأنبياء: 91). فروعي في يحيى ما روعي فيهما من عند الله سبحانه، وقد روعي في عيسى كمال ما روعي في مريم، فالمرعي في يحيى هو الشبه التام والمحاذاة الكاملة مع عيسى عليهما السلام فيما يمكن ذلك، ولعيسى في ذلك كله التقدم التام لأن وجوده كان مقدرا قبل استجابة دعوة زكريا في حق يحيى، ولذلك سبقه عيسى في كونه من أولي العزم صاحب شريعة وكتاب وغير ذلك لكنهما تشابها وتشابه أمرهما فيما يمكن.

و سماه الله سبحانه يحيى وسمى ابن مريم عيسى وهو بمعنى "يعيش" على ما قيل وجعله مصدقا بكلمة منه وهو عيسى كما قال تعالى: "بكلمة منه اسمه المسيح عيسى" وآتاه الحكم وعلمه الكتاب صبيا كما فعل بعيسى، وعده حنانا من لدنه وزكاة وبرا بوالديه غير جبار كما كان عيسى كذلك، وسلم عليه في المواطن الثلاث كعيسى وعده سيدا كما جعل عيسى وجيها عنده، وجعله حصورا ونبيا ومن الصالحين مثل عيسى، كل ذلك استجابة لمسألة زكريا ودعوته حيث سأل ذرية طيبة ووليا رضيا عند ما امتلأ قلبه بما شاهد من أمر مريم وعجيب شأنها وكرامتها على الله كما مر بيانه..

و في قوله: مصدقا بكلمة من الله دلالة على كونه من دعاة عيسى فالكلمة هو عيسى المسيح كما ذكره تعالى في ذيل الآيات السابقة في بشارة الروح لمريم.
و السيد هو الذي يتولى أمر سواد الناس وجماعتهم في أمر حياتهم ومعاشهم وفضيلة من الفضائل المحمودة عندهم ثم غلب استعماله في شريف القوم لما أن التولي المذكور يستلزم شرفا بالحكم والمال وفضيلة أخرى.

وو الحصور هو الذي لا يأتي النساء والمراد بذلك في الآية بقرينة السياق الممتنع عن ذلك للإعراض عن مشتهيات النفس زهدا. قوله تعالى: قال رب أنى يكون لي غلام وقد بلغني الكبر وامرأتي عاقر استفهام تعجيب واستعلام لحقيقة الحال لا استبعاد واستعظام مع تصريح البشارة بذلك وأن الله سبحانه سيرزقه ما سأله من الولد مع أنه ذكر هذين الوصفين اللذين جعلهما منشأ للتعجب والاستعلام في ضمن مسألته على ما في سورة مريم حيث قال: ﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا * وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا /b> (مريم:4- 5).

لكن المقام يمثل معنى آخر فكأنه عليه السلام لما انقلب حالا من مشاهدة أمر مريم وتذكر انقطاع عقبه لم يشعر إلا وقد سأل ربه ما سأل وقد ذكر في دعائه ما له سهم وافر في تأثره وتحزنه وهو بلوغ الكبر، وكون امرأته عاقرا، فلما استجيبت دعوته وبشر بالولد كأنه صحا وأفاق مما كان عليه من الحال، وأخذ يتعجب من ذلك وهو بالغ الكبر وامرأته عاقر، فصار ما كان يثير على وجهه غبار اليأس وسيماء الحزن يغيره إلى نظرة التعجب المشوب بالسرور.

ععلى أن ذكر نواقص الأمر بعد البشارة بقضاء أصل الحاجة واستعلام كيفية رفع واحد واحد منها إنما هو طلب تفهم خصوصيات الإفاضة والإنعام التذاذا بالنعمة الفائضة بعد النعمة نظير ما وقع في بشرى إبراهيم بالذرية قال تعالى:﴿وَنَبِّئْهُمْ عَن ضَيْفِ إِ بْراَهِيمَ(الحجر:51 ). ﴿إِذْ دَخَلُواْ عَلَيْهِ فَقَالُواْ سَلامًا قَالَ إِنَّا مِنكُمْ وَجِلُونَ(الحجر:52). ﴿قَالُواْ لاَ تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ(الحجر:53 ). ﴿قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَن مَّسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ(الحجر:54).﴿قَالُواْ بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلاَ تَكُن مِّنَ الْقَانِطِينَ(الحجر: 55).﴿قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّآلُّونَ(الحجر:56).

فذكر في جواب نهي الملائكة إياه عن القنوط أن استفهامه لم يكن عن قنوط كيف وهو غير ضال والقنوط ضلالة، بل السيد إذا أقبل على عبده إقبالا يؤذن بالقرب والأنس والكرامة أوجب ذلك انبساطا من العبد وابتهاجا يستدعي تلذذه من كل حديث وتمتعه في كل باباب 2

1- آل عمران:35 – 41.
2-تفسير الميزان / المفسّر الكبير العلامة محمد حسين الطباطبائي ج2 _ تفسير سورة آل عمران الآيات 35_41.

2012-01-17