الموضوع: مؤامرة السفور (خلع الحجاب) في عهد رضا شاه
خطاب
الحاضرون: جمع من النساء العاملات في (مؤسسة 12 فروردين) بقم وطهران
عدد الزوار: 42
التاريخ 22 اسفند 1361 هـ ش/ 27 جمادى الاولى 1403 هـ ق
المكان: طهران، حسينية جماران
الحاضرون: جمع من النساء العاملات في (مؤسسة 12 فروردين) بقم وطهران
بسم الله الرحمن الرحيم
حرف الشباب باسم الحضارة
لابدّ لي من شكر النساء المحترمات وسيدات قم المعظمات والحضور الكريم الذين قدموا إلى هنا، والإعراب عن تقديري لهم.
ربما أكون قد عاصرت أكثر من الآخرين المشكلات التي شهدها هذا البلد طوال حكم الأب والابن 1، وربما لا يوجد هنا من عاصر هذه القضايا أكثر مني بحكم السن. ان الغالبية منكن أيتها النساء لا تتذكر، وربما القليل منكن يتذكرن ذلك العصر المؤسف. فيومها وتحت شعار تفعيل نصف المجتمع، أقدم ذلك الشقي المجرم (رضا شاه بهلوي) على جريمة السفور، وبدلًا من تفعيل نصف المجتمع عطل النصف الآخر أيضاً الذي كان يشكله الرجال، حيث شلّهم عن نشاطهم إلى حد كبير. إذ ان هذه الدمى التي أوجدوها ووضعوها في جميع الادارات وأنزلوها إلى الشوارع، عملت على تعطيل الرجال عن أعمالهم. وأولئك اللواتي أنزلوهن إلى الشوارع جررن الشباب إلى الفساد وعطلنهم عن أي نشاط. وحسب زعمهم كانوا يهدفون من وراء ذلك إدخال حضارة الشرق إلى ايران، غير أنهم بتلك الأوضاع التي أوجدوها قضوا على الحضارة الاسلامية الكبرى أيضاً.
ولكن النساء والسيدات في مدينة قم المقدسة أظهرن من الصمود والثبات بما وجه صفعة لأفواه أولئك. وفي طهران وبقية المدن الايرانية فإن الغالبية من النساء كانت تعارض ذلك أيضاً وأحبطت مخططاتهم. على أن هذا العدد من الدمى الذي كانوا قد أعدوه لجرّ ايران إلى الفساد كان كافياً لحرف شبابنا سواء الفتيات والفتيان. ولكن الله تبارك وتعالى منّ علينا وعلى شعبنا وأنقذ النساء من المخططات التي كانت تستهدفهن. فلاحظوا ما قدمن هؤلاء النساء اللواتي نزلن إلى المجتمع طوال فترة حكم هذين الفاسدين، لهذا البلد؟ قارنوا بين ما نحن عليه اليوم ويومئذ.
النشاط القيم للنساء في مختلف المجالات
لقد أصبحت ايران اليوم بمثابة مدرسة. فأينما ينظر الانسان وفي أية نقطة من ايران، يرى السيدات منهمكات بالنشاط الاسلامي والديني وحتى النشاط السياسي، مع الحفاظ على عفتهن وكرامتهن. أما أولئك اللواتي تركن طول تلك الفترة بين أوساط الرجال، لم يحققن غير الفساد. بيد أن النساء اليوم استطعن وخلال فترة قصيرة أن يقمن بنشاط باهر، وأن أحد نماذج ذلك تلاحظونه في قم، وهناك نماذج مشابهة في مدن أخرى. وبطبيعة الحال ينبغي لي أن أشكر أهالي قم وسيدات قم المعظمات. ففي مثل هذه الظروف التي نعاني من القوى العظمى والقوى الفاسدة وتتعرض ايران لهجومهم من كل صوب، نراكن أيتها السيدات منهمكات خلف الجبهات بنشاط وفاعلية مثلما يقاتل جنودنا الأبطال في جبهات القتال بكل بسالة.
فمن جهة تعملن على بناء أنفسكن وتربية أبنائكن. ومن جهة أخرى تواصلن الخدمة على طريق دعم أولئك المتواجدين في الجبهات، وهو أمر يستحق الشكر والتقدير وقيّم للغاية، كما أنه ذو قيمة كبيرة عند الله تبارك وتعالى. ومن الطبيعي ان أي عمل ينشغل به الانسان لا سيما الأعمال الاسلامية والانسانية، ثمة فئة تعارضه إما لأنها تشعر بالحسد أو المنافسة أو الانحراف. طبعاً ينبغي أن لا تتوقعوا أنتم المنشغلين بالعمل في هذه المؤسسة والمسؤولون عن ادارتها وتقديم الخدمات فيها، بأن تتفق معكم جميع النساء. فهناك من لا يستطيع أن يرى هذه القضايا الاسلامية. وان البعض ينظر إلى القضايا الاسلامية وينعتها بالرجعية لأنها تتعارض مع حضارة الشرق والغرب. لأن أمثال هؤلاء يرون التقدم باتباع الغرب والتغرب أو اتباع الشرق والتشرق.
واليوم حيث رفضت ايران كلا المعسكرين، الشرقي والغربي، وتريد أن تحيا بصورة انسانية وأن يبدأ الانسان عمله بعزة وشرف، فإنها تواجه الكثير من العراقيل والعقبات. غير ان هؤلاء الذين يضعون العراقيل، إذا كانوا مسلمين فإن وضع العقبات وإعاقة الخدمة التي تقوم بها هذه النسوة وهذه السيدات، والتي هي خدمة قيمة عند الله تعالى؛ تعد من المعاصي الكبيرة. وإذا كانوا لا يعبؤون بالاسلام وينشدون التحلل الخلقي والفساد، فإن عصر الفساد قد انتهى. فلن نسمح لكم بأن تعيدوا نساء ايران إلى الأعمال التي كنتم تمارسونها في السابق. وهنا لابدّ لي من تقديم الشكر لكم جميعاً. وطبعاً أنتن ولله الحمد منهمكات بالنشاطات الدينية وتتمتعن بوعي سياسي أيضاً. فالنساء الايرانيات يمتلكن اليوم رؤية دينية وكذلك رؤية سياسية، وقد تم التخلص مما كان يحول دون ممارستكن للنشاط الديني والسياسي. وآمل أن زول المتبقي من العقبات حتى تتمكن كل واحدة منكن من تربية عدة أخرى، وأن تصبح ايران ان شاء الله كتلة حية صامدة ومقاومة أمام الشرق والغرب، وأمام كل الذين يحاولون إعاقة تقدمها.
عدم انحياز الدول ازاء القوى الكبرى
كما أود أن أتحدث قليلًا عن بعض القضايا الراهنة. ومن هذه القضايا مؤتمر قمة ما يسمى بدول عدم الانحياز. ان الزعماء الذين أقدموا على تأسيس منظمة عدم الانحياز كانوا أشخاصاً مؤمنين بالاسلام وببلدانهم، وغير منحازين للقوى الكبرى. غير أن المنظمة باتت اليوم تضم في عضويتها خليطاً من الشخصيات. وإن الكثير من هذه الشخصيات غير منحازة حقاً، ولكن وجود بعض المنحازين داخل هذه المنظمة ينفي عنها سمة عدم الانحياز. فإذا تقرر أن يكون أمثال حسين الأردني 2 وحسن 3 وحسني مبارك 4 ضمن دول عدم الانحياز، فيجب أن نشكك في عدم انحياز هذه المنظمة. ولعل من أولويات مؤتمر عدم الانحياز في الوقت الحاضر هو التمييز أولًا بين الانحياز وعدم الانحياز. إذ يجب عدم السماح للمنحازين بالانضمام إلى صفوف المنظمة، أمثال التابعين للشرق والغرب وأذنابهم. وهؤلاء المنحازون كثيرون. فإذا وجدوا لهم موطئ قدم داخل المنظمة فسوف يعملون على انحرافها وحرف الآخرين.
ضرورة التمييز بين الدول المنحازة وغير المنحازة
يجب التخلص أولًا من الدول المنحازة وعدم السماح لها بالوقوف في صف الدول غير المنحازة التي تسعى لأن تكون دولًا مستقلة. إذ أن الدول المنحازة تحاول أن تتخلص من التوجهات غير المنحازة داخل المنظمة. فلابدّ للدول غير المنحازة أن تعمل على عزل وإقصاء الذين نفذوا إلى داخل المنظمة تحت مسميات عدم الانحياز، ويسعون إلى خدمة أميركا وهم الغالبية أو خدمة الاتحاد السوفيتي وهؤلاء كثيرون أيضاً. فإذا تواجد أمثال هؤلاء بين صفوفكم لن يدعوكم غير منحازين. فهم لا يسمحون بالعمل من أجل الدول الضعيفة وإنهاء تبعيتها. إن هؤلاء في شعاراتهم يقفون في الطليعة. انظروا إلى هذا المؤتمر الذي أنهى أعماله مؤخراً، فإن أحد الذين دافع عنه كان أميركا. فالأميركان يريدون أن يخضعوا العالم لهيمنتهم. فإذا كانت تخشى المؤتمر وتتوقع أنه سيعارض سياساتها، لما كانت امتدحته، ولما أثنت على أعضائه.
ولكن أميركا امتدحت المؤتمر لأنها تعقد آمالًا على هؤلاء الذين نفذوا إلى المنظمة وحضروا المؤتمر أمثال حسين الأردني وحسني وصدام وغيرهم. لقد انضموا إلى المنظمة تحت شعار عدم الانحياز غير أن هؤلاء المنحازين يتطلعون لأن يجعلوا الآخرين مثلهم.
فإذا كنتم تتطلعون إلى أن تكون المنظمة غير منحازة حقاً وتضم مجموعة من الزعماء المخلصين الذين يحرصون على ترجمة عدم انحيازهم عملياً، فإن من اولى المهام التي ينبغي القيام بها هي تطهير المنظمة. فإذا كان هناك شخص فاسد بينكم فإنه لن يسمح لكم بالعمل. فلابدّ لكم أولًا من طرد أشخاص أمثال صدام وحسين وحسني وحسن من بين صفوفكم كي يتسنى لكم تشكيل مؤتمر سليم ونزيه وحركة غير منحازة حقاً. وإلّا فإنه في كل مرة تجتمعون، لا توجد غير قضية واحدة تذكر في البيان الختامي فقط ولن تجد طريقها إلى الواقع رغم كل هذه الهموم والمعاناة. وكل ذلك لأن أمثال هؤلاء نفذوا بين صفوفكم ولا يدعوكم تفعلون شيئاً.
عدم انحياز ايران إلى القوى
لابدّ من التفكير جدياً بتطهير المنظمة من العناصر الداخلية مثلما فعلت ايران حيث حافظت على استقلالها وصمد نساؤها ورجالها أمام أميركا والاتحاد السوفيتي وكل معتد. إن هؤلاء الدخلاء على المنظمة يفتقدون إلى الالتزام حقاً سواء الالتزام الثقافي أو السياسي أو العسكري. وإنهم كثيراً ما يرددون بأننا ليس لدينا حياد عسكري وإنما لدينا التزام ثقافي. غير أن الالتزام الثقافي أسوأ من الانحياز العسكري لأنه تبعية وليس التزاماً. وإن هؤلاء الذين يتحدثون عن الانحياز وعدم الانحياز هم تابعون أصلًا وعبيد لأسيادهم. لذا لابدّ لكم من عدم الانحياز في مختلف المجالات سواء في الصناعة والثقافة وكافة المجالات التي يحتاجها بلدكم. فإذا تحقق ذلك فستصبحون مصداقاً لعدم الانحياز وتتمكنون من صيانة استقلاليتكم. أما إذا نفذ أمثال هؤلاء بين صفوفكم فلن يدعوكم تبقون غير منحازين، بل يجعلونكم أسوأ المنحازين، لأن الحياد ذو وجهين فهذا يلتزم الحياد تجاه ذلك، وذلك يلتزم الحياد تجاه هذا. ولكن هؤلاء يتطلعون لأن يكون الجميع تابعين مثلهم، إذ يقدمون ثروات بلدانهم رغم كل الفقراء الموجودين فيها، إلى القوى العظمى.
إنني آمل أن يفكر غير المنحازين الحقيقيين بهذا الأمر وأن يتخلصوا من هؤلاء الحثالة الفاسدين، كي يتسنى لكم أن تفعلوا شيئاً من أجل بلدانكم ومن أجل الشعوب الضعيفة.
أسأل الله تعالى أن يمن عليكم جميعاً بالصحة والسلامة وأن يوفقنا وإياكم للعمل على طريق خدمة المستضعفين والمحرومين وعلى طريق محو الأمية وترسيخ التعليم والتربية. حفظكم الله تعالى جميعاً بمشيئته. والسلام عليكم ورحمة الله.
* صحيفة الإمام، ج17، ص: 293
1-رضا شاه وابنه محمد رضا بهلوي.
2-حسين بن طلال ملك الاردن.
3-الحسن الثاني ملك المغرب.
4-الرئيس المصري حسني مبارك.