يتم التحميل...

المثل السادس والعشرون، السابع والعشرون والثامن والعشرون

الأمثال في القرآن

يقول الله تعالى في الآية الكريمة 60 من سورة النحل: لِلّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ مَثَلُ السّوْءِ وَللهِ المَثَلُ الأعْلَى وَهُو العَزِيْزُ الحَكِيْم. غرض أمثال القرآن هو بيان المسائل العقلية المعقدة في صيغة مسائل حسية قابلة للاستيعاب من قبل الجميع، وذلك لأنَّ القرآن للجميع، فكما أنّه يخاطب النوابغ من العلماء...

عدد الزوار: 189

المثل السادس والعشرون

يقول الله تعالى في الآية الكريمة 60 من سورة النحل: ﴿لِلّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ مَثَلُ السّوْءِ وَللهِ المَثَلُ الأعْلَى وَهُو العَزِيْزُ الحَكِيْم. غرض أمثال القرآن هو بيان المسائل العقلية المعقدة في صيغة مسائل حسية قابلة للاستيعاب من قبل الجميع، وذلك لأنَّ القرآن للجميع، فكما أنّه يخاطب النوابغ من العلماء، يخاطب ابسط الناس والاميين منهم كذلك.

إنَّ الذين لا يؤمنون بيوم القيامة والمعاد لا في العمل ولا في العقيدة، لهم مثل السوء كالامثال التي ذكرت لهم في القرآن المجيد.

و لله من الأمثال ما ليس لغيره، فلله المثل الأعلى، ويُعدُّ كل مثل في حقه ناقصاً مهما ارتفع شأنه، وذلك لأن أمثلتنا من عالم الموجودات الممكنة، وهي جميعاً ناقصة ومحدودة، ولا يمكن تصوير اللامحدود بالمحدود.

المثل السابع والعشرين: المؤمن (عبدالله) والمشرك (عابد الصنم)

يقول الله تعالى في المثل السابع والعشرين وفي الآية 75 من سورة النحل ما يلي: ﴿ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً عَبْدًا مَّمْلُوكًا لاَّ يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَن رَّزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ .

تحدّثت الآية عن عبيد الأصنام والمؤمنين. ويشبّه الله عبدة الأصنام هنا بالعبد المملوك الذي لا يملك شيئاً من المال، كما أنّه غير حرّ في اتخاذ القرار. أمّا المؤمنون فإنّ الله هو رازقهم، كما أنهم يشركون الاخرين بأرزاقهم، وذلك بالانفاق سراً وجهراً.

فالآية سعت للتمييز بين المؤمن (عبد الله) والمشرك (عابد الصنم)، فشبّهت المشرك بالرق الذي لا إرادة له بل إرادته تابعة لمولاه، كما أنّه لا يملك شيئاً من المال ولا يملك قرار نفسه، بل إنَّ بعض المالكين يجيزون لأنفسهم قتل عبيدهم في حالة الغضب والضجر، فهم كانوا يعتقدون أنَّ المالك له الحق في التصرف بأمواله بأي شكل شاء. إنّ المشركين لهم شأن كهذا الرق الذي يفقد الارادة والاختيار.

أمّا المؤمن الموحّد فهو بمثابة الإنسان الحر الذي رزقه على الله هنيئاً مريئاً، ويشرك الاخرين في هذا الرزق الحسن بالانفاق إليهم في السر والعلانية.

هل يتساوى هذان الاثنان؟ طبعاً لا يتساوون،إنَّ الذي جرّ هؤلاء المشركين إلى هذا العمل هو جهلهم.

المثل الثامن والعشرون: المؤمن والمشرك

يقارن الله في الآية 76 من سورة النحل بين المشرك والمؤمن ويقول: ﴿ وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لاَ يَقْدِرُ عَلَىَ شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّههُّ لاَ يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَن يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ.

عنت الآية بالمقارنة بين الإنسان المؤمن والإنسان المشرك، وقد قارنت الآية بين الاثنين بمثل جميل ودقيق بحيث لا يمكن إثره انكار الفوارق بين الإنسانين، وبخاصة إذا لاحظنا الصفات التي ذكرت للمشرك في الآية، فانَّ ملاحظتها يفرض علينا القول بعدم امكانية المقارنة بينهما لشدة الاختلاف في هذه الصفات.

﴿وَضَرَبَ اللهُ مَثَلا رَجُلَيْنِ في هذا المثل قارن الله بين شخصين الأوّل وهو المشرك يحمل الصفات الخمس التالية:

1- ﴿أَحَدُهُمَا أبْكَمٌ أي أنّه أخرس. وأبكم مفردة اخرى للاخرس، والفرق بينهما أن الأخرس هو الذي عرضت له هذه الحالة أثناء حياته، ولم يكن أخرس منذ الولادة. أمّا الأبْكَم فهو الذي يلد على هذه الحالة.

2- ﴿لاَ يَقْدِرُ عَلَى شَيء الخصلة الثانية لهذا الإنسان هي أنّه غير قادر على عمل شيء، فهو ضعيف روحياً وجسمياً.

3- ﴿وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَولَيهُ الخصيصة الاخرى لهذا الإنسان أنّه كلٌّ أو ثقل على الآخرين، أي أنّ هذا العبد ثقل على مولاه.

5- ﴿أيْنَمَا يُوجّههُ لاَ يَأتِ بِخَيْر آخر خصلة له أنه لا يتوفّق في أي عمل يقدم عليه، ويرجع منتكس الرأس كلّما اُرسل لقضاء حاجة.

وعلى هذا، فإنَّ المشرك يبدو شخصاً يحمل الصفات التالية:
1- عبد يفقد الارادة.
2- أبكم منذ الولادة.
3- لا يستطيع انجاز عمل ما.
4- كَلُّ على مولاه.
5- فاشل في جميع أعماله.

﴿هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ... أي هل يستوي هذا الإنسان الحامل لهذه الصفات مع إنسان أخر

وهو: (المؤمن) الذي من صفاته:
1- ﴿يَأمُرُ بِالعَدْلِ أول خصائصه أنّه يأمر بالعدل والقسط، أي أنَّه عادل ويعمل طبقاً لما تستلزمه العدالة. وأمره بالعدالة يكشف عن شخصيته القيادية والادارية.
2- ﴿وَهُوَ عَلَى صِرَاط مُسْتَقِيم فهذا الإنسان اضافة إلى عدالته وأمره بها، يحضى بخصيصة اُخرى، وهي أنَّه يخطو على الصراط المستقيم.1


1- الأمثال في القرأن / مكارم الشيرازي_ المثل 26_28.

2011-11-04