يتم التحميل...

حقيقة ومراتب وموانع ذكر الله

قيد الدراسة2

علاقة ذِكر الله، بِتهذيب النّفوس في الأحاديث الإسلاميّة: إنّ إستعراض الكلام، عن أهميّة ذِكر الله في الأحاديث الإسلاميّة، لا يتّسع له هذا الُمختصر، وما نَبتغيه في هذا المجال، هو أنّ ذكرَ الله، يعدّ من العوامِلَ المهمّة في تهذيب النّفوس وتشذيب الأخلاق وبناء الرّوح.

عدد الزوار: 188


علاقة ذِكر الله بِتهذيب النّفوس في الأحاديث الإسلاميّة:

إنّ إستعراض الكلام، عن أهميّة ذِكر الله في الأحاديث الإسلاميّة، لا يتّسع له هذا الُمختصر، وما نَبتغيه في هذا المجال، هو أنّ ذكرَ الله، يعدّ من العوامِلَ المهمّة في تهذيب النّفوس وتشذيب الأخلاق وبناء الرّوح، وقد أغنتنا الرّوايات في هذا المجال، وما وَرد عن المعصومين الأربعة عشر، إلى ما شاء الله، ولكنّنا نختار منها ما يلي:


1- نقرأ في حديث عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام ، أنّه قال: "مَن عَمَّرَ قَلْبَهُ بِدَوامِ الذِّكرِ حَسُنَتْ أَفْعالُهُ في السِّرِّ وَالجَهْرِ"1. فقد بيّن الحديث الشّريف، هذه العلاقة والرّابطة بوضوح تامّ.

2- نقرأ في حديث آخر عن الإمام عليه السلام نفسه، حيث قال: "مُداومَةُ الذِّكرِ قُوتُ الأَرواحِ وَمِفْتاحُ الصَّلاحِ"2.

3- وعنه عليه السلام أيضاً، قال: "أصلُ صلاحِ القَلبِ إِشتِغالُهُ بِذِكْرِ اللهِ"3.

4- وأيضاً في حديث آخر عنه عليه السلام ، قال: "ذِكرُ الله دَواءُ أَعلالِ النُّفُوسِ"4.

5- وعنه عليه السلام ، قال: "ذِكرُ اللهِ رَأسُ مالِ مُؤمِن، وَرِبْحُهُ السَّلامَةُ مِنَ الشَّيطانِ"5.

6- وأيضاً عن هذا الإمام الهمام عليه السلام ، أنّه قال: "الذِّكْرُ جَلاءُ البَصائِرِ وَنُورُ السَّرائِرِ"6.

7- وأيضاً عن إمام المتقين عليه السلام ، قال: "مَنْ ذَكَرَ اللهَ سُبحانَهُ أَحيَى قَلبَهُ وَنَوَّرَ عَقْلَهُ وَلُبَّهُ".

8- وأيضاً عن الإمام نفسه عليه السلام ، أنّه قال: "إسْتَديمُوا الذِّكْرَ فَإنَّهُ يُنِيرُ القَلبَ وَهُوَ أَفْضَلُ العِبادَةِ".

9- وَرد في "ميزان الحكمة"، عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام ، أنّه قال: "اُذْكُرُوا اللهَ ذِكْراً خالِصاً، تَحْيُوا بِهِ أَفْضَلَ الحَياةِ وَتَسْلُكُوا بِهِ طُرُقَ النَّجاةِ"9.

10- وَوَرد عن الإمام علي عليه السلام في نهج البلاغة، في وصيّته المعروفة لإبنه الإمام الحسن عليه السلام ، أنّه قال: "اُوصِيكَ بِتَقوَى اللهِ يا بُنَيَّ! وَلُزُومِ أَمْرِهِ وَعِمارَةِ قَلْبِكَ بِذِكْرِهِ"10.

11- وَرد في غُرر الحِكم، عن مولى الموحدين أمير المؤمنين علىّ عليه السلام ، قال: "ذِكْرُ اللهِ مَطْرَدَةُ لِلشَّيطانِ".

12- وَلِحُسن الخِتام، نَختم هذا البحث، بحديث عن الرّسول الأكرم صلى الله عليه وآله، وإن كانت هناك رواياتٌ وافرةٌ لا يسعها هذا المختصر، قال: "ذِكْرُ اللهِ شِفاءُ القُلُوبِ"11.

ونَستلهم ممّا ذُكر آنفاً، أنّ ذِكر الله تعالى، له علاقةٌ وثيقةٌ وقريبةٌ جدّاً بتهذيب النّفوس، فهوُ ينَوّر القلب، ويجلو الرّوح من عناصر الكِبْر والغُرور والبخل والحَسد، والأهمّ من ذلك أنّه يطرد الشّيطان الرجيم، من واقع الإنسان الدّاخلي، ويعيد لِلنفس ثِقتها.

وعلى حدِّ تعبير بعض العلماء الأكارم، أنّ القلب لا يَخلو من أمرين، لا يجتمعان في مكان واحد، فإمّا أن يتّجه لِذكر الله سُبحانه وتعالى ويغذيه بنوره ويطرد منه الظّلمات والشّيطان، وإمّا أن يكون مَرتعاً ومَلعباً لِلشَيطان الرّجيم ووساوسه، يوجهه حيث يشاء.

ومن جهة اُخرى، فإنّ الذّات المقدسة هي مصدر لكلِّ الكمالات، وذكر الله تعالى يُؤدّي إلى أنّ الإنسان يقترب من ذلك المصدر في كلّ يوم، وبالتّالي يتحرك في طريق الإبتعاد عن الرّذائل الأخلاقيّة والأهواء النّفسانية، التي تنبع من النّقص المعنوي في واقع النّفس.

وبناءً على ذلك يجب الإستعانة بهذا السّلاح الماضي، والنّور المخترق لِلظلمات، لِلعبور من متاهات هذا الطّريق الموحش المُظلم، المحفوف بالأخطار الجسيمة، إلى جادّة السّلام، والكمال الإلهي في عالم النّفس، ممّا يورث إستقرارها وإتّصالها ببارئها.


ونُكمِّل بحثنا بثلاثِ نقاط، وملاحظات، لا تخلو من فائدة:


1- ما هي حقيقة الذِّكر:

يقول "الرّاغب" في كتاب "المُفردات": إنّ الذِّكر له مَعنيان، فمرّةً حضور الشّيء في الذّهن، ومرّةً بمعنى حفظِ المَعارف والإعتقادات الحقّة في باطن الرّوح.

وقال الأعاظم من علماء الأخلاق: إنّ "ذكرَ الله تعالى"، ليس هو لِقَلقَةِ لِسان، أو مجرّد التّسبيح والتّحميد والتّهليل والتّكبير، في دائرة الألفاظ والكلمات، بل هو التّوجه الحقيقي للهِ تعالى، والإذعان لِقُدرته والإحساس بوجوده أينَما كُنّا.

ولا شكّ أنّ مِثلَ هذا الذّكر هو المطلوب، وهو الغاية القصوى والدّافع للإتجاه نحو الحسنات، والإعراض عن السّيئات والقَبائح.
ولذلك نقرأ عن الرّسول الكريم صلى الله عليه وآله في حديث في هذا المضمار:

"وَلَيْسَ هُوَ سُبحانَ اللهِ وَالحَمْدُ للهِ وَلا إِلهَ إِلاّ اللهِ وَاللهُ أَكْبرُ، وَلَكِنْ إِذا وَرَدَ عَلى ما يَحْرُمُ عَلَيهِ، خافَ اللهَ عَزّ َوَجَلَّ عِنْدَهُ وَتَرَكَهُ"12.

ونقل ما يقرب لهذا المعنى في حديث عن الإمامين: الصّادق والباقر عليهما السلام13. ونقل حديث آخر عن علي عليه السلام ، أنّه قال: "الذِّكْرُ ذِكْرانِ: ذِكْرٌ عِنْدَ المُصِيبَةِ، حَسَنْ جَمِيلٌ وَأَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ ذِكْرُ اللهِ عِنْدَ ما حَرَّمَ اللهُ عَلَيكَ، فَيَكُونُ ذَلِكَ حاجِزاً"14.

ونستنتج من ذلك، أنّ الذّكر الحقيقي، هو الذّكر الذي يترك أثره الإيجابي في أعماق روح الإنسان، ويفعّل إتجاهاته الفكريّة والعمليّة في خطّ التّقوى والإلتزام الدّيني، ويربّي في النّفس والرّوح، عناصر الخير والصّلاح، ويدعو الإنسان إلى الله العزيز الحكيم.

ومن يذكر الله تعالى على مستوى اللّسان، ويتبع الشّيطان على مستوى المُمارسة والعمل، فهو ليس بِذاكِر حقيقي، ولا يذكر الله من موقع الإخلاص، بل هو كما قال الإمام علي بن موسى الرّضا عليه السلام : "مَنْ الذِّكْرِ ولَمْ يَسْتَبِقْ إِلى لِقائِهِ فَقَدْ إسْتَهزَءَ بِنَفْسِهِ"15.


2 ـ مراتب الذّكر:

ذكر علماء الأخلاق، أن ذّكر الله تعالى، على مراتب ومراحل:

المرحلة الاُولى: الذِّكر اللّفظي، حيث يجري فيها الإنسان أسماء الله الحُسنى، وصفات جَماله وجَلاله، على لسانه، من دون التّوجه إلى معانيها ومُحتواها، كما يفعل كثيرٌ من المصلّين السّاهين في صلاتهم، وهو نوع من الذّكر، وله تأثيره المحدود على آفاق النّفس والفِكر! ولكن لماذا؟.

لأنّه أولاً: يعتبر مقدمةً لِلمراحل التّالية.

وثانياً: أنّه لا يخلو من التّوجه الإجمالي نحو الله تعالى، لأنّ المصلي وعلى أيّةِ حال، يعلم أنّه يصلّي وهو واقفٌ بين يَدَيِّ الله تعالى، ولكنّه لا يتوجه لما يقول بصورة تَفصيليَّة، ولكن مع ذلك فهذا النّوع من الذّكر، لا يؤثّر في حياة الإنسان، على مستوى تهذيب النّفس وتربية الأخلاق.

المرحلة الثانية: الذّكر المعنوي، وهو أن يلتفت الإنسان لمعاني الأذكار التي تجري على لسانه، ومن البديهي أنّ التّوجه لمعاني الأذكار، وخصوصيّة كلّ واحدة منها، سيعمّق الإمتداد المعنوي لمضامين الذّكر في واقع الإنسان، وبالإستمرار والمداومة سيحسّ الذّاكر، بمعطيات هذا الذّكر في نفسه وروحِهِ.

المرحلة الثّالثة: الذّكر القلبي، وقالوا في تفسيره، إنّه الإحساس الوجداني بحضور الله تعالى، في أجواء القلب، ثم جريان ذكر الله على اللّسان، فعندما يرى عجائب خلقته، ودقائق صنعته، من أرض وسماء ومخلوقات، وما بثّ فيها من دابّة، سيقول: "العَظَمَةُ للهِ الوَاحِدِ القهَّارِ".

فهذا الذّكر نابعٌ من القلب، وينبىءُ عن حالة باطنيّة في داخل الإنسان.

ومرّةَ يشهد الإنسان في نفسه، نوعاً من الحُضور المعنوي لله تعالى، من دون واسطة، فيترنّم بأذكار، مثل "يا سُبُّوحُ وَيا قُدُّوسُ" أو "سُبحانَكَ لا إِلَهَ إِلاّ أَنْتَ".

وهذه الأذكار القلبيّة، لها دورها الفاعل في تهذيب النّفوس وتربية الفضائل الأخلاقيّة، كما عاشت الملائكة هذا النوع من الذّكر، عندما شاهدوا آدم عليه السلام ، وسِعة علمه وإطلاّعه على الأسماء الإلهيّة، فقالوا: ﴿سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ(البقرة:32).

وأشار القرآن الكريم، إلى مراحل من الذّكر، فقال: ﴿وَاذْكُرْ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلا (المزّمل:8).

وفي مكان آخر، يقول: ﴿وَاذْكُرْ رَبَّكَ في نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنْ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالاصَالِ وَلاَ تَكُنْ مِنْ الْغَافِلِين﴾(الأعراف:205).

ففي الآية الاُولى، نجد تقريراً على مستوى التّوجه لِلذكر اللّفظي العميق، ثم التّبتل والإنقطاع إلى الله تعالى، أَيْ: التّحرك من موقع الإبتعاد عن الناس، والإتصال بالله تعالى في خطّ العبادة والذّكر.

والآية الثّانية: تتحدث عن الذّكر القلبي، الذي يؤدّي إلى أن يعيش الإنسان، حالة التّضرع والخوف من الباري تعالى، في أجواء الذكر الخفي، فتتحرك عمليّة الذّكر بشكل بطيء من الباطن وتجري على اللّسان.


3- موانع الذّكر:

لا توجد موانع تقف في طريق الذّكر اللّفظي، فيمكن لِلإنسان أن يذكر أسماء وصفات الله الجماليّة والجلاليّة، ويجريها على لِسانه في أيِّ وقت شاء، إلاّ أن يكون الإنسان مُنشغلاً وغارقاً في الدّنيا، لدرجة لا يبقى وقتٌ لِلذكر اللّفظي.

أمّا الذّكر القلبي والمعنوي، فتقف دونه موانعٌ وسدودٌ كثيرةٌ، أهمّها ما يَكمُنْ في واقع الإنسان نفسه، فبالرّغم من أنّ الله تبارك وتعالى، مع الإنسان في كلِّ مكان وزمان، وأقرب إلينا من كلّ شيء: ﴿وَنَحْنُ أَقرَبُ إِلَيهِ مِنْ حَبْلِ الوَرِيدِ(ق:16).

أو كما ورد في الحديث العلوي المشهور: "ما رأَيتُ شَيئاً إلاّ وَرَأيتُ اللهَ قَبلَهُ وَبَعدَهُ وَمَعَهُ".

ولكن مع ذلك، فإنّ كثيراً من أعمال الإنسان وصفاته الشّيطانيّة، تضع الحُجب على عينه، فلا يُحسّ بوجود الله تعالى أبداً، من موقع الحضور والشّهود القلبي، وكما يقول الإمام السّجاد عليه السلام ، في دعاء أبي حمزة الثمالي: "وإنَّكَ لا تَحتَجِبُ عَنْ خَلْقِكَ إِلاّ أَن تَحجُبَهُم الأَعمالُ دُونَكَ"، وأهم تلك الحُجب، هي " الأنانيّة" التي تذهل الإنسان عن ذكر ربه.

فالأناني لا يعيش مع الله تعالى من موقع الوُضوح في الرّؤية، لأنّ الأنانيّة من أنواع الشّرك التي لا تتناسب مع حقيقة التّوحيد!.

ونقرأ في حديث عن عليٍّ عليه السلام أنّه قال: "كُلُّ ما أَلهى عنْ ذِكْرِ اللهِ فَهُوَ مِنْ إِبلِيسَ"16.

وفي حديث آخر عن عليِّ عليه السلام أنّه قال: "كُلُّ ما أَلهى عَنْ ذِكْرِ اللهِ فَهُوَ مِنْ المَيسرِ"17.

ونعلم أن المَيسر، جُعِل في القرآن الكريم، رديفاً لعبادة الأوثان18.

ونختم هذا الكلام عن موقع الذّكر، بحديث عن الرّسول الأكرم، وقد جاء في معرض تفسيره للآية الكريمة: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا، لاَ تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ، وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْخَاسِرُونَ(المنافقين:9).

قال صلى الله عليه وآله: "هُم عِبادٌ مِنْ اُمَّتي، الصَّالِحُونَ مِنْهُم لا تُلهِيهِم تِجارَةٌ ولا بَيعٌْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَعنِ الصَّلاةِ المَفرُوضَة الخَمْسِ"19.
نعم فإنّهم في كلّ حركاتهم وسكناتهم، يبتغون وجه الله تعالى، ولا غير.

* الأخلاق في القرآن (الجزء الأول)، أصول المسائل الأخلاقية، آية الله العظمى الشيخ ناصر مكارم الشيرازي, المؤسسة الإسلامية, الطبعة الثانية/1426ه, قم.



1- تصنيف دُرر الحِكم، ص189، الرقم 3658.
2- المصدر السّابق، الرقم 3661.
3- المصدر السّابق، ص118، الرقم 3608.
4- المصدر السّابق، ص188، الرقم 3619.
5- المصدر السّابق، الرقم 3621.
6- تصنيف دُرر الحِكم، ص189، الرقم 3631.
7- المصدر السّابق، لرقم 3645.
8- المصدر السّابق، الرقم 3654.
9- ميزان الحكمة، ج2، ص69 الطبعة الجديدة.
10- نهج البلاغة، الكتاب 31.
11- كنز العمّال، ح 1751.
12- بحار الأنوار، ج90، ص151، ح4.
13- المصدر السّابق، ح 5 و6.
14- المصدر السّابق، ج75، ص55.
15- بحارالأنوار، ج75، ص356، ح11
16- ميزان الحكمة، ج2، ث975، الطّبعة الجديدة مبحث الذّكر.
17- المصدر السّابق.
18- راجع الآية 90 من المائدة.
19- ميزان الحكمة، ج2، ص975، الطبعة الجديدة.
2009-07-30