يتم التحميل...

المثل الرابع عشر: المبدأ والمعاد

الأمثال في القرآن

يقول الله تعالى في المثل الرابع عشر من امثال القرآن الجميلة في الآية 57 من سورة الأعراف: هُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرَاً بَيْنَ يَدَي رَحْمِتِه حَتَّى إذَا أقَلَّتْ سَحَاباً ثِقَالا سُقْنَاه لِبَلَد مَيِّت فأنْزَلْنَا بِهِ المَاءَ فأخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلّ الثَمَرَاتِ كَذلك نُخْرِجُ المَوتَى لَعَلَّكُم تَذَكّرُونَ

عدد الزوار: 172

يقول الله تعالى في المثل الرابع عشر من امثال القرآن الجميلة في الآية 57 من سورة الأعراف: ﴿وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَنزَلْنَا بِهِ الْمَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْموْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ َ.
جاءتنا الآية بخطابين مصيريين، هما صدر الآية الذي تضمّن التوحيد ومعرفة الخالق وببرهان مقنع على المبدأ، وذيل الآية الذي تضمّن مثلا جميلا أشار به إلى عالم الآخرة والمعاد.

أهمية المبدأ والمعاد

إن المبدأ والمعاد من المسائل المهمة جداً والتي طرحت في القرآن بشكل واسع بحيث اختص ما يقرب الالفين من الآيات (أي ثلثا القرآن) بالمعاد، كما أن ثلث الآيات اختصت بموضوع المبدأ. وهذا الأمر يكشف عن أهمية المبدأ والمعاد.

إنّ القضايا التي تناولتها الآيات هي من قبيل العدل الإلهي والجنة والنار، ودفتر الاعمال وتجسّم الأعمال والمعاد الجسماني وثمار الجنة وغير ذلك. وسر الاهتمام البالغ بالمعاد واضح، من حيث أنَّ الإنسان لا يمكنه أن يقع في طريق السعادة ولا يمكنه أن يخطو في هذا الطريق إلاَّ أنْ يكون معتقداً بالأصلين المهمين، الأول: هو المبدأ أو التوحيد والثاني: هو المعاد أو رجوع الإنسان إلى الله.

إنّ الإعتقاد بالله يعلِّم الإنسان أنَّ الله يراقبه في كل زمان ومكان .

والمعاد من وجهة نظر القرآن جسماني وروحاني، أي أنَّ جسم الإنسان يحشر يوم القيامة كما تحشر روحه. وبعبارة أُخرى: أنَّ روح الإنسان تكون مشمولة لنعم الله ونقمه، كما هو الحال بالنسبة إلى جسمه، وذلك هو مقتضى العدل الالهي، فكما أنَّ الإنسان بجسمه وروحه عمل خيراً أو شراً، ففي القيامة ينبغي أن ينال كلٌّ من الروح والجسم نصيبه وجزاءه من العمل الدنيوي من ثواب أو عقاب.

إنَّ ما أثار دهشة وإعجاب منكري المعاد في صدر الإسلام هو القول بالمعاد الجسماني لا الروحاني; وذلك لأنَّ عقل أكثر الناس في عيونهم فيصدقون ما يرون ويكذبون ما لم يروا. من هنا كان يسأل منكرو المعاد: كيف يمكن أن يحيى الإنسان بعد ما تبدل إلى تراب بعد الموت بحيث يتعذّب يوم القيامة؟ فأجابهم الله على شبهتهم هذه في الآيتين 7 و 8 من سورة سبأ حيث قال: ﴿قَالَ الَّذينَ كَفَرُوا هَلْ نُدُلُّكُمْ عَلَى رَجُل يُنَبِّئُكُمْ إذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّق إنَّكُمْ لَفِي خَلْق جَدِيد افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِباً أمْ بِهِ جنّةٌ بَلِ الَّذينَ لاَ يُؤمِنُونَ بالآخِرةِ فِي العَذَابِ والضَّلالِ البَعِيْدِ.

لقد تمسك القرآن المجيد بالمثل لاثبات المعاد الجسماني والروحاني، كما هي سيرته في تفهيم المطالب لمخاطبيه. وقد أفاد هنا من ثلاثة أمثال:
1 - التمثيل بالنباتات وتشبيه الحياة بعد الموت بإحياء النباتات بعد موتها.
2 - التمثيل بالمراحل الجنينية لخلق الإنسان حيث تبدأ حياته بنطفة صغيرة تنمو كل يوم، ويُعدُّ كل يوم من هذه المراحل حياة جديدة لهذا الجنين.
3 - التمثيل بنوم أصحاب الكهف، فإنَّ نومهم كان بمثابة الموت، ويقظتهم كانت بمثابة الحياة الجديدة بعد سنوات عديدة.

كيف يمكن لشخص أن يستيقظ من النوم سالماً بعد أكثر من ثلاثمأة سنة دون أن يأكل أو يشرب خلال هذه الفترة؟

حسب ما أقرته الآية، انَّ أصحاب الكهف ناموا مدّة مليون يوماً، وخلال هذه الفترة لم يتناولوا شيئاً من الطعام أو الماء رغم هذا استيقظوا سالمين، مع أنَّ الإنسان العادي لا يستطيع العيش لأكثر من يومين أو ثلاثة دون أكل وشرب.

من عجائب خلق الإنسان هو قلبه، فان ضرباته تصل إلى مأة الف ضربة في اليوم. وإذا اعتبرنا عمر الإنسان العادي سبعين عاماً، فإنَّ عدد ضربات قلبه ستصل إلى 250 مليون ضربة (عَجَباً لِحِكْمَةِ اللهِ)!
إنَّ قلب الإنسان كاف لأجل معرفة الله ولأن يقرّ الإنسان بعظمة الخالق ويخضع له ... وعليه، فاذا كانت أجسام أصحاب الكهف تعيش بالأغذية التي تناولتها قبل النوم ولمدة مليون يوماً، فإنَّ على قلوبهم أن لا تدق في اليوم الواحد أكثر من مرّة واحدة. وعلى هذا، فإنَّ أصحاب الكهف كانوا أشبه ما يكونون بالموتى، أحياهم الله بعد أكثر من ثلاث مأة عام. واذا كان الله قادراً على أن يوقظ أناساً بعد مليون يوم من النوم، فكيف لا يمكنه أن يُحيي الموتى!

لهذا يصرّح الله في ذيل آية أصحاب الكهف بالحديث التالي:
﴿
وَلِيَعْلَمُوا أنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ. وفي المثل الذي نحن بصدده قالت الآية: هُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ...) أي أنَّ الله يُرْسِله كبشرى لنزول الغيث; وذلك لأن السماء تتهيّأ للمطر بواسطة الرياح.
﴿حتَّى إذَا أقَلّتْ سَحَاباً ثِقَالا... أي تستمر الرياح حتى تجتمع الغيوم ويتراكم فيها الماء. إنّ الله يُرسل الرياح ليجمع بها الغيوم الممطرة في المدن والبلاد الميتة فيحييها ويحيي أراضيها.
﴿فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ... فإنَّ المَطر هو الذي يثمر الاشجار ويمنحها القدرة على انتاج الفواكه.
﴿كَذَلك نُخْرِجُ المَوْتَى لَعلَّكُم تَذكَّرُون أي أنَّ الله يحيي الموتى يوم القيامة مثلما يحيي الأشجار والاراضي الميتة. وفي نهاية الآية يعتبر الله التذكّر وتوعية الناس هو فلسفة المثل حيث قال: لَعَلَّكُم تَذَكّرُونَ 1.


1-الأمثال في القرأن/ مكارم الشيرازي_ المثل الرابع عشر.
 

2011-11-04