الموضوع: رسالة وزارة الخارجية ومسؤولياتها ودورها
خطاب
الحاضرون: وزير الخارجية (علي أكبر ولايتي) وجمع من معاونيه والسفراء والقائمين بأعمال السفارات الإيرانية في الخارج
عدد الزوار: 72
التاريخ 4 دي 1361هـ. ش/ 9 ربيع الأول 1403 هـ. ق
المكان: طهران، جماران
الحاضرون: وزير الخارجية (علي أكبر ولايتي) وجمع من معاونيه والسفراء والقائمين بأعمال السفارات الإيرانية في الخارج
بسم الله الرحمن الرحيم
الدور الحساس لوزارة الخارجية
في البدء أود أن أشكر السادة الذين قدموا إلى هنا لنلتقي عن قرب ونتحدث عن همومنا في السابق. فكما تعلمون أن وزارة الخارجية هي الوزارة الوحيدة التي على اتصال دائم بالخارج ومطالبة على الدوام بالبرهنة على توجهها الإسلامي من خلال ممارساتها الإسلامية، إضافة إلى أنها أكثر تأثيراً من بقية الوزارات. وفي الوقت نفسه فان الاضرار التي لحقت ببلدنا من قبل الممثليات الأجنبية بطهران والسفارات الإيرانية في الخارج، ربما لم تصدر من جهات أخرى. وكل ذلك لأن وزارة الخارجية على اتصال بالعالم وتتعاطى مع أفكار وتوجهات وانتماءات مختلفة، وبطبيعة الحال يعتبر عملها عملًا صعباً وحساساً، ويجب أن يكون بالمستوى المطلوب. وأنا أعلم بأن هذه المشاكل التي أوجدوها لنا، سواء في وزارة الخارجية أو غيرها من الوزارات، تحتاج إلى وقت كي يتم تلافيها. ولكن لما تقرر اصلاح الوضع القائم فهذا يعني أن الحكومة وكافة المسؤولين عاقدون العزم على استعادة استقلالنا والمحافظة على مصداقيتنا. فان مجرد وجود مثل هذا الاحساس، والسير في هذا الطريق فسيتم اصلاح كل شيء إن شاء الله.
فإذا ما شعرت الأجهزة الحكومية بضرورة أن تكون علاقاتنا مع دول العالم بنحو يصون كرامتنا واستقلالنا، بحيث لا نحتاج لعلاقات غير متكافئة، فان مثل هذا الاحساس بحد ذاته هو أمر مهم للغاية. ولكن علينا أن نتصرف بحيطة وحذر شديدين. فإذا ما خطونا في هذا الصراط المستقيم، الذي هو طريق الإسلام، فسوف تستمر الهداية إلى النهاية. انكم وجميع الذين يؤدون الصلاة يسألون الله تعالى عدة مرات في اليوم قائلين" إهدنا الصراط المستقيم"، فإذا ما حصلت هذه الهداية فانها ستستمر إلى آخر العمر. فالاصل هو أن يخطو الانسان الخطوة الأولى في الطريق الذي ينبغي أن يسير فيه، سواء السير المعنوي أو المادي الذي هو معنوي بنحو ما. أي إذا ما تحققت الدولة الإسلامية فان كل شيء سيتصف بالمعنويات، فلن يكون ائمة الجماعة مثلًا متصفين بالمعنويات فيما عمل الحكومة غير ذلك. فإذا تقرر أن نصلح أحوالنا ونسعى لأن تكون دولتنا دولة إسلامية، دولة إلهية بجميع مرافقها واركانها، فهذا يعني أن كل شيء فيها يتسم بالمعنويات ولكن بأساليب مختلفة.
وهذا العمل الذي تؤدونه في وزارة الخارجية وعمل السفراء خارج البلاد، إذا كان على الصراط الإسلامي المستقيم، فسيكون سيراً إلى الله. وان (السير إلى الله) لن يتحقق بمجرد أن يجلس المرء جانباً ويتمنى. كلا، (السير إلى الله) هو ما جسدته سيرة الانبياء سيما نبي الإسلام ومن ارتبطوا معه في حربه وسلمه، وفي إقامتهم للحكومة وفي كل شيء. فكان سلوكهم كلّه (سيراً إلى الله). فلم يكن الأمر بنحو بحيث إذا كان الإمام أمير المؤمنين منشغلًا بالقتال، فإن عمله هذا لا يعتبر سيراً إلى الله، وانما السير إلى الله عندما يكون منشغلًا بالصلاة. كلا، ليس الأمر بهذا النحو، بل إن كليهما (سير إلى الله). ولهذا قال الرسول الأكرم :" ضربة علي يوم الخندق أفضل من عبادة الثقلين" 1 لأنها كانت سيراً إلى الله.
الثبات على طريق الهدف
فإذا تقرر أن نقاتل المنحرفين لا أن نحمل السلاح فقط فان مزج المعنويات بالماديات أو العكس أمر طبيعي وان الإنسان سينجح في النهاية، وان كانت المهمة صعبة ولكن لا يعني انها مستحيلة. فإذا ما عزم الإنسان وتوكل سوف ينجح. لاحظوا قضية انتصار الشعب على النظام السابق المنحط. ففي البداية لم يكن يتصور المرء أن باستطاعة هذا الشعب الأعزل مواجهة نظام يمتلك كل شيء وتدعمه جميع الدول.
إن تصور مثل هذا الأمر كان أمراً صعباً أصلًا لكل من يخوض الصراع. ولذلك كان المقتنعون بمثل هذا التصور يؤكدون دائماً على التريث وعدم الإقدام. ولكنكم رأيتم أن الشعب عندما قرر التحرك والنزول إلى الساحة، استطاع أن يحقق ما أراد حيث حقق النصر للثورة. وكان إنجازه عملًا عظيماً ليس بوسعنا أن ندرك عظمته جيداً الآن وان نعي ابعاده.
لقد بعث لي أحد الكتّاب 2، ممن لديه مؤلفات كثيرة، برسالة عن طريق أحد السادة يقول فيها: حتى أنتم لم تدركوا حقيقة ما فعلتم. وكان محقاً في ذلك. لأن ما حدث في إيران لم يكن متصوراً مطلقاً، ولم يكن بالإمكان التنبؤ بالأحداث.
ففي كل خطوة خطوناها نحن، وخطوتموها أنتم، كان الله تعالى يوضح لنا الخطوة التالية .. بل إن كل الخطوات كانت بهذا النحو، وكأن سراجاً وضعه الله تبارك وتعالى يبدد الظلام من أمامنا. فلم يسمح سبحانه أن يدب الوهن إلى هذا الشعب في كل خطوة خطاها، حيث مورست بحقه أنواع الجرائم وقدم الضحايا، ولكنه لم يتراجع. وهذا يعني أنه قد وجد طريقه. فحين يتم العثور على الصراط المستقيم يصبح سلوكه سهلًا .. إن المنحرفين هم الذين يحرفون الطريق في البداية، حيث يجره أحدهم إلى هذا الاتجاه وآخر إلى ذلك الاتجاه: وهم المغضوب عليهم والضالون" 3. فهؤلاء يجرونه من هنا وأولئك يجرونه من هناك. فعندما يكون الأمر على هذه الشاكلة، فالذي انحرف مسيره وسقط في التهلكة سوف يسير في الانحراف حتى النهاية .. فلا بد من العثور على الطريق. وقد وجدت إيران ولله الحمد طريقها الآن، وآمل أن تحث الخطى في هذا الطريق بخطوات واثقة تزداد رسوخاً يوماً بعد آخر.
منهج عمل سفارات الجمهورية الإسلامية
واليوم حيث اضحت السفارات تحت اشرافكم ولا يوجد من يحاول الضغط عليكم وانما الخيار لكم تفعلون ما تؤمنون به، نأمل أن تعمل السفارات على طريق الإنسانية المستقيم. وان صراط الإنسانية المستقيم لا يعني أن نقيم الصلاة، وان كان ذلك واجباً، وانما ينبغي ان تحافظ السفارات على استقلاليتها وان تعمل في إطار سياسة الحكومة، وان تسير في طريقها المستقيم لا أن تساق إلى هذا الطرف أو ذاك مثلما كانت عليه الحال في السابق. لقد كانت معاناتنا تكمن في أن التبعية كانت مترسخة بنحو يصعب إزالتها. ولكن شعبنا نجح والحمد لله حتى الآن في المحافظة على استقلاليته، ومن الضروري أن يتواصل هذا النهج أيضاً. وهذا يعني أن علينا أن نتأكد من سلامة استقلالية كل خطوة نخطوها وهل ستقودنا إلى التبعية ام إلى مزيد من الحرية وتعزيز كرامتنا؟
لذا ينبغي للسفارات أن تكون حذرة تماماً في تعاملها ونهجها وأن تتأكد من كل خطوة تخطوها. فإذا ما اقتنعنا بضرورة أن نؤدي أعمالنا بأنفسنا، وان البلد بلدنا ويجب علينا أن ندير زراعته بأنفسنا، وان نتولى إدارة جيشه بأيدينا، وتشغيل مصانعه بخبراتنا. إذا ما قوي مثل هذا الشعور لدى الإنسان فسوف يصرّ على ترجمته عملياً. إن العثور على الطريق صعب ولكن إذا ما تم العثور عليه فإن السير فيه سهل. فإذا تاه أحدهم في الصحراء فانه سوف يتخبط في سيره، وربما يبقى عشر سنوات على هذه الحالة ولا يتمكن من الوصول إلى مقصده. ولكن إذا ما وضع قدمه على الطريق المعبّد فسوف يصل في النهاية، لذا سيكون سيره سهلًا.
السعي لتحقيق الاكتفاء الذاتي والتحرر من التبعية
ونحن الآن قد عثرنا على الطريق والحمد لله، ويعتبر ذلك من أعظم النجاحات التي حققناها، وان سلوك هذا الطريق بات سهلًا غير أنه بحاجة إلى عزيمة وهمة كبيرتين. لذا على الجميع أن يشمروا عن ساعد الجد وان يضعوا يداً بيد، الشعب مع الحكومة والجميع معاً، وان يبذلوا قصارى جهدهم لتحقيق استقلالهم والعمل على تحقيق اكتفائنا الذاتي. فمن الآن فصاعداً يجب قطع استيراد الحنطة وغيرها من المواد الغذائية على سبيل المثال والملابس، والعمل معاً على توفير احتياجات البلد سواء ما نحتاجه في الحرب أو المجالات الأخرى. فإذا ما ساد مثل هذا الشعور فان جانباً من اكتفائنا الذاتي سيتحقق على المدى القريب والجانب الآخر على المدى البعيد. حيث بوسعنا على سبيل الفرض تغيير نوعية الملابس فلا تكون بالنحو الذي يريده أولئك، أو نوعية الأكل، فمثل هذا سهل يمكن تغييره بسرعة. وطبعاً فإن الأمر معقد بعض الشيء بالنسبة لمعدات الحرب ولكن يمكن تحقيقه بمرور الوقت. ومع ذلك فان العاملين في هذا المجال استطاعوا أن يحققوا نجاحات باهرة. وقد أخبرني يوم أمس وزير الدفاع عما تم إنجازه في هذا المجال ومن الذي قام به فسعدت كثيراً.
آمل أن توفقوا جميعاً للعمل من أجل شعبكم ومن أجل الله تعالى. فالعمل من أجل بلدكم الإسلامي والسعي لإنقاذه من هيمنة الأجانب، قضية إسلامية وأخلاقية ومعنوية قد وجدت طريقها في أوساط شعبنا، وآمل أن تنمو وتزدهر هذه المعنويات ونمضي بها إلى النهاية حيث لقاء الله تعالى. إن شاء الله.
والسلام عليكم ورحمة الله
*صحيفة الإمام، ج17، ص: 143
1-بحار الأنوار، ج 39، ص 1.
2-السيد محمد حسنين هيكل، الصحافي المصري المعروف.
3-إشارة إلى سورة الفاتحة، الآية 7.