الموضوع: ضرورة دعم السلطة القضائية - إماطة اللثام عن ظلم القوى الكبرى وجرائمها
خطاب
الحاضرون: السيد عبد الكريم الموسوي الأردبيلي (رئيس المجلس الأعلى للقضاء) - اعضاء مجلس القضاء الأعلى - المسؤولون والمستشارون ومساعد والقضاة في المجلس الأعلى للقضاء - مسؤولو فروع محكمة العدل الاداري - الأعضاء القانونيون في مجلس صيانة الدستور- قضاة المفتشية العامة للبلاد - اعضاء المحكمة العليا في قم- مسؤولو فروع محاكم الجزاء...
عدد الزوار: 96
التاريخ 29 آبان 1362 هـ ش/ 14 صفر 1404 هـ ق
المكان: طهران، حسينية جماران
الحاضرون: السيد عبد الكريم الموسوي الأردبيلي (رئيس المجلس الأعلى للقضاء) - اعضاء مجلس القضاء الأعلى - المسؤولون والمستشارون ومساعد والقضاة في المجلس الأعلى للقضاء - مسؤولو فروع محكمة العدل الاداري - الأعضاء القانونيون في مجلس صيانة الدستور- قضاة المفتشية العامة للبلاد - اعضاء المحكمة العليا في قم- مسؤولو فروع محاكم الجزاء رقم 1 و 2- المحاكم المدنية الخاصة - محاكم الثورة - مسؤولو العدليات في مراكز المحافظات والمدن والنواب العامون بمحاكم الثورة والمحاكم العامة - أعضاء منظمة القضاء العسكري.
بسم الله الرحمن الرحيم
فساد أجهزة النظام البائد
إنني أتقدم بالشكر للسادة العلماء والأفاضل والقضاة الذين حضروا إلى هنا ومنحونا هذا الفخر. وآمل أن يحفظ الله الجميع وأن يوفّقهم للخدمة بلطفه. إن كل موضوع نتناوله عن النظام السابق ونتحدث عنه نراه أسوأ من الأمور الأخرى التي كانت في ذلك العهد. فعندما تنظرون إلى العدلية والسلطة القضائية آنذاك تجدون أن الشيء الوحيد الذي لم يكن موجوداً هو الإسلام والعدالة الإسلامية. وعندما ننظر إلى البرلمان نجد أن ما كان يفتقر إليه هو الاتصال بالشعب. وعندما ننظر إلى الجيش نجد أن ما لم يكن موجوداً خدمة البلد.
لا شك في أن السادة يعلمون بأنه عندما دخلت قوات الحلفاء البلاد فإن قوات رضاخان حسب ما قيل صمدت ثلاث ساعات فقط أمام هجومها، رغم كل الضجّة التي أثارها رضاخان بأننا كذا ولدينا كذا. وعندما سأل رضاخان لاحقاً أحد قادته عن سبب ذلك أجابه قائلًا: سيدي إن موضوع ثلاث ساعات ليس سوى كلام إن ماجرى هو أنهم دخلوا من هنا ونحن خرجنا من هناك. هذه هي حقيقة الأمر. لقد كان الجيش على هذه الشاكلة وكانت الحكومة كما رأيتم، إن كثيرين منكم يتذكرون على الأقل ما جرى في السنين الأخيرة من هذا النظام. لقد كان مسؤولو المحافظات والأقاليم وقادة الجيش كما رأيتم، كما كانت العدلية على تلك الحالة التي تعرفونها وهكذا وضع الجامعة. لقد قلت بأننا عندما نرجع إلى الجامعات في ذلك العهد نرى بأن أسوأ مكان كان الجامعة. وحينما نتحدث عن القضاة نجدهم على أسوأ حال .. إن إصلاح هذه الأمور يتطلب جهداً كبيراً. ولقد أيّد الله تعالى هذه الجمهورية الاسلامية بان حققت تقدماً باهراً خلال هذه الفترة القصيرة على الرغم من معاداة الدول الكبرى لها التي مارست ضغوطها على هذا البلد وقامت بالدعايات المضادة كما تعلمون. وكذلك الأمر بالنسبة للجامعات حيث انجز الكثير وآمل ان يتم اصلاحها بالكامل. كما انجزت العدلية والسلطة القضائية الكثير. إنه من دواعي الفخر لشعب من الشعوب أن علماءه على الرغم من عدم جاهزيتهم لأمر القضاء نجحوا وخلال فترة قصيرة مليئة بالمشاكل في تقديم خدمات كثيرة. إنني أرجو أن يهتم جميع علماء البلاد وكذلك الحوزات العلمية بشكل جاد في تلافي النواقص الموجودة في مجال القضاء.
ضرورة دعم السلطة القضائية
إن البلاد اليوم لكم، وعليكم بإدارتها، إن السلطة القضائية اليوم سلطة قضائية إسلامية وهي متجهة نحو الأسلمة الكاملة وعلى علماء البلاد أن يدعموها ويربّوا الكوادر لها. على العلماء المؤهلين لأمر القضاء أن يدخلوا سلك القضاء بأنفسهم وأن يقترحوا على الآخرين الدخول في السلطة القضائية حتى يتم تلافي النواقص في مختلف المجالات. يجب أن لا نجلس جانباً راجين أن يتحقق الأمر دون أيّ جهد. كلّا. لن يتحقق أي أمر تلقائياً بل تتحقق الأمور ببذل الجهود، ان القضاء واجب شرعي يقع على عاتق الجميع إلّا إذا اكتمل عدد القضاة بما فيه الكفاية، النهوض بالقضاء واجب شرعي واسلامي ولا عذر لأحد منا اليوم. على جميع السادة أن يلتحقوا بسلك القضاء ويشجعوا الآخرين على الالتحاق بهذا المجال حتى يدعموا السلطة القضائية.
على السادة في الحوزات العلمية ممن أكملوا دراستهم ولا يمارسون التدريس أو ما شابه أن يتفضلوا ويدعموا السلطة القضائية حتى يتم إصلاح هذه السلطة إن شاء الله. فإذا ماتم إصلاح السلطة القضائية تم إصلاح الكثير من مشاكل البلاد. إن الناس على ارتباط مع هذه السلطة ومع العدلية. وأقول لكم أيها السادة القضاة ألا تنسوا الله في أمر القضاء. إن السلطة القضائية ترتبط بنفوس الناس وأموالهم وأعراضهم وعليكم أن تعتبروا الله حاضراً دوماً وناظراً لأعمالكم حتى لا ترتكبوا أخطاء لا سمح الله. إن أخطاءكم تعدّ كبيرة جداً إذ أنها قد تؤدي إلى قتل شخص. أو إلى هتك أعراض الناس. عليكم أن تدقّقوا كثيراً في هذه الأمور، فإن هذه المهنه على الرغم من وجوبها وضرورتها- إذ علينا جميعاً أن نشارك فيها إذا لم يكن العدد كافياً- إلا أن مسؤوليتها كبيرة أيضاً. وعلى السادة أن يعملوا بجد حتى تكون هذه السلطة القضائية كما تريدها الشريعة المقدسة. إن الحوزات ولانها كانت بعيدة عن عمل القضاء فإنها لم تكن مستعدة لهذا الأمر ولكنها بدأت العمل على تلافي هذا النقص. يجب أن يدرس القضاء في الحوزات حتى يزول إن شاء الله هذا النقص الذي يتحدث عنه السادة إذ يقولون بأننا نحتاج إلى خمسمائة قاضٍ. إن خمسمائة شخص في مناطق اصفهان ومشهد وتبريز ليس عدداً كبيراً. حسناً يمكن أن تتعاون الحوزات فيما بينها وأرجو لكم التوفيق جميعاً إن شاء الله وأن يؤيّد الله الجميع لكي نقوم بالأعمال بأنفسنا.
فرنسا ملاذ الإرهابيين
أقول لكم إننا اليوم مبتلون بهذه المصائب ونعاني من هذه الحكومات والقوى الكبرى، لذا علينا أن نحفظ أمورنا بأنفسنا. إنكم تشاهدون كيف يخلقون مشكلة للاسلام في كل مكان ويسمونها بأسماء مختلفة. فعندما كان هؤلاء يختلقون مشكلة كنا نظن بأن صدام هو وحده الذي يفعل ذلك للانتقام من هزائمه في جبهات القتال، ينتقم من خوزستان وكردستان. وقد اتضح الآن ان القوى الكبرى تفعل ذلك ايضاً مثلما تفعله اسرائيل. وان الجميع يتوقع من اسرائيل ذلك لأن الاجرام متأصل فيها. ولكن فرنسا التي تدعي بأنها بلاد متحضرة ولديها ادعاءاتها ومزاعمها طوال التاريخ، لماذا تحولت إلى دولة إرهابية؟ على الشعب الفرنسي أن يدرك أن كل ما كتبه عن نفسه وما دوّنه وأنجزه طوال التاريخ عن فرنسا صادرته هذه الحكومة وفضحت فرنسا وأساءت إلى سمعتها. إن الحكومة الفرنسية فضحت الشعب الفرنسي وشوهت سمعته بين الشعوب .. إن اكثر الشعوب لا تفرق بين الحكومات والشعوب بالنسبة للانظمة الجمهورية. على الشعوب أن تأخذ بزمام المبادرة في البلدان التي تحكمها حكومات جمهورية. لا يقبل من الشعب الفرنسي ان يتسامح مع حكومته. على الشعب الفرنسي أن يفكر جدياً في مصداقيته المعرّضة للخطر. وأن يقف في وجه هذه الحكومة وينحّيها. إنها حكومة ينبغي تسميتها بالإرهابي الأكبر إذ أن جميع الارهابيين يتجمعون في فرنسا ثم تمارس هي الإرهاب. وحينما توجّه ضربة إليها بسبب اجرامها تقوم بقتل آخرين وتنتقم منهم. على الشعب الفرنسي أن يفكر في هذا الأمر وكذلك الشعوب الأخرى. لا ذنب للشعوب. إن الشعوب التي تحكمها أنظمة جمهورية ذنبها أنها تصوّت لهؤلاء ثم تتركهم يفعلون ما يشاؤون. يجب عليهم أن ينحّوا هذه الحكومات لدى انحرافها من خلال المظاهرات وغيرها. فإنهم يمكنهم ذلك الآن. احفظوا سمعة فرنسا إن هؤلاء يسيئون إلى هذه السمعة لقد تحولوا إلى إرهابيين. إن الحكومة الفرنسية عندما لا تستطيع الحصول على ديونها من العراق الذي يعجز عن تسديدها فإنها تنتقم من الإيرانيين. لماذا تنتقمون من إيران. فإذا ما كان العراق عاجزاً عن تسديد ديونه لماذا تعطونه الطائرات وغيرها من المعدات لضرب إيران؟
ظلم الشعوب باسم الإصلاح
إننا مبتلون اليوم بالقوى الكبرى التي تعمل ضد مصالح شعوبها. فلا أتصور أن الشعب الأمريكي راضٍ عن تصرفات الحكومة الأمريكية التي تضحي بشبابه. وكذلك الأمر بالنسبة لفرنسا وغيرها. لقد دخلت بريطانيا اليوم هذا المضمار وكذلك فرنسا التي تعتبر نفسها من الخيّاطين، فقد حكي قديماً أن رجلًا كان يخيط جلال الحمير، وكان يمشي في جمع الخياطين فعندما سئل عن ذلك أجاب نحن أيضاً نستخدم الخيط والأبرة. فاليوم إذ اجتمعت القوى الكبرى في العالم لإيذاء الشعوب نجد فرنسا في جانب وبريطانيا في جانب آخر، زاعمة بأنها تمتهن الخياطة أيضاً. لماذا أصبح الوضع بهذه الصورة؟ ما الذي جنته هذه الدول من ذلك؟ أي شرف نالته هذه الدول بجرائمها؟ إن أمريكا والاتحاد السوفياتي اللذين يتسابقان في ارتكاب الجريمة وظلم الشعوب ماذا جنيا من أعمالهما حتى تريد الدول الاخرى اللحاق بهما، والمضي على دربهما؟ على اية حال لابد للمسلمين من التفكير بذلك. إن العرب المسلمين الذين يشكلون نسبة كبيرة من مسلمي العالم وهم يعانون من هذه الدول، يجب أن يعلموا بأن عليهم ألا يسلموا أمورهم بأيدي هؤلاء. فقد فعلوا بلبنان ما فعلوا. حسناً لماذا لا تتخلوا عن خلافاتكم حتى لا يتمكن هؤلاء منكم؟ لماذا يأتي هؤلاء ويؤذون الناس باسم الاصلاح؟ إن هذا ليس إصلاحاً. فلوكنتم مصلحين تريدون السلام لما كان وضعكم هكذا. هل أنتم تريدون السلام فتأتون إلى لبنان باسم السلام وتؤذون الناس؟ تنحّوا جانباً فإن الناس قادرون على حل مشاكلهم. إنكم تمنعون الناس من إصلاح أمورهم. كل واحد منكم يحاول النفوذ تحت عناوين معينة إلى بلد من البلدان. فمثلًا روسيا تدخل افغانستان تحت غطاء إصلاح هذا البلد. كما أن أمريكا وفرنسا وبريطانيا تدخل لبنان بذريعة الاصلاح. إن كل هذا يحصل لأن المسلمين غير واعين. إن الحكومات الاسلامية تجهل القدرة التي لديها وبأنها قادرة على القضاء على هؤلاء. فاذا ما حاول المسلمون التصدي لمصالح الشرق والغرب أيام معدودة فانهما سيتراجعا. ولكن للأسف الشديد فانهم لا يستطيعون ولا يدركون ماذا يجب أن يفعلوا. لقد أربكتهم هذه القوى ولم يعد بمقدورهم مجرد التفكير بشكل سليم.
حسناً، إذا ما جرى أمر كهذا في إيران، فإن إيران كانت ستقوم بعملها دون أن تتمكن هذه القوى من فعل شيء. فهي لا تستطيع أن تفعل شيئاً اليوم أو غداً مادامت إيران هي التي عرفناها اليوم. فمادامت العلاقات الاسلامية والانسانية قائمة بين الجميع ومادام الجميع من نساء ورجال وأطفال على هذا النحو من التضامن والتكاتف والتآزر فان أية قوة في العالم لن تستطيع فعل شيء. لماذا لا يكون المسلمون كذلك. لماذا ليست الحجاز كذلك. ولماذا لا يصير العراق هكذا؟ إن بعض الحكام يوقعون الفتن بين الجميع بسبب حمقهم مع الأسف حيث يدفعون أحدهم إلى الهجوم على إيران ويكلّف الشعب العراقي ما يطيق وما لايطيق وذلك كله لأجل كلامهم حيث قالوا له كن قائد القادسية. ومن جهة أخرى تلاحظون الخلافات الموجودة بيننا نحن المسلمين. لماذا تسير الأمور على هذه الشاكلة. إذا ما استيقظ المسلمون وأدركوا القدرات التي بأيديهم والثروات التي لديهم حيث تعتبر شريان الحياة للقوى الكبرى، سيحسب لهم ألف حساب. حسناً إننا نصرخ بكل قوة أن تعالوا إلينا لنكون أصدقاء إلّا أنهم يقولون إن إيران تريد القضاء علينا!!. لماذا تريد إيران القضاء على الآخرين؟ بل تريد إيران إصلاح الجميع، تريد للجميع أن يكونوا إخوة متحدين مع بعضهم البعض. غير أنهم لا يدركون ذلك فما الذي ينبغي لنا أن نفعله؟ إنني آمل أن تصلح هذه الأمور شيئاً فشيئاً. وأن تصلحوا الشعوب تدريجياً حتى يتم إصلاح الأمور عن طريق الشعوب وسيؤيدكم الله وجميع الذين يخدمون هذه البلاد والاسلام إن شاء الله. ومادامت النية صافية والتوجه إلى الله فإن النصر آت وسينتشر الإسلام من هنا إلى جميع المناطق وقد انتشر، لقد تم تصدير ثورتكم بحمد الله فهي لا تُصدَّر بل تم تصديرها وستتعزر في الخارج.
استقلالية السلطة القضائية
ومن الأمور التي أود التذكير بها هي أن السلطة القضائية يجب أن تكون سلطة مستقلة. أي إن السلطة القضائية في جميع أنحاء العالم سلطة مستقلة. وفي بلادنا حيث أن الاسلام قد منح السلطة القضائية والقاضي استقلالية، يجب ألا يتدخل أحد في هذه السلطة. وعلى القضاة ألا يسمعوا كلام أحدٍ وأن يعملوا لله وأن يراعوا جانب الحق فقط. لقد قرر الله تعالى ذلك، عليكم باحقاق الحق ولا تهتموا بالأصدقاء والرفاق ولا تقولوا إن فلاناً صديق فلان وإن فلاناً ابن فلان، فلا تهتموا بهذه الأمور. عليكم أن تقضوا بما أمرت به الشريعة المقدسة وأن تكونوا مستقلين في القضاء وفي غاية الحيطة والحذر فيه. انتبهوا إلى ألا يضيع حق مظلوم وألا تتجاوز العقوبة أو الغرامة أو التعزير الحد الذي يناسب الجريمة. إن هذا أمر بالغ الخطورة عليكم الاهتمام به. وإنني أرجو من السادة العلماء المنشغلين بالقضاء اليوم ومن يلتحقون بهم إن شاء الله، أن ينتبهوا إلى أنهم مستقلون ولا أحد يستطيع التدخل في شؤونهم. ولا شك في أن الأخطاء إذا ما ثبتت حسب موازين الشرع فانه سيتم التصدي لها حسب موازين الشرع أيضاً. وفقكم الله جميعاً وإنني أدعو لكم.
والسلام عليكم ورحمة الله
* صحيفة الإمام، ج18، ص:191,187