يتم التحميل...

الموضوع: تعاون طبقات الشعب، ونتائجه المشرقة

خطاب

الحاضرون: أعضاء مؤسسة الإسكان في قم‏

عدد الزوار: 143

التاريخ 26 آبان 1358 هـ. ش/ 26 ذي الحجة 1399 هـ. ق‏
المكان: قم‏
الحاضرون: أعضاء مؤسسة الإسكان في قم‏

‏‏‏بسم الله الرحمن الرحيم

الإشادة بروح التعاون بين جماهير الشعب‏

ما يسرّني أكثر أنني أشاهد ظهور روح التعاون بين أبناء الشعب الذي جمع كلّ الطبقات على إنجاز أعمالها. وفي مقابل ذلك نجد طبقة مشغولة بالتخريب. ومع ذلك فإنّ كثيراً من طبقات الشعب في أماكن أخرى تعمل بالتعاون، وكما سمعت فإنّ وضع التعاون في مدينة قم لعله أفضل من جميع الأماكن. وإنّ رواياتنا تشير إلى أنّ العلوم الدينية تنتشر من مدينة قم، وكذلك النهضة الإسلامية فإنها بدأت تقريباً من مدينة قم، ومنها انتشرت إلى بقية المدن التي ساعدت في انتصار هذه النهضة. وإنني اتمنى أن تبقى قم مثلًا أعلى لبقية المدن. وأشكركم شكراً جزيلًا على ما تحمّلتم من صعوبات، وأفرح كثيراً حينما أرى الأخوات والإخوة يذهبون من المدارس وغيرها من الأماكن إلى الصحاري ومحال السكن للبناء والإعمار.

وهذا أمر يدعو إلى الأمل ان يستمر ذلك إن شاء الله بشكل لائق ومستحسن، والأهم أن يتم كل ذلك وفقاً لما يقتضيه الشرع الإسلامي المقدس، يعني على كل فرد أن يقيد نفسه بأن تكون أعماله وسيرته موافقة لما أمر الله- تعالى- به. وقد يتفق أحياناً أنّ بعض الشبّان من حرّاس الثورة (مثلًا) أو من أعضاء لجان الخدمات يريدون أن يعملوا لوجه الله- تعالى- لكنهم لا يعلمون الطريق الذي يجب أن يسلكوه. فتراهم يفعلون ما لا يرضي الله- تعالى- ويظنون أنهم يفعلون ذلك طلباً لمرضاته- تعالى- فالمهم إذن أن تكون أعمالنا وسيرتنا موافقة لما يريده الشرع المقدس.

قيمة التعاون والمساعدة

إنّ هذا العمل الذي تنجزونه الآن ثمين من ناحيتين:

الأولى: أن أهمية مساعدة الناس وإعانة الإخوة تساوي أهمية العبادة.

الثانية: أن قسماً من العاملين لم يكن هذا عملهم الأصلي، بل إنهم كانوا يعيشون في أماكن مرفهّة لكنهم آثروا تحمّل الصعوبات وتقديم الخدمات وهذا أمر تزيد أهميته وقيمته على العبادة. فمثلًا، جاء قبل مدة بعض الطلبة الإيرانيين الذين كانوا يدرسون في أمريكا وقالوا: (نحن جئنا إلى بلدنا لنشترك في جهاد البناء والإعمار) فقلت لهم: أنتم (طبعاً) طلبة ولم تمارسوا هذه الأعمال الجسدية الصعبة. فلا تستطيعون أن تعملوا كما يعمل الزارعون المتمرّسون. والمهم أنّ مجي‏ء هؤلاء الطلبة من أمريكا وتركهم الحياة المرفهة هناك لأجل المساعدة وتحمل المشاق هنا أمر يمدّ الشعب بالعزم والقدرة.

فيا أيها الطلبة إذا ذهبتم إلى المزارع لمساعدة الزرّاع والفلاحين في الحصاد فمع أنكم لا تستطيعون أن تباروهم فيه، لأنهم يحصدون جريباً في ساعة واحدة، وأنتم لا تستطيعون ذلك. لكن المهم أنّ هؤلاء حينما يعلمون أنكم طلبة جئتم من أمريكا لمساعدتهم، تتضاعف قدرتهم وجهودهم. فإذا رأى الناس عدداً من المهندسين، وعدداً من العلماء، وعدداً من الطلبة، وعدداً من الأطباء، قد تركوا مدنهم، وجاءوا للمساعدة في الأعمال الشعبية، فإنّ ذلك يمدّ الشعب بالعزم ويضاعف قدرته ومعنوياته، وهذا العمل يحمل قيمة اخرى هي: أنّ مساعدة هؤلاء إضافة إلى أنها إنجاز لعمل، تعتبر دعماً قوياً وتشجيعاً لهذه الأعمال، لأنّ الفلاحين وغيرهم، إذا شاهدوا روح التعاون في سبيل المصلحة العامة هي الحاكمة بين أبناء الشعب، يعتقدون أن شعبهم يتمتع بقدرة كبيرة.
إعانة المستضعفين ومساعدتهم‏

إنّ أعمالكم هذه تحمل قيمة معنوية من جميع الجهات وإحدى هذه القيم مساعدة المستضعفين الذين عانوا سنين طويلة من العذاب والظلم. وعندنا في الإسلام، أنّ من ساعد مؤمناً فكأنما ساعد الله- تعالى- وثاني هذه القيم أنكم تذهبون إلى القرى والمدن لإنجاز الأعمال وتبليط الطرق، مع أنّ ذلك ليس من أعمالكم ووظائفكم.

فذهابكم إلى القرى يجعل القرويين يرون ناساً مثقفين جاءوا من المدن لمساعدتهم والاهتمام بأمورهم، وذلك له قيمته الخاصة به، وله قيمة أخرى هي تقوية معنوياتهم ومضاعفة جهودهم. آمل أن يعيد هذا الشعب إن شاء الله بناء وطنه الذي عُرِّض للتخريب سنين طويلة، كما نهض بأجمعه، من قبل لإصلاح أمور وطنه. وإنّ الله- تعالى- هو الذي يدعم ويؤيد اجتماعكم وتعاونكم هذا، و (يد الله مع الجماعة) «1».

ولا شك أنّ الجماعة المتحدين إذا أرادوا إنجاز عمل، فإنهم ينجزونه بسرعة. وهذا من شأنه أن يدعو إلى السرور، إذ إننا لن نيأس من شي‏ء بل نتصدى بكل ثقة لما سيواجهنا ونكمل المسيرة بقوة واقتدار.

الهزيمة والنصر ليسا غايتين في أداء الواجب‏

حينما كنت في باريس كانت تأتيني جماعة ممن يتصفون بحسن النية، ويعتقدون أنهم ناصحون، فكانوا يقولون لي: (إنّ هذا العمل (الثورة) ليس عملًا صحيحاً لأنه لا يصل إلى نتيجة مطلوبة لأننا لا نمتلك القدرة والقوة التي يمتلكها النظام‏).

وقد أراد هؤلاء بظنهم أن يصرفوني عن مواصلة المسيرة، فكنت أقول لهم: إننا نعمل بتكليف شرعي ومعلوم، والعمل بالتكليف الشرعي لا يشترط فيه الوصول إلى النتيجة، فإذا وصلنا إلى النتيجة، فذلك حسن. وعلينا أن نحمد الله- تعالى- على العمل بما أملاه الشرع وادت لم نستطع الوصول إلى الغاية وخبنا في ذلك. فإننا لسنا أعلى مقاماً من امير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) فإنه منذ أخفق. لكنه عمل بتكليفه الشرعي وأنجز ما كلف إنجازه. إننا أخفقنا حين أداء واجباتنا وإنني الآن أقول: نحن لا نخاف من هذا الصخب لأننا متفائلون بشعبنا المتحد والمجتمع على غاية صحيحة واحدة. لذلك لا يستطيع أحد ان يفرض عليه غير ما يريد أو ان يتغلب عليه. ولو فرضنا أن يتغلب العدو علينا، ويبيدنا من الوجود (وهذا آخر ما يستطيع العدو فعله، ولا يستطيع أكثر من ذلك) تكون قد أبدنا ونحن في حال خدمة الوطن والإسلام. وأرجو أن تكون نوايانا خالصة حينذاك.

والمهم أنّ موتنا سيكون في حال إنجاز الواجبات وتقديم الخدمات وهذا أمر فيه ما فيه من القيم المعنوية. إننا لن نستسلم بلا جهاد. فأما أن يهجموا علينا ويبيدونا وإما أن نواصل مسيرة التقدم نحو الغاية المنشودة إن شاء الله- تعالى. إنني أرجو أن توفقوا وتواصلوا المسيرة بهذه القدرة الإسلامية، وهذا الإيمان الراسخ.

وإنكم ستصدّرون إن شاء الله- تعالى- هذه التحفة الإلهية إلى جميع الشعوب المستضعفة.

أرجو من الله تعالى أن يجعلكم سالمين‏

* صحيفة الإمام، ج11، ص:69,67


1- هذا حديث نبويّ شريف. راجع صحيح الترمذي ج/ 3 ص/ 316.

2011-05-21