يتم التحميل...

الموضوع: القوى العظمى مصدر مشاكل العالم‏

خطاب

الحاضرون: أعضاء المجالس المحلية الإسلامية وجمع من مشردي الحرب المفروضة

عدد الزوار: 119

التاريخ 13 آبان 1361 هـ. ش/ 17 محرم 1403 هـ. ق‏
المكان: طهران، جماران‏
الحاضرون: أعضاء المجالس المحلية الإسلامية وجمع من مشردي الحرب المفروضة

بسم الله الرحمن الرحيم‏

الحذر من نفوذ المنحرفين في عضوية المجالس المحلية
قدمت إلى هنا اليوم شريحتان عزيزتان من شرائح المجتمع، وإن شاء الله تعالى لن ننساهم من صالح الدعاء. وإحدى هاتين الشريحتين أعضاء المجالس المحلية في القرى والأرياف. وبهذه المناسبة ينبغي لنا أن نتقدم بالشكر لمؤسسة جهاد البناء التي تعمل منذ انتصار الثورة الإسلامية على خدمة المحرومين، ويتم توظيف كوادرها وإمكاناتها على نطاق واسع في جبهات القتال وخلف الجبهات. مثلما تقدم المجالس المحلية المتواجدة في أنحاء البلاد، خدماتها للطبقات الفقيرة والمحرومة.

إن ما ينبغي تذكير المجالس الإسلامية به، رغم أنها تدرك ذلك جيداً، هو ضرورة الدقة والحذر لئلا يتم اختراق هذه المجالس من قبل المنحرفين تحت غطاء الإسلام والتظاهر بالقداسة. إن أمثال هؤلاء شياطين، ومثلما يتنكر الشيطان بصور مختلفة لخداع الإنسان، فإن هؤلاء يتسترون على حقيقتهم ويحاولون النفوذ بين صفوفكم متنكرين. ولهذا ينبغي التعرف على ماضي وحاضر من يتقدم لعضوية المجالس الإسلامية والتأكد جيداً من سلامة سريرتهم وصدق إيمانهم بالثورة والإسلام وخدمة الجماهير المستضعفة المحرومة .. إن هذا الجانب يعتبر من الأمور المهمة التي أحاول التأكيد عليها وتوصية كل الشرائح التي تأتي إلى هنا بها وأنا أعلم أن ذلك غير غائب عن أذهانكم، ولكن لا ضير من التذكير.

والموضوع الآخر الذي أود التحدث فيه هو طريقة التعامل مع أبناء الشعب والجماهير المستضعفة. فعلى الرغم من أن الخدمة التي تقدمونها خدمة قيمة، غير أن التعامل أحياناً مع البعض يكون بنحو يقلل من شأن هذه الخدمة. المهم هو أن يدرك المحرومون بأنكم جئتم لخدمتهم حقاً .. من الضروري أن يشعر عباد الله المحرومون بذلك .. لقد عانت هذه الطبقة من الحرمان كثيراً قبل الثورة، كما أنها لم تتوان عن خدمة هذه الثورة. غير أنه لم يتم لحد الآن ازالة الحرمان عنهم. وانتم تريدون أن تخدموا هؤلاء المحرومين، فحذار أن يصدر عن أحدكم‏ تصرف يصادر هذه الخدمة. لا بد من مراعاة الأخلاق والآداب مثلما كان يفعل الأنبياء والأولياء وأئمتنا حيث كانوا يكرسون وقتهم لخدمة الناس ويتصرفون معهم بكل ودّ ورأفة وخلق إسلامي رباني. وأنتم أيضاً عباد الله وأمّة النبي محمد وشيعة أمير المؤمنين ينبغي أن يكون تصرفكم بهذا النحو.

كذلك ثمة كلمة أودّ توجيهها إلى أبناء هذه الشرائح التي شردت من منازلها ومدنها بسبب الحرب، وهي أننا على إطلاع بالمشاكل والمعاناة التي يواجهونها، وان الحكومة ستقدم خدماتها على قدر استطاعتها، وإن شاء الله تنتهي الحرب فتتضاعف الخدمات التي تقدم لهم. وانني أشكر كلتا الشريحتين اللتين قدمتا إلى هنا لنلتقي بهما عن قرب.

القوى العظمى المشكلة التي تهدد العالم‏
إن هاتين القوتين العظميين هما مشكلة تهدد العالم اليوم. إن هاتين القوتين تهيمنان على العالم وتسخرانه لمصالحهما. إنهما تكرسان جهودهما للتآمر وانتاج السلاح الذي يشكل خطراً حقيقياً على مستقبل البشرية. وعلى الرغم من أن كل معسكر يخشى المعسكر الآخر، وهذه القوة العظمى تخشى تلك القوة، غير أن من الممكن أن يأتي إلى رأس السلطة في إحدى هاتين الدولتين، مجنون مثل هتلر أو صدام، ويقود العالم إلى الضياع والدمار بوحي من جنونه بامتلاك القوة. وإذا اندلعت اليوم- لا سمح الله- حرب بين هاتين القوتين، فإنها ستجر على العالم الخراب والدمار واراقة الدماء.

إن المشكلة التي تواجه العالم اليوم تتمثل في هاتين القوتين. إما المشاكل الأخرى فهي مشاكل إقليمية يتحمل المفكرون والشعوب المحرومة مسؤولية إيجاد حلول لها. وحتى لو أراد هؤلاء إيجاد حلول لها، فإن حكوماتهم لن تسمح بذلك. فالحكومات غير قادرة وغير مؤهلة لمعارضة هاتين القوتين، كما أن أهواءهم النفسية تحول دون ذلك أيضاً.

لا بد للجماهير والكتّاب والخطباء والمفكرين من التفكير بحلول لمستقبل العالم وتوعية الشعوب بالأخطار التي تهدد البشرية جمعاء. يجب توعية الشعوب بأن الخطر العظيم قادم، وإذا استمرت هاتان القوتان العظميان على حالهما في إنتاج وصناعة الأسلحة الذرية وأسلحة الدمار الشامل، فمن الممكن أن تقودا العالم إلى الدمار وستكون الشعوب المتضرر الأكبر.
يجب على الجميع، كل من موقعه، الكتّاب والمفكرين والعلماء لدى مختلف شعوب العالم، توعية الجماهير بهذا الخطر المحدق، لعلّها تتصدى بنفسها لهاتين القوتين وتحول دون إنتاج هذه الأسلحة .. إن ما يتردد أحياناً في أوساط هذه الحكومات من أنها تسعى للحد من انتشار أسلحة الدمار الشامل ومحاولة التوصل إلى اتفاق بهذا الشأن ليس أكثر من شعار، فأميركا تسعى لخداع الاتحاد السوفيتي وتعمل على وضع الأسلحة الموجودة في الغرب على أهبة الاستعداد تحسباً ليوم إذا ما ضغط فيه على زر فسوف تضرم النيران في العالم بأسره.

ينبغي اليوم لشعوب العالم أن تتنبه لهذه المشكلة الكبرى التي تواجه العالم. وعلى مختلف الفئات من كتّاب وصحافة ووسائل إعلام في العالم أجمع، متابعة هذا الموضوع وتوعية الجماهير للتصدي له. طبعاً توجد اليوم بعض الفئات التي تتظاهر ضد هذه الأسلحة، ولكن لا بد من تضافر جهود كل الشعوب كي يتسنى لها أن تفعل شيئاً.
فلو لم تكن قوة أميركا لما كان بوسع صدام ارتكاب مثل هذه الحماقة. ولو لم تكن قوة أميركا لما استطاعت إسرائيل أن ترتكب كل هذه المذابح. ولو لم تكن قوة أميركا لما أقدمت الدول الخليجية وأمثالها على هذه الأعمال التي تقوم بها الآن.

وإذا أراد العالم أن يتخلص من هيمنة هاتين القوتين، عليه أن ينهض مثلما فعلت إيران، حيث انتفضت مختلف فئات الشعب ونهض الجميع وفجروا الثورة دون أن يلجؤوا إلى أي من القوتين، وإنما نزلوا إلى الساحة باستقلالية تامة. ورغم كل المساعي التي بذلتها وتبذلها أميركا في سحق الجماهير وإفشال نهضتها، إلا أنها عجزت عن ذلك. فإذا لم تنهض الدول الإسلامية وغير الإسلامية، وكل دول العالم التي تعاني شعوبها البؤس والحرمان وهيمنة واضطهاد حكوماتها، وما لم يتنبهوا إلى هذا الخطر العظيم الذي يهدد العالم، ولو قدر له لا سمح الله ان يحدث يوماً، فلن تكون حينها دولة على وجه الأرض، وربما لن يبقى إنسان. فلا بد للعالم من التفكير بذلك.

هزائم صدام المفضوحة في جبهات القتال‏
على العلماء أن يفكروا بذلك ويعملوا على توعية الشعوب، فالقلم وحده لا يكفي. كما أن الكلام وحده لا يجدي. وان الاعتماد على الحكومات لا يجدي أيضاً. فلا بد للكتّاب والخطباء من توعية الشعوب. وان القلم يكون نافعاً إذا كان مكرساً لتوعية الشعوب ويقظتها. وإذا ما استمر حال العالم على هذا الوضع، فمن الممكن أن يشهد العالم أمثال إسرائيل وصدام. فإذا ما ذهبت إسرائيل وانتهى صدام، سيتم إيجاد بديل عنهما.

انظروا أية أعمال مشينة إرتكبها صدام حتى وقع اليوم في الفخ ولا يدري كيف يتخلص منه. إن صدام يشبه ذلك الذي كان يزعم أنه قوي، وكلما كان يخرج من منزله كان كل من يراه ينهال عليه بالضرب والشتم. فيعود إلى المنزل لينتقم فيشبع أمّه ضرباً. فكلما تلقى صدام ضربات موجعة في جبهات القتال، وكلما هزم في معركة، يلجأ مباشرة إلى تهجير وتشريد فئة من العراقيين المضطهدين الرازحين تحت ظلمه، وسجنهم. أو يقوم بقصف المناطق المحرومة والمدن التي يقطنها العرب الإيرانيون، بالصواريخ. هذا هو ديدنه في كل مرة يهزم في جبهات القتال. والآن حيث مني بهزيمة نكراء، يجب أن نتوقع منه أن يقوم بقصف‏ المدن الحدودية وارتكاب مذابح جماعية بحق مواطنينا- لا سمح الله-، فيما يتطوع عملاؤه والمنافقون بذلك في الداخل، وكل ذلك من أجل صرف الأنظار عن الهزيمة التي يمنى بها.

ففي العمليات الأخيرة (عمليات محرم) حيث تقدمت القوات المسلحة الإيرانية وطردت المعتدين من الأراضي الإيرانية وأسرت نحو ألفي أسير عراقي وقد تم نقل حوالي 1800 منهم إلى خلف الجبهات، وغنمت عدداً كبيراً من المعدات العسكرية والعتاد، ودمرت عدداً من الآليات. فعلى الرغم من هذه الهزيمة النكراء التي منيت بها القوات العراقية، قال صدام في آخر خطاب له بأن إيران شنت هجوماً وقد تصدت له قواتنا ودمرتهم.

كما أن موقف الإعلام الغربي وكافة الأبواق الأجنبية معروف مسبقاً حيث أنه في مثل هذه الحالات إما أن يلتزم الصمت، أو يتحاشى الخوض في ذلك. وإذا ما حاول التطرق إلى الموضوع، فانه يذكر: ان إيران قالت كذا، فيما قال صدام كذا. وإذا أرادوا أن ينقلوا عن إيران فانهم ينقلون ما يحلو لهم، كأن يذكروا على سبيل المثال: ان إيران قالت إنها أسرت نحو مائة جندي لحد الآن. وإذا ما نقلوا عن صدام، فانهم يسهبون في التحدث عنه. ويستمرون على هذه الحالة فترة فإذا رأوا أن ليس بوسعهم تجاهل الحقيقة كاملة، اضطروا إلى الخوض فيها من جانب واحد.

ففي عمليات تحرير خرمشهر، كانوا قد انكروا ذلك فترة من الزمن. لأن صدام نفسه كان قد أنكر ذلك، وأعلن بأنه قتل وأسر وفعل كذا وكذا، وتناقلت وسائل الإعلام عنه ذلك. غير أنه ومع عرض صور الأسرى على شاشات التلفاز وحجم الدمار الذي لحق معداته العسكرية، أعلن بأنه أصدر الأوامر لقواته المنتصرة بالتراجع بعد أن حققوا النصر. والعجيب أنه يقول ذلك أمام جيشه وقواته المسلحة وقادته العسكريين، الذين كانوا يسخرون منه في أنفسهم لأنهم يعرفون الحقيقة. فعلى الرغم من أنه يعلم جيداً أن هؤلاء الواقفين أمامه يدركون جيداً بأنه يكذب، ولكنه يتحدث إليهم بكل وقاحة.

والآن فان الوضع بهذه الصورة أيضاً، حيث سيعلن قائد القادسية بأن قواته فعلت كذا وكذا. إذ ذكر مؤخراً بأن قواته قتلت في العمليات الأخيرة أربعة آلاف من القوات الإيرانية وأسرت الكثيرين. هذا أيضاً يجب أن تدان عليه أميركا، لأنها عملت على خداع هؤلاء والتغرير بهم.

ولو وفق الله تعالى المسلمين وتمكنوا من استيعاب حقيقة القضايا التي تواجه المنطقة، واستطاعوا تخليص المنطقة والعالم من إسرائيل، فإن عملهم هذا سيوجّه ضد أميركا أيضاً.

لقد أعلنت الدول المحيطة بنا، التي جنّدت كل قواها وإمكاناتها لدعم العراق ومساندته؛ أعلنت مؤخراً بأنها ستفرض حظراً اقتصادياً وسياسياً على إيران إذا ما فكّرت بدخول العراق .. لقد فعلت هذه الدول كل ما في وسعها لدعم صدام. وقد قيل إن السعودية قدمت للعراق‏ ثلاثين مليار دولار حتى الآن، وفتحت أراضيها لتمرير السلاح والمعدات إلى العراق والمرسلة إليه من كل صوب. كما أن ذلك البائس الجالس في الطرف الآخر من العالم، العاجز عن المحافظة على كيانه، يعلن بأننا نساعد إسرائيل. وكذلك النميري 1 الذي يدعي أننا ندعم اسرائيل. إن كل هؤلاء عبارة عن دمى بأيدي أميركا تحرّكهم كيفما تشاء.

ضرورة التصدي للغطرسة الأميركية
على العالم أن يقضي على أميركا، وإلا فإن هذه المصائب ستبقى تواجه العالم طالما كانت أميركا في الوجود. فإن لم تكن هنا فهي موجودة في مكان آخر. وان الكثير من الحروب والنزاعات التي تشهدها مناطق عديدة في العالم، هي من تدبير أميركا. إنها تهدد العالم، وهي غير صادقة مطلقاً في مزاعمها بمنع انتشار أسلحة الدمار الشامل وحصرها في مناطق محدودة.

واليوم حيث نعيش الذكرى السنوية للاستيلاء على وكر التجسس، أبارك لشعبنا هذه الخطوة التي أقدم عليها أصدقاء الإسلام ومجاهدوه، وهي خطوة مؤثرة للغاية وقد استأصلت جذور هذا الوكر. فلو كان هذا الوكر باقياً لربما انتهت إيران إلى الضياع، والآن أيضاً يحاولون تزويد العراق بكل ما لديهم من معلومات عن إيران. وان الكثير من الدول الخليجية قدم للعراق كل ما لديه غير أنهم لم يستطيعوا أن يفعلوا شيئاً. وقد أعلنوا مؤخراً: بأننا لن نسكت إذا ما دخلت إيران العراق وسنلجأ إلى محاصرتها سياسياً واقتصادياً وعسكرياً .. لقد فعلتم كل ما في وسعكم لحد الآن وليس بمقدوركم أن تفعلوا شيئاً آخر ..

إنكم تفضحون أنفسكم أمام العالم وانتم تعلمون أنه إذا ما انتصر صدام لا سمح الله فانه سيضرم النار في بلدانكم جميعاً. هذه هي التركيبة النفسية لصدام. إن القتل والإجرام متأصلان فيه. فلو سنحت له الفرصة في امتلاك القوة لا سمح الله فسوف يقضي على الحجاز، ويدمر سورية، ويقضي على الكويت والدول الخليجية كلها. إن طبيعته ونفسيته هما هكذا، مثلما هي طبيعة إسرائيل، إذ أنها معجونة بالإجرام وتعشق القتل.

نسأل الله تعالى أن يخلصنا من شرّ الشيطان الأكبر والشياطين الكبار والصغار إن شاء الله، وان يوقظ المسلمين والدول الإسلامية من غفلتهم، وان يحفظ الشعب الإيراني، الذي يمثل القدوة لكل الدول والشعوب، من البلايا، وان ينعم بالصبر على المهجرين والمشردين، وان يعين الحكومة ويوفقها في إعادة إعمار منازلهم ومدنهم أفضل من السابق، وتقديم خدماتها لهذا الشعب المحروم.
والسلام عليكم ورحمة الله‏


*صحيفة الإمام، ج‏17، ص: 73


1-رئيس جمهورية السودان الأسبق، جعفر النميري الذي كان قد أعلن استعداده لتقديم الدعم العسكري لصدام.

2011-06-12