النية و إخلاص النية
قيد الدراسة2
الخطى العملية في طريق التهذيب الاخلاقي-الاخلاص1-:الخطوة السّادسة: "النيّة" و"إخلاص النيّة"تناول العلماء في بداية مباحثهم الأخلاقية، مسألة "النيّة" و"إخلاص النيّة"، وفرّقوا بينهما وقالوا: إنّ "النيّة" شيءٌ، و"إخلاصُ النيّة" شيءٌ آخر، لكنّهم لم يذكروا فروقاً واضحةً ومشخّصَة.
عدد الزوار: 88
الخطوة السّادسة: "النيّة" و"إخلاص النيّة"
تناول العلماء في بداية مباحثهم الأخلاقية، مسألة "النيّة" و"إخلاص النيّة"، وفرّقوا بينهما وقالوا: إنّ "النيّة" شيءٌ، و"إخلاصُ النيّة" شيءٌ آخر، لكنّهم لم يذكروا فروقاً واضحةً ومشخّصَةً، فأدخلوا إخلاص النيّة في مبحث النيّة، بحيث يصعب الّتمييز بينهما.
ولأجل التّفريق والّتمييز بينهما، يمكن القول: إنّ المقصود من "النيّة": هو العَزمُ والإرادةُ الرّاسختين لفعل ما، بقطع النّظر عن الدّافع الإلهي، أو المادي الذي يقف خلفها.
بالطّبع إذا أراد الإنسان أن يرى ثمرة عمله، في دائرة الواقع وحركة الحياة، فعليه أن يدخل إلى ساحة العمل والسّلوك، بإرادة قويّة، وعزم راسخ، لا تُزلزِلهُ التّحديات، ولا تهزّه الصّعاب، سواءً في نطاق تحصيل العلم، أو في الزّراعة والتجارة والسّياسة .
والخُلاصة: إنّ كلّ عمل إيجابي، نريد أن نصل به إلى النتائج المرجوّة، علينا في البداية، أن نتقدم نحو ميدان العمل والممارسة، بقلب ثابت وإرادة بعيدة عن التّردد، وبالطبع فإنّ هذا الأمر لا يتمّ إلاّ بالتنظير له، في مرحلة سابقة، ودراسةِ كلّ جوانبه والاُمور المحيطة به، من عوائد ونتائج إيجابيّة أو سلبيّة، والعقبات التي يمكن أن تقف بوجهه، وبعدها المُضي قُدُماً بخطى ثابتة نحو الهدف، في خطّ العمل والتّطبيق.
ولأجل السّير في طريق تهذيب الأخلاق والسلوك إلى الله تعالى، نحتاج إلى نيّة جادّة، وإرادة حاسمة، لأنّ ضعف الإرادة، يمثّل أكبر عائق أمام تحقيق ما يطمح إليه الإنسان، في دائرة التّكامل الأخلاقي، فأيّ مانع يقف بوجهه، سُرعان ما يُولّي دُبُرَه ويعود أدراجَه، فالضّعف في عنصر الإرادة، بإمكانه أن يتَسرّب إلى سائر القوى الباطنيّة، وبالعكس، فإنّ القويُّ الإرادة، سيقوم بتوظيف قِواه، وملكاته الداخليّة، ويدفعها بقوة نحو الهدف المنشود.
وهذا هو الأمر، الذي عبّر عنه القرآن الكريم بـ: "العزم"، وقد سُمّي الأنبياء العظام، لعزمهم القوي، وإرادتهم الحديديّة، بـ الأنبياء أولو العزم1. فخاطب القرآن الكريم، الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله، قائلاً: ﴿فَإذا عَزَمْتَ فَتَوَكّل عَلَى اللهِ﴾(آل عمران:159).
وبالنسبة لآدم عليه السلام، قال: ﴿وَلَقَدْ عَهِدنا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً﴾(طه:115)، حيث تناول من الشّجرة الممنوعة، ولم تكن لديه إرادةٌ قويةٌ في خطّ الطّاعة.
أمّا في دائرة الرّوايات الشّريفة، فنرى أنّها توّجهت إلى عنصر العزم، وأكّدت عليه من موقع الأهميّة. ومنها:
ما نقل عن الإمام موسى الكاظم عليه السلام، في أدعية رجب، نقرأ: "وَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّ أَفضَلَ زَادِ الرَّاحِلِ إِلَيكَ عَزْمُ إِرادَة يَخْتارُكَ بِها وَ قَدْ ناجاكَ بِعَزمِ الإِرادَة قَلبي"2.
وفي حديث آخر عن الصّادق عليه السلام، قال: "إِنّما قَدَّرَ اللهُ عَوْنَ العِبادِ عَلى قَدْرِ نَيّاتِهِم، فَمَن صَحَّتْ نِيَّتَهُ تَمَّ عَوْنُ اللهِ لَهُ، وَ مَنْ قَصُرَتْ نِيَّتَهُ قَصُرَ عَنْهُ العَوْنَ بِقَدْرِ الَّذِي قَصَّرَهُ"3.
وفي حديث آخر، عنه عليه السلام: "ما ضَعُفَ بَدَنٌ عَمّا قَوِيتْ عَلَيهِ النِّيَّةُ"4.
فهذا الحديث، يبيّن لنا فاعليّة الإرادة، ودورها في الصّعود بالقوى الجسمانيّة، إلى أبعد الحدود والمراتب في حركة الإنسان.
ومن المعاني الاُخرى "لِلنيّة"، هو إختلاف الدّوافع، بالنّسبة لِلأعمال الّتي تكون على هيئة واحدة في الظّاهر، فالذّهاب للجهاد، يمكن أن يكون الباعث له هو كسب الغنائم، أو الإستعلاء على النّاس، أو يكون دافِعُهُ نصرة الحقّ، ودفع الظّلم، وإطفاء نار الفِتن، وأمثال ذلك.
فالذّهاب لِلحرب، واحدٌ في الشّكل والظّاهر، ولكن شتّان بين النّوايا السّليمة، وبين النّوايا المغرضة.
ولأجل ذلك، أتت الأوامر بإصلاح النيّة، وتنقيتها من الشّوائب، قبل السّلوك في أيّ طريق، وما السّالك في خطّ الله، والكمال المعنوي بِمُستثنى عن ذلك، فهل أنّ هدفه من سلوك سبيل التهذيب والرياضة، هو التّكامل المعنوي، والوصال الحقيقي، أم أنّه يريد كسب عنصر القّوة في عالم النفس، والتّسلط على ما وراء الطّبيعة، ليشار إليه بِالبَنان؟!.
وما وردنا من حديث: "إِنّما الأَعمالُ بالنِّيَّاتِ"، هو إشارةٌ لهذا المعنى، وَ وَرد الحديث في موسوعة: بحار الأنوار، عن رسول الله صلى الله عليه وآله، فقال: "إِنّما الأَعمالُ بالنِّيَّاتِ وإنَّما لِكُلِّ امرِء ما نَوى فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ، فَهِجْرَتُهُ إِلى اللهِ وَرَسُولِهِ، وَ مَنْ كانَتْ هِجرَتُهُ إِلى دُنيا يُصِيبَها أو إِمرَأَة يَتَزَوَّجَها فَهِجْرَتُهُ إِلى ما هاجَرَ إِلَيهِ"5.
وكذلك الحديث الوارد عن علي عليه السلام، حيث يقول: "عَلى قَدْرِ النِّيَّةِ تَكُونُ مِنَ الله عَطِيَّةٌ"6. فهو إشارةٌ إلى نفس المعنى الآنف الذكر.
ويُستفاد مما تقدم، أنّه ولأجل الوصول إلى المقاصد والأهداف المنشودة، في أيّ أمر وعمل، وخصوصاً المصيريّة منها، علينا أن نتحرّك في دائرة العمل، بإرادة قويّة وعزم راسخ، في مُواجهة التحدّيات الصّعبة، لتحقيق الأهداف المرسومة، وبدون ذلك، سيحل فينا عنصر اليأس والحيرة والضّياع.
وكذلك هو حال السّائر في طريق تهذيب النّفس، وإصلاح الخَلل في واقعه الداخلي، عليه البِدء بإرادة حديديّة، ويدعمها بالتوكّل على الباري تعالى، في عمليّة السّلوك المعنوي، ويمكن أن يتساءل المرءُ عن كيفيّةِ تَحصيل هذه الإرادة القويّة، في واقعه الدّاخلي والنّفسي.
والجواب واضح جِدّاً، فَنفس الهدفِ المنشودِ، هو الحافز الأصلي الذي يدفع الإنسان نَحوه، فكُلّما كان الهدف سامِياً، كان السّير إليه أقوى وأشد، والخُطى نَحوه أثبت.
فإذا أذعن الإنسان لهدف الحقيقة، وهيَ: أنّ وجوده، والهدف من خلقته، ليس هو إلاّ تهذيب الأخلاق والقربُ من الله تعالى، وبِغَفلته أو تَغافُله عنها، سيقع في مستنقع الرّذائل، وينحدر في وادي الظّلمات، فإذا صدّق تلك الحقيقة، وتعمّق فيها، أكثر وأكثر، فسوف يسير على بصيرة من أمره، ثابتَ الخُطى، هادىءَ البال، مرتاحَ الضّمير، رابطَ الجّأش، بل وأكثر من ذلك، سيفدي روحه في هذا السّبيل، ويكون مِصداقاً لـ : ﴿عَجلْتُ إليك رَبِّ لِتَرضى﴾.
ويمكن القول في جملة واحدة، أنّ الإرادة القويّة منشؤها المعرفة الكاملة، من موقع الوضوح في الرّؤية وسمّو الهدف، في وعي الإنسان.
الإخلاص:
المراد من "الإخلاص"، هو: إخلاص النيّة، وأن يكون الهدف، في دائرة الفكر والسّلوك: هو الله تعالى فقط.
وقد يكون هناك أشخاص من ذوي الإرادة القويّة، تمنحهم القوّة للوصول إلى أهدافهم، إلاّ أنّ الدّافع الحقيقي لهم، هو: النّفع المادي والمصلحة الذّاتية، ولكنّ أولياء الله والسّالكين في خطّ الحقّ والإيمان، يتمتعون بإخلاص النيّة لله تعالى، إلى جانب الإرادة القويّة.
ونرى في القرآن الكريم والرّوايات الإسلاميّة، أن عنصر: "الإخلاص"، إلى درجة من الأهميّة، بحيث يُعدّ العامل الأساس في حركة الإنسان والحياة، للفوز في الدنيا والآخرة، وكلّ عمل في الإسلام، لا يقبل إلاّ إذا توفّر عنصر الإخلاص لله تعالى، هذا من جهة:
ومن جهة اُخرى: نرى أنّ الإخلاص يعدّ من أصعب الاُمور، ولا يصل إلى الدّرجة العليا من الإخلاص إلاّ المقرّبون، رغم أنّ حالة الإخلاص محمودة في أيّ مرحلة ومرتبة.
ولنرجع الآن لِلقرآن الكريم، لنستوحي من آياته مسألة الإخلاص. فبعض الآيات تتحدث عن المخلِصين، والبعض الآخر عن المخلَصين من موقع الثناء، والّتمجيد بهم، ومنها:
1 ـ في الآية (5) من سورة البيّنة: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاَةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ﴾.
حيث تتبيّن أهميّة هذا الموضوع، بالنّظر إلى أنّ الدّين له مفهومٌ واسعٌ يستوعب في إطاره، كلّ العقائد والأعمال الباطنيّة والخارجيّة، فالضّمير في: وما اُمروا، يعود على جميع أتباع المذاهب الإلهيّة والأديان السماوية، والإخلاص والصلاة والزكاة، تمثّل: عناصر مشتركة بين الجميع، فهذا التّعبير في الآية، يبيّن حقيقةً واحدةً ألا وهي أنّ جميع الأوامر الإلهيّة مستقاةٌ من حقيقة التّوحيد والإخلاص، في خطّ الطّاعة والعبوديّة.
2 ـ وفي آية اُخرى، نجد أنّ القرآن الكريم يوجّه خطابه إلى جميع المسلمين، ويقول: ﴿فَادْعُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾(غافر:14).
3 ـ وفي مكان آخر، يخاطب الرّسول الأكرم صلى الله عليه وآله، ويقول: ﴿قُلْ إِنّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ﴾(الزّمر:11).
ويُستشف من هذه الآيات وآيات اُخرى، أنّ الإخلاص هو أساس الدّين ودعامته، التي يرتكز عليها في عمليّة تثبيت الإنسان، في خطّ الإيمان والإنفتاح على الله تعالى.
وسنتعرّض لِشرح معنى المخلِصين والمخلَصين، والفرق بينهما في ما بعد، ولكن توجد هنا عباراتٌ على درجة من الأهميّة، على مستوى المفاهيم القرآنية:
1- الآية (39-40) من سورة الحِجر، تتحدثان عن الشيطان، بعد ما طرد من رحمة الله سبحانه إلى الأبد، فقال بعناد: ﴿وَلاَُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ* إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمْ الُْمخْلَصِينَ﴾. فتبيّن هذه الآية، حالة المخلَصين من عباده، وأنّها إلى درجة من القوّة والإستحكام، حتى الشّيطان قد يأس منهم.
2- الآية (39 -40) من سورة الصافات، تتحدثان عن وعد الله تعالى لعباده المخلَصين، بثواب لا يعلمه إلاّ الباري تعالى، فيقول: ﴿وَمَا تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ * إِلاَّ عِبَادَ اللهِ الُْمخْلَصِينَ﴾.
3- الآية (127-128) من سورة الصافات، أيضاً صعدت بمقام المخلَصين، إلى درجة أنّهم معفوّون من الحساب والحضور في المحكمة الإلهيّة، ويدخلون الجنّة مباشرة.
4- الآية (159-160) من نفس السورة، وصفت المخلَصين، بأنّهم الوحيدون الذين يصحّ منهم وصف الذات المقدسة، ممّا يدلّ على عمق معرفتهم الحقيقة بحقيقة الاُلوهيّة: ﴿سُبْحانَ اللهِ عَمّا يَصِفُونَ * إِلاَّ عِبَادَ اللهِ الُْمخْلَصِينَ﴾.
فوصفهم للهِ، لا إشكال فيه.
5- الآية (24) من سورة يوسف، تحدّثت عن الحصانة الإلهيّة للنبي يوسف عليه السلام, في مقابل وساوس إمرأة العزيز الشّيطانيّة، فقال: ﴿كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الُْمخْلَصِينَ﴾.
أمّا ما الفرق بين المخلِصين والمخلَصين؟، هنا نجد تفسيراتٌ كثيرةٌ، ويمكن القول أنّ أفضل هذه التّفاسير، هو الذي يقول: أنّ "المخلِص" هو الذي يتحرك في طريق الإخلاص لله تعالى، بعيداً عن كلّ الشّوائب والأدران والمقاصد غير الإلهيّة، في دائرة الفكر والنيّة، ويتحرك بعيداً عن الرّذائل والقبائح، في دائرة الفعل والمُمارسة، أمّا "المخلَصين"، فهو الذي تحضره العناية الربانيّة، والمدد الإلهي، لرفع آخر شائبة من قلبه، ويشمله لطف الربّ لتخليصه من كلّ ما لا يحب ويرضى.
وتوضيح ذلك: إنّ الشّوائب التي تصيب قلب الإنسان ووجوده على نوعين:
نوعٌ يكون الإنسان منها على بصيرة، ويسعى لإزالتها من واقع وجوده، بإخلاص النيّة والعقيدة والعمل، ويُوفّق في مسعاه.
أمّا النّوع الآخر، فهو خفي لا يحسّ به الإنسان في مسارب النّفس والرّوح، كما ورد في الحديث النبوي الشريف: "إِنَّ الشِّركَ أَخفَى مِنْ دَبِيبِ الَّنملِ عَلى صَخْرَة سَوداء في لَيْلَة ظَلْماء"7.
فهنا لا يمكن العبور من هذه المطبّات، إلاّ بتوفيق من الباري تعالى، وتسديد إلهي يشمل حال السّائرين إليه، وبدونه ستبقى الشّوائب عالقة في القلب والنّفس، وكأنّ الباري تعالى يريد أن يُتحف هؤلاء المخلِصين، الذين لم يتخلّصوا تماماً من عَلَق الشّوائب، ووصلوا بالقرب من النّهاية، بأن يبدل شوائبهم باليّقين، بلطفه وعنايته، و يجعلهم في عداد المخلَصين.
فعند وصول الإنسان إلى هذه المرحلة، يكون في مأمَن من الأهواء، ومن الوساوس الشّيطانية، بما يمثّل من تحدّيات صعبة في طريق التّكامل، وبالتّالي ينقطع طمع الشّيطان فيه، ويظهر عجزه عن إغوائه بصورة رسميّة.
وهنا يستقر المخلَصين في النّعيم الخالد، ويرتعون بالمواهب الإلهيّة، ويكون ثناؤهم وتوصيفهم، للذات المقدّسة بالصّفات الجماليّة والجلاليّة الإلهيّة، قد صبغت بصبغة التّوحيد الخالص، وبما أنّهم صفّوا حساباتهم في هذه الدنيا، فستكون عاقبتهم أنّهم سيدخلون الجنّة بغير حساب.
ويصف الإمام علي عليه السلام في بعض خطبه، التي وردت في نهج البلاغة، اُولئك المخلصين، فيقول: "قَدْ أَخْلَصَ للهِ فَاسْتَخْلَصَ"8.
وقال الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله: "فَعِنْدَ ذَلِكَ إسْتَخْلَصَ اللهُ عَزَّوَجَلَّ لِنُبُوَّتِهِ وَ رِسالَتِهِ مِنَ الشَّجَرَةِ المُشَرِّفَةِ الطَّيِّبَةِ... مُحَمَّداً اُخْتَصَّهُ للِنُبُوَّةِ وَاصطَفاهُ بِالرِّسالَةِ"9.
وفي حديث آخر عن أحد المعصومين عليهم السلام أنّه قال: "وَجَدْتُ ابنَ آدَمَ بَينَ الشَّيطانِ فَإنْ أَحَبَّهُ اللهُ تَقَدَّسَتْ أَسْمائَهُ، خَلَّصَهُ وَاسْتَخْلَصَهُ وَإِلاّ خَلّى بَينَهُ وَبَينَ عَدُوِّهِ"10.
والخلاصة، إنّ الإخلاص في النيّة والفكر والعمل، هو من أهمّ الخُطى في عمليّة التّهذيب والتّربية والسّير إلى الله تعالى.
الإخلاص في الرّوايات الإسلاميّة:
وأتحفتنا الروايات بزخم كبير من المفاهيم، التي تدور حول محور الإخلاص، ونشير إلى بعض منها:
1- ما جاءنا عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله، أنّه قال: "ثَلاثٌ لا يَغُلُّ عَلَيهِنَّ، قَلْبُ رَجُل مُسْلِم، إِخلاصُ العَمَلِ للهِ عَزَّوَجَلَّ، وَ النَّصِيحَةِ لاِئِمَّةِ المُسْلِمِينَ، واللُّزُومَ لِجَماعَتِهِم"11.
2- ما ورد عنه صلى الله عليه وآله، في حديث آخر: "الإِخلاصُ سِرٌّ مِنْ أَسرارِي اسْتَودِعَهُ قَلْبَ مَنْ أَحَبَبْتُهُ مِنْ عِبادِي"12.
3- قال الإمام علي عليه السلام: "الإِخلاصُ أَشرَفُ نِهايَة"13.
4- في حديث آخر عنه عليه السلام، قال: "الإِخلاصُ أَعلَى الإِيمانِ"14.
5- وعنه عليه السلام: "فِي إِخلاصِ الأَعمالِ تَنافَسَ اُولُوا النُّهى وَالألبابِ"15.
6- ما ورد في أهميّة الاخلاص بحيث أنّ الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله، قسّم المؤمنين وِفق درجات إخلاصهم، فقال: "بِالإِخلاصِ تَتَفاضَلُ مَراتِبُِ المُؤمِنِينَ"16.
7- وفي بيان أنّ آخر مرحلة من مراحل اليّقين، هو الإخلاص، قال الإمام علي عليه السلام: "غايَةُ اليَقِينِ الإِخلاصُ"17.
8- ما ورد من معطيات الاخلاص على مستوى العمل، لدرجة أنّ قليلاً منه يكفي للنّجاة، قال رسول الله صلى الله عليه وآله: "أَخْلِصَ قَلْبَكَ يَكْفَيكَ القَلِيلَ مِنَ العَمَلِ"18.
9- وقال علي عليه السلام: "الإِخلاصُ عِبادَةُ المُقَرِّبِينَ"19.
10- ونختم هذه الأحاديث، بحديث عن أمير المؤمنين عليه السلام، أنّه قال عليه السلام: "طُوبى لِمَنْ أَخْلَصَ للهِ العِبادَةَ وَالدُّعاءِ، وَلَمْ يَشْغَلْ قَلْبَهُ بِما تَرى عَيناهُ، وَلَمْ يَنْسَ ذِكْرَ اللهِ بِما تَسْمَعُ اُذُناهُ وَلَمْ يَحْزَنْ صَدْرُهُ بِما اُعطِي غَيْرَهُ"20.
* الأخلاق في القرآن (الجزء الأول)، أصول المسائل الأخلاقية، آية الله العظمى الشيخ ناصر مكارم الشيرازي, المؤسسة الإسلامية, الطبعة الثانية/1426ه, قم.
1- ورد في مقاييس اللغة: أن العزم في الأصل بمعنى القطع، و الإرادة القاطعة اُخذت منه.
2- نقله المحدّث القمي في مفاتيحه، عن إبن طاووس رحمهما الله تعالى، و هو في أعمال شهر رجب المُرجّب.
3- بحار الأنوار، ج67، ص211.
4- المصدر السابق، ص205، ح14.
5- بحار الأنوار، ج67، ص211، وورد في هامشه، أن هذا الحديث متفق عليه عند جميع المسلمين، ثم يشير إلى كلام البخاري في صحيحه، في كتاب الإيمان، ص23.
6-غُرر الحِكَم، ح1594.
7- بحار الأنوار، ج69، ص93.
8- نهج البلاغة، الخطبة 87.
9- بحار الأنوار، ج14، ص520.
10- المصدر السّابق، ج5، ص55.
11- المحجّة البيضاء، ج8، ص125 ـ وأورد الحديث بالكامل: الصدوق في، خصاله، باب الثلاثة، ص167.
12- المحجّة البيضاء، ج8، ص 125.
13- تصنيف الغرر، ص197، الرقم (3894).
14- غرر الحكم، ج1، ص30.
15- المصدر السّابق، ج1، ص513.
16- ميزان الحكمة، مادة خلص، ج1، ص754.
17- غُرر الحِكم، ج2، ص503.
18- بحار الأنوار، 70، ص175، ذيل الحديث 15.
19-غرر الحِكم، ج1، ص25 (الرقم 718).
20- اُصول الكافي، ص16.