الموضوع: القيمة الكبيرة لمجالس العزاء وقدسيتها-مسؤولية علماء الدين الخطيرة
خطاب
الحاضرون: محمد رضا مهدوي كني، محمدتقي فلسفي، العلماء ورجال الدين، أئمة الجماعات وخطباء طهران وقم
عدد الزوار: 60
التاريخ: صباح 31 خرداد 1361 هـ. ش/ 28 شعبان 1402 هـ. ق
المكان: طهران، حسينية جماران
المناسبة: على أعتاب شهر رمضان المبارك
الحاضرون: محمد رضا مهدوي كني، محمدتقي فلسفي، العلماء ورجال الدين، أئمة الجماعات وخطباء طهران وقم
بسم الله الرحمن الرحيم
القيمة الكبيرة لمجالس عزاء سيد الشهداء
يجب أن أشكر سلفاً السادة علماء الدين والخطباء من طهران، وأولئك الذين شرّفوا من قم كما قيل لي، والتقيناهم، آملين أن يوفق الجميع لخدمة الإسلام والمسلمين.
المواضيع كثيرة، ولكنني سأتحدث لكم عن موضوع يتعلق بالسادة الخطباء والعلماء، وموضوع حول قضايا الساعة التي نواجهها اليوم. أما الموضوع المرتبط بالسادة الخطباء فهو أن عمق هذه المهمة التي تضطلعون بها، وعمق قيمة مجالس العزاء لم يتضحا إلا قليلًا، ولعلها لم تتضح أبداً لدى البعض. وإن القيمة الكبيرة التي توليها رواياتنا لقطرة واحدة من الدموع لمظلوم كربلاء، بل وحتى للتباكي والتظاهر بالبكاء 1، ليست من باب أن سيد المظلومين بحاجة إلى ذلك، وليس لأن تحصلوا أنتم ومستمعوكم على الثواب، رغم أن في ذلك الثواب الكبير، ولكن لماذا خصص هذا الثواب وبهذا الحجم الكبير لهذه المجالس، ولماذا جعل الله تبارك وتعالى كل ذلك الثواب للدمع بل وحتى قطرة واحدة منه بل وحتى التباكي؟ إن هذه القضية تتضح شيئاً فشيئاً من ناحيتها السياسية، وسوف تتضح أكثر من ذلك فيما بعد إن شاء الله.
إن كل هذا الثواب الذي خصص للعزاء، لمجالس العزاء، لرثاء الامام الحسين، يكمن في قضية سياسية مهمة، فضلًا عن جوانبها العبادية والروحية. فذلك اليوم الذي صدرت فيه هذه الروايات، كان يوماً كانت فيه الفرقة الناجية مبتلاة بالحكم الأموي، والحكم العباسي في الغالب، وكانت هناك أقلية قليلة للغاية في مواجهة القوى الكبرى آنذاك، ومن أجل تنظيم النشاط السياسي لهذه الأقلية فقد تم وضع أسلوب هو بحد ذاته من شأنه أن ينظّم، وهو النقل عن مصادر الوحي بأن هذه المجالس لها كل هذه العظمة، وهذه الدموع التي تراق في هذه المجالس، فكان الشيعة يجتمعون على أقليتهم آنذاك، ولعل الكثير منهم لم يكونوا يعلمون ما هو الموضوع، ولكن الهدف كان تنظيم مجموعة من الأقلية أمام تلك الأغلبيات. وهكذا كانت هذه المجالس طيلة التاريخ تنظيماً عاماً في البلاد، البلاد الإسلامية، وفي ايران التي هي مهد التشيع والإسلام والشيعة، كانت مجالس العزاء هذه، وهذه المواكب تقف في مقابل أنظمة الحكم التي كانت تتوإلى، وكان هدفها القضاء على الإسلام والقضاء على أساس علماء الدين فكانت هذه المجالس تخيفهم.
في المرة الاولى التي اعتقلوني فيها في قم، كان البعض من رجال الأمن يقول لي في السيارة، انهم جاؤوا لاعتقالي ولكنهم كانوا يخشون الخيم المنصوبة في قم، يخشون أن يبلغ الخبر مسامعهم فلا نستطيع القيام بمهمتنا. وبغض النظر عن هؤلاء، فان القوى الكبرى تخشى هي ايضاً هذه الخيم. ان القوى الكبرى تخشى هذا التنظيم دون أن تكون هناك يد واحدة تجمع كل هؤلاء الناس، بل ان أبناء الشعب يتلاحمون من تلقاء انفسهم في ارجاء البلاد، في هذا البلد الواسع، في أيام عاشوراء وفي شهري محرم وصفر وفي الشهر المبارك. فهذه المجالس هي التي تجمع ابناء الشعب مع بعضهم. فاذا أراد شخص ان يقدم خدمة للاسلام، وأراد أن يصرح بموضوع، فانه ينتشر في جميع أرجاء البلد بواسطة هؤلاء الخطباء وأئمة الجمعة والجماعة، فيؤدي اجتماع الناس تحت هذا البيرق الالهي، هذا البيرق الحسيني، إلى أن ينظّموا. في حين أن القوى الكبرى إذا أرادت أن تقيم تجمعاً في مناطقها، فان هذا الاجتماع لا يتم إلّا بعد جهود كبيرة قد تستغرق عدة أيام أو عدة أسابيع، فيجتمع عدد نفترض أنه مائة ألف شخص، أو خمسون ألفاً بعد نفقات كثيرة وجهود كبيرة، ليستمعوا إلى حديث ذلك الشخص الذي يريد أن يتكلم. ولكنكم ترون أنه بمجرد أن تحدث قضية في مدينة بل في جميع أرجاء البلاد، فان جميع شرائح الشعب والمشاركين في عزاء سيد الشهداء ستجتمع دون أن تكون هناك حاجة إلى كل هذه الجهود والاعلام، وذلك بفضل مجالس العزاء هذه التي جعلت ابناء الشعب يتلاحمون؛ فبكلمة واحدة تخرج من فم سيد الشهداء- سلام الله عليه- نرى الجميع يجتمعون. وإن ما تفضل به بعض الأئمة- لعله الامام الباقر، علماً أنني لا أذكر ذلك جيداً- قائلًا (ما مضمونه) آتوني بشخص يرثي الامام الحسين في منى كي يبكي لي، ويقيم مجلس العزاء 2، ليس سببه أن الامام الباقر - سلام الله عليه - بحاجة إلى ذلك، وليس لأنه يعود بفائدة شخصية عليه، ولكن انظروا إلى طابعه السياسي. ففي منى وعندما يتقاطر الناس من جميع أقطار العالم إلى هناك، ويجلس شخص أو أشخاص ليرثوا الامام الحسين للامام الباقر، ويذكر جريمة الأشخاص الذين عارضوه، وتسببوا مثلًا في شهادته، فإن هذه القضية ستنتشر انتشار الموج في كل العالم، وهكذا فقد استصغروا مجالس العزاء هذه.
تأثير دم سيد الشهداء عليه السلام في انتفاضة 15 خرداد
لعل المتأثرين بالغرب يقولون لنا إننا "شعب البكاء"، ولعل أصحابنا لا يستطيعون أن يتحملوا الثواب العظيم الذي تحمله قطرة واحدة من الدمع. والثواب الكبير الذي يتمخض عنه مجلس عزاء واحد. لعلهم لا يستطيعون هضم تلك الأمور التي ذكرت للأدعية والثواب الذي ذكر لسطرين من الدعاء. انهم لا يستطيعون ادراك ذلك وهضمه، ان الجانب السياسي من هذه الأدعية وهذا التوجه إلى الله وتوجه جميع الناس إلى نقطة واحدة كل ذلك هو ما يعبئ الشعب للهدف الإسلامي. ان مجلس العزاء ليس هدفه البكاء لسيد الشهداء والحصول على الثواب- علماً أن هذا الهدف مقصود أيضاً ويستتبع الأجر الأخروي للآخرين- بل ان المهم هو الجانب السياسي الذي خطط به أئمتنا في صدر الإسلام كي يبقى حتى النهاية، وهو أن الاجتماع تحت لواء واحد، وتحت فكرة واحدة، وليس بإمكان أي شيء أن يترك التأثير بمقدار ما يتركه العزاء لسيد الشهداء فيه.
لا تتصوروا أن الخامس عشر من خرداد كان من الممكن أن يحدث لو لم تكن مجالس العزاء هذه قائمة ولو لم تكن مواكب اللطم والرثاء هذه قائمة. فلم تكن هناك أية قوة كان بإمكانها أن تجعل 15 خرداد على هذه الكيفية لو لا قوة دم سيد الشهداء. وليس بإمكان أية قوة أن تفشل هذه المؤامرات التي تحاك ضد هذا الشعب الذي تعرض للهجوم من كل جانب، والذي تحوك القوى الكبرى المؤامرات ضده، إلّا مجالس العزاء هذه. ان مجالس العزاء والرثاء هذه لسيد المظلومين، والتعبير عن الظلم الذي تعرّض له؛ ولشخص ضحّى بروحه وبأصحابه وأولاده في سبيل الله ولرضاه، هي التي خرّجت هؤلاء الشباب الذين يتوجهون إلى الجبهات ويطلبون الشهادة ويفتخرون بها، يحزنون إن لم تصبح الشهادة من نصيبهم، وهي التي تصنع مثل تلك الأمهات اللاتي يفقدن ابناءهن ومع ذلك فانهن مستعدات لتقديم ابنائهن الآخرين. ان مجالس عزاء سيد الشهداء ومجالس الدعاء ودعاء كميل والأدعية الأخرى هي التي تصنع هذا الشعب على هذه الشاكلة، وقد شيد الإسلام الأساس منذ البدء بشكل بحيث يمضي إلى الأمام بهذه الفكرة وبهذا البرنامج. وإذا ما فهموا وأفهموا حقاً ما هي القضية، والهدف من مراسم العزاء هذه، ولماذا اكتسب هذا البكاء كل هذه القيمة والأجر عند الله، فحينئذ سوف لا يصفوننا بأننا "أهل البكاء"، بل يعتبروننا "شعب الملاحم". لو أدركوا ما فعلته الأدعية التي وصلتنا من الامام السجاد، وكيف من شأنها أن تجهزنا لما استهانوا بهذه الأدعية التي رويت عن السجاد سلام الله عليه الذي فقد كل ما يملك في كربلاء وكان يعيش تحت ظل حكومة كانت تهيمن على كل شيء؟! لو أن مثقفينا أدركوا ما هي الجوانب الاجتماعية والسياسية لهذه المجالس وهذه الأدعية وهذه الأذكار وهذه المجالس، لما تساءلوا: لماذا نقوم بهذا العمل؟ لو اجتمع جميع المثقفين وجميع المتأثرين بالغرب وجميع أصحاب السلطة، لما كان بامكانهم خلق حادثة أخرى مثل 15 خرداد. ان من يمتلك هذه القوة هو من اجتمع الجميع تحت لوائه.
اننا لا نطلق صرخاتنا معلنين اننا نريد الإسلام والجمهورية الإسلامية، إلّا لأن جميع أبناء الشعب مجتمعون في الجمهورية الإسلامية باعتبارها "اسلامية" ومن أجل الله، وقد رأينا القوة التي تتمتع بها هذه الجمهورية الإسلامية من هذا الشعب والبلدان الأخرى أيضاً بسبب أنهم ثاروا في سبيل الله.
ثورة ايران هي ثمرة مجالس العزاء
إن على شعبنا أن يعرف قدر هذه المجالس، المجالس التي تبقي الشعوب حية، والتي تزداد وتتزايد في أيام عاشوراء وفي سائر الأيام أيضاً غير هذه الأيام المباركة هناك أسابيع وتظاهرات من هذا القبيل، لو أنهم أدركوا بعدها السياسي، فان هؤلاء المتأثرين بالغرب سيبادرون هم أيضاً إلى اقامة مجالس العزاء، اذا ما أرادوا الشعب وأرادوا بلدهم. وأنا آمل أن تقام هذه المجالس أكثر فأكثر وبنحو أفضل. والجميع له دور في ذلك اعتباراً من الخطباء الكبار وحتى منشدي المراثي. فكل من الذين يقفون عند المنابر وينشدون بعض الأشعار، والخطباء الجالسين على المنابر، لهما كليهما أثر في هذه القضية؛ أثر طبيعي. حتى وإن لم يدرك بعض الأشخاص ما يفعلون، فهم يؤثرون من حيث لا يشعرون.
لقد بلغنا تقريباً هذه الدرجة وهي أن شعبنا قام بثورة على حين فجأة، وحدث فيه انقلاب لا نجد نظيره في أي مكان آخر. لقد حدث فجأة انفجار في شعب كان كل شيء فيه مرتبطاً (بالأجنبي)، وكان هذا النظام السابق قد فقد كل شيء، وفقد الكرامة الانسانية لهذا البلد، فجعل جميع أمورنا ترسف تحت قيود التبعية، وإذا بانفجار يحدث فجأة ببركة هذه المجالس التي كانت تجمع كل البلد، وكل أبناء الشعب مع بعضهم البعض، فكان الجميع ينظرون إلى نقطة واحدة يجب على السادة الخطباء وأئمة الجماعة وأئمة الجمعة أن يشرحوا للشعب أكثر من المقدار الذي أعرفه تماماً كي لا يظن أننا شعب البكاء. اننا شعب استطعنا بهذا البكاء أن نقضي على سلطة عمرها 2500 سنة.
المسؤولية الخطيرة لعلماء الدين في المرحلة الحالية
وهنا سوف أتحدث بشكل مختصر من باب أن الذكرى تنفع المؤمنين ومضمون هذا الحديث أن على جميع السادة في أي مكان من هذا البلد، ويسمعون صوتي، سواء كانوا من طبقة العلماء وأئمة الجماعات والجمعة أو من طبقة الخطباء- الذين يعتبرون علماء هم أيضاً- والأشخاص- من علماء الدين- الذين يتولون هذه الأمور، عليهم أن ينتبهوا إلى أن كرامة الجمهورية الإسلامية معقودة بأيديكم. إذا مارستم- لا سمح الله- تدخلات غير مناسبة ولا داعي لها، وأعمالًا ينبغي أن لا تصدر من علماء الدين، فان هذه الجمهورية الإسلامية سوف تتلطخ سمعتها. بل يجب أن تبقى الحكومة على قوتها. والحكومة هي اليوم حكومة اسلامية ومن الواجب علينا جميعاً أن ندعم هذه الحكومة الإسلامية. والموظفون الذين يأتون من جانب الحكومة، في كل مكان، هم موظفو الحكومة الإسلامية. وإذا ما صدر من أحد الموظفين- لا سمح الله- أمر يتعارض مع أذواقكم أو يتعارض مع المسائل الإسلامية من حيث أنه غير مطلع بشكل صحيح على الأمور أو يرتكب خطأ، فعليكم أن لا تواجهوه، ولا تضعفوه، بل يجب أن تنصحوه. وإذا ما لم يستمع إلى النصيحة، فعليكم أن ترجعوا إلى مصادر الأمور. وعلى أئمة الجمعة في البلاد أن لا ينصبوا ولا يعزلوا.
وعلى الأشخاص الذين يديرون الاتحادات الإسلامية بين أفراد الجيش أو المؤسسات الأخرى، أن لا يمارسوا تدخلات هي ليست من اختصاصهم. عليهم أن يرشدوا الحكومة، ويرشدوا موظفي الحكومة وجميع الأشخاص الذين بين أيديهم. وإذا ما لم يعمل أحد منهم بالارشاد، فعليهم أن يرجعوا إلى المسؤولين، لتحل القضية.
عليكم أن لا تتصرفوا بشكل مباشر، بل أن ترشدوا الجميع حفاظاً على كيان الإسلام الذي تعتبرون حراساً له وحفاظاً على كيان الجمهورية الإسلامية الذي تحافظون عليه، وأن تتجنبوا الأعمال التي يجب أن لا تقوموا بها، والأعمال التي تعد تدخلًا في الشؤون التنفيذية. وإذا ما صدر خطأ من محافظ أو قائممقام فعليكم أن لا تعلنوا ذلك على المنابر وتفضحوه. فهذا أمر لا يرضى الله عنه. بل عليكم أن تتحدثوا معه على انفراد وتتفاهموا معه وتطلبوا منه أن يغير وجهته. فان لم يعر أهمية فعليكم أن لا تراجعوا المسؤولين. أما إذا أردتم أن تفعلوا ذلك بشكل مباشر، فسوف تتم الاساءة إلى سمعة الجمهورية الإسلامية وسمعة الإسلام في العالم. في حين أنكم المحافظون على هذه السمعة ومن الواجب علينا جميعاً المحافظة على كيان هذه الجمهورية الإسلامية. أنتم ترون اليوم أن جميع الأقلام وجميع الألسنة من القوى الكبرى أو الحكومات المرتبطة بها، قد تم تجهيزها ضد هذه الجمهورية الإسلامية، وأن الجميع يعمل وفق أسلوب خاص؛ فعلينا إذن أن لا نعطيهم ذريعة.
واسمحوا لي هنا أن أدلي بكلمة واحدة لعلي أدليت بها سابقاً وهي أنني نوهت بهذه الكلمة منذ البدء حيث كنا نتصدى لهذه القضايا، وكانت آثار الانتصار تظهر شيئاً فشيئاً، في المقابلات التي أجريتها، سواء مع الأشخاص الذين قدموا من الخارج، حتى في النجف وفي باريس، وسواء في الأحاديث التي أدليت بها أنا نفسي، وهذه الكلمة هي أن مسؤولية علماء الدين أسمى من هذه الأمور التنفيذية، وإذا ما انتصر الإسلام فان علماء الدين سوف ينشغلون بمسؤولياتهم. ولكننا عندما جئنا وخضنا المعركة، رأينا أننا إذا أمرنا علماء الدين بأن يتوجهوا إلى مساجدهم، فان هذا البلد سوف تبتلعه أميركا، أو الاتحاد السوفياتي. لقد جربنا ورأينا أن الأشخاص الذين يشغلون المسؤوليات الرئيسة ولم يكونوا من علماء الدين، لم تكن أذواقهم تستسيغ رغم البعض منهم كان متديناً الطريق الذي كنا نريد أن نسلكه، والطريق الذي يؤدي بنا إلى الاستقلال، ويتطلب منا أن نبني أنفسنا بامكانياتنا المتواضعة، ولا نخضع لهيمنة القوى الكبرى، ولذلك فلأننا رأينا هناك أننا لا نستطيع أن نجد في كل مكان أشخاصاً يعملون بشكل كامل للهدف الذي ضحى هذا الشعب من أجله بشبابه وأمواله، فقد اضطررنا إلى أن يكون رئيس جمهوريتنا من العلماء. وأحياناً كان رئيس وزرائنا كذلك أيضاً. وفي المواضع الأخرى ليس في نيتنا كما كنا قد قلنا سابقاً أن يكون الأمر كذلك، وأنا أقولها الآن أيضاً أننا في كل يوم أدركنا فيه أن هذا البلد تديره مجموعة من الأشخاص من غير علماء الدين، بالشكل الذي أمر به الله تبارك وتعالى، فالسيد الخامنئي يتوجه إلى مسؤوليته العلمائية الكبيرة والاشراف على الأمور، وهكذا الحال بالنسبة إلى السادة الآخرين. ان من غير الصحيح أن نبقى على خطئنا حيثما قلنا كلمة ورأينا أن ذلك من مصلحة الإسلام، ثم اكتشفنا أن الأمر ليس كذلك، وإننا كنا قد ارتكبنا خطأ. اننا كلما اكتشفنا أن هذه الكلمة التي قلناها اليوم كانت خطأ، وأن من المفترض أن نتصرف بشكل آخر، فاننا نعلن أننا قد أخطأنا في ذلك، وأن علينا أن نتصرف على هذه الشاكلة. فنحن معنيون بمصالح الإسلام، لا بتطور كلامنا.
إسمحوا لي أن أدلي بحديثي للسادة- وبناء على ذلك، فان القضية لا تتمثل في أن يقول لنا السادة: لقد قلت لنا كذلك، في ذلك اليوم. هذا صحيح، فلقد كنا نتصور ذلك اليوم أن هناك بين هذه الشرائح المتعلمة والمتدينة وصاحبة الأفكار، أشخاصاً يستطيعون أن يقودوا ويديروا هذا البلد كما يريد الله. وعندما اكتشفنا أننا كنا على خطأ، جاء بعضهم وحشروا أنفسهم بيننا، ومن المعلوم أننا لا نعلم الغيب. على أن البعض منهم كان طيباً ولكن رأيهم كان يتعارض مع رأينا لقد عدلنا عن الكلام الذي أدلينا به في المقابلات، وما دام غير علماء الدين يستطيعون موقتاً إدارة هذا البلد، فإن السادة علماء الدين يعودون إلى ارشادهم ومناصبهم، وليوكلوا الأجهزة التنفيذية إلى الأشخاص الذين يعملون للاسلام، وما دامت القضية هكذا، والابهام يواجهنا، فإن الاحتمال قائم.
اننا مكلفون بأن نقف ما استطعنا في وجه الشخص الفلاني أو الشريحة الفلانية التي تهدد كيان الإسلام حتى وإن كان احتمال ذلك واحداً في المليون. فليقولوا ما شاؤوا أن يقولوا عنا، ليقولوا ان بلدنا هو بلد الملالي وحكومتنا حكومة الملالي وما إلى ذلك من أقوال. وبالطبع فإن ذلك ورقة يستخدمونها كي يخرجونا من الساحة، ولكننا لا نخرج منها. هذا هو الحديث الذي قلته للسادة وآمل أن يدعوا في شهر رمضان المبارك، هذا الشهر العظيم، لهذه الجمهورية الإسلامية وأن يرشدوا الشعب كي يبقى في الساحة.
هجوم إسرائيل على لبنان، الفخ الأميركي لايران
على الشعب أن لا يتصور أننا قد انتصرنا وأننا لا نحتاج اليه. فالحاجة اليه قائمة وقائمة دوماً. ان الحكومة لا تستطيع لوحدها أن تدير جميع الأمور، بل يجب أن يكون الشعب معها. كما ان حربنا لم تنته، فنحن الآن في حالة حرب، وما دمنا كذلك، يجب على شبابنا أن يقدموا الدعم للجبهات؛ فكما ان شبابنا الأعزاء كانوا وما يزالون يتوجهون، واستشهد الكثير منهم وتشرفوا بلقاء الله، فاننا نحتاج اليهم اليوم أيضاً، فالمؤامرات تتسع يوماً بعد يوم. وأما القضية التي يجب أن أطرحها في الجانب المرتبط بالظروف الحالية فهي أن القوى الكبرى وخاصة أميركا، بعد أن فشلت في جميع المؤامرات وهزمت وهي ترى الآن ان هذه الحرب التي أعلنتها علينا، في طريقها إلى النهاية هي ايضاً ان شاء الله، فقد نفذت مؤامرة أخرى أكثر عمقاً انخدعنا بها إلى حد ما وهي انها خلقت ذلك الخطر الوشيك في نقطة كبيرة وحساسة للغاية بالنسبة الينا كي تجعل شعبنا يغفل عن تلك القضية التي تجري في بلده وعن تلك الحرب التي تجري في بلده، ألا وهي قضية هجوم إسرائيل على لبنان. فقد كانت أميركا تعلم أننا وشعبنا نولي أهمية فائقة للبنان، وإسرائيل من الجانب الآخر. وأميركا هي التي نصبت هذا الفخ. أي أنها بعثت عميلها ذاك كي يهاجم لبنان ويتسبب في كل تلك الأضرار والجرائم. ونحن نعلم أنهم مستعدون لأن يقضوا على الجميع وعلى الملايين في مقابل أن تتحقق مصلحة واحدة لأميركا. لقد عهدنا ذلك من القوى الكبرى. انهم لا يعنيهم ما يجري على النساء والأطفال وبلد هؤلاء المستضعفين في لبنان، بل هم يعملون على أن يبقوا صداماً في موضعه في هذا الجانب، ليحتفظوا بايران التي تفوق أهميتها في نظرهم لبنان والمناطق الأخرى. ان أميركا ترى أننا نجاور الاتحاد السوفياتي، على طول مئات الكيلومترات، وما يبث الرعب في أميركا هو الاتحاد السوفياتي. وهي تخشى اذا ما زال صدام أن يستطيع الاتحاد السوفياتي تهديدها ولكننا نعلم أنه لا يستطيع، فبعد أن تواجد الشعب في الساحة وما يزال فإن أي شخص لا يستطيع. وفضلًا عن ذلك، فانهم يرون ان ايران لو هزمت العراق في الحرب لصالحها، فإن العراق سيتصل بإيران، أي، ان الشعب العراقي، الشعب العراقي المظلوم، سوف يحرر نفسه من قبضة هذا الحزب الظالم، ويتلاحم مع الشعب الايراني، ويؤسس حكومة اسلامية تتوافق مع رغبته. وإذا ما حدث الارتباط والاتصال بين ايران والعراق، فان أميركا سوف تحرم من هذه المنطقة الغنية والتي (أي أميركا) لا ترى ضيراً في ان تضحي بالآلاف من جنودها والآلاف من الناس. ويتمثل هذا المخطط في أن يحرضوا بيغن 3 على أن يهاجم لبنان. وعندما يهاجم لبنان فإن ايران تهتم بأمر هذا البلد، وستوظف كل قواها من أجل أن تقضي عليه. وإذا ما غفلت ايران عن الحرب ضد العراق، فإن العراق سوف يفعل فعلته، فلا تستطيع ايران أن تفعل شيئاً هنا أيضاً.
ان على جميع ابناء شعبنا وجميع المسؤولين أن يلتفتوا إلى أننا في نفس الوقت الذي لا نرى فيه لبنان منفصلًا عن ايران من حيث المصالح والمفاسد، ولكننا يجب أن لا نقوم بما يستوجب عجزنا عن انقاذ كل من لبنان وايران، بل علينا أن نتجنب ذلك. إذا كانت الأنظار اليوم متوجهة إلى لبنان، وكانت جميع القوى والخطباء والكتّاب يتحدثون عن لبنان، فإن هذا نجاح لأميركا لأن ايران نسيت حربها. كما أنها ستفقد كلًا من العراق ولبنان، فلا تستطيع أن تفقد العراق ولا لبنان. ولا تستطيع أن تفعل شيئاً في العراق ولا في لبنان، ان طريقنا هو أن نتوجه إلى لبنان عن طريق هزيمة العراق، وليس بشكل مستقل.
لاحظوا أن جميع وسائل الاعلام أقصد جميعها على حد علمي لم تعد تتحدث مؤخراً عن الحرب بين العراق وايران، ولعلها تتحدث بكلمة واحدة، بل اتجهت جميعها إلى لبنان. فجميع الاذاعات لم تكن تتحدث إلا عن ايران وحرب العراق قبل هجوم هذا الرجل، بل هذا الرجل النذل على لبنان. وعندما أصبح مخطط أميركا يتمثل في ان تصرف ايران عن محاربة العراق، واعادتها إلى الموضع الذي تبدي فيه الحساسية للبنان، لم تعد تلك الاذاعات والمذيعون الأجانب يتحدثون منذ ذلك اليوم عن ايران ولم يعودوا يقولون شيئاً من هذه الأحاديث. اعلموا ان ما صدر من العراق قبل بضعة ايام، من مجلس العراق، بأنهم سيخلون ايران، هو مؤامرة، ولا يعني أنهم يريدون اخلاءها حقاً، انهم يريدون تخديرنا، ويصرفوا شبابنا عن الجبهة، ويثبطوا عزم المتطوعين الذين يسجلون اسماءهم بمئات الآلاف عندما نعلم أننا نريد عشرة آلاف او عشرين ألفاً. وعندما لا يتوجهون (إلى الجبهات)، فإن العراق من الممكن أن يخرج منتصراً في هذه القضية لا سمح الله-. وإذا ما انتصر العراق، فثقوا أنكم سوف لا تستطيعون فعل أي شيء في لبنان.
ان علينا أن نفشل هذا المخطط الذي دبرته أميركا. أي، ان على جميع خطبائنا في أرجاء البلاد وجميع أئمة الجماعة أن يشرحوا هذه القضية، ويوضحوا أننا سنتوجه إلى لبنان عن طريق هزيمة العراق. علينا أن لا نسمح للعراق بأن يقف على رجليه ويستجمع قوته ويقدم الآخرون الدعم له ويقوي حدوده ثم يهاجمنا بعد ذلك بشكل مفاجئ، ويعود مرة أخرى إلى الحالة التي كانت منذ البدء. والغفلة عن ذلك انتحار. على جميع الخطباء، سواء أئمة الجمعة، أم الجماعة وسواء الخطباء، أم الكتّاب أن يفضحوا هذه المؤامرة ويذكروها وأن لا يجعلوا أبناء الشعب يغفلون عن جبهة حربنا ويبثوا الوعي بينهم. نحن نريد انقاذ القدس، ولكننا لا نستطيع ذلك دون انقاذ العراق من هذا الحزب المشؤوم. نحن نعتبر لبنان جزء منا، ولكن مقدمة انقاذنا للبنان هي انقاذ العراق. علينا أن لا نترك المقدمة ونركز اهتمامنا دون داع على ذي المقدمة ونركز جميع امكانياتنا عليه فيعزز العراق موضعه لنفسه.
هذيانات صدام
أنا لا أعلم (الهدف) من ذلك البيان الذي اصدره صدام والذي هو مسهب ومسهب جداً والذي لاحظه السادة، فإن لم يلاحظوه، فليتابعوه، وليجدوه. يبدو لي أنهم كتبوه، وكتبه أولئك الذين بيدهم المخططات وسلموه لصدام كي يقرأه. وكما يبدو لي من حال صدام أن حالته لا تسمح له بأن يستطيع التفكير، أو كتابة شيء. فلقد فقد هذه الأشياء. أنتم لا تعلمون حجم الهذيان في هذا البيان. فلو كان يمتلك من الادراك ما يمتلكه شاب في الصف الأول لما قرأه، لما قرأ هذا البيان الذي كتب له. أنتم لا تعلمون كم نقل من انتصاراته! وكم ذكر من بطولات جيشه الذي انتصر في جميع الجبهات! اقرأوا ذلك واضحكوا! انه يقول ان انسحابه هو انتصار كبير للشعب العراقي! لقد أنقذنا الشعب العراقي من هذا البلد. متى، مثلًا؟ من هذا البلد المسلم، اجتاحوا بلدنا وبدأوا الحرب، ونحن وقفنا في وجههم، وأجبرناهم على الانسحاب حتى آبادان والأهواز! لقد أطلق مثل هذا البشر الذي لا يبلغ مستوى عقله مستوى شاب كل تلك الادعاءات منذ البدء، وأطلق كل تلك الألفاظ النابية، وخطط لنفسه لأن يكون قائد كذا وكذا، ولعبوا عليه في ذلك الوقت، واليوم ايضاً كتبوا له ورقة مثل الأوراق التي يكتبونها ويعطونها للطفل ليقرأها. وهو نفسه لا يفهم مفادها، ولكن الآخرين يفهمونه.
أنا أرغب في أن يقرأ السادة هذا البيان البطولة التي أخذت من وقتي أكثر من ساعة، ليروا ما يقوله هذا الرجل. ماذا كان يقول في البدء وماذا يقول الآن. انه يقول: من أجل أن نثبت أننا نريد السلام فاننا نأمر جيشنا كله أن يغادر الأراضي الايرانية حتى عشرة أيام أخرى. فإن كان صادقاً في ذلك، فإن ذلك كان من ضمن القضايا التي طرحناها. ولكن هناك عدداً من المطالب الأخرى يجب أن تتم، وما لم تتم فاننا في حالة حرب. الأول كل هذه الأضرار التي ألحقتها بنا، والتي سجلها هو نفسه، واعترف بأنه الحاق الأضرار والخسائر بايران، وهي لا يمكن احصاؤها، بهذا التعبير. كما أنه يقول من جانب اننا أسرنا الآلاف وهو لا يدرك أنه يجب أن يجيب على ذلك غداً، وأن يسلّم هؤلاء الآلاف من الأسرى.
* صحيفة الإمام، ج16، ص:270,261
1- بحار الأنوار، ج 44، الباب 34، ص 296 278.
2- بحار الأنوار، ج 79، ص 106، ذيل الحديث 52.
3- مناحيم بيغن، رئيس وزراء النظام الغاصب للقدس آنذاك.