يتم التحميل...

الأزمات العامة للشباب

قيد الدراسة2

يمكن فرز "الأزمات" وقسمتها الى قسمين هما: "الأزمات العامة"، و"الأزمات الخاصة"، والفارق ما بين النوعين هو: "التسبب أو الكسب"، فما كان منها بكسب الإنسان على نفسه فهي: "أزمة خاصة"، كترك الصلاة، وشرب الخمور، فتارك الصلاة وشارب الخمر، هو الذي كسبت يداه هذا المنكر، وجنى به على نفسه، وسبّب لها الإثم واستحقاق العقاب.

عدد الزوار: 108

"الأزمات": عامّة، وخاصّة


يمكن فرز "الأزمات" وقسمتها الى قسمين هما: "الأزمات العامة"، و"الأزمات الخاصة"، والفارق ما بين النوعين هو: "التسبب أو الكسب"، فما كان منها بكسب الإنسان على نفسه فهي: "أزمة خاصة"، كترك الصلاة، وشرب الخمور، فتارك الصلاة وشارب الخمر، هو الذي كسبت يداه هذا المنكر، وجنى به على نفسه، وسبّب لها الإثم واستحقاق العقاب.

أما وقوع "الشباب" في "الضياع.." وتوجيههم التوجيه السيئ الفاسد، فذاك ليس من كسبهم في الأصل، بل هو من كسب سواهم من المسؤولين والمتسلطين على الأمة، وما الناس عامة و"الشباب" خاصة، سوى ضحية من ضحايا تلك التصرفات السيئة، لأولئك المتسلطين.. والجميع متضررون من هذه المصائب ـ كما هو مشاهد ـ فهي وأمثالها "أزمات عامة".


ولا يفهمنّ أحد: أننا ننسب هذه "الأزمات" إلى جميع الشباب، وأننا نراهم جميعا متورطين فيها.. فهذا ليس مطابقا لمرادنا ولا للواقع.. فنحن نحسن الظنّ بالمسلمين عامّة، وبالأخص "الشباب" الذين نحبهم، ونحرص عليهم، ونريد لهم كل خير.. فهم إخواننا.. وأبناؤنا.. وحملة فكرنا وأمجادنا وتراثنا.. ولكنها "أزمات".. تحلّ بالمجتمع كالمرض الفتاك.. نحاول مع المصلحين.. مكافحتها وتحذير شبابنا منها، ليعوا الخطر ويجتنبوه.. ويصدّوه ويردّوه.. ويزيلوا أسبابه ومسبّبيه..


الأزمات العامة

أولا: الفراغ الفكري.

ثانيا: تدني المستوى العلمي.

ثالثا: الأزمات الاجتماعية:

(أ) أزمة العمل.
(ب) أزمة السّكن.
(ج) أزمة الزواج.

رابعا: التوجيه السيئ.

بناء على المعنى الذي أشرنا إليه آنفا، في تحديد المراد بالأزمات العامة، فإن هذا النوع من "الأزمات" ينتج عن سوء تصرّف "الحاكمين"، أو إهمالهم لواجباتهم نحو الرعية، وأهم تلك الأزمات وأشدّها ضررا وسوءا في نظرنا هي التالية:


أولا: الفراغ الفكري

نعني بهذا العنوان: أنه.. لا هدف للشباب.. ولا رسالة.. ولا مسؤولية.. فإذا سئل أي شاب اليوم: "ما هو هدفك في الحياة؟!.." فبماذا سيجيب؟.. كلنا يعرف جوابه.. المألوف.. المعروف، إنه سيقول: هدفي: إكمال الدراسة الجامعية.. ثم.. وظيفة... ثم زواج.. ثم عيشة هنيّة رغيدة.. وسيارة مرتبة.. إلخ.

أصحيح: أن هذا هو هدف " الشاب" المسلم؟؟. أهذا هو الهدف السامي الذي لأجله خلق.. ولتحقيقه يسعى ويتعب..؟؟!.. إذن: فما هو الفارق ما بينه وبين الملحد.. والمشرك.. والفاجر..؟؟!!!

ليس صحيحا كما يظنه الكثيرون من الشباب:" هدف".. فهم فهموا الأمور كما صوّروها لهم.. فهكذا علموهم في المدارس.. والمعاهد.. وهكذا لقنوهم عبر وسائل الإعلام.. فغرسوا في عقولهم: أن هدفهم
إن "الولد" منذ ان يدخل المدرسة في مرحلة الحضانة.. حتى يتخرّج من الجامعة ـ هذا إن أتيح له ذلك ـ ماذا يقال له؟؟ وفي أي شيء يطلب منه أن يفكّر؟..:

يقال له: اهتمّ بنفسك ومستقبلك.. ولا تهتم بسواك.. فلا فائدة لك في ذلك.. أمّن لنفسك: الشهادة.. والوظيفة.. والراتب العالي.. والعروس.. والسيارة.. وعش حياتك.. ودع سواك..

يقال له: ماذا يعنيك أنت غير نفسك؟.. أمّا مصالح الأمة.. ودين الأمة.. وكرامة الأمة.. فليس ذلك شغلك..

يقال له: ذهبت أيام الفتوحات.. وحمل الإسلام الى العالمين.. فلست مسؤولا عن إيمان غيرك.. أو عدم إيمانه.. فاترك هذا الأمر للمشايخ.. وعلماء الدين..

يقال له: لست مسؤولا إلا بالدفاع عن وطنك.. وطنك هذا الصغير.. المسمى بـ "دولة .. كذا.."، فأنت لا تنتسب إلى غيره، فأنت: مصري.. نيجيري.. باكستاني.. تركي.. أرأيت؟؟.. فدافع عن "النظام" .. لا عن سواه..

يقال له: المسلمون في العالم:" أمة واحدة".. وحّدهم " الدين".. وهم لا يزالون مسلمين.. وعدد دولهم تجاوزت الخمسين.. وكل "دولة.." تهتم برعاياها.. فلا تهتم أنت بغير أبناء وطنك الذي تجذّرت جذوره في أسفل الأرضين.. وشمخت الى الأعالي، من دون أن يقولوا له: من الذي رسم حدود تلك الدول؟.. ولماذا رسموها؟.. وما حكم الإسلام فيها؟..

يقال له: إن "اليهود"، قد احتلوا بلاد "فلسطين".. ونحن مع "أهل فلسطين".. إن صالحوا اليهود صالحنا معهم؛ وإن رفضوا الصلح وأرادوا الحرب.. فلن نحارب معهم.. فاترك "فلسطين" لأهلها.. وحافظ على بلدك..

يقال له: إن أجمل بلاد الدنيا: بلدك.. وإن أقدس بلاد الأرض: أرض بلدك.. وإن أعدل "الحاكمين" وأعظمهم: هم حاكموك.. فحافظ على "وطنك.." المحدّد.. دون سواه.. وأعلن ولاءك المطلق لحاكمك.. دون سواه.. وإن شكوت من : الظلم.. والحرمان.. والكبت.. والإرهاب.. إلخ. فاعلم أيها المواطن: أن هذه الأمور التي تشكو منها، ما هي إلا إبر النّحل.. التي لا بد منها لمن يجني العسل..و" ضرب الحبيب زبيب".. كما قال المثل..

يقال له: أنت عندما ستدخل "الخدمة العسكرية"، أو تنتسب الى "لجيش"، فأنت تقوم بواجب "وطني".. وواجب "قومي".. إذ أنت أولا: تحمي "النظام.." الذي لا مثيل له في الدنيا.. وثانيا.. وأخيرا.. أنت تخدم نفسك بخدمة "النظام..".. فاشكر ربك على هذه النعمة..

هذا بعض ما يحشون به أفكار "الشباب" في عصرنا.. فأين هو: "الهدف.."؟؟. وأين هي رسالة المسلم ومهمته؟؟.. وأين هو دور الأمة الإسلامية، التي جعلها الله عز وجل شاهدة على الأمم كافة، بقوله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا1، وقوله سبحانه: ﴿وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ2، ومفهوم "الشهادة" هنا: هو الإشراف والتوجيه والإرشاد.

أين هو هدف: "الجهاد في سبيل الله.."لنشر الإسلام وحمل هداه الى كل أنحاء العالم؟؟.. وهل يربّى "الشباب" في زماننا، كما ربّى رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه؟؟..


لقد كان التابعيّ الشاب: "قثم بن العباس بن عبد المطلب"، في مدينة "سمرقند" إحدى مدن جمهورية " أوزبكستان"، الواقعة حاليا تحت السلطة الشيوعية الروسية، وقبره فيها معروف، فما الذي أخرجه من "المدينة المنورة" في بلاد الحجاز.. ليموت في تلك البلاد البعيدة..؟؟.. إنه: "الهدف.." .. إنه: نشر الإسلام.. إنه: الفتح.. فهو " شاب" لم يفهم الحياة تحصيل شهوات وتحقيق رغبات.. ولم يفهم "الإسلام" إلا: رسالة.. وهدى..

هكذا فهم المسلمون الإسلام.. وعلى هذا ربّوا شبابهم.. فتتالت أجيال من " الشباب"، كانوا حملة رسالة، وأصحاب " هدف".. ففتحوا البلاد شرقا وغربا، وأناروا الكون بنور الإسلام..

لقد كانت أمتنا قوية كريمة، عندما كان لها "هدف".. ولشبابها "غاية".. أما الآن فأوهموها بأن: لا هدف لنا.. وضيّعوا شبابنا.. وأطفأوا فيهم شعلة الحماس.. فصاروا على غير هدى يسيرون .. وإلى غير هدف يسعون.. بل وعكس " الهدف" المنشود يعملون..

وبإختصار نقول: شبابنا فارغ الفكر.. بلا رسالة ولا هدف.. إلا ما شغلوه به، ومن اهتمامه بنفسه، وبترتيب أمور معيشته، حتى انطبق عليهم قول الشاعر:

دع المكارم لا ترحل لبغيتها واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي


ثانيا: تدنّي المستوى العلمي

"العلم نور"، و"النور" هدى وبصيرة ووعي، و"الجهل": ظلمات، وثمّة فرق كبير بين الأمرين، فهما لا يستويان مطلقا.. قال الله عز وجل: ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ3، وقال تعالى:﴿وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ * وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ * وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ * وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاء وَلَا الْأَمْوَاتُ4.

وإن مستوى الوعي عند الإنسان، يتحدّد بمستواه العلمي، فكلما ازداد علما ازداد وعيا وفقها ومعرفة، لذلك أرشد الله تعالى رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم، إلى طلب الزيادة في العلم فقال له: ﴿وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا5، وهذا إرشاد للأمة كلها، وحثّ لها على تحصيل العلم، والاستزادة منه دائما.

و"الشباب" هم طلبة العلم في الغالب، فهم تلاميذ المعاهد والجامعات، وهم المتخرجون وحملة الشهادات، وهم حاملوا أمانة العلم، ومسؤولية تعليم الأجيال، فبمقدار علمهم يعلّمون، وعلى حسب مستواهم ومعرفتهم يدرّسون ويربّون، فكلما كان المستوى العلميّ لدى "الشباب" عاليا، كانت قدرتهم على الإعطاء أقوى وأكبر.

لقد جزمنا من خلال عنوان هذا البند، بأن المستوى العلمي قد تدنّى وهبط، وهذا ما قد يستغربه الكثيرون، وربما اعتبروه غير صحيح.. مستندين في ذلك إلى: وجود هذه الأعداد الكبيرة من المدارس والمعاهد والجامعات، على اختلاف اختصاصاتها العلمية، وإلى: الأفواج التي لا تكاد تحصى من الطلبة في بلاد المسلمين..

إن ردّنا على هؤلاء: إننا نحن لا نناقش في "الكم والعدد"، ولا ننكر وفرة دور التعليم، وكثرة المتعلمين، ولكننا بنينا حكمنا بتدنّي المستوى العلمي في عصرنا، على ما يسمّى بـ "النوعية.."، أي: على مستوى البرامج المقررة، والنتيجة العلمية التي يحصل عليها الطالب في آخر المطاف، ونطرح بالتالي هذا السؤال: هل الشاب المتخرج بشهادة علمية ما، هو فعلا بالمستوى العلمي الصحيح لتلك الشهادة؟؟.. أي: هل حصّل ذلك الطالب علما يوازي مستوى الشهادة الورقية التي منحت له؟؟..

إننا لا نرى أن العلوم التي يحصّلها "الشباب"، هي بمستوى الشهادات التي تمنح لهم، ولا نرى أن " الشاب" المتخرج قد استوعب العلم الذي تخصص فيه، إلا ما ندر.. والنادر لا حكم له.. وهذه كارثة حلّت بالشباب، لا يد لهم فيها، ومكيدة دبّرت بحقهم، وهم لا يعلمون.

نقول هذا، لا لنلقي اللوم والمسؤولية على "الشباب"، وإنما لنبين: أن "الشباب" هم الضحية، وأن الذين مسخوا.. البرامج.. والمقررات.. والمواد.. وساعات التدريس.. وسنوات التعليم.. لم يريدوا بالأمة من خلال شبابها إلا السوء والأذى.

فتحت شعار "التطوير" أو: "التحديث.."، مسخت المقررات، وطار العلم.. وحدث التجهيل المنظّم.. ضمن خطة خبيثة محكمة، أعدّها أعداؤنا ونفّذوها بدقة.. فصارت الدراسات عبارة عن "أخذ فكرة.." عن العلوم، لا أكثر ولا أقل، أي: مجرد تعرّف على العلوم المقررة، حتى العلوم الشرعية، لم تنج من أيدي العابثين، والقصد من ذلك كله: تخريج أفواج غير عالمة.. لا بعلوم الدين.. ولا بعلوم الدنيا.. ومعلوم كم الخطر كبير من مثل هؤلاء، على الأمة وأجيالها، وقد حذرنا النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم من مثل هؤلاء، فيما رواه البخاري ومسلم ..عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس، ولكن يقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالما، اتخذ الناس رؤساء جهالا، فسئلوا فأفتوا بغير علم، فضلّوا وأضلّوا".

إننا نفتقد في "شبابنا" العلماء بحق في جميع العلوم، فأين علماء الدين؟؟.. وأين الأدباء والشعراء؟؟.. وأين الباحثون والمخترعون؟؟.. بل: وأين الضباط والعسكريون الأفذاذ؟؟.

إننا نعجب كل العجب من واقعنا العلمي المتخلف.. وواقع الغرب العلمي المتقدم. ونحن المؤسسون للعلوم.. الروّاد في جميع المجالات والاختصاصات...

إننا نرى في بلاد العرب خاصة والمسلمين عامة، أن في طريق العلوم عوائق.. وحواجز.. بينما سبيل العلم في الغرب مفتوح على سعته.. ونرى "الامتحانات" أشبه بالألغاز.. لتعجيز الطالب. وتفشيله وإدخال اليأس الى نفسه .

وهنا نسأل: هل هكذا تعلم سلفنا وعلموا؟؟.. هل كانوا يعطون "الإجازة.." لأي "طالب"، كتب على أوراق "الإجابة" كلاما وافق السؤال، ولو من دون علم؟؟.. هل كانوا يلقنون الطلبة من كل علم مسائل منثورة، ومعلومات عامة متفرقة.. هل كانوا يمتحنون الطلبة بـ "المقروء.." من "المقرر.." فقط، وهو القليل من الكثير؟؟.. الجواب عن كل ذلك هو: لا.. لم يكن أمرهم كذلك، بل كان "العلم" يطلب من المهد الى اللحد.. وشعارهم: أعط العلم كلك ليعطيك بعضه. ومن طلب العلى سهر الليالي.. وكان الهدف الوحيد عندهم: طلب العلم لوجه الله تعالى، وابتغاء رضوانه، فكان في علمهم كل البركة والخير، فنفعهم الله تعالى بعلمهم، ونفع بهم الأمة، وكانوا خير أمناء على حمل العلوم.. إلى الأجيال.

لذلك ندعو الى تعديل جذري لأساسات التعليم، واعتماد مناهج ومقررات وافية، وإلى إعطاء الطلبة الوقت الكافي لدراستها وإتقانها، وإلى فتح أبواب العلوم على مصارعها أمام الطلبة، ومنحهم كل الرعاية والإهتمام، ليتخرّجوا "علماء" بكل معنى الكلمة.


ثالثا: الأزمات الاجتماعية

نعني بهذا العنوان ثلاث أزمات هي:

أزمة العمل، أزمة السكن، أزمة الزواج، وذلك لأن "الشاب" ينشأ في "أسرة"، وأسرته تؤمن له "مصروفه".. و"مسكنه".. ويكون "عزبا".. لأنه لم يبلغ سنّ الزواج المألوفة، فهو في الغالب "طالب.." يتابع الدراسة، ولكنه فور تخرّجه، أو عندما يتوقف عن متابعة الدراسة، فإنه يتجه إلى البحث عن "عمل".. ليؤمن دخلا له.. ثم: منزلا.. ثم زوجة.. ليستقرّ ويعيش... وهذا بديهي في كل إنسان،وأمر فطري، فطره الله عز وجل عليه.

لا شك في أن "الشباب"، وفي أول مواجهة لهم مع الواقع، يشعرون بوطأة " الأزمة".. ويعرفون ما هي؟؟.. وما تحدثه في نفس الإنسان من حسرة وتعاسة، وتزداد حسرة الإنسان وتعاسته، إذا واجه "الأزمات" وحده، من دون أبوين يساعدانه. أو مسؤول يمدّ اليه يد العون...

و"الشباب" في عصرنا يعانون من كل أنواع الأزمات، ومن جملتها " الأزمات الاجتماعية" التي ذكرنا أهمها وأخطرها، وهي: "العمل، والسكن، والزواج"، فمما لا شك فيه: أن الشاب في غالب الحال، لا يعرف ماذا يعمل.. وإن كان له اختصاص.. فلا يجد عملا.. إلا بعد جهد ووساطات، أما " الأجر".. أي الراتب والمعاش.. فهو أيضا همّ آخر، وأزمة أخرى، فغالبا ما يكون الأجر أو: الراتب دون حدّ الكفاية، بحيث لا يشعر هذا العامل أو الموظف، بالكفاية والسعادة في حياته أبدا، بل يظلّ أسير الحاجة، ليظل أسير صاحب العمل، أو: أسير الوظيفة، فهو يختار أهون الشرّين وأخف الضررين، لأنه إذا ترك العمل أو إستقال من تلك الوظيفة، فلن يجد عملا آخر، وإن وجد بعده عناء.. فلن يكون أجره وراتبه أعلى وأكبر..

أما "أزمة السكن" .. فأمرها عجيب.. وكأن الدنيا ضاقت بأهلها وعلى أهلها.. ففي كل أنحاء العالم يوجد "أزمة سكن.."، مع وفرة الأموال والأرض في كثير من البلاد.. حتى بات الحصول على "مأوى.." ولو غرفة واحدة.. هدفا كبيرا.. وإن توفر للإنسان هذا الهدف.. فهو محظوظ ..

أما " أزمة الزواج"، فهي مرتبطة بالأزمتين السابقتين، إذ لا زواج من دون عمل أو مسكن.

وهنا لا بد من التساؤل: ما هو سبب هذه الأزمات؟؟.. وما هو الحل والمخرج منها؟؟ وجوابنا عن ذلك باختصار هو: أن الأزمات لا تكون إلا بسبب وجود خلل، ومعلوم أن الأنظمة المعمول بها في أكثر بلاد المسلمين في عصرنا، هي أنظمة وقوانين مستوردة من الخارج، فاشلة خاسرة، لا خير فيها للبشرية ولا فائدة، بل هي سبب كل الأزمات والمصائب التي تحل بالناس.

أما الحل: فهو بطرح جميع هذه المخلفات المستوردة من الأنظمة جانبا، ثم: بتطبيق أحكام الإسلام كلها، في جميع مجالات الحياة، فعند ذلك يحسّ الناس بالسعادة، ويتوفر لهم الأمن، والإطمئنان، والسلام.

ويكفي هنا أن نشير الى بعض ما يحظى به الناس من حكم الإسلام، وذلك بما كتبه الخليفة عمر بن عبد العزيز، إلى ولاته، قائلا لهم:

[لا بد لكل مسلم من:
مسكن يأوي إليه..
وخادم يكفيه مهنته..
وفرس يجاهد عليه عدوّه..
وأثاث في بيته..
فوفّروا ذلك كله.. ومن كان غارما فاسقطوا عنه دينه..
].


رابعا: التوجيه السيئ

ينشأ الولد في أسرة، وفي مجتمع، وهو حين ولد، كان على الفطرة السليمة، صفحة بيضاء نقية، كله براءة وطهارة، في أقواله وتصرفاته كافة، حتى يتدخل في فكره وعقيدته وسلوكه متدخل، من أب، أو أم، أو: ولي لأمره، أو معلم، أو حاكم، أو صديق، فتزول تلك البراءة، في أكثر الأحوال، وتحلّ في الشباب عقيدة الأبوين، ويتأثر بأخلاق أستاذه، وتوجيه حاكميه المبثوث بواسطة وسائل الإعلام.

إن "الشباب" في زماننا، واقعون تحت تأثير توجيه متعارض، متضارب، متناقض، ينتهي بهم الى الضياع والفراغ، فهم يقرأون في الكتب والمنشورات، ويسمعون ويشاهدون في أجهزة الإعلام، المرئية والمسموعة، جميع المتعارضات من الأفكار، فيطرح عليهم: عقائد الإيمان، وأقاويل الإلحاد والزندقة، من دون بتّ ولا فصل، وتلقى عليهم المعلومات مجتزأة مبتورة، أو مشوهة مغشوشة.

إنهم يسمعون عن "العدل" وعنه يقرأون.. لكنهم في الواقع لا يرونه، بل يرون: أن الحق دائما مع القوي.. مع زمرة الحاكمين.. وأعوان الحاكمين.. أما الضعيف.. والفقير.. ومن لا سند له.. فلا شيء له..

إنهم يقرأون ويسمعون عن "الآداب" العامة والخاصة، وعن "الأخلاق".. ولكنهم يفاجأون بما ينسف أسس الأخلاق والآداب، من مجلات وكتب "شهوانية" ـ جنسية ـ، وأفلام عربية.. نعم:"عربية".. مخزية كلها دعارة.. وسفالة ورذالة.. وحقارة.. ناهيك عن المسارح المليئة بالتهريج.. والمسخرة.. وهزء الناس بعضهم ببعض.. كل ذلك بإسم:"الفن".. وبئس "الفن".. فكيف سيستقيم شبابنا وشاباتنا في هذا الجو الموبوء؟؟!.. وكيف ستصلح أخلاقهم... وهم في هذا الواقع يعيشون؟؟!..

إنهم يسمعون عن "الحرية".. حرية الوطن.. وحرية المواطن.. ولكنهم لا يرون من ذلك شيئا على أرض الواقع، يعانون من التسلط، والكبت، والحرمان، ويرون "الوطن" أسير قوى الشرق أو الغرب..

إن "الشباب" لا يجدون من يوجههم نحو الفضائل، ولا من يأخذ بأيديهم الى هدف سام، وغاية شريفة، ولا من يرشدهم إلى سبيل الرشاد والخير، بل هم مبتلون بالتوجيه السيء، ومزاعم التربية والتعليم.. فهم كالضحية بين يدي الجزار..

إن "الشباب" غرس بستان أهمله أهله، وتركوه عرضة للطفيليات، من الحشرات والنباتات، فصارت كل غرسة منه، نهبا للطوارئ والعاديات، ولو أن أصحابه خدموه وحموه، واعتنوا به، لصار "جنة".. يجنون منها أشهى الثمرات وأطيب الفواكه.. فأين المربون؟؟..

*أزمات الشباب، الشيخ محمد أحمد كنعان، دار البشائر الإسلامية، بيروت لبنان،ص48-57.


1- البقرة:143.
2- الحج:78.
3- الزمر:9.
4- فاطر:19-22.

5- طه:114. 2009-11-01