الموضوع: ارساء دعائم العدالة الحقيقية في عصر المهدي الموعود (عج)
نداء
المخاطب: الشعب الإيراني
عدد الزوار: 88
التاريخ: 7 تير 1359 هـ. ش/ 15 شعبان 1400 هـ. ق
المكان: طهران، جماران
المناسبة: ذكرى المولد المبارك للامام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف
المخاطب: الشعب الإيراني
بسم الله الرحمن الرحيم
اقدم التهاني لكافة المسلمين وكل الشعب الإيراني بمناسبة عيد الخامس عشر من شعبان المبارك. شهر شعبان شهر عظيم فقد ولد في الثالث منه أبو الاحرار والمجاهدين وفي الخامس عشر منه ولد المهدي الموعود - اروحنا له الفداء -
المهدي الموعود عجل الله تعالى فرجه الشريف, المنقذ الحقيقي للإنسانية
قضية غيبة صاحب العصر، قضية مهمة نفهم من خلالها العديد من المسائل ومنها: ان الله لم يدخر إنساناً ينهض بهذا العمل الجبار في بسط العدل بمعناه الحقيقي في كل المعمورة الا المهدي الموعود - سلام الله عليه-. فكل الانبياء جاؤوا لتطبيق العدل وكانت مهمتهم نشر العدل في ربوع العالم برمته، ولكن لم يكتب لهم النجاح. وحتى خاتم الرسل - صلّى الله عليه وآله وسلم - الذي جاء لاصلاح البشرية وتطبيق العدالة، لم ينجح في تحقيق هذا الهدف في عصره. وان من يكتب له النجاح في تحقيق هذا الهدف ونشر العدالة في كافة انحاء العالم، وليست العدالة التي يفهمها عامة الناس والمتمثلة فقط في بسط العدل على الأرض لتحقيق الرفاهية للناس، بل العدالة في كافة المراحل والدرجات الإنسانية. الإنسان إذا ما انحرف عن جادة الصواب سواء انحراف عملي، أو انحراف روحي، أو انحراف عقلي، فمعالجة هذه الانحرافات بالمعنى الحقيقي هي ايجاد العدل لدى الإنسان. فعندما يعود الإنسان المنحرف خلقياً إلى جادة الاعتدال فان ذلك يعني تحقيق العدالة في داخله، واذا ما طرأ أي انحراف أو سقم على عقائد الإنسان فان تعديل هذه العقائد المعوجة والسقيمة والعمل على تصحيحها وجعلها على الصراط المستقيم يعد بسطاً للعدل على صعيد عقل الإنسان. ففي عصر ظهور المهدي الموعود - سلام الله عليه - الذي ادخره الله، وبما أنه لم يتيسر لأحد من الأولين والآخرين - سوى الإمام المهدي الموعود - ان يبسط العدل في كل العالم، فإنّ الشيء الذي لم ينجح الانبياء في تطبيقه رغم أن بعثتهم كانت لأجله، فالله تبارك وتعالى قد ادخره ليقيم ما كان يتمناه جميع الانبياء إلا أن العقبات حالت دون تطبيقه، وكذلك ما كان يتمناه الاولياء، ولكن لم يتمكنوا من تحقيقه.
مولد المهدي الموعود عجل الله تعالى فرجه الشريف أكبر عيد للإنسانية
إن فلسفة طول العمر الذي منحَه الله تبارك وتعالى لهذا المعصوم كانت من أجل أن نفهم ان البشرية باتت تفتقر لمن يجدر به ان يقوم بهذا الأمر، فالانبياء لم يكتب لهم النجاح، ولم يكن هناك احد بعد الانبياء وكبار الاولياء وآباء الإمام الموعود، لم يكن احد بعدهم، فلو كان المهدي الموعود ذهب مثل سائر الاولياء إلى جوار ربه، فلم يبق في اوساط البشر احد ليبسط العدل بهذا الشكل. وهذا الإنسان ادُخِرَ للقيام بمثل هذا الأمر، ولهذا السبب يعد عيد مولد صاحب الامر - ارواحنا له الفداء - أكبر عيد للمسلمين، بل أكبر عيد للبشرية وليس للمسلمين فقط.
فإذا كان عيد مولد الرسول - صلّى الله عليه وآله وسلم - أكبر عيد للمسلمين، وانه لم ينجح في تحقيق كل ما يتطلع إليه، وبما ان صاحب الامر - سلام الله عليه - سينجح في تنفيذ ذلك وسيملأ العالم قسطاً وعدلًا وفي شتى مراحل العدالة، في شتى مراحل القسط، فبامكاننا ان نقول ان عيد شعبان وعيد مولد المهدي الموعود - سلام الله عليه - هو أكبر عيد للبشرية جمعاء. فعندما يظهر الإمام - سلام الله عليه -، ونسأل الله تعالى أن يعجل في ظهوره، سينتشل الإنسانية من الانحطاط، وسيعالج كل الانحرافات، ويملأ الأرض عدلًا بعدما ملئت جوراً.
ان هذه العدالة ليست كما نفهمها نحن ولا تقتصر على ايجاد حكومة عادلة خالية من الجور بل تتعدى الى ما هو أكثر من هذا المعنى. معنى يملأ الأرض عدلًا بعدما ملئت جوراً، هو أن الارض ملئت جورا وهي تزداد سوءاً، فجميع النفوس الموجودة تعاني من الانحراف. حتى نفوس الشخصيات المتكاملة تعاني من الانحراف ولو من حيث لا تعلم. فالاخلاق يعتريها الانحراف، والعقائد يعتريها الانحراف والاعمال يعتريها الانحراف. ولا يخفى الانحراف في الأعمال التي يقوم بها الإنسان. أنه مأمورٌ بان يعالج كل معوج وان يعيد كل الانحرافات إلى جادة الاعتدال، ليصدق حقاً (يملأ الأرض عدلًا بعدما ملئت جوراً). ومن هذا المنظار يعتبر هذا العيد عيداً للبشرية جمعاء كما انه يعد عيداً من اعياد المسلمين. هذا العيد هو عيد الانسانية برمتها. حيث انه سيهدي البشرية جمعاء إن شاء الله، ويضع حداً للظلم والجور في كافة المعمورة وفي معناه المطلق. ومن هذا المنطلق يعد هذا العيد عيداً كبيراً. وبمعنى آخر انه اكبر من عيد مولد الرسول الكريم - صلّى الله عليه وآله وسلم - الذي يعد اكبر الاعياد.
ضرورة الاستعداد لظهور المهدي الموعود عجل الله تعالى فرجه الشريف
علينا في مثل هذه الايام، أيام الله، ان ننتبه ونعمل على اعداد أنفسنا لظهور الإمام. انا لا استطيع ان اطلق عليه اسم القائد، فهو اكبر من ذلك. ولا استطيع ان اقول عنه الشخص الأول، لأنه لا ثاني له. فلا يمكننا ان نصفه بأي نعت وصفة سوى ان نقول المهدي الموعود. فهو ذلك الذي ادخره الله للبشرية. وعلينا ان نعد انفسنا بحيث إذا كتب لنا ان نلقاه - ان شاء الله - فلنلقاه بوجه ابيض. وعلى جميع الاجهزة التي تمارس مهامها في البلاد - وآمل ان يتسع ذلك ليشمل سائر البلدان - الاهتمام بهذا المعنى واعداد أنفسهم للقاء الإمام المهدي سلام الله عليه.
مسؤولية وسائل الإعلام
ينبغي لمؤسسة الإذاعة والتلفزيون، كما ذكرت كراراً، ان تتحول إلى مركز تعليمي تربوي .. لابد لها من النهوض بمسؤولية اعداد الشعب من خلال برامج تعليمية وتربوية. علينا ان ننتبه إلى هذا المعنى وهو اننا نعيش في عصر وفي وقت تمكن الشعب الإيراني من تحقيق بعض تطلعاته المتمثلة في العدالة. حيث بسطوا العدالة الاجتماعية بشكل عام وقطعوا ايدي الاشرار. والآن ينبغي لهذه الاجهزة التي كانت في خدمة الظالمين وفي خدمة حكام الجور وإذا كان هناك أشخاص كانوا يعملون لصالح حكام الجور في العهد السابق، فعليهم ان يعوضوا الآن عن المعاصي التي ارتكبوها في ذلك الوقت. إن القناة التي ينبغي أن ترى النور عن قريب تعتبر مركزاً لبسط العدالة، وجهازاً تعليمياً بمعناه الحقيقي، وليعلم الجميع أن شبابنا حيثما كانوا، بقوا يتلقون تعليماً مشوهاً طيلة خمسين عاماً، ليس فقط في الجامعات التي كانت متدهورة للغاية، بل في كل مكان. لأنه عندما يمارس التلفاز والراديو والصحافة والمجلات الافساد، فانها ستنشر الفساد في كافة اوساط الشعب. فحتى الشباب الذين كانوا في البراري عندما كانوا يسمعون هذه الاشياء أو كانوا يقرأون هذه الصحف أحياناً كانوا ينحرفون نحو الفساد، والآن ينبغي التعويض عن ذلك. ينبغي ان يعوضوا عن المعاصي التي ارتكبوها. لا بد لمؤسسة الاذاعة والتلفزيون أو الصحافة التعويض عما جرى وارتكبوه من اعمال في السابق. وان يتحولوا إلى اجهزة تربوية بمعنى الكلمة، وان يسعوا جاهدين أن لا تكون برامجهم فاسدة، بل تخدم البلاد في هذه المرحلة، وتتضمن قضايا تعليمية وتربوية .. كذلك الحال بالنسبة للمقالات التي تكتب في الصحف وتقرأ، ينبغي ان تتحول الى قضايا ذات أهداف تربوية.
ضرورة الحفاظ على الاستقرار في البلاد
من القضايا التي أود الاشارة إليها هنا، هي أننا الآن بحاجة إلى الهدوء والاستقرار. إذا ما كنا نريد ان تنتصر هذه النهضة فعلينا ان نحافظ على الاستقرار في هذا البلد. وعلى كافة الفئات ان تساهم في الحفاظ على الهدوء، ولا ينبغي ان تدخل في صراع مع بعضها البعض، وإنما ان تتآلف قلوبهم. يتعين على التلفزيون أن يمارس دوره في الإرشاد، والإذاعة تمارس دورها في الإرشاد، الصحافة أيضاً ينبغي ان تمارس عملية الإرشاد.
لا ينبغي للصحافة ان تكتب شيئاً يؤدي إلى إثارة المواطنين وانحرافهم. ولا ينبغي للإذاعة ان تعمل ذلك. عليهم ان يمارسوا دورهم في الإرشاد وان يوجّهوا انظار الشعب إلى العدو الذي يتربص بنا الدوائر، فالعدو يتربص وقوع أي ازمة، فيجب سد الطريق امام أي توتر. ينبغي ارشاد الأشخاص المنحرفين وإذا لم يعودوا إلى الرشاد فلابد ان نعمل على عزلهم وتجاهلهم. فكلما حاولتم التعامل معهم بحزم وشدة، تظاهروا بأنهم مظلومين وهذا يعود علينا بالضرر. فيجب ان نعلن عن القضايا الموجودة ونلتزم الهدوء في الوقت الذي نطلع الجماهير على مجريات الأمور وأن يصرح بذلك اصحاب المنابر، وان نحافظ في الوقت نفسه على الهدوء. انا آمل ان يتخلى المنحرفون عن انحرافهم ويعودوا الى الصواب. وان يعود من لم يكن في احضان الشعب إلى احضان الشعب. انا آمل ان يحتفل أبناء الشعب بهذا العيد بمعنى الكلمة وان يعدوا أنفسهم للقاء امام العصر والزمان - سلام الله عليه - ونامل ان شاء الله ان يوفق الجميع وان تدرك كافة الشرائح هذا المعنى وفي طليعتها الإذاعة والتلفزيون.
الحد من الخلافات في المجتمع
على المطبوعات ان تعلم اننا اليوم بأمس الحاجة إلى الحد من الخلافات، علينا ان نحد من الخلافات. علينا أن نحد من الأمور التي تقود إلى تكريس الخلافات وأن نعرف في نفس الوقت عدونا. أن نعرف العدو وأن نعمل على إحباط مؤامراته وأن نسعى إلى الحفاظ على الاستقرار. ينبغي أن نفوت على العدو كل فرصة يستغلها لشن حربه الدعائية ضدنا أو القيام بأي عمل آخر. انا آمل ان يعيش شعبنا في هذا اليوم المبارك، يوم الخامس عشر من شعبان، في منتهى السعادة والسلامة والاستقرار. نسأل الله ان يجعل هذا المولد السعيد مباركاً للجميع. ونسأل الله ان يوفقنا وان يقر أعيننا بلقاء هذا الوجود المبارك، هذه الشخصية التي لا يمكننا حقيقة ان نعتبرها الشخصية الاولى في العالم ولا ان نصفه بالقائد، لأنه أكبر من هذه المسائل. نسأل الله ان يوفقنا جميعاً لخدمته وخدمة الإسلام وخدمة بلادنا.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
روح الله الموسوي
* صحيفة الإمام، ج12، ص:387,384