يتم التحميل...

إنتهاء الأمور إلى الإِرادة الأزلية

العدل

لا شك أنَّ ما يوجد في الكون عن طريق الأسباب والعلل تنتهي تأثيراتها إلى الإِرادة الأزلية، فهي المؤثر التام لما يوجد في الكون، فيكون الوجود الإِمكاني معلولا لها، وواجباً بوجودها، ومع ذلك كيف يمكن أن يتصف بعض الوجود الإِمكاني كأفعال الإِنسان بالإِختيار...

عدد الزوار: 44

لا شك أنَّ ما يوجد في الكون عن طريق الأسباب والعلل تنتهي تأثيراتها إلى الإِرادة الأزلية، فهي المؤثر التام لما يوجد في الكون، فيكون الوجود الإِمكاني معلولا لها، وواجباً بوجودها، ومع ذلك كيف يمكن أن يتصف بعض الوجود الإِمكاني كأفعال الإِنسان بالإِختيار، وهذا ما اعتمد عليه المحقق الخراساني في بحث اتحاد الطلب والإِرادة وقال:

"إنَّ الكفر والعصيان من الكافر والعاصي، ولوكانا مسبوقين بإرادتهما، إلاَّ أنهما منتهيان إلى ما لا بالإِختيار. كيف، وقد سبقتهما الإِرادة الأزلية والمشيئة الإِلهية.ومعه كيف تصح المؤاخذة على ما لا يكون أخيراً بلا اختيار"1.

تحليل الإِشكال

إنَّ ما ذكر يتحد جوهراً مع ما مرّ في أدلّة الأشاعرة على الجبر ولكن التقرير مختلف، فإن مبدأ الإِشكال هناك أنَّ فعل العبد متعلق بمشيئته تعالى وما هوكذلك يكون متحققاً إلزاماً، فكيف يوصف بالإِختيار.

ومبدأ الإِشكال هنا هوأنَّ مجموع الوجود الإِمكاني معلول لوجود الواجب وإرادته، فإرادته سبحانه هي العِلّة التامة لما سواه ومعه كيف يتصف بعض الوجود الإِمكاني كأفعال الإِنسان بالإِختيار؟. فالإِشكالان متحدان جوهراً، مختلفان صورة وصياغة.

ولكن الجواب عن كلا الإِشكالين، واحد، ولكي يكون الجواب مناسباً لهذا التقرير نقول:

إن فعل الإِنسان إنما يتصف بالوجوب إذا نسب إلى جميع أجزاء العِلّة التّامة المنتهية إلى الواجب وإرادته، ومنها اختيار الإِنسان وإرادته فإذا لوحظ الفعل بالنسبة إلى جميع أجزاء العِلّة التامة يوصف بالوجوب، وهذا مما لا كلام فيه. إلاَّ أنَّ الكلام ملاحظة الفعل قبل اجتماع أجزاء العِلّة التّامّة كالإِنسان قبل أن يريد، فلا يوصف الفعل في هذه الحالة إلاَّ بالإِمكان، وبما أن ذات الإِنسان وإرادته من أجزاء العلة أولا، وبما أنَّ الإِنسان فاعل مختار بالذات في إيجاد الجزء الأخير من العلّة التامة  أعني الإِرادة  فلا يكون الفعل بالنسبة إليه فعلا إيجابياً، بل زمام الفعل بيده، فله أن يوجد الإِرادة وله أن يترك، وقد تعلقت إرادته على اختياره أحد الطرفين باختيار ذاتي.

وبذلك يظهر أنّ نسبة الفعل تختلف حسب اختلاف المنسوب إليه، فلونسب الفعل إلى مجموع أجزاء العِلّة التّامّة من الواجب سبحانه إلى إرادة العبد فالفعل متصف بالوجوب.

وإن نسب إلى نفس الباري سبحانه مع حذف الوسائط والعِلَل فالنسبة تنقلب إلى الإِمكان لعدم وجود العلّة التامة. كيف، وقد تعلقت مشيئته على صدور الفعل عن طريق العِلَل والأسباب.

وإن لوحظ الفعل بالنسبة إلى نفس الإِنسان بما أنَّه فاعل مختار بالذات في إيجاد الإِرادة في ضميره وعدمه، فالفعل فعل إمكاني، إختياري. نعم، بعدما أوجد الجزء الأخير من العلّة  أعني الإرادة  يتَّصف الفعل بالوجوب ولكن لا يخرج عن كونه فعلا إختيارياً للإِنسان، لأن الإيجاب بالإِختيارلا ينافي الإِختيار.

وكأنَّ الإِشكال نسج على منهج الأشعري القائل بعلة واحدة  أعني الواجب وقيامه مكان جميع العلل، وهو باطل.

*الإلهيات،آية الله جعفر السبحاني،مؤسسة الامام الصادق عليه السلام.ج2،ص383-385


1- كفاية الأصول، ج 1، ص 100.

2009-08-01