يتم التحميل...

الموضوع: مؤامرة اقصاء علماء الدين من المجتمع، مشكلات العالم الإسلامي‏

خطاب

الحاضرون: رؤساء السلطات الثلاث وجمع من كبار المسؤولين مدنيين وعسكريين وحشد من الشخصيات السياسية والدينية والثقافية السيد علي خامنئي (رئيس الجمهورية) أكبر هاشمي رفسنجاني (رئيس مجلس الشورى) عبد الكريم الموسوي الأردبيلي (رئيس الديوان الأعلى للبلاد) رباني أملشي (المدعي العام للبلاد) مير حسين الموسوي (رئيس الوزراء)...

عدد الزوار: 50

التاريخ 12 دي 1361 هـ ش/ 17 ربيع الأول 1403 هـ ق‏
المكان: طهران، جماران‏
المناسبة: ذكرى مولد الرسول الأكرم (صلى الله عليه واله وسلم والإمام جعفر الصادق عليه السلام
الحاضرون: رؤساء السلطات الثلاث وجمع من كبار المسؤولين مدنيين وعسكريين وحشد من الشخصيات السياسية والدينية والثقافية السيد علي خامنئي (رئيس الجمهورية) أكبر هاشمي رفسنجاني (رئيس مجلس الشورى) عبد الكريم الموسوي الأردبيلي (رئيس الديوان الأعلى للبلاد) رباني أملشي (المدعي العام للبلاد) مير حسين الموسوي (رئيس الوزراء) قاسم علي ظهير نجاد (رئيس الأركان المشتركة للجيش) أعضاء مجلس الصيانة ممثلو مجلس الشورى الإسلامي اعضاء مجلس الوزراء قادة القوى الثلاث كبار قادة الشرطة والضباط قائد الجندرمة وضباطها المشاركون في المؤتمر العالمي لائمة الجمعة والجماعة قادة حرس الثورة المدير التنفيذي وأعضاء مجلس إدارة الاذاعة والتلفزيون رابطة علماء الدين المجاهدين في طهران رابطة مدرسي الحوزة العلمية في قم أعضاء لجنة الثورة الثقافية رؤساء الجامعات مسؤولو لجان الثورة الإسلامية في طهران الشخصيات والمسؤولون السياسيون أعضاء اللجنة المركزية لائمة الجمعة والجماعة المراسلون الداخليون والأجانب (مجموع الحاضرين 600 شخص)

بسم الله الرحمن الرحيم‏

مولد الرسول مبدأ حركة الإنسان صوب المعنويات‏
في البدء اود أن اهنئكم بهذا العيد الإسلامي الكبير السعيد، حيث انطلقت في هذا اليوم حركة الإنسانية صوب العالم الآخر، وشكّل مبدأ التحرك المعنوي في بيئة كانت تعج بالشرك والجاهلية. كما أهنئ الأمة الإسلامية جمعاء بذكرى المولد السعيد للرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم ولإبنه العظيم، مبدأ الفيوضات وحامل رسالة الرسول الأكرم، الإمام الصادق سلام الله عليه وارحب بالضيوف الأعزاء، ائمة الجمعة وربما الجماعة أيضاً الذين قدموا من مختلف البلدان، وكافة الاخوة، ارحب بهم في بلدهم الثاني .. اننا لا نشعر بأية فاصلة بينا وبين بقية المسلمين، ونأمل أن يشعر المسلمون بأن كل البلاد هي بلاد الإسلام وبلاد المسلمين.

الاهتمام بمعاناة المسلمين وأسباب انحطاطهم‏
التهنئة الكبرى تكون عندما يتنبه المسلمون إلى همومهم ومعاناتهم ويتعرفوا على أسبابها ودوافعها، والسبيل للتخلص منها. وعلى ائمة الجمعة الذين قدموا في هذا الإسبوع إلى هذا البلد الثوري الذي عانى من الظلم، وآمل أن تتكرر مثل هذه الاجتماعات، عليهم أن يتدارسوا أسباب انحطاط أفكار المسلمين والأسباب التي ساعدت المستعمرين في فرض سيطرتهم على المسلمين والهيمنة على مقدرات الدول الإسلامية والمستضعفين في العالم .. ليتناولوا هذه الموضوعات في ملتقياتهم وندواتهم المهمة ويحاولوا التوصل إلى حلول للتخلص من ذلك. ولا يخفى أن الكثير من السادة يعلمون جيداً كيف دخل الاستكبار العالمي إلى هذه البلدان، وكيف أن بعض أفراد هذه الشعوب ساعد على ذلك، بمخططات الحكومات المتخلفة ذاتها والمهملة لمصالح المسلمين، واولئك المتآمرين مع هذه الحكومات من كتّاب وخطباء واحياناً ائمة جمعة وجماعة. إذ ركز أمثال هؤلاء، ومن خلال الدعاية المستوحاة فيما يبدو من القوى الأجنبية، جهودهم على تشويه صورة الإسلام واقصائه عن مسرح الأحداث، حيث أدركوا جيداً أنه القوة الوحيدة التي باستطاعتها أن تتصدى للأجانب وتحول دون تحقيق أهداف القوى الأجنبية. لقد درسوا ذلك بدقة وأدرك مفكرو الغرب جيداً أن السبيل لتحقيق أهدافهم اما في القضاء على الإسلام في هذه البلدان، أو افراغه من محتواه. ويعلم الجميع أن ليس بوسعهم القضاء على الإسلام، لذا كرسوا جهودهم لإفراغه من محتواه وقد استطاعوا أن يحققوا نجاحاً في هذا المجال ويطمعوا في المزيد أيضاً. وما لم يفق المسلمون ويتنبهوا إلى ذلك، فسوف يستمر هذا المخطط ويتواصل يوماً بعد آخر.

المخطط الاستعماري في الفصل بين الدين والسياسة
ومن الأمور المهمة التي يدركها السادة جيداً، والتي يسعى لها هؤلاء لفرض هيمنتهم على العالم الإسلامي، قضية اقصاء الروحانية وعزلها عن المجتمع. وقد حاولوا ذلك كثيراً عبر مخططات مختلفة منها الفصل بين الدين والسياسة. ومما يؤسف له أن هذا المخطط كان مؤثراً إلى حد كبير وناجحاً. حتى أن معظم معاناة المسلمين بل كلها كانت وليدة ذلك.

اليوم أيضاً تحاول الأبواق الاستعمارية العميلة والمستعمرون أن يطبّلوا لذلك وإبعاد الإسلام عن السياسة وعدم السماح للمسلمين بالتدخل في السياسة. وان رجال الدين المرتبطين بالحكومات ووعاظ السلاطين لا يكفون عن ترديد مثل هذا الكلام خاصة في عصرنا الحاضر أيضاً. وان ائمة الجمعة والجماعة وجميع الخطباء في البلاد الإسلامية، مطالبون بتوعية المسلمين بحقيقة ما يترتب على مثل هذه الدعوة ومنطق هذه الطائفة التي تدعو المسلمين للابتعاد عن السياسة وتنبذ وتكفّر من يفعل ذلك بل وتلعنه، فبناء على مثل هذه الدعوة والمنطق، يجب التشكيك في نهج رسول الله وسيرته.

تشكيل الحكومة، البعد السياسي للدين الاسلامي‏
إن رسول الله هو الذي أرسى قاعدة السياسة في الدين، حيث قام صلى الله عليه وآله وسلم بتشكيل حكومة، قام بتشكيل مراكز سياسية. وهكذا فعل بقية خلفاء المسلمين إلى ما قبل أن تجر الخلافة إلى الانحراف في صدر الإسلام. ففي ضوء المنطق الذي يؤمن به أمثال هؤلاء وعاظ البلاط وخدمة السلاطين، يجب التشكيك في إسلام النبي الأكرم وخلفاء المسلمين، واعتبارهم غير مسلمين لأنهم كانوا يتدخلون في السياسة. لكننا نجد أن السياسة التي كانت في صدر الإسلام، كانت سياسة عالمية، إذ مدّ نبي الإسلام يده إلى مختلف أطراف العالم يدعوهم إلى الإسلام .. لقد دعا إلى السياسة الإسلامية وقام بتشكيل حكومة. كما أن الخلفاء من بعده قاموا بتشكيل حكومة أيضاً. وطالما كان الوضع بعيداً عن الانحراف من عهد رسول الله، كانت السياسة مقرونة بالديانة وتوأماً لها. وعلى هؤلاء المعممين وعاظ البلاط وهؤلاء الحكام الأميركيين أو الروسيين، إما تخطئة النبي الأكرم وخلفائه، أو تخطئة أنفسهم وحكوماتهم. فالأمر لا يخرج عن هذين الاحتمالين.

فليس بوسع المنطق الحاكم في مكة تخطئة سياستنا والحؤول دون إطلاق المسلمين لشعاراتهم المناهضة للطغاة والظالمين، فيما يحاول ائمة الجمعة والجماعة المرتبطون بالبلاط إن كان هناك ائمة بينهم في مكان آخر الاختيار بين هذا وذاك. إما أن يقروا بأن كلًا من رسول الله وخلفائه من بعده، وأولئك الذين كانوا يتصدون للشؤون الإسلامية من الصحابة والتابعين في صدر الإسلام؛ لم يكونوا مسلمين، أو الاعتراف بأنهم وحكوماتهم في بلدانهم ليسوا بمسلمين. فليس بالإمكان الجمع بين هذين الأمرين. الجميع يقف في مفترق طريقين وأن معاناة المسلمين تكمن هنا أيضاً، تكمن في هذا المنطق الذي روّج له أمثال هؤلاء والقائل بأنه ينبغي لعلماء الدين أن يتواجدوا في المساجد والمدارس الدينية ويتحدثوا عن بعض مسائل الإسلام وليس كلها.

ولكن الأمر يختلف تماماً، إذ أن الإسلام دين السياسة، وهو مقرون بالسياسة في جميع أبعاده وإبعاد حياة الإنسان الاجتماعية والاقتصادية والثقافية .. وعليه فإما ينبغي للإسلام الانزواء، أو تخطئة أولئك الذين حكموا في صدر الإسلام جميعاً.

محاربة الإسلام عن طريق افراغ أحكامه من فحواها
لابد من توعية المسلمين بأن هذه الأبواق الاستعمارية تحاول إبعادهم عن الإسلام وتسعى للقضاء عليه وإفراغه من محتواه بما في ذلك صلاة الجمعة وإمامتها. ففي صدر الإسلام كانت القضايا السياسية يتم تداولها في المسجد عن طريق إمام الجمعة. وكانت خطط الحرب توضع في المسجد أيضاً. ومما يؤسف له أننا وصلنا إلى وضع اصبحت فيه خطب الجمعة تقتصر على‏ بعض الكلمات في الموعظة والتحذير من عدم التدخل في الشؤون الأخرى. فإما أن لا تقام صلاة الجمعة، وإذا ما أقيمت فانها تكون فارغة من فحواها. وكذلك الحج، فإنهم إما لم يسمحوا به، وإذا ما سمحوا به كان حجاً عديم المحتوى. غير أن الحج اجتماع عام للمسلمين ينبغي لهم أن يستغلوه للعثور على حلول لهمومهم ومعاناتهم طوال العام، حيث ينبغي أن يجلس علماؤهم ومفكروهم وعقلاؤهم إلى بعضهم البعض ويتدارسوا القضايا الإسلامية والهموم التي يعاني منها المسلمون في كل بلد بسبب حكوماتهم أو القوى الكبرى، والبحث عن حلول لها. غير أنهم جعلوا من الحج مناسك صورية عديمة الفحوى.

واليوم حيث تحاول طائفة من المسلمين، من إيران وغيرها، استغلال هذا الاجتماع العام لطرح القضايا الإسلامية وتداول هموم المسلمين ومعاناتهم وبحث القضايا الاجتماعية والسياسية والثقافية التي تعنيهم، والمتاعب التي اوجدتها القوى الكبرى لهم والمعاناة التي خلقتها الحكومات لهم؛ فإننا نجدهم يعارضونها بكل ما اوتوا من قوة. لقد أظهروا الحج في صورة هزيلة، واقنعوا الناس بأن الأمر لا يتعدى هذه المناسك الصورية. حتى أن بعض وعاظ السلاطين يحاول تكفير إيران واعتبار الإيرانيين غير مسلمين لأنهم يعارضون أميركا. لأنه في تصوره ليس هناك ذنب يخرج الإنسان من الإسلام أكبر من التطاول على أمريكا وإسرائيل .. هذه هي معاناتكم ايها المسلمون.

واجب ائمة الجمعة في تبيان قضايا الإسلام والمسلمين‏
إن ائمة الجمعة هم الذين يجب عليهم توعية المسلمين بهذه القضايا، وان لا يخشوا من أن حكوماتهم ستلحق الأذى بهم إذا ما طرحوا مثل هذه القضايا في الاجتماع العام للمسلمين. إن الحكومات لن تتمكن من فعل ذلك إذا ما اجتمع ائمة الجمعة على أمر واحد. فإذا ما عاد ائمة الجمعة المجتمعون اليوم هنا إلى بلدانهم، وحاولوا التحدث اعتباراً من الجمعة الأولى عن معاناة المسلمين وهمومهم والسبيل للتخلص منها، إذا ما أوضحوا كل ذلك للناس، فكونوا على ثقة بأن الحكومات لا تستطيع أن تلحق الأذى بكم ..

حدثوا الناس عن قضايا إيران، عن قضايا إيران السياسية والاجتماعية، وكيف استطاعت ان تصمد في وجه الطاغوت، وأي طاغوت؟ طاغوت أكبر من جميع هؤلاء الطواغيت الصغار، وتعمل على طرده من البلاد وإقامة النظام الإسلامي محله. فكما استطاع الشعب الإيراني أن يفعل ذلك وشكّل علماء الدين والكتّاب والخطباء انطلاقته في ذلك، فان بوسع السادة أيضاً أن يتحدثوا عن التجربة الإيرانية اينما ذهبوا ويحاولوا توعية الشعوب وإيقاظها، كي تدرك حقيقة المعاناة وتسعى إلى وضع حد لها. فلم يعد الأمر يكفي بأن يتحدث السادة في اجتماع أو اثنين، أو كتابة موضوع أو اثنين. إنه أمر جيد ولكنه لا يكفي لا بد من نشر الوعي الإسلامي. فليتحدثوا في بلدانهم عن قضايا إيران‏ وكيف أن الجميع أخذ يهاب الإسلام اليوم بعد أن رأوا محاولات إيران تطبيق الإسلام على أراضيها. وكيف أن الأبواق الإعلامية المغرضة والمأجورة، تسعى إلى تشويه صورة إيران، حتى أن بعض الخطباء يعتبرونها بعيدة عن الإسلام ويصفونها بأنها بلد الكبت والقتل وانها تعمل على قتل الأطفال وقتل النساء الحوامل .. كل ذلك لأنهم يخافون من إيران الإسلام ويريدون أن يسحقوها ويشوهوا صورتها بين المسلمين.

وعليه فلا بد لأئمة الجمعة الذين قدموا إلى إيران وشاهدوا عن كثب أوضاعها من العمل، وآمل أن تتمكنوا من زيارة المحافظات الأخرى لا سيما محافظة خوزستان وتروا عن قرب كل هذه الجرائم التي ارتكبتها أميركا في خوزستان والجرائم التي ارتكبها أذناب أميركا في المناطق التي يقطنها العرب الإيرانيون، وتتعرفوا على نمط تفكير وعاظ السلاطين وكيف يفكر حكّام الجور أولئك .. القول وحده لا يكفي. لا بد من العمل. يجب أن ينزل المسلمون إلى الساحة. يجب على علماء المسلمين النزول إلى الساحة، كما فعل علماء الدين في إيران وحققوا النصر. على المسلمين الضغط على علمائهم للنزول إلى الساحة. ويجب أن يتم ذلك عبر وسائل الإعلام. لا بد من النزول إلى ساحة الصراع وقطع دابر عملاء القوى الكبرى والبرهنة على قوة الإسلام وقدراته.

إنني لا أريد أن اتطرق إلى جميع هموم المسلمين وأسبابها، فليس بوسعي ذلك، ولا يسمح به وقتكم ولا صحتي. ولكن عليكم أنتم الذين تجتمعون اليوم وتتدارسون قضايا المسلمين، الالتفات إلى قضية الهموم والمعاناة التي أوجدت لنا بسبب القوى العظمى، والسبل التي استغلوها للنفوذ في البلدان الإسلامية. وفي إطار التعرف على الآلام والهموم، لا بد من التفكير بسبل العلاج أيضاً. وآمل أن توفقوا إلى ذلك. فعندما تعملون من أجل الله وطلباً لمرضاته، كونوا على ثقة بأن الله تعالى سيسدد خطاكم ويعينكم ويرعاكم، وقد تحقق ذلك في إيران. حيث استطاعت عدة قليلة لا تملك سلاحاً أو تنظيماً، ان تتصدى لقوة كبيرة كانت تشكل امتداداً لحكم جائر حكم هذه البلاد على مدى 2500 عام. واليوم أيضاً فان هذا الشعب يتصدى بكل بسالة لعدوان تقف وراءه القوى الكبرى وتقدم له مختلف انواع الدعم والمساندة.

إن هذا الشعب يقف اليوم في مواجهة كل القوى سواء الغربية أو الشرقية، ولن يخشى الموت أو يهابه. وقد تحول ابناؤه بفضل الله ورعايته إلى أناس ربانيين يعشقون لقاء الله تبارك وتعالى والشهادة، وهم يحثون الخطى على طريق تحقيق أهدافهم ويواصلون تقدمهم بكل فخر. وان الشعوب الأخرى مطالبة بالحذو حذو الشعب الإيراني. وليتم إقناع الحكومات فإذا ما اقتنعت بالعمل بالتوجهات الإسلامية فهذا هو المطلوب، وإلا فلا بد من التصدي لها ولا تهابوا أحداً في هذا الطريق.

القوى الكبرى مصدر معاناة المسلمين‏
إن كل آلام المسلمين ومعاناتهم مصدرها القوى الكبرى التي تسعى إلى تحقيق أهدافها عن طريق عملائها في المنطقة. وما لم يتخلص المسلمون من هؤلاء العملاء لن تنتهي آلامهم. فبأي حق تأتي أميركا من الطرف الآخر من العالم لتتدخل في شؤون الدول الإسلامية وتفرض هيمنتها عليها؟ أليس عاراً على المسلمين أن تتحكم بمقدراتهم دولة يعتبر زعماؤها أعداء الله اللدودين وأعداء الإسلام والبشرية، حيث تأتي من الطرف الآخر من الدنيا لتفرض هيمنتها على بلدانهم التي يقطنها مليار مسلم؟ ألا يقول لها أحد: من أنت حتى تتدخلي في لبنان؟ من أنت حتى تتدخلي في مصر؟ لقد قطعنا دابرها واخرجناها من بلدنا .. تقول أميركا أن لديها مصالح في المنطقة!! فلماذا يجب أن يكون لها مصالح في منطقتنا؟ لماذا يجب أن تكون مصالح المسلمين مصالح أميركا دون أن يسأل أحد عن ذلك قائلًا لها: مَنْ أنت حتى تقرري مصير هذه المنطقة؟ كما نرى ان المحافل الدولية التي وجدت على يد هذه القوى الفاسدة، تلتزم الصمت. إن أياً من هذه الأوساط الدولية لا يعترض على التدخل الأميركي في شؤون الدول الأخرى، هذا التدخل الذي ترفضه وتدينه كل القوانين والمعايير الدولية ..

بل إن أميركا تتمادى في تدخلها بكل وقاحة وان الحكومات الرجعية الخبيثة تشجعها على ذلك. والأنكى من هذا، المطامع التوسعية للكيان الصهيوني، ومحاولة الأبواق الاستعمارية اتهام إيران بشراء الأسلحة من اسرائيل والتعاون معها، متجاهلة بأن معارضة إسرائيل والتصدي لها شكلت محور أحاديثنا وتوجهاتنا منذ أكثر من عشرين عاماً، وقد احتلت القضية الفلسطينية طليعة قضايانا واولوياتنا. إنهم يتهمون إيران بشراء السلاح من إسرائيل، في حين أن العراق الذي يساند إسرائيل وتقدم إسرائيل إليه مختلف أنواع الدعم، ليس إسرائيلياً؟ ترى هل يعادي صدام إسرائيل حقاً؟

ماذا ينبغي أن نفعل مع كل هذه المصائب التي يقف أمامها المسلمون بآذان وعيون مفتوحة وقلوب عمي؟ ما الذي يجب أن نفعله يا ائمة الجمعة في البلاد الإسلامية؟ لماذا اضحت حالنا بهذه الصورة فتأتي أميركا من آخر الدنيا لتتحكم بمقدرات حكوماتنا ومقدرات علماء الإسلام ولو عن طريق الآخرين؟ بل تصرح بكل وقاحة بأن لها مصالح في المنطقة، وتتدخل في شؤون بلدانها بشكل سافر، والمسلمون لا يحركون ساكناً!!.
يا ائمة الجمعة في البلدان الإسلامية، انكم مطالبون بتوعية الناس واطلاعهم على حقيقة ما يجري. وهذا يصدق على الغرب والشرق على حد سواء. فلماذا يتدخل الاتحاد السوفيتي عسكرياً في البلاد الإسلامية؟

كما أن أميركا تتدخل عسكرياً في البلدان التي هي تحت هيمنتها وتحاول السيطرة عليها. لماذا لا يتساءل العالم عن كل هذا؟ ألا يحق للمليار مسلم أن يتساءل عن ذلك؟ إن هذا المليار من المسلمين لو صرخ نصفه واعترض واستنكر، فسوف تتراجع أميركا .. إن أميركا تسعى إلى تنفيذ أهدافها عبر الحكومات العميلة والكتّاب الخبثاء والخطباء الفاسدين، فيما يقف المسلمون متفرجين. إن الكتّاب والخطباء ووعاظ السلاطين يقدمون العون للقوى الكبرى في تحقيق أهدافها فيما يجلس المسلمون يتفرجون ..

أليس من واجب المسلمين الاعتراض على كل ذلك؟ هل المسلمون وحدهم؟ ألا ينبغي أن نتعظ من تاريخ رسول الله حيث كان رجلًا واحداً واستطاع أن ينجز كل هذه الأعمال العظيمة؟ ألا ينبغي لنا أن نتعظ من التاريخ، حيث نهض موسى وفعل ما فعل مع فرعون؟. يجب أن نتعظ. فيوم واجه رسول الله الأعداء كان وحيداً، حتى عشيرته كانت تعاديه. غير أن الاتكال على الله تعالى والفناء في الله، هما اللذان مكّناه من تحقيق أهدافه. فليس بوسع الإنسان أن يكون أنانياً وعبداً لله في وقت واحد. لا يمكن أن ينظر الإنسان إلى مصالحه ومصالح الإسلام في وقت واحد. فلا بد من الاختيار إما أن يكون ربانياً أو شيطانياً. إنهما طريقان، وعليكم أن توعوا الناس للتخلص من هذه الأهواء النفسانية.

الأهواء النفسانية مصدر فساد الحكومات‏
على الحكومات التي تحكم بصورة غير قانونية في البلدان الاسلامية، أن تتخلص من الأهواء النفسانية وتلتفت إلى عزة الإسلام والقيم الإسلامية. فالإسلام واضح في أحكامه .. إن" حب الدنيا رأس كل خطيئة" 1. كل الخطايا هي نتيجة لحب الإنسان لنفسه. فلو كان المسلمون في صدر الإسلام مثلما عليه المسلمون اليوم، لكانوا انتهوا وقُضي عليهم في مكانهم. ولكنهم سعوا بكل وجودهم من أجل الإسلام. ليس من أجل أن يكون لهم بلد، فما جدوى البلد للإسلام؟ وانما من أجل بناء الإنسان. سعوا إلى محاربة الظالمين وإنقاذ المظلومين. انطلقوا لتحقيق وعد الله تعالى:﴿ وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ  2. وقد نجحوا في ذلك إلى حد كبير، ولكنهم لم يحققوا كل ما كانوا يريدونه، فقد كانوا يريدون اشاعة الإنسانية في كل العالم.

لذا على ائمة الجمعة السعي إلى دعوة الناس للتقوى، لإقناعهم بالتحلي بالتقوى وترك الدنيا والزهد في آمالها. وإذا ما نجحوا في ذلك فانهم سينجحون في تعبئة المسلمين ضد مطامع الذين يحاولون فرض هيمنتهم على مصالحهم وثرواتهم.

الدعوة إلى التقوى والقيم الإنسانية

إنكم غرباء في هذا البلد وان كان بلدكم. إنكم لا تعلمون ما الذي كان يجري في إيران وكيف أن النظام البائد فعل كل ما في وسعه لحرف المجتمع وضياعه. لقد كان عدد الحانات أكثر بكثير من عدد المكتبات. وكان كل شي‏ء مسخراً لانحراف هذا الشعب وضياعه، حيث كانت مراكز الفسق والفجور تعمل معاً جنباً إلى جنب مع الصحف والمجلات ودور السينما والمسارح، في إيجاد بلد شيطاني طاغوتي. غير أن الإسلام تلطف على هذا الشعب المظلوم ورحمه واوجد فيه كل هذا التحول. فالشخص الذي اعتاد على ارتياد مراكز الفحشاء تحول إلى إنسان مجاهد. الشخص الشهواني تحول إلى إنسان يعشق الموت وان عشق الموت قد أوجد حلًا لمعاناة المسلمين كلها. فلو لم يكن هؤلاء الشباب، هؤلاء المقاتلون الذين يعشقون الموت ومن مختلف طبقات الشعب وفئاته، من الجيش والحرس والتعبئة والعشائر وغيرهم؛ ولو لم يكن هذا التحول، لكنا رازحين في غياهب السجون الشاهنشاهية حتى الآن.

إعملوا على توعية الناس وإيجاد مثل هذا التحول فيهم. إن العلاج يكمن في توعية الناس ومساعدتهم على التحول. ادعوهم للتقوى وللقيم الإنسانية. فالقيم الإنسانية بالنسبة للطواغيت لا تتعدى عدداً من الكلاب والسيارات والأراضي والضيعات والخدم والحشم، لأنهم داسوا على جميع القيم الإنسانية. حاولوا توعية الناس في هذه الملتقيات والندوات والاجتماعات. حاولوا توعية أبناء بلدانكم بمختلف القضايا لا سيما السياسية. ففي إيران اليوم نرى الأكثرية من أهل العلم يتدخلون في القضايا السياسية والاجتماعية.

واما القلة المتبقية فهي من مخلفات النظام البائد ولم يعد بوسعها أن تفعل شيئاً. واني ادعو لكم جميعاً، سأقوم بواجبي بالدعاء لكم، واسأل الله تعالى نصرة المسلمين ونصرة المستضعفين على المستكبرين في مختلف انحاء العالم. واسأله تعالى أن يوفقكم أنتم ائمة الجمعة والجماعة في هذا الأمر الإسلامي المهم، وان يعزز مواقعكم في الخندق الإسلامي الذي تتواجدون فيه، ويسدد خطاكم في خدمة الإسلام.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته‏

*صحيفة الإمام، ج‏17، ص: 165


1-أصول الكافي، ج 2، ص 315.
2- القصص،: 5.

2011-06-12