آفات اللسان
العلاقة مع النفس
إنّ فوائد اللّسان وبركاته البنّاءة عديدةٌ، وكذلك آثاره السلبيّة، وما يترتب عليه من ذنوب وآثام، ونتائج مخرّبة على مستوى الفرد والمجتمع، وقد ذكر العلاّمة المرحوم الفيض الكاشاني رحمه الله، في كتابه:المحجّة البيضاء، والغزالي في كتابه:إحياء العلوم...
عدد الزوار: 291
آفات اللّسان
كما أشرنا أنّ فوائد اللّسان وبركاته البنّاءة عديدةٌ، وكذلك آثاره السلبيّة، وما يترتب عليه من ذنوب وآثام، ونتائج مخرّبة على مستوى الفرد والمجتمع، وقد ذكر العلاّمة المرحوم الفيض الكاشاني رحمه الله، في كتابه: "المحجّة البيضاء"، والغزالي في كتابه: "إحياء العلوم"، بحوثاً مطوّلة، فذكر الغزالي عشرين نوعاً من أنواع الإنحرافات والأخطار للّسان:
1- الكلام في ما لا يعني الإنسان، "وليس له أثر مادّي ولا معنوي في حياة الإنسان".
2- الثّرثرة والكلام اللّغو.
3- الجدال والمراء.
4- الخصومة والنّزاع واللّجاج في الكلام.
5- التّكلم حول المنكرات، مثل الشّراب والقمار وما شابهه.
6- التكلّف في الكلام، والتّصنع في السّجع والقافية.
7- البَذاءة.
8- اللّعن لغير مستحقّيه.
9- الغِناء.
10- المِزاح الرّكيك.
11- السّخرية والإستهزاء بالآخرين.
12- إفشاء أسرار الناس.
13- الوعود الكاذبة.
14- الكذب والأخبار الكاذبة.
15- الغيّبة.
16- النمَّيمة.
17- النّفاق في اللّسان، "أو كما يقال ذواللّسانين".
18- المدح لِغَير مُستَحقّيه.
19- الكلام والتّحدث بدون تفكّر وتدبّر، حيث يُصاحبه الوقوع في الخطأ والاشتباه عادة.
20- التّساؤل عن الاُمور المعقدّة والغّامضة، التي تخرج عن قُدرة المسؤول. هذا وإنّ الدّقة في البحث، أثبتت لنا أنّ الآفات لا تَنحصر بهذه الاُمور فقط، فالمرحوم الكاشاني والغزالي، ربّما لم يكن قَصدهما، إحصاء جميع عناصر الخلل والزّيغ في اللّسان، ولذلك فإنّنا نضيف إلى هذه الموارد العشرين، موارد اُخرى، وهي:
1- التّهمة.
2- الشّهادة بالباطِل.
3- مدح النّفس.
4- نشر الشّائعات والأكاذيب، التي لا تعتمد على أساس، وإشاعة الفَحشاء والمُنكر، وإن كان من باب الإحتمال.
5- البذاءَة والخُشونة في الكلام.
6- الإصرار العَقيم: (كما أصرّ أصحاب بقرة بني إسرائيل).
7- ايذاء الآخرين بالكلام الجارِح.
8- المذمّة لغير مُستحقيها.
9- الكُفران وعدم الشّكر باللّسان.
10- الدّعاية لِلباطِل، والتّرغيب على الذَنب، والأمر بالمُنكر، والنّهي عن المعروف.
وغَنيٌّ عن البيان، أنّ ما تقدّم آنفاً لا يشكل جميع خطايا اللّسان، بل يمكن القول أنّ هذه الموارد الثّلاثين، من اُمهّات المِوارد في هذا الصّدد.
والجدير بالذّكر، أنّ البَعض أفرطوا في هذا المجال، ونسبوا إلى اللّسان ذُنوباً هو بَريءٌ منها، كَإظهار الفقر والمَسكنة والبدعة في الدّين، والتّفسير بالرّأي والجاسوسيّة ما شابَهها، فكلٌّ منها يعتبر ذنباً مُستقلاًّ، فربما إرتكبت باللّسان أو بالقلم، أو بوسائل اُخرى، وتصنيفها في عداد ذنوب اللّسان، ليس بالشّيء المُناسب، لأنّه على هذا الأساس، يمكن تصنيف جميع الذّنوب في قائمة ذنوب اللّسان، حيث إنّها ترتكب بنوع ما، بواسطة اللّسان، أو أنّ لها علاقة به، كالرّياء والحسد والتكبر والقتل والزّنا.
والبعض أَقَدم على كلّ خطيئة من خَطايا اللّسان، وقسّمها إلى أقسام عديدة، وجعل كلّ قسم منها، في فرع خاصٍّ وعنوان مستقل، مثل الجَسارة مع الأستاذ أو الوالدين، أو تلقيبهم بألقاب نابية.
وعلى كلّ حال، علينا إتخاذ جانب الإعتدال في كلّ شيء، وإن كانت هذه التّقسيمات، في الحقيقة لا تؤثّر في أصلِ البحث.
الاُسس الكليّة للوقاية من أخطار اللّسان
تبيّن ممّا سَبق، أنّ اللّسان في الوقت الذي يعدّ فيه نعمةً إلهيةً عظميةً، هو في نفس الوقت، خطرٌ جدّاً إلى درجة أنّ بإمكانه، أن يكون مصدرَ الخطايا والذّنوب، وأن يَهبُط بالإنسان في خطّ الباطل، إلى أسفل السّافلين ويجره إلى الحَضيض.
ولأجله علينا التّفكير، في الاُصول التي تُعيننا في تجنّب أخطاره الكبيرة، أو تقليلها إلى أقصى حد.
ونستعين في دائرة الكشف عن أخطار اللّسان، بتوجيهات أئمّتنا العظام عليهم السلام ورواياتهم، وكذلك نَستعين بِبَعض من كلمات علماء الأخلاق، حيث وضعوا لنا اُصولاً واُسساً وخطوطاً عامةً، عليها التَّعويل في حركتنا المعنويّة المتجهة نحو الله تعالى، ومنها:
1- الإنتباه الحَقيقي لأخطار اللّسان
للوقاية من أخطار أيّ موجود خطر علينا، في البِداية نَلتَزِم حالة الإنتباه والتّوجه الّتام، لما يترتب عليه من أخطار، فعندما يستيقظ الإنسان كلّ يوم صباحاً، عليه أن يُوصي نفسه ومعها على مستوى الحَذر، من شطَحات لسانه وأفكاره، لأنّ هذا العضو من البدن إذا تعامل معه الإنسان، من موقع الإنضباط في خطّ المسؤوليّة، فسوف يصعد به إلى أوج السّعادة والكَمال، وإذا أطلق له العِنان، فسيورد صاحبه في المهالك، فهو وَحشٌ ضارَي لا همّ له إلاّ التّدمير والتّخريب، وقد ورد هذا المعنى بصورة جميلة وتعبيرات مؤثّرة في رواياتنا الشّريفة، منها ما ورد عن سعيد بن جُبير، عن رسول الله صلى الله عليه وآله، حيث قال:
"إذا أَصبَحَ إبنُ آدَمَ أَصْبَحَتْ الأَعْضاءُ كُلُّها تَشْتَكِي اللِّسانَ أَي تَقُولُ إِتَّقِ اللهَ فِينا فَإِنَّكَ إِنْ اسْتَقَمْتَ إِسْتَقَمنا وَإِنْ إِعوَجَجْتَ إِعوَجَجن"1.
وجاء عن إمامنا السّجاد عليه السلام:
"إِنَّ لِسان إبنِ آدَمَ يُشْرِفُ عَلى جَمِيعِ جَوارِحِهِ كُلَّ صَباحُ فَيَقُولُ كَيفَ أَصْبَحْتُم؟! فَيَقُولُونَ بِخَير إِنْ تَرَكْتَنا وَيَقُولُونَ اللهَ اللهَ فِينا، وَيُناشِدُونَهُ وَيَقُولُونَ إِنَّما نُثابُ وَنُعاقَبُ بكَ".2
2- السّكوت
كلّما كانَ الكلام أقل، كان الزّلل كذلك، وكلّما كان السّكوت أكثر، كانتْ السّلامة تحيط بالإنسان في حركة الحياة والواقع، عِلاوةً على ذلك فإنّ إلتزام السّكوت في أغلب الحالات، يعوّد الإنسان السّيطرة على لسانه والحدّ من جموحه، والوصول في هذه الحالة النّفسية، إلى درجة لا يقول إلاّ الحقّ، ولا يتكلّم إلاّ بما يُرضي الله تعالى.
ويجب الإنتباه إلى أنّ المراد من السّكوت، ليس هو السكوت المطلق، فكثيرٌ من اُمورنا الحياتيّة لا يتحقّق إلاّ بالكلام، من قبيل كثير من الطّاعاتِ والعبادات، ونشر العلوم والفَضائل، وإصلاح ذاتِ البَين، وأمثال ذلك، فالمقصود قلّة الكلام والإجتناب عن فُضوله، فقد قال الإمام علي عليه السلام: "مَنْ كَثُرَ كَلامُهُ كَثُرَ خَطَؤُهُ، مَنْ كَثُرَ خَطَؤُهُ قَلَّ حَياؤُهُ، وَمَنْ قَلَّ حَياؤُهُ قَلَّ وَرَعُهُ، وَمَنْ قَلَّ وَرَعَهُ ماتَ قَلْبُهُ، وَمَنْ ماتَ قَلْبُهُ دَخَلَ النّارَ"3.
ونقل هذا التّعبير، بصورة اُخرى عن الرّسول الأكرم صلى الله عليه وآله4.
وفي حديث آخر عن الإمام علي عليه السلام، أنّه قال: "الكَلامُ كَالدَّواءِ قَلِيلُهُ يَنْفَعُ وَكَثِيرهُ قاتِلٌ"5.
3- حِفظ اللّسان: "التفكّر أولاً ثّم الكَلام"
إذا فكّر الإنسان في مضمون كلامه، ودوافعه ونتائجه، فسيكون بإمكانه أن يَتجنّب كثيراً من الشّطحات، والذّنوب التي تنطلق من موقع الغفلة، نعم فإنّ إطلاق العِنان لِلّسان من موقع اللاّمبالاة والإستهانة، بإمكانه أن يوقعه في أنواع الذّنوب والمَهالك في حركةِ الحياة.
وَوَرد في حديث عن الرسول الكريم صلى الله عليه وآله، أنّه قال: "إِنَّ لِسانَ المُؤمِنِ وَراءَ قَلْبِهِ، فَإِذا أَرادَ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِشيء تَدَبَّرَهُ بِقَلْبِهِ، ثُمَّ أَمضاهُ بِلِسانِهِ وإنَّ لِسانَ المُنافِقِ أَمامَ قَلْبِهِ، فَإِذا هَمَّ بِشيء أَمضاهُ بِلِسانِهِ وَلَم يَتَدَبَّرْهُ بِقَلْبِهِ"6.
وَوَرد نفسُ هذا المعنى، مع بعض الإختلاف في كلمات أمير المؤمنين عليه السلام، في الخُطبة (176) من نهج البلاغة.
ونقرأ في تعبير آخر ورد عن الإمام الحسن العسكري عليه السلام، أنّه قال: "قَلْبُ الأَحْمَقِ في فَمِهِ، وَفَمُ الحَكِيمِ فِي قَلْبِهِ"7.
فَمن البَديهي، أنّ المراد من القلب هُنا هو العقل والفكر، وَوُجود اللّسان في موقع الأمام أو الخلف، هو كنايةٌ عن التدبّر والتفكّر في محتوى الكلمات والألفاظ، قبل النّطق بها، وبالفِعل كم يكون جميلاً، لو أنّنا حسبنا لكلامنا حسابه، وفكّرنا في كلّ كلمة نريد أن نقولها، والدّوافع والنّتائج التي ستعقبها، وهل أنّها من اللّغو أو ممّا يفضي إلى إيذاء مؤمن، أو إلى تأييد ظالم وأمثال ذلك، أو أنّها تنطلق من موقع الدّوافع الإلهيّة، ولغرض حماية المظلوم، وفي طريقٌ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكسب مَرضاة الله تعالى؟!.
ونَختم هذا الكلام، بحديث جامع لجميع الموارد المذكورة آنفاً، يمنح قلب الإنسان نوراً وصفاءً، وقد ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: "إِنْ أَحبَبتَ سَلامَةَ نَفْسِكَ وَسَترَ مَعايبِكَ، فَاقْلِل كَلامَكَ وَأَكْثِر صَمْتَكَ، يَتَوفَّرْ فِكْرُكَ وَيَستَنِر قَلْبُكَ".8
* الأخلاق في القرآن (الجزء الأول)، أصول المسائل الأخلاقية، آية الله العظمى الشيخ ناصر مكارم الشيرازي, المؤسسة الإسلامية, الطبعة الثانية/1426ه, قم.
1- المحجّة البيضاء، ج5، ص193.
2- الكافي، ج2، ص15، ح13.
3- نهج البلاغة، الكلمات القِصار، الكلمة 349.
4- النحجّة البيضاء، ج5، ص196.
5- غُرر الحِكم، الرقم 2182.
6- المحجّة البيضاء، ج5، ص195.
7- بحار الأنوار، ج75، ص.374.
8- غُرر الحكم، ص216، ص4252.