الموضوع: قيمة ودرجة الإخلاص
خطاب
المخاطب: مقاتلو حراس الإسلام في جبهات جنوب البلاد، الطلبة المسلمون الإيرانيون في الخارج
عدد الزوار: 140
التاريخ: 28 فروردين 1361 هـ. ش/ 22 جمادى الثانية 1402 هـ. ق
المكان: طهران، جماران
المناسبة: ميلاد الصديقة فاطمة الزهراء عليها السلام
المخاطب: مقاتلو حراس الإسلام في جبهات جنوب البلاد، الطلبة المسلمون الإيرانيون في الخارج
بسم الله الرحمن الرحيم
تكريم إيثار وتضحيات المقاتلين
إنني بدوري أبارك ميلاد السيد فاطمة - سلام الله عليها - لجميع السادة الذين تفضلوا بالحضور، ولجميع الشعب وسائر الشعوب المستضعفة، واشكر جميع السادة الحاضرين سواء الذين جاءوا من الخارج أو الموجودين في الداخل، ولا تتوقعوا انتم أيها المقاتلون ان أكون أنا أو أي شخص آخر قادرا على تكريمكم، فالله هو الذي اشتراكم، حيث قدمتم كل ما تملكون حتى الروح وهي أغلى ما تملكون في سبيل الله، سواء منكم من استشهد ولقي الله ان شاء الله أو أنتم الموجودون هنا.
لقد حققتم أمرين ولا يستطيع أحد من البشر- إلا أولياء الله- ان يكرمكم على ذلك، الأول هو أنكم وضعتم اعظم ما تملكون وهو الحياة على طبق الإخلاص، والآخر هو أنكم قدمتم هذه الهدية مخلصين. فالأساس هو الإخلاص الذي تجلى فيكم، وبهذا الإخلاص والإيثار ضمنتم الجمهورية الإسلامية، فالانتصارات التي تحققت على أيديكم خصوصا في الفتح المبين، لا يمكن قياسها باي معيار كان، ولا يستطيع اي لسان ان يعبر عنها ويصفها، لكن الأهم من كل هذا هو صدقكم وإخلاصكم عند الله تعالى، فالإيثار إخلاصا أهم من كل شيء عند الله، كما يصف تبارك وتعالى في سورة (هل أتى) أهل بيت العصمة بقوله: (ويطعمون الطعام على حبه 1..) فالإطعام في حد ذاته ليس شيئا مهما، خاصة عندما يكون بقرص من خبز الشعير، بل المهم ان يكون ذلك (على حبه).
فالإخلاص والحب اللذان تملكانهما لهما القيمة عند الله تعالى ولا يستطيع أحد وصفهما. لأنكم تضحون بأرواحكم، وهناك الكثيرون يفعلون ذلك في أمور منحرفة، فالعمل واحد في الشكل لكن المعنى والفحوى يختلفان، والمعيار هو فحوى العمل وليس شكله. فالسيف الذي جرده علي بن أبي طالب- سلام الله عليه- وضرب به ذلك الشخص وقتله. هو ما يقع في كل مكان وقد فعل ذلك كثير من الناس ويفعلون. والقيمة ليست هنا، بل القيمة هي ما كانت في قلب علي أبي طالب وما كان يدور في ذهنه ودرجة الإخلاص الذي كان في عمله.
استحالة قياس قيمة الإخلاص
ان درجة الإخلاص هي التي جعلت تلك الضربة أفضل من عبادة الثقلين أي عبادة الإنس والجن، إذن فان إخلاصكم ورغبتكم في الشهادة وإيثاركم في سبيل الله هو التي منحكم القيمة، ولا يستطيع ميزان ان يقيس مقدار ذلك .. فيا أعزائي حافظوا على هذه النعمة التي منحكم الله إياها وغيركم بفضله الذاتي وبيد غيبية وجعلكم مخلصين لذاته يضحون بكل ما عندهم وبأرواحهم في سبيل الله (ان الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بان لهم الجنة ...) 2 فالجنة التي منحكم المشتري إياه ليست كالجنة التي يعطيها للآخرين، وأرجو ان تكون هذه الجنة جنة اللقاء .. وأرجو ان يستضيفكم المشتري عنده. حيث ان أولياء الله في الدار الآخرة لا يرجون غير الله حيث يصرفون النظر عن نعم الجنة ويرغبون في لقاء الحق تعالى. وانتم حيث تضحون بأرواحكم وتتوجهون الى ساحات الحرب بهدف الشهادة وتدافعون عن الإسلام وتزرعون اليأس في الدول الطامعة في هذا البلد، انما تقومون بعمل قيم ونفيس جدا، لكن الأفضل من ذلك هو إخلاصكم وإيثاركم في سبيل الله، فهو أسمى من كل قيمة لكم. ولا يمكن قياس هذا الإيثار والإخلاص في ميزان عالم الغيب بل يقاس ويعرف عند الله تعالى. ونحن نشعر بالفخر والاعتزاز ان نعيش في مثل هذه الفترة من الزمن حيث يتواجد فيه أمثالكم أيها الأعزاء، ونتنفس من هواء تتنفسون أنتم منه، فأنتم المؤثرون المخلصون وانتصرتم على انفسكم فيما تخلفنا نحن عن ذلك. فلا تظنوا ان بندقيتكم ومدفعكم هو الذي حقق لكم النصر، حيث كان الطرف الآخر يملك أسلحة أكثر تطورا من أسلحتكم، بل كنتم اقل عدة منهم، لكن الذي حقق لكم النصر ويحقق هو إيمانكم وإخلاصكم وهم يفتقدون ذلك، وانتم تدخلون ساحات القتال من اجل الله وهم من اجل الشيطان، انتم حزب الله وهم حزب الشيطان، وان ما حقق لكم النصر في الجبهتين ويحقق ان شاء الله واعني الجبهة الباطنية والنفسانية، وجبهة الحرب ضد أنصار الشيطان هو إخلاصكم وإيمانكم، فأنتم شيعة ذلك الذي يقول: لو ان جميع العالم وقف ضدي اقف لوحدي إزاءهم. فالإيمان والإخلاص هو الذي جعله يقف لوحده أمام كل شيء، وانتم شيعة نفس ذلك الشخص، وأرجو ان يكون لنا حظ من روحانية هذا الإنسان ومن العلوم والنفحات الالهية التي تفضل بها الله تعالى عليه.
أيها الاخوة! انتم المنتصرون وشهداؤكم هم المنتصرون وان شعبكم هو المنتصر، فان لكم شعبا لا يوجد له مثيل في العالم كله، وان الشعب يملك أمثالكم الذين لا يوجد في العالم مثلكم. ان العدو يتطوع للحرب من اجل الشيطان، لكن الفرق بينكم وبينهم هو الفرق بين تطوعكم وإيثاركم وبين تطوعهم وإيثارهم، فهم يدخلون الحرب من اجل الدنيا ومن اجل تحقيق الآمال والشهوات النفسانية، وانتم تدخلونها من اجل الشهادة ومن اجل لقاء الله. فانتم منتصرون سواء استشهدتم، وسواء حققتم النصر الظاهري ان شاء الله. وقد انتصركم على نفسكم وعلى شيطانكم الباطني وقلعتم الوساوس الشيطانية من قلوبكم وجعلتموها خالصة لله، وتذهبون الى الجبهات بقلوب طاهرة ونية صادقة لتحقيق النصر النهائي وهو من نصيبكم.
ادعوالله تعالى ان ينصركم وجميع المقاتلين والقوات المسلحة، وينصركم في الجبهتين الباطنية والظاهرية، ويحفظ هذا البلد من الشرق والغرب، ويرحمكم جميعا برحمته الغيبية ان شاء الله.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
* صحيفة الإمام، ج16، ص:151,149
1- سورة الدهر، الآية 8.
2- سورة التوبة، الآية 111.