الموضوع: بيان آفات وبعض إنحرافات الثورة
خطاب
الحاضرون: السيد علي الخامنئي (رئيس الجمهورية) - أكبر هاشمي رفسنجاني (رئيس مجلس الشورى الاسلامي) - نواب مجلس الشورى الاسلامي الوزراء - فئات الشعب المختلفة - منتسبو الجيش
عدد الزوار: 140
التاريخ صباح 19 بهمن 1360 هـ. ش/ 13 ربيع الثاني 1402 هـ. ق
المكان: طهران، جماران
المناسبة: إحياء يوم القوة الجوية
الحاضرون: السيد علي الخامنئي (رئيس الجمهورية) - أكبر هاشمي رفسنجاني (رئيس مجلس الشورى الاسلامي) - نواب مجلس الشورى الاسلامي الوزراء - فئات الشعب المختلفة - منتسبو الجيش
بسم الله الرحمن الرحيم
عجز القوى العظمى في مواجهة الشعوب
أبارك لجميع الشعب والمستضعفين في العالم ولكم أيضا أيها السادة الذين تمثلون الاسوة الحسنة للشعب .. ذكرى انتصار الثورة الاسلامية وعشرة الفجر، وأدعو الله تعالى أن يوفق الجميع لخدمة عباده ومواصلة النصر. إن إستمرار النصر وبقاء الثورة يكمن في أمر واحد, يبدو أنه يأتي في طليعة جميع الامور وهو أن يكون أعضاء الحكومة والمجلس وقادة الجيش والحرس من أفراد الطبقة المتوسطة في المجتمع أو دونها. لان سبب تسلط الاخرين على بلادنا كان الافراد المرفهين واصحاب الثروات الضخمة أو كانوا يملكون القوة للمحافظة على أنفسهم ومواقعهم. فما دام المجلس ومؤسسات الحكومة بيد أفراد الطبقة المتوسطة ودون هذه الطبقة فلا تستطيع القوى الكبرى أن تزعزع الاوضاع، فالقوى العظمى كانت تسخّر في كل دولة شخصاً يحب السلطة ويعمل من أجل تحقيق مصالحه المادية، ومن خلاله كانت هذه القوى تنهب الشعوب والبلدان. ولم تكن تلك القوى تدخل في مواجهة مع الشعوب لعلمها بعجزها عن ذلك. وكلما وجدت حكومة أو رئيسا لا يعمل وفق رغباتها، تعمل على إزاحته من السلطة من خلال ايجاد قوة معارضة له، فالحكم لم يكن بيد الشعب ولا بيد الطبقة المتوسطة ودونها.
لا متناهية آمال الإنسان
وهنا توجد قضية معنوية، وهي أن الانسان يرى نفسه في باطنه شيئا مطلقا فآماله غير متناهية لا تقف عند حدّ معين، وعندما يكون الانسان أسير آماله المطلقة ويرى أن هناك قوة عظمى تحقق له رغباته المادية وتحفظ له تسلطه على الشعب، لا يرى نفسه ملزماً بالعمل من أجل الشعب لانه ينتمي الى الطبقة المرفهة والمتسلطة، وبما أن حبّ السلطة مثل حب المال والجاه ليس له حدود، فانه يفعل بالشعب كل شيء من أجل المحافظة على السلطة وعلى موقعه ليمسك جميع كنوز وأموال الشعب بيده. ولو أن شخصاً واحدا من أصحاب السلطة والمال قسّم أمواله على سكان البلاد وهم 36 مليون نسمة، فان هؤلاء جميعا يصبحون من المرفهين ويكونون من الطبقات الراقية كما يسمّون هم. لكن هذا الشخص الذي تبلغ أمواله هذا المقدار الكبير يكون أحرص على الدنيا وعلى المال من إنسان فقير لا يملك شيئا. وهكذا كلما أضيف مال على أموال الانسان يزداد حرصا على المال. وكلما إزدادت سلطته يزداد حرصه أيضا على السلطة.
السماح للمرفهين باستضعاف الشعب
عندما لا يكون الانسان مهذباّ فانه يستخدم القوة لصالحه، وعندما تجد القوى العظمى مثل هذا الشخص فانهم يضخّمونه أمام الشعب وينصّبونه حاكماً ليستضعف الشعب وينهب أمواله. وهكذا كانت ايران في السنوات الخمسين الأخيرة حيث إعترف الاجانب بانهم إختاروا رضا خان ومنحوه من القوة ما ليستضعف به الشعب ويفرض سلطته الجبارة عليهم ويحرمهم من كل شيء وكانوا يفعلون من خلاله ما يشاؤون. ثم نصبوا بعده محمد رضا وأحاطوه بعدد كبير من الافراد المرفهين ومن الطبقات الراقية حسب تعبيرهم. ومن هنا ينبغي علينا الحذر حتى يكون مجلسنا وحكومتنا وجيشنا من أفراد الطبقة المتوسطة ويكون خاليا من محبّي السلطة والمرفهين وأصحاب الثروة والرتب العالية والاملاك الكثيرة والعمارات الشاهقة، وعند ذلك يمكن المحافظة على البلاد. وإذا أراد الشعب أن يواصل هذا النصر مسيرته حتى النهاية وهو ما يأمله الجميع, فينبغي عليه أن لا يسمح لابناء الطبقة المتوسطة بان يكونوا من المرفهين ويمنع هؤلاء من الوصول إلى منصب الرئاسة أو دخول المجلس.
وإذا ما أصبح المجلس والحكومة والشعب بهذه الصورة، فلا تستطيع أية قوة أن تهاجم ايران، وإذا هاجمت فانها تواجه ثلاثين مليون شخص ليس فيهم من هواة السلطة أحد لترغمه على نهب خيرات الشعب وإستضعافه وهذا ما أثبته التاريخ. فالشعب الذي لا يوجد فيه أشخاص يمتازون عن الآخرين بكثرة أموالهم أو قوتهم ويحكمون الشعب بها، لا يستطيع الآخرون القضاء أو التسلط عليه ولكن القوى الكبرى تبحث دائما عن بعض الاشخاص وتقدم لهم الامكانات ثم تحرضهم ضد الشعب فيما تنسحب هي عن الاضواء لتمسك بمفاصل الحكم الاساسية وتعطي الامور الثانوية إلى هؤلاء الاشخاص، فإن أساس إستضعاف الشعوب هو من أنفسهم وخاصة أصحاب السلطة، فاشكروا الله لخلو مجلسكم من المرفهين ومن أصحاب الثروة. وهكذا هي الحكومة أيضا حيث لا يتمتع رئيس الجمهورية ولا المجلس ولا الحكومة باية قوة تسلطية جبارة ليستطيع المجلس من خلالها المصادقة على قانون غير سليم وتنفذه الحكومة. وما دام هذا الاعتدال والحالة الوسطية قائمة، فان هذه الجمهورية تبقى مصانة ولا تستطيع القوى الكبرى أن تواجه مثل هذه الحكومة، وتنعدم فرص الانقلاب العسكري .. وهل يستطيع أحد أن يقوم بانقلاب عسكري؟ وإذا ما جاؤوا به من الخارج فسيواجههم هذا الشعب الذي يتكون من الطبقة التي صنعت هذه الثورة العظيمة. إن الاعداء يدرسون الامور ثم يتخذون الخطوات، وهم الآن بصدد العمل على التغلغل بين الشعب وبث الخلافات في صفوفه ثم يظهر في خضم هذه الخلافات شخص يقدمون له الدعم والاسناد فتضعف قوة الحكومة والبلاد وتهبط معنويات الشعب حتى يتسلم هؤلاء الحكم في البلاد. ولذلك فان بلادنا ما دامت خالية من تسلط أفراد الطبقة المرفهة، وما دامت أمور البلاد بيد أمثالكم من رئيس الجمهورية ورئيس المجلس ورئيس الوزراء والوزراء ونواب المجلس، فاطمئنوا بان أية قوة خارجية لا تقدر القضاء على هذه الثورة.
حب السلطة, اساس هزيمة الثورة
عندما يظهر الانحراف ويظهر حب السلطة وحب المال بين المسؤولين فان ذلك يدل على هزيمتنا. فلا بد من الحيلولة دون ذلك، وهذه مسؤولية الشعب أن يمنع رئيس الجمهورية وأعضاء المجلس من ذلك من أجل أن يحافظ على الاسلام وعلى الجمهورية الاسلامية ويحافظ على الحكومة والمجلس ولا يدع أحدا يقبل على الانحراف، فالشيطان يمكن أن يجر الانسان إلى الانحراف مما يفرض على الانسان أن يهذب نفسه.
إن الذين يريدون خدمة هذا الشعب لابد أن يؤمنوا أولا بما يقومون به من خدمة ويلتفتوا إلى أنهم يتحملون المسؤولية في جمهورية إسلامية لا تختلف عن الدولة التي كان يحكمها الرسول الاكرم صلى الله عليه وآله وسلم والامام علي عليه السلام ويريدونها أن تكون مثل تلك الدولة حيث أن الحاكم في مثل هذه الدولة يقول إن نعله المخصوف أفضل من الرئاسة. أو أن قيمة الرئاسة أقل من ذلك"
. وأن عليكم أن تحتفظوا بهذا الامر في قرارة انفسكم وعلى الشعب أن يراقب الوضع. فاذا انحرفنا عن طريق الاسلام وعن طريق الانبياء فان نصرنا يتحول إلى هزيمة، وبالعكس أيضا يبقى النصر محفوظا طالما لا يوجد هناك انحراف.
الشكر لله في خدمة المحرومين
والآن حيث دخلتم المجلس تقربا الى الله، يعني ذلك انكم لا تريدون من الشعب أن يتعامل معكم بالتمييز بينكم وبين الآخرين، وهذا ما ينبغي أن تشكروا الله عليه، ويتمثل هذا الشكر في خدمة الناس وخدمة أحكام الاسلام وفي خدمة من هم أولياؤنا وهم المستضعفون حسب وصفكم، فهؤلاء أولياء نعمتنا، ولولاهم لكنا نعيش في المنفى أو السجن أو على الهامش. فهؤلاء هم الذين أنقذونا وأوصلونا الى هذه المناصب. وينبغي أن تفهموا بانكم الآن نفس أولئك الذين كانوا في المنفى أو السجن أو على الهامش, فجاء هؤلاء وأنقذونا جميعا مما كنا فيه، فلو خدمناهم حتى نهاية عمرنا فلا نستطيع أداء حقهم علينا. وندعو الله أن يوفقنا لنخدم هؤلاء الذين يضحون بانفسهم الآن في جبهات الحرب. فلو ألقيتم نظرة على المقاتلين هناك، فلا تجدون أحدا من الاثرياء المرفهين أو من أصحاب السلطة السابقين. بل كلهم من المحرومين الذين حملوا أرواحهم على الاكف يدافعون عنكم. فهؤلاء هم أصحاب الفضل علينا دون أن يطلبوا شيئا. ومن هنا, هم أولياء نعمتنا لانهم هم الذين جعلونا وزراء أو نوابا ورئيسا للجمهورية. فينبغي أن نشكر أولياء نعمتنا ونخدمهم فمنكم الخدمة ومن هؤلاء الحماية. وأرجو أن تبقى هذه الروحية في الشعب وأن يتفضل الله بها على الجميع. فالروحية التي يتمتع بها جنودنا وحرسنا الثوري وأولئك الذين يدافعون عن البلاد هي روحية قيمة وسامية، لانها تعني الاقبال على الشهادة والقاء النفس على الموت من أجل الاسلام والبلاد. وطالما توجد هذه الروحية والنقطة التي أشرت اليها فان البلاد ستبقى مصونة ولا يصيبها شيء. أدعو الله أن يوفق الجميع لخدمة عباد الله التي تعد من أعظم العبادات الالهية، وأن يصلح أو يمحو أولئك الذين يريدون شرا بهذه البلاد ويريدون تهميش المسلمين وإعادتهم الى سلطة الاخرين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
* صحيفة الإمام، ج16، ص:26,23