الموضوع: بيان وتوضيح وظائف ومسؤوليات محاكم الثورة
خطاب
الحاضرون: موسوي تبريزي (مدعي عام البلاد)، محمدي جيلاني (رئيس محاكم الثورة والادعاء العام)، جمع من حكّام الشرع والقضاة في محكمة الثورة بطهران
عدد الزوار: 58
التاريخ 18 بهمن 1361هـ. ش/ 23 ربيع الثاني 1403هـ ق
المكان: طهران، جماران
المناسبة: عشرة فجر الثورة الاسلامية
الحاضرون: موسوي تبريزي (مدعي عام البلاد)، محمدي جيلاني (رئيس محاكم الثورة والادعاء العام)، جمع من حكّام الشرع والقضاة في محكمة الثورة بطهران
بسم الله الرحمن الرحيم
السعي لكسب رضا الله تعالى
لا شك أني على اطلاع بأن مشكلات محاكم الثورة والمحاكم العامة كثيرة جداً. وأعلم مدى المعاناة والمتاعب التي يواجهها المسؤولون عنها .. فمجرد مواجهة رواد المحاكم والاحتكاك بالمذنبين يشكل بحد ذاته مشكلة. كما أن زخم العمل وقلة الكادر يشكلان مشكلة أخرى، فالحوزة العلمية لا تتمكن من تخريج أعداد كبيرة من القضاة، علماً أني قد أوصيت بذلك كثيراً .. فأنا أعلم أن ثمة شحة في هذا المجال، وان أحد أسباب ذلك يكمن في أن الحوزات في السابق لم تكن تفكر بهذا الأمر، لأن جل اهتمامها كان ينصب على الأحكام الشائعة في أوساطهم والتي هي موضع ابتلاء الناس. فلم تكن قضية المحاكم مطروحة كي يتم التفكير بها. غير أن الحوزات العلمية أخذت تهتم في الفترة الأخيرة بتربية القضاة واعدادهم وقد أوصيت بذلك كثيراً ولازلت أوصي به، وهي مشكلة قائمة لا يمكن إنكارها. ولكن يجب أن لا نتوقع حل كل هذه القضايا بسهولة .. ولا يخفى أنكم تعملون من أجل الله ولا تتوقعون أن يثني عليكم أحد. فالبشر ليس بالشيء الذي يذكر. فمن الممكن أن يذكر الانسان شيئاً الآن ربما يعارضه آخرون. غير أن الأمر المهم هو أن نحسن تعاملنا مع الله لا مع الناس، وينبغي أن لا نتوقع ثناء من أحد. فالذي يعمل لوجه الله لا يتوقع ثناء من أحد.
التصدي الحازم للأشرار وأعداء الثورة
إنني أكن احتراماً خاصاً لهذه الشريحة التي يستوجب عملها التعامل مع هؤلاء الأشرار والمعادين للثورة، وأدرك تماماً معاناتهم. وعلى الرغم من أني كنت قد استثنيت في البيان الذي أصدرته، أعداء الثورة، غير أني أرى أحياناً أسئلة تثار عن أمثال هؤلاء .. لقد قلت منذ البداية ان حساب هؤلاء الأعداء في هذه القضايا يختلف عن الآخرين. ففي الوقت الحاضر لن يشملهم العفو ما لم يتم تشخيص دقيق لأحوالهم والتأكد من توبتهم حقاً. فنحن لا نستطيع أن نتعامل معهم بنحو يؤدي غداً الى زرع الفوضى وخلق المشاكل لايران والاسلام .. الاسلام لا يسمح لنا بذلك.
ولكن بالنسبة للآخرين ممن ارتكبوا جرائم عادية، فلابد من مراجعة ملفاتهم والتعرف على طبيعة جرائمهم وتحديد كيفية التعامل معهم .. وفيما يخص الأموال، فاذا لم تتم متابعتها فسوف تضيع. وكما قال السيد محمدي 1 لابد من الحفاظ على هذه الأموال ويعد ذلك واجباً، واذا كانت ثمة مخاطر تهدد هذه الأموال وتعرضها للضياع، فليتم بيعها والاحتفاظ بأثمانها كما قال السيد موسوي 2. وسيتم التعامل معها بهذه الصورة إن شاء الله.
السجن مكان للاصلاح والتربية
أما بالنسبة لمحكمة الثورة والأعمال المرتبطة بها، فلم أقل بضرورة التساهل والتسامح، بل لابد من التصدي للمجرمين بكل حزم، والعمل على ارشادهم وتوجيههم ان كانوا أهلًا لذلك، وإذا كانوا يستحقون العقوبة فلتجر الحدود الشرعية بحقهم، فالسجن مكان للاصلاح والتربية. لابدّ من العمل على تربية المذنبين في السجون، ويجب أن يكون السجن مكاناً للتربية والاصلاح. لابدّ من توجيه السجناء وإرشادهم، وليتحدث السادة إليهم ويعملوا على توعيتهم، فمن الممكن أن يكون بعضهم قد خدع وتم تضليله، بل ربما تكون الأغلبية منهم مخدوعة. ومثل هؤلاء المخدوعين يتم إصلاحهم بالتدريج، وإذا ما تم الاطمئنان إلى توبتهم يطلق سراحهم ليعيشوا حياتهم. وفيما عدا ذلك، فإن الذي يسرق أو يرتكب ذنباً فإن لكل حالة من هذه الحالات حدوداً شرعية يتم تنفيذها. وإذا كانت ثمة حالات لم يعين الحد الشرعي لها، فلابدّ من دراستها، وإذا كان المذنب يستحق التعزيز فليعزر ويطلق سراحه. إذ أن الاحتفاظ بالمذنبين في السجون لا يرضي الله تعالى كما أنه ربما تترتب عليه ارتكاب مخالفة. فالذي يستحق الجلد فليجر عليه الحد الشرعي ويطلق سراحه. ويجب أن تتم متابعة قضاياهم على وجه السرعة. ولابدّ لي من التذكير هنا بأنه وفيما عدا محاكم الثورة المكلفة بالنظر في جرائم العناصر المناوئة، فإن المحاكم الأخرى والعدلية مطالبة بالإسراع في النظر في قضايا المواطنين. وقد أوصيت الحوزة العلمية وأوصيها الآن أيضاً، بتقديم الدعم اللازم لكم، إذ أن ايران اليوم بحاجة إلى مساعدة الجميع ودعمهم.
السلوك الانساني الاسلامي مع السجناء
كونوا على ثقة بأنكم لن تستطيعوا أن تجدوا مثل ايران في أية نقطة من العالم، حيث تم تهدئة الأوضاع واستقرارها في وقت قياسي. وما هو موجود الآن إنما هو ممارسات عدة من الأشرار. ألا يوجد مثل هؤلاء الأشرار في أميركا؟ ألم تشهد أميركا كل هذه الجرائم التي لم نشهد نظيراً لها لا في ايران ولا في أي مكان آخر؟ وان هؤلاء الذين لجؤوا إلى ممارسة مثل هذه الأعمال إنما أقدموا على ذلك لأن فئة من المؤمنين نزلت إلى الساحة وتسلمت زمام الأمور. لقد أخذت فئة من المتدينين ومن أهل العلم والشرائح الأخرى على عاتقها مهمة تسيير الأمور، وإن الجميع يتطلع لخدمة هذا البلد.
إنني رأيت أن من المناسب التطرق إلى هذه الموضوعات ولفت نظر السادة إليها، ولا شك أنهم منهمكون بمتابعتها. وأعيد وأكرر ضرورة أن تكون معاملة السجناء معاملة إنسانية إسلامية. ولابدّ من النظر في ملفاتهم على وجه السرعة وإطلاق سراح من يستحق ذلك، والابقاء على الأشرار والمجرمين الذين إذا ما أطلق سراحهم سيعاودن ارتكاب الجرائم إلى ما شاء الله.
تقدير وشكر خدمة الاسلام والمسلمين
على أية حال، لابدّ لي من شكر هؤلاء السادة. ربما هناك فئة غير ملتفتة لذلك، ولكن على الجميع أن يشكر هؤلاء السادة الذين تخلوا عن أعمالهم السابقة والتحقوا للعمل في جهاز القضاء. فهؤلاء السادة كانت لديهم أعمال أخرى وكانوا منشغلين بأبحاثهم ودروسهم التي أنسوا بها وأحبوا أجواءها. وقد تخلوا عن كل ذلك وتفرغوا لخدمة الاسلام والمسلمين دون أن يتوقعوا شيئاً. فلابدّ لنا من شكرهم وتقدير جهودهم، وإن الله تبارك وتعالى سيعطيهم أجرهم أيضاً، لأن كل شيء من عنده سبحانه. فهو الذي سيجزي على الأعمال. الانسان ليس بالشيء الذي يذكر، مهما حاول أن يبارك لكم ويهنئكم. وما هو مهم أن تكون أعمالنا مقبولة عند الله تعالى وتليق بالانسان. وأني آمل أن تتحسن الأمور أكثر فأكثر مثلما سارت عليه حتى الآن. وأن تحل قضايا الحرب سريعاً بإذن الله تعالى. فإذا ما تركوا ايران لحالها فسوف يتم إصلاح كل شيء مثلما هو جارٍ الآن.
خديعة المنافقين وسذاجة البعض
لقد كان الجميع يرى عدم إمكانية تحقيق النصر وكان يحذر من مواصلة المسيرة لأنها ستريق المزيد من الدماء. وقد كتب لي البعض من قم قائلًا:" يكفي أيها السيد، إن الشاه باقٍ".ان أمثال هؤلاء لا يدركون أبعاد القضية وهم معذورون لأن نواياهم كانت حسنة. غير أن المنافقين استطاعوا أن يخدعوا البعض. فبغض النظر عن تضليلهم لكل هؤلاء الشباب، فقد استطاعوا أن يخدعوا بعض علمائنا أيضاً. لقد خدعوا البعض من شيوخنا كي يكتبوا لي ويوصوني بهم. فقد جاءني أحدهم مع توصيات حمّلها إياه هؤلاء الشيوخ. وقد استمعت إليه فرأيت من كلامه بأنه رجل معوج، وقد أدركت ذلك من شدة تطرفه في اسلاميته.
على أية حال، لابدّ لنا من السير قُدماً بهذه المسيرة حتى النهاية، ويجب أن لا نيأس. وعليكم أنتم أيضاً أن لا تشغلوا أنفسكم بمباركة الأجانب لعملكم. فهؤلاء سيبقون يعادونا ولن يكفوا عن عدائهم لنا. كما أنه يجب علينا أن لا نعبأ بمثل هذا العداء. إن هؤلاء يمتلكون كل شيء غير أننا لدينا الله تعالى وهو كل شيء. وفي الحقيقة فإن أولئك يفتقرون إلى كل شيء .. إن الله تبارك وتعالى تلطف علينا وأكرمنا، وإننا ولله الحمد لم نر حتى الآن ما تراه الثورات الأخرى. لم نر أن يلقى مليون شخص في البحر. فنحن لم نقدم هذا العدد من الضحايا. وكل ذلك لأن الشعب متواجد في الساحة، ولأن الاسلام هو هدفنا الذي حقق للشعب المعجزات. إنني أرى أحياناً مصداق هذا الحديث في أمثال محمد رضا شاه:" لا يزال يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر" 3. فعندما أوصل هذا الشخص الأمور إلى هذا الحد انفجرت الثورة دفعة واحدة. إذ أن خياناته وجرائمه ساعدت إلى حد كبير في بلورة ردة فعل الناس. وذلك من أوضح المصاديق، فهذا الرجل الفاجر (محمد رضا بهلوي) عمل من خلال تصرفاته وظلمه واستبداده، على بلورة وعي أبناء الشعب ازاء خطورة أعماله وممارساته، وضرورة النهوض للتصدي له، فحدث الانفجار، وقد انتصرتم ولله الحمد في فترة قصيرة وبأقل الخسائر، وان ما حققتموه ذو قيمة كبيرة في العالم، حيث جئتم بالاسلام، جئتم بالاسلام الى ايران. فليقل أعداؤنا ما يشاؤون.
ويذكر البعض من هؤلاء ان فلاناً لم يعد بمقدوره أن يفعل شيئاً، وان المحيطين به هم الذين يسيرون الأمور. ولكني لم أتعرف بعد على هؤلاء الذين من حولي الذين يتحدث عنهم البعض، ويعلم كل من يعرفني مدى تأثري بمن حولي. ولو كنت أتأثر بالآخرين لكان الأجدر أن أستمع إلى نصائحهم منذ البداية وأتخلى عن النضال لكثرة ما كانوا يرددونه على مسامعي. وحينما كنت في باريس كان البعض يقول لي بانك ستُقْتَل وستحدث اضطرابات وفوضى ولن تستطيع أن تحقق شيئاً. وقد رأينا ما حدث، وهو في النهاية واجب كان مفروضاً علينا لابدّ من الاضطلاع به، وقد استطعنا أن نحقق النصر. والآن أيضاً استطعنا أن نحقق الكثير، وإذا ما عجزنا عن تحقيق المزيد فإننا قد عملنا بالواجب والتكليف.
والآن أيضاً يقع على عاتقكم واجب ومسؤولية. فمن واجبنا جميعاً الحفاظ على هذه الجمهورية والذود عن الاسلام وصونه. لقد قضيتم على النظام السابق وأقمت نظام الجمهورية الاسلامية، وما كان ذلك منكم إلّا أداء للواجب. أما هؤلاء فلا يفكرون بغير الاعتراض والتقول على لسان الناس بأنهم يرغبون بالقيام بكذا وكذا. وقد أشكلوا على الامام أميرالمؤمنين بأن يدع فلاناً (معاوية بن أبي سفيان)، فيما ردّ عليهم سلام الله عليه ليس بوسعي أن أدع شخصاً يعمل خلافاً للإسلام.
أسأل الله تعالى أن يمن علينا جميعاً بالصبر على المشاكل وأن يوفقنا لحلها عن قريب. وإن لم أر ذلك فسوف تنعمون أنتم بالاستقرار والرخاء والمزيد من التوفيق. أيدكم الله تعالى جميعاً.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
* صحيفة الإمام، ج17، ص: 225
1-السيد محمد محمدي جيلاني، رئيس محاكم الثورة الاسلامية.
2-السيد حسين موسوي تبريزي، المدعي العام للبلاد.
3-كنزالعمال، ج 1، ص 45، ح 115.