الأمويون وتفسير القضاء بالجبر
العدل
قال أبو هلال العسكري في الأوائل: إنَّ معاوية أوّل من زعم أنَّ الله يريد أفعال العباد كلها. روى الخطيب عن أبي قتادة عندما ذكر قصة الخوارج في النهروان لعائشة: قالت عائشة: ما يمنعني ما بيني وبين عَلِيٍّ أن أقول الحق، سمعت النبي يقول: تفترق أُمّتي على فرقتين تمرق بينهما فرقة محلقون رؤوسهم يحفون شواربهم..
عدد الزوار: 972- روى الخطيب عن أبي قتادة عندما ذكر قصة الخوارج في النهروان لعائشة: قالت عائشة: ما يمنعني ما بيني وبين عَلِيٍّ أن أقول الحق، سمعت النبي يقول: تفترق أُمّتي على فرقتين تمرق بينهما فرقة محلقون رؤوسهم يحفون شواربهم، أزُرهم إلى أنصاف سُوقهم، يقرأون القرآن لا يتجاوز تراقيهم يقتلهم أحبُّهم إليّ وأحَبُّهم إلى الله. قال: فقلت: يا أُم المؤمنين: فأنت تعلمين هذا!!فلم كان الّذي منك؟ قالت: يا قتادة وكان أمر الله قدراً مقدوراً، وللقدر أسباب2.
3- لقد سعى معاوية بن أبي سفيان بعدما سَمّ الحسن عليه السَّلام ورأى الجو السياسي مناسباً إلى نصب ولده يزيد خليفة من بعده، فلما اعترض عليه عبد الله بن عمر، قال له: "إني أحذرك أن تشق عصا المسلمين وتسعى في تفريق ملئهم، وأن تسفك دماءهم وإنَّ أمر يزيد قد كان قضاء من القضاء وليس للعباد خيرة من أمرهم"3.
وأجاب بهذا الكلام أيضاً عائشة أُم المؤمنين عندما نازعته في هذا الاستخلاف، فقال لها: "إنَّ أمر يزيد قضاء من القضاء، وليس للعباد الخيرة من أمرهم"4.
فإنك ترى أنَّ معاوية يتوسل في تحقيق أهدافه بأيديولوجية دينية مُسَلّمة بين الناس من المعترضين وغيرهم وهي تفسير عمله بالتقدير والقضاء الإلهي.
وفي هذا الصدد يقول أحد الكتّاب المصريين المعاصرين: "إنَّ معاوية لم يكن يدعم ملكه بالقوة فحسب ولكن بأيديولوجية تمس العقيدة في الصميم، ولقد كان يعلن في الناس أنَّ الخلافة بينه وبين علي عليه السَّلام قد احتكما فيها إلى الله فقضى الله له على عليّ عليه السَّلام وكذلك حين أراد أن يطلب البيعة لابنه يزيد من أهل الحجاز، أعلن أن اختيار يزيد للخلافة كان قضاءً من القضاء ليس للعباد خيرة في أمرهم، وهكذا كاد أن يستقر في أذهان المسلمين أنَّ كل ما يأمر به الخليفة حتى ولو كانت طاعة الله في خلافه فهو قضاء من الله قد قدّر على العباد"5.
4- ومن مظاهر هذه الفكرة الخاطئة (مساوقة التقدير للجبر) تبرير عمر بن سعد بن أبي وقاص قاتل الإمام الطاهر الحسين بن علي سلام الله عليه مبرراً جنايته بأنها تقدير إلهي. وعندما اعترض عليه عبد الله بن مطيع العدوي بقوله: اخترت همدان والري على قتل ابن عمك. قال عمر بن سعد: كانت أُموراً قضيت من السماء وقد أعذرت إلى ابن عمي قبل الوقعة فأبى إلاَّ ما أبى6.
وعلى هذا الأصل قامت السلطة الأُموية ونشأت وارتقت فكان الخلفاء من هذا البيت يهددون من يخالفهم فيه، ويعاقبون بما هو مسجل مضبوط في التاريخ.
5- إنَّ الحسن البصري (ت 22-م 110 هـ) من الشخصيات البارزة في عصره وكان يشغل منصة الوعظ والخطابة والإرشاد. ومع ذلك كله لم يكن معتقداً بالتقدير المُصَوّب عند الأمويين فلما خوّفه بعض أصدقائه من السلطان وعد أن لا يعود. روى ابن سعد في طبقاته عن أيوب قال: "نازلت الحسن في القدر غير مرة حتى خوّفته من السلطان فقال لا أعود بعد اليوم"7.
6- إنَّ محمد بن إسحاق صاحب السيرة النبوية المعروفة الّتي قام بتلخيصها ابن هشام، اتّهم بالمخالفة في التقدير وضرب عدّة سياط تأديباً. قال ابن حجر في تهذيب التهذيب إن محمد بن إسحاق اتهم بالقَدَر، وقال الزبير عن الدراوردي: وجلد ابن إسحاق، يعني في القَدَر8.
7- وروى ابن قتيبة أنَّ عطاء بن يسار كان قاضياً للأمويين ويرى رأي معبد الجهني، فدخل على الحسن البصري وقال له: يا أبا سعيد إنَّ هؤلاء الملوك يسفكون دماء المسلمين ويأخذون أموالهم ويقولون إنما تجري أعمالنا على قضاء الله وقدره، فقال له الحسن البصري: كذب أعداء الله9. ونقل المقريزي أنَّ عطاء بن يسار ومعبد الجهني دخلا على الحسن البصري فقالا له: إنَّ هؤلاء يسفكون الدماء ويقولون إنها تجري أعمالنا على قدر الله، فقال: كذب أعداء الله فطعن عليه بهذا10.
8- يقول ابن المرتضى: "ثم حَدَثَ رأيُ المُجَبّرة من معاوية وملوك بني مروان فَعَظُمَتْ به الفتنة"11.
هذه نماذج ممّا سجله التاريخ في شأن هذا الاستنتاج، نعم كان هناك فَرْق بين الحافز الّذي دعا المشركين إلى استنتاج الجبر، والحافز الّذي ساق الأمويين إلى نشر تلك الفكرة، فإن الداعي عندالمشركين كان داعياً دينياً محضاً بينما كان عند الأمويين مشوباً بالسياسة وتبرير الأعمال المنحرفة وإخماد الثورات، وتخدير المجتمع من القيام في وجه السلطة، حتى يتسنى لهم بذلك الحكومة عليهم، واستقرار عروشهم، وانغماسهم في ملذاتهم الدنيوية.
إلى هنا عرفت وجهة المسألة عبر العصور والقرون الأُولى، ولكن أي الفريقين أحقّ أن يتبع، لا أرى في الإدلاء به إلزاماً، فالأمر واضح عند كل ذي لُب وبصيرة. وما ذكرناه كان عرضاً إجمالياً لتاريخ المسألة تلقي ضوءاً على فهم آيات الكتاب والسنّة الواردة في القضاء والقدر.
*الإلهيات،آية الله جعفر السبحاني،مؤسسة الامام الصادق عليه السلام.ج2،ص166-169
1- الأوائل، ج2، ص 125.
2- تاريخ بغداد، ج 1، ص 160.
3- الإمامة والسياسة، لابن قتيبة، ج 1، ص 171.
4- المصدر نفسه، ص 167.
5- نظرية الإمامة عند الشيعة الإمامية للدكتور أحمد محمود، ص 334.
6- طبقات ابن سعد ج 5، ص 148، طبعة بيروت.
7- طبقات ابن سعد ج 7، ص 167، طبعة بيروت.
8- تهذيب التهذيب، ج 9، ص 38 و 46.
9- المذاهب الإسلامية، محمد أبو زهرة، ص 175.والملل والنحل، ج 1، ص 113.
10- الخطط المقريزية، ج 2، ص 356.
11- طبقات المعتزلة، ص 6، تأليف أحمد بن يحيى بن مرتضى المعتزلي.