الموضوع: ميثاق الاخوة بقاء باب الاجتهاد مفتوحاً في الحكومة الإسلامية
رسالة
المخاطب: محمد علي انصاري (عضو مكتب الإمام الخميني)
عدد الزوار: 46
التاريخ: 10 آبان 1367 هـ. ش/ 20 ربيع الأول 1409 هـ. ق
المكان: طهران، جماران
المخاطب: محمد علي انصاري (عضو مكتب الإمام الخميني)
بسم الله الرحمن الرحيم
سماحة حجة الإسلام الحاج الشيخ محمد علي انصاري دامت افاضاته.
أطلعت على رسالتكم. لقد طرحت مسألة تطول الإجابة عليها بعض الشيء، ولكن ونظراً لأني اعتز بكم واعتبركم إنساناً متديناً وعالماً- وطبعاً عاطفيا بعض الشيء-، واني ممتن لكم لما تبدونه من محبة صادقة تجاهي، لذا سأتطرق إلى بعض الأمور بمثابة نصيحة لكم ولأمثالكم وهم غير قليلين:
إن مؤلفات فقهاء الإسلام العظام زاخرة باختلاف وجهات النظر وتباين المشارب والتقريرات في مختلف المجالات العسكرية والثقافية والسياسية والاقتصادية والعبادية، حتى أنه من الممكن العثور على آراء متعارضة في المسائل التي يتفق الجميع عليها. بل يمكن العثور على أقوال متباينة حتى في المسائل الاجتماعية، فضلًا عن الاختلاف بين الاخبارين والأصوليين.
ونظراً إلى أن مثل هذه الاختلافات كانت تقتصر في السابق على أجواء الدرس والبحث والمدرسة، وتبقى محصورة في المؤلفات العلمية المدونة باللغة العربية، مما يؤكد عدم إطلاع جماهير الشعب عليها، وإذا ما اطلعت عليها فانها لن تجد رغبة في متابعتها. والحال هذه هل يمكن تصور أن الفقهاء الذين كانوا مختلفين في آرائهم ووجهات نظرهم، قد عملوا لا سمح الله خلافاً للحق وخلاف دين الله تعالى؟ أبداً.
واليوم وبفعل الثورة الإسلامية، فان آراء الفقهاء وأصحاب الرأي تبث عبر الإذاعة والتلفزيون وتنشر في الصحف بكل فخر، ذلك أن ثمة حاجة علمية لهذه البحوث والمسائل. فعلى سبيل المثال مسألة المالكية وحدودها، مسألة الأرض وتقسيمها، مسألة الانفال والموارد الطبيعية، مسائل النقد والعملة الأجنبية والنظام المصرفي المعقد، مسألة الضرائب، مسألة التجارة الداخلية والخارجية، مسألة المزارعة والمضاربة والإيجار والرهن، مسألة الحدود والديات، مسألة القوانين المدنية، المسائل الثقافية والتعاطي مع الفن بمفهومه العام نظير التصوير والرسم والنحت والموسيقى والمسرح والسينما والخط إلى غير ذلك. كذلك مسألة المحافظة على البيئة وسلامة الطبيعة والحيلولة دون قطع الاشجار حتى المنازل الشخصية والأملاك الخاصة، مسائل الأطعمة والاشربة، ومسألة تحديد النسل عند الضرورة وتحديد فواصل بين المواليد، مسألة إيجاد حلول للمعضلات الطبية نظير زراعة الأعضاء، مسألة المعادن الباطنية والثروات الوطنية، مسألة موضوعات الحلال والحرام واتساع وتضييق بعض الأحكام في ضوء اختلاف الأزمنة والأمكنة، المسائل القانونية والحقوق الدولية ومطابقتها مع أحكام الإسلام، دور المرأة الفاعل في المجتمع ودورها المخرب في المجتمعات الفاسدة وغير الإسلامية، حدود الحرية الفردية والاجتماعية، التعامل مع الكفر والشرك والالتقاط ومعسكر الكفر والشرك، كيفية أداء الفرائض في الرحلات الجوية وفي الفضاء والحركة في الاتجاه المعاكس لحركة الأرض أو الموافقة لها بسرعة أكبر من سرعتها، أو في الصعود العمودي وإلغاء جاذبية الأرض. والأهم من كل ذلك تجسيد وبلورة حاكمية ولاية الفقيه في الحكومة والمجتمع. كل هذا جانب من آلاف المسائل المبتلى بها من قبل الناس والحكومة، وبحث بشأنها الفقهاء وتباينت آرائهم حولها. وإذا كان بعض هذه المسائل غير مطروح في السابق، فان على الفقهاء أن يفكروا اليوم به.
لذا يجب أن يكون باب الاجتهاد مفتوحاً دائماً في الحكومة الإسلامية. وان طبيعة الثورة والنظام تقتضي دائماً أن تعرض الآراء الاجتهادية الفقهية في كافة المجالات وإن كانت متباينة، بصورة حرة ولا يحق لأحد وليس بوسعه أن يحول دون ذلك. ولكن المهم هو المعرفة الصحيحة للحكومة والمجتمع التي تؤهل النظام الإسلامي للتخطيط والبرمجة في ضوء ذلك بما يصب لصالح المسلمين. لأن وحدة الرؤية والعمل أمر ضروري. وهنا بالذات لم يعد الاجتهاد بمفهومه الاصطلاحي كافياً، بل أن المجتهد وإن كان الأعلم في العلوم الحوزوية المعهودة ولكنه عاجز عن تشخيص مصلحة المجتمع، أو أنه غير قادر على التمييز بين الأشخاص الصالحين والنافعين عن غيرهم، وبشكل عام يفتقر إلى الرؤية الصحيحة والقدرة على اتخاذ القرار في المجال الاجتماعي والسياسي، فان مثل هذا الإنسان لا يعد مجتهداً في المسائل الاجتماعية والحكومية ولا يستطيع أن يتسلم زمام أمور المجتمع.
ولكن يجب الالتفات إلى أنه طالما بقي الاختلاف والتباين في المواقف محصوراً في إطار المسائل المذكورة فانه لن يشكل تهديداً للثورة. أما إذا أصبح الاختلاف أساسي ومبدئي فسوف يؤدي إلى أضعاف النظام. ولا يخفى أن تباين وجهات نظر الأفراد والاجنحة الموالية للثورة، انما هو اختلاف سياسي بحت حتى وإن اكتسب صبغة عقائدية، لأن الجميع متفقون على الأصول ومؤمنون بها ولهذا أؤيدهم. ان أمثال هؤلاء اوفياء للإسلام والقرآن والثورة، وان قلوبهم تنبض من أجل البلد والشعب، وكل واحد منهم لديه أفكاره وتصوره لنشر الإسلام وخدمة المسلمين ويعتقد بأنه هو الذي يقود للفلاح.
إن الأكثرية المطلقة من كلا الجناحين تتطلع إلى تحقيق استقلال البلد، وكلاهما يعمل على إنقاذ الشعب من هيمنة وشرّ الطفيليين سواء على صعيد الحكومة والشارع والسوق.. كلاهما يتطلع لأن يحيا الموظفون الشرفاء والعمال والفلاحون المتدينون والكسبة المخلصون في السوق والشارع، حياة حرة كريمة سليمة.. كلاهما يسعى لتخليص البلد والمجتمع من السرقة والارتشاء المنتشر في دوائر الدولة والقطاع الخاص.. كلاهما يتطلع إلى ازدهار إيران الإسلامية اقتصادياً بما يؤهلها للهيمنة على الأسواق العالمية.. كلاهما يرغب في تطوير الأوضاع الثقافية والعلمية في إيران بنحو يتدفق فيه الجامعيون والباحثون من أنحاء العالم للانتماء إلى المراكز التربوية والعلمية والفنية الإيرانية.. كلاهما يتطلع لأن يكون الإسلام القوة العظمى في العالم.
إذن الاختلاف على أي شيء؟ الاختلاف حول أن كل جناح يرى أن النهج الذي يؤمن به هو الذي يحقق كل ذلك. ولكن يجب أن يلتفت كل جناح إلى أن المواقف التي يقدم عليها وفي ذات الوقت الذي تصون المبادئ الإسلامية حتى نهاية التاريخ يجب أن تبقي على غضبه وحقده الثوري، وعلى اندفاع الشعب بغضبه الثوري ضد الرأسمالية الغربية وعلى رأسها أميركا ناهبة العالم، والشيوعية والاشتراكية الدولية وفي مقدمتها الاتحاد السوفيتي المعتدي.
يجب أن يحرص كل من الجناحين وبكل كيانه لئلا يتم العدول ولو ذرة واحدة عن سياسة (اللا شرقية واللا غربية) للجمهورية الإسلامية. وإذا ما حدث ذلك قيد أنملة عليه أن يقومه بسيف العدل الإسلامي.
وينبغي لكلا الجناحين الالتفات إلى أن لديهم عدواً مشتركاً متغطرساً لا يرحم أياً منهما. كما ينبغي للجناحين العمل معاً بكل ودّ على مراقبة أميركا ناهبة العالم والاتحاد السوفيتي الخائن للأمة الإسلامية.. لا بد لكلا الجناحين من العمل على توعية الشعب بأنه صحيح أن أميركا المخادعة هي العدو رقم واحد، ولكن أبنائه الأعزاء استشهدوا بواسطة قذائف وصواريخ الاتحاد السوفيتي الروسية. ويجب أن لا يغفلا عن هذين الشيطانين المستعمرين، وليعلموا بأن أميركا والاتحاد السوفيتي متعطشان لدماء الإسلام وفرض هيمنتها عليهم.
إلهي! إشهد بأني قد قلت لكلا الجناحين كل ما كان ينبغي لي قوله. وان كلاهما يعي مصيره. طبعاً ثمة أمر مهم آخر من الممكن أن يقود إلى الاختلاف وعلينا جميعاً أن نعوذ بالله من شرّه، ألا وهو حب النفس، وهو لا يميز بين هذا الجناح وذاك.. لا يميز بين رئيس الجمهورية ورئيس المجلس ورئيس الوزراء، والنائب والوزير والقاضي ومجلس القضاء الأعلى ومجلس صيانة الدستور ومنظمة الإعلام ومكتب الإعلام، والعسكري وغير العسكري، والروحاني وغير الروحاني، والجامعي وغير الجامعي، والمرأة والرجل. ولا يوجد لمحاربته غير سبيل واحد وهو الرياضة (الروحية).. وهذا موضوع آخر.
فإذا ما نظر السادة، الذين يتطلعون جميعاً إلى مساندة النظام وصيانة الإسلام، إلى الأمور من هذا المنظار فسوف يتم تذليل الكثير من المعضلات والمشاكل، غير أن ذلك لا يعني أن يكون الجميع أنصار تيار واحد على الإطلاق. وانما في ضوء الرؤية التي ذكرتها لا يمثل النقد البناء معارضة، والتنظيم الجديد لا يفهم على أنه انشاق أو اختلاف. بل أن النقد الضروري والبناء يؤدي إلى نمو المجتمع وتطوره. إذا كان النقد محقاً فانه يقود إلى هداية كلا الجناحين. لذا يجب أن لا يرى أي شخص نفسه مطلقاً ومبرأ من النقد. وبطبيعة الحال النقد غير التعامل الفئوي والحزبي. فإذا ما فكر لا سمح الله شخص أو فئة باقصاء أو تشويه صورة الآخرين دون مبرر، ويرى في منافع حزبه وفئته وجناحه مقدمة على مصالح الثورة، فسوف يسيء إلى الإسلام والثورة قبل الإساءة إلى خصومه أو منافسيه دون شك.
على أية حال، ان ما يقود إلى نيل رضا الله تعالى هو تأليف القلوب والسعي لإزالة الكدورة وتقريب المواقف التي تخدم بعضهم البعض. ويجب الابتعاد عن الوسطاء الذين يتلخص عملهم فقط في إساءة الظن تجاه الجناح الآخر.. إن لديكم من الأعداء المشتركين ما ينبغي لكم التصدي لهم بكل طاقاتكم وإمكانياتكم. ولكن إذا ما حاول أحد تجاوز المبادئ والأصول، عليكم أن تتصدوا له بكل حزم.
طبعاً أنتم تعلمون أن أياً من الحكومة والمجلس وكبار المسؤولين لم يتجاوزوا المبادئ والاطرالعامة مطلقاً ولن يعدلوا عنها. وبالنسبة لي فالأمر واضح تماماً من أن الإيمان وحب الله وخدمة خلقه يخيم على كيان كل من الجناحين. ولا بد من العمل على تطهير النهج التنافسي من التلوث والانحراف والإفراط والتفريط من خلال تبادل الأفكار وتلاقح الآراء البناءة. واني أُذكّر الجميع مرة أخرى بأن بلدنا في مرحلة البناء وإعادة الأعمار وهو بأمس الحاجة إلى الوحدة والاخوة والفكر.
اسأل الله تعالى التوفيق لجميع الذين تنبض قلوبهم من أجل أحياء الإسلام المحمدي الأصيل صلى الله عليه وآله وسلم واقصاء الإسلام الأميركي، وان يحفظكم والجميع في كنف عنايته ورعايته، وان تكونوا من انصار الإسلام والمحرومين إن شاء الله.
10/ 8/ 1367
روح الله الموسوي الخميني
* صحيفة الإمام، ج21، ص:164,161