الموضوع: شمولية العقيدة الإسلامية - العودة إلى الذات والسعي للاكتفاء الذاتي والاستقلال
خطاب
الحاضرون: الحرفيون في اصفهان
عدد الزوار: 51
التاريخ 21 آذر 1358 هـ. ش/ 22 محرم 1400 هـ. ق
المكان: قم
الحاضرون: الحرفيون في اصفهان
بسم الله الرحمن الرحيم
دور المتجبرين في تقليص دور الإسلام
أشكر السادة الذين تفضلوا بالمجيء. وكما ذكر (الأخ) فإنكم خدمتم الشعب مجاناً، والحقيقة أنكم خدمتم الإسلام. إنكم تعلمون ماهي المشاكل التي ابتليت بها بلادنا اليوم. في وقت يواجه فيه قوة عظمى مثل امريكا وهم يبثون في الخارج كل ألوان الدعاية، دعايات واسعة في الصحف الاجنبية والمجالس التي لهم في الخارج. وفي محافلهم يطلقون الدعايات على بلادنا ونهضتنا. وفي الداخل تعلمون أن عملاءهم ما زالوا ناشطين، وهم يخافون من الإسلام، إلى اليوم لم يكونوا يعلمون ما هو الإسلام اصلًا. البعض ممن جاءوا من الخارج قالوا: إنهم ما سمعوا اسم الإسلام قط في المحل الفلاني. لم يسمعوا باسم الإسلام أصلًا. وفي الأماكن التي سمعوا فيها باسم الإسلام لم يعرفوا معنى الإسلام. وفي بلداننا وهي إسلامية، لم يطلعوا إلّا على نصف الإسلام اوعلى جزء منه.
أما الإسلام، فلا يعرفونه. وخبراؤنا الإسلاميون أيضاً اطلعوا على صفحة واحدة من الإسلام. لم يسمحوا للإسلام أن يظهر كما هو. الجهود المتواصلة لخلفاء بني أمية، وخلفاء بني العباس، والخلفاء الآخرين بعدهم، والسلاطين، وسلاطين إيران خصوصاً، ثم في عصرنا بعد ذلك حيث تعرفون، حاولت هذه الأسرة الفاسدة، هذا الأب والابن الفاسدان حاولا أن لا يدعا الإسلام يظهر أساساً، وهذه كانت قلب الدعاية الأجنبية، فالأيدي الأجنبية التي أدركت بالدراسات أن الإسلام إذا طبق فسوف تقصر أيديهم، لم تدع الإسلام يُطبّق كما هو. حصروا الإسلام في المدارس والمساجد وحدوده العبادية فقط، وعلى افتراض أن يُسأل رجل الدين فإنه سيُركز على أبعاده العبادية. أما الأبعاد الأخرى فلم تول أهمية، فهي في الكتب، أي أنّ الإسلام مدفون في الكتب، فكتبنا العلمية فيها كل أبواب الإسلام. كما أن فيها أبواب العبادات والواجبات العبادية، وأبواب الحكومة والواجبات الحكومية والتفاصيل والقضاء وكل هذه الأشياء ذات الصلة بالحكومة موجودة في كتبنا مدفونة فيها، فهي لاوجود لها إلّا في الكتب.
التصورات المنحرفة عن الإسلام
الإسلام جاء ليظهر في الخارج وجوداً عينياً، ويربي الناس في الخارج تربية شاملة في الأبعاد المختلفة كما يجب أن يربّي الإنسان. وليس الإنسان هذا الهيكل الموجود، وهذه الجثة الموجودة، وهذه الحواس الموجودة التي نشعر بها ليس هذا هو الإنسان، فالحيوانات والإنسان بهذا المعنى سيّان. كلها مادية. لها كلها مثل هذه الإدراكات تزيد أو تنقص. أحد أبعاد الإنسان هو هذا الموجود الفعلي ذو الحواس والخواص هذه، أما الأبعاد الأخرى فلم تول أهمية اصلًا، أو أنها أوليت أهمية قليلة. للأسف لقد كنا مبتلين بطائفتين في زمنين. في زمن ما كنا مبتلين بجماعة حينما كانت تنظر إلى القرآن وتفسره وتؤوّله لا تهتم اطلاقاً ببعده المادي الدنيوي، وترجع كل شيء إلى المعنويات. حتى القتال حينما يذكر في القرآن يؤوّلونه ويفسرون قتال المشركين بأنه (القتال مع النفس). الأمور ذات الصلة بالحياة الدنيوية يؤولونها بالمعنويات. هؤلاء أدركوا بُعداً واحداً من القرآن وهو بعده المعنوي إدراكاً ناقصاً طبعاً، وهنا البعد المعنوي يرجعون اليه كل الأبعاد الأخرى. وبعد ذلك ابتلينا بردة فعل مقابل ذلك لا تزال موجودة حالياً.
فمنذ زمن ظهرت طائفة على العكس من تلك الطائفة التي تؤول القرآن والأحاديث ب- (ما وراء الطبيعة) ولا تبالي بهذه الحياة الدنيا اطلاقاً، لا تبالي بالحكومة الإسلامية والأمور ذات العلاقة بالحياة. ضحّوا بالمعنويات من أجل الماديات. وأولئك كانوا قد ضحّوا بالماديات من أجل المعنويات وهؤلاء ضحوا بالمعنويات من أجل الماديات. كل آية يأخذونها ويستطيعون تأويلها تؤوّلونها. وكأنه لا شيء وراء الدنيا، كأنما لم يكن في أعينهم شيء وراء عالم الغيب وقد كان كلامهم صحيحاً ضمن الحدود التي كانت لهم، وهذه هي عقيدة هؤلاء. أو أنّ القضايا التي يطرحونها هي أنه لا شيء وراء هذا العالم. يضحّون بكل شيء من أجل هذا العالم.
التحليلات المنحرفة في الثورة الإسلامية
حتى في الأعمال التي تصدر عن الناس ترون الوحدة في هذه النهضة التي شاركت فيها كافة الشرائح- خذوا الأمر من المركز وهو طهران واذهبوا في ذلك الاتجاه إلى آخره. وفي ذلك الاتجاه إلى آخره ايضاً، وفي ذلك الاتجاه إلى آخره، وفي ذلك الاتجاه إلى آخره. ثار الناس جميعهم من أجل شيء واحد. فاتّحدت أصواتهم جميعاً في صوت واحد. ما هو هذا الصوت؟ الصوت هو أننا نريد (جمهورية إسلامية)، ولا نريد هذا النظام، ونريد الإسلام. كلهم كانوا يقولون شيئاً واحداً بصوت واحد، حتى الطفل الصغير الذي التحق بالابتدائية تواً وأصغر منه، كان يقول هذا الشيء. بل وحتى ذلك العجوز المريض الراقد في المستشفى كان يقول ذلك ايضا. وحينما تصعد إلى السطوح تسمع هتاف (الله أكبر) وهتافات إسلامية لا غير. لكن هؤلاء يقولون عن هذا الواقع إذ ينادي الجميع بالإسلام: إنّ كل هذه الهتافات هي من أجل الديمقراطية! والحال أن معظم هؤلاء لم يسمعوا ب- (الديمقراطية) أصلًا، ولو شرحتم لهم معنى الديمقراطية الفاسدة التي يقول بها هؤلاء لما قبلوها اصلًا. هؤلاء كانوا يقولون الإسلام. هؤلاء الذين يريدون تأويل كل شيء حتى أقوال الناس في الأزقة والشوارع يؤولونها بأن هؤلاء الذين يهتفون ويقولون: (الله)، ويقولون: (الرسول)، ويقولون: (الجمهورية الإسلامية) لم يكونوا يريدون هذه الأشياء. إنما أرادوا أن تُصلح حياتهم المادية هذه. كانوا قد تبرموا من معيشتهم الصعبة.
محفزات الشعب الإيراني في الثورة
هل من المعقول لأحد أن يهتف لأجل بطنه ويلقي بنفسه الى الموت؟! يهتف لأجل بطنه ويقدم ريعان شبابه للموت؟! هل هذا معقول أصلًا؟ هؤلاء الذين كانوا ينزلون إلى الساحة طواعية ويقفون أمام المدفع والدبابة والرشاشة، ويهجم عليهم أولئك الشياطين، ويهجم عليهم هؤلاء بقبضاتهم المشدودة وينتصرون عليهم، كل هذا من أجل أن يكون له منزل جيد؟! من أجل أن يكون له أثاث ومنضدة؟! هل كان مثل هذا الشيء في أذهانهم آنذاك أو لا؟ الجميع كانوا يرون أنّ علينا أن نسير ونحيي الإسلام. كان هذا المعنى في كلامهم. وكان هذا المعنى في أفعالهم. يطلبون منا هذا الشيء دائماً، حتى الآن يطلبون أنْ أدع لنا كي نستشهد. فهل يرغب أحد في أن يستشهد من أجل بطنه؟! يستشهد ابنه الشاب لأجل أن يكون له منزل مناسب؟! او أن القضية ليست هذه. القضية هي عالم آخر. الاستشهاد لأجل عالم آخر. تلك الشهادة التي نشدها كل أولياء الله وكل أنبيائه، وقد استشهد الكثير من أوليائنا، كانوا يريدون هذا المعنى. الناس تنشد هذا المعنى. ولكننا ابتلينا الآن بهؤلاء الذين يرجعون كل ما في القرآن إلى الدنيا وكل ما في الأحاديث إلى الدنيا، ويؤولون هتافات الناس بشكل مقلوب.
تحرر المدارس التوحيدية
في القرآن ما يخص المعارف وما يخص التوحيد وما يخص النبوة وما يخص عالم الآخرة. وما يخصّ العوالم التي لا يستطيع أحد الاطلاع عليها إلّا بالوحي. القرآن هو كل شيء. والإسلام كل شيء، وليس هذا مثل الأنظمة الحكومية، فيه حكومة، لكن النظام ليس نظاماً حكومياً مثل حكومة كارتر مثلا أو حكومة محمد رضا. حتى حينما كان الإسلام يحارب فإن حربه ليست مثل حرب فاتحي البلدان الذين يريدون من ورائها احتلال بلدما. الإسلام كان يريد صناعة الإنسان. الناس الذين كانوا أسرى في اغلال المشركين وتحت مخالب القوى العظمى، جاء الإسلام والمدارس التوحيدية لتحريرهم من هذه القيود، وأعتقهم من هذه الأغلال التي ضربوها على قلوبهم، وأخضعوا كل شيء فيهم للقيد والأسر. جاء الإسلام للتحرير من الأسر. ليس من الأسر المادي فقط حيث ينهبون نفطنا، لم يكن ثمة نفط قبل الإسلام يجب أن يُحفظ النفط طبعاً، لكن هدف الإسلام ليس النفط. هدف الإسلام ليس المنزل، إنما هدفه اسمى من ذلك وفيه كل شيء. بمعنى أن الإسلام مثلما يهتم بالجوانب المادية من هذا العالم والجوانب الحكومية منه والقضائية، يولي الجوانب المعنوية أهمية أيضاً. والاهتمام بالجوانب المعنوية أسمى من الاهتمام بالجوانب المادية. الإسلام هو كل شيء، أي أن الإسلام قد جاء، وجاءت كل المدارس التوحيدية لهذا الإنسان وهو موجود مادي ابتداءً مثل سائر الموجودات المادية، أي أنه بعد أن طوى بعض المراحل أضحى موجوداً مادياً له عين وأذن وحواسّ وخواصّ، ولسائر الحيوانات مثل ذلك، جاءت المدارس الإلهية لهذا الموجود الذي يمكن أن يكون كل شيء، الإنسان نسخة مصغرة لكل العالم، يعني أنّ جثة صغيرة هي نسخة لكل العالم، ففي الإنسان كل تلك الأشياء الموجودة في كل شيء. كل عوالم الغيب والشهود موجودة في الإنسان. ولكن مقداراً منها موجود بالفعل، ومقداراً بالقوة. جاء الأنبياء ليأخذوا بيد الإنسان ويخرجوه من هذا البئر، يأخذوا بيد الإنسان ويخرجوه من هذه الظلمات إلى النور. (الله وليّ الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور) «1». الله يخرج بإرسال الأنبياء بالتعاليم، وغاية تعاليم الأنبياء أن تأخذ بيد من هجمت عليه الظلمات من كل صوب وحدب وتخرجه من هذه الظلمات. إننا لو نظرنا إلى وضعنا الحالي وجدنا أنّنا مبتلون بظلمات غير الظلمات التي تحيطنا فيما يخص ما وراء الطبيعة، في هذا العالم نحن مبتلون بظلمات جاء الأنبياء ليخلصونا منها.
غسل الأدمغة لتكبيل الإنسان
وفي مقابل الأنبياء تقف هذه القوى العظمى التي أرادت سلبنا كل شيء من دون أن نتفوه بكلمة ومن دون أن نفهم أنهم يسلبوننا، ومن دون أن نعلم أنّهم ينهبوننا. جاء هؤلاء ورسموا خططاً، وإحدى خططهم الكبرى هي أن يسرقوا منا أدمغتنا ويضعوا مكانها أدمغة أجنبية، ليجعلونا كالأجانب، نفكر أن كل ما لدينا من هناك. يسرقون منا استقلالنا الفكري. سرقوا الاستقلال العقلي. سرقوه منا، عددنا الآن خمسة وثلاثون مليوناً، والشرق سكانه مئات الملايين انجذبنا إلى الغرب ولهذه القوى الكبرى، وجنحت أدمغتنا إلى الغرب، حتى إن معاملنا حينما تنتج قماشاً تريد بيعه وكأنه انجليزي فتكتب عليه باللاتينية، ويقولون بعدها هذا قماش انجليزي، مع أنّه قماشنا، وهو من صناعة إصفهان، لكنه باسم بريطانيا، لماذا؟ هكذا اصبحت أدمغة الجميع. هكذا اصبح دماغ السوق وتفكير المشتري بأننا لا نجيد صناعة شيء. وهذه الأشياء يجب أن يصنعها هو. إننا نسلب أنفسنا ما نمتلكه. لدينا الكثير مما ليس لديهم هناك.
الفنون والصناعات الإيرانية الفريدة
هذا الكاشي الذي كانوا يصنعونه سابقاً، إذا ذهبتم يوماً للمدرسة الفيضية لاحظوا الباب التي يريد الدخول من المدرسة الفيضية إلى الصحن المطهر للسيدة معصومة كان له لوح بكتابة قديمة، لم أره منذ ثلاثين عاماً. كان هنالك لوح. حينما كنا في المدرسة قيل: إنّ عدداً من الخبراء الأجانب جاءوا ودرسوا هذا اللوح وقالوا إن هذا اللوح يستحيل أن يصنعوه في مكان آخر. لأنه مركب من عدة اشياء. فيه ألوان لكل واحد منها فخاره الخاص إذا زاد أو نقص يختلف. أحدها يحتاج إلى كذا درجة حرارية، والآخر إلى كذا درجة حرارية، وقد صنعه خبراؤنا وصناعنا بشكل دقيق، لقد نظموا درجات الحرارة المتفاوتة هذه بشكل لم يتهدم هنا. وقد قال هؤلاء: إن هذا لا يثمّن اصلًا، لأن العالم لن يستطيع صناعة مثله.
لقد فرغت أدمغتنا حتى إننا نتخلّى عن صناعاتنا، صناعة الكاشي، والتخريم وحياكة السجاد والزركشة، وحياكة القطيفة. هذه كلها نسيت تدريجياً الواحدة بعد الأخرى بالدعايات المختلفة لهذه الحكومات الفاسدة التي أثارها هذا الأب والابن أكثر. نسيت صناعاتنا، لأنهم جعلونا نعشق الغرب. ومالم نسمِّ القماش قماشاً انجليزياً لن يشتريه الزبائن. لدينا أطباء في إيران، ولكن لو كان بعض السادة يتذكرون انه ابتلي أحد أقرباء محمد رضا بهلوي باللوزتين كما ينقل، فجاءوه بطبيب من الخارج ليجري له عملية. انظروا ما هذه العملية! أية خيانة لهذا الشعب. اذاعوا بأننا لا نمتلك طبيباً حتى للوزتين، وقد نكّلوا بأطبائنا وجراحينا وصفعوهم على أفواههم بحيث دفعوهم إلى الوراء، فأضاعوا حتى أنفسهم.
الدماغ الاستعماري والدماغ الاستقلالي
أحيانأً حينما يأتي بعض الأطباء إلى هنا أقول لهم: يظهر أنكم لم تدرسوا خلال هذه المدة حتى إنّ كل من يصيبه مرض يريد أن يسافر إلى أوروبا. فقالوا: إن لنا أطباءنا، لكن الوضع اصبح بشكل يجعل كل من يمرض يتوجه إلى الخارج. لماذا هكذا؟ لأن دماغنا قد سرق ووضع مكانه دماغ آخر، دماغ استعماري! إن لنا الآن دماغاً استعمارياً. ومالم نبدل هذا الدماغ الاستعماري ونضع مكانه دماغاً استقلالياً، فلن نستطيع إدارة هذا البلد. ومهما حاولتم فعل شيء لن تستطيعوا. حاولوا أن تغيّروا هذا الدماغ. ليحاول أساتذة جامعاتنا تبديل أدمغة شبابنا لتكون أدمغة استقلالية وليست استعمارية. ليست تلك الأدمغة التي صنعوها لنا، وسلبونا أدمغتنا. ليكن شبابنا. وكذلك يجب أن تكون الثقافة، ويجب أن يكون الاقتصاد.
مالم نقتنع أننا أيضاً بشر ونستطيع فعل شيء لأنفسنا لا نكون شيئاً، وحتى خبز الشعير الذي ننتجه مالم نقتنع بأكله والاستغناء به عن الخارج، فلن نستطيع ترتيب أمورنا. مالم نقتنع بأن هذه المنسوجات التي ننتجها تكفينا، فلن تتطور منسوجاتنا، وسنبقى تابعين للآخر، وتبقى يدنا ممدودة نحوه.
العودة إلى الذات أولى خطوات الاستقلال
كم هو عيب وهوان لبلد أن يمد يده لامريكا كي تعطيه القمح! يفتح كشكول تكففه لعدوّه ويطلب منه أن يرزقه، كم هو عار علينا! ما لم يصمم هذا الشعب أن يعزز زراعته وصناعته، فلن يمكننا الاستقلال. وما لم يقرر هذا الشعب أن تكون كل أشيائنا منّا، فلن نبلغ ما نريد، ولذا يجب أن نقطع علاقاتنا الاقتصادية وعلاقاتنا الثقافية بالخارج، وأن تكون الثقافة من عندنا والاقتصاد من عندنا، فمالم يتخذ الشعب هذا القرار، ومالم يتبدل هذا الدماغ الطفيلي والاستعماري، ونقتنع بأننا أيضاً آدميون، لن يمكننا الاستقلال. علينا أن نفعل شيئاً لنقتنع وتقتنع كل شرائح الشعب وكافة شبابنا أننا آدميون أيضاً. فقد صنعت الدعاية ما أخرجنا عن الآدمية واقتنعنا أنهم كل شيء. إذا أردنا أن تكون بلادنا مستقلة وغير محتاجة للآخر، فعلى فلّاحها وعاملها وموظفها وكل شرائحها أن يعتبروا أنفسهم موجودات قائمة، ويروا أنفسهم بشراً، وأن بلادنا بلاد فيها كل شيء، بلاد غنية، لقد فعلوا ما جعلنا جياعاً بجوار حقول النفط! هناك حيث تهدر المياه، وثمة أراض خصبة يمكن أن يُستخرج منها كل شيء، تبقى بائرة وتذهب المياه هدراً. كانت هذه ممارسات استعمارية أرادوا أن يكون الناس متكففين في بيئة نفطية ليكون العمال زهيدي الأجور. ليستطيعوا استعمار كل مكان. فوضعوا خطة لكل مكان كي يبقوه متخلفاً حتى ينتفعوا.
مالم نفهم هذه المسائل، ونتفطن إلى هذه الأمور، ونكتشف أنفسنا، فلن نعثر على هذا الشيء الضائع، هذا الدماغ الضائع الذي وضع محله دماغ آخر، مالم نبدله لن نستطيع أن نكون مستقلين. الاستقلال الدماغي هو الشرط الأول للاستقلال، الاستقلال الفكري اول شروط الاستقلال، وهو أن نغيّر أفكارنا، ونخرج أنفسنا من هذه الحالة الطفيلية. علينا أن نحكم ارادتنا، ومتى أدرك كل شعبنا أنهم سلبونا كل شيء وأننا طردناهم، ويجب أن نمسك أنفسنا بأنفسنا أفلحنا، وإن لم يكن هذا، فستجري علينا تلك الأمور تدريجياً فنَفَسُهُم طويل. أذا لم نتيقظ، وننظر بعينينا، ونستعير عيناً او عينين أخريين وننظر حوالينا ولبلادنا واحتياجاتنا، فإنهم سيفرضون علينا ما يريدون شيئاً فشيئاً من جديد، سيفرضون علينا كل شيء، يفرضونه علينا بأيدينا.
فزع الناهبين من الإسلام
واليوم إذ ترونهم يثيرون كل هذه الاضطرابات في أطراف البلاد، فلأجل أن لا يدعوكم لحالكم، ولكيلا تستقر هذه البلاد ولكيلا يكون ثمة بلد إسلامي. إنهم يخافون من الإسلام. لقد تلقوا ضربات من الإسلام. تلقوا منه ضربات متعددة، تلقوا ضربة من فتوى أحد الفقهاء، تلقت بريطانيا ضربة من شيخ يسكن كربلاء اسمه المرحوم الميرزا محمد تقي «1» إذ طرد بريطانيا من هناك، من العراق. لقد تلقوا الضربات من الإسلام ومن شيوخ المسلمين ومن الكسبة المسلمين ومن العلماء المسلمين. ولأنهم تلقوا الضربات من الإسلام وشيوخه والكسبة. والعلماء المسلمين، ونالوا ما يكرهون يجهدون الآن لكيلا يتم هذا الأمر، فيختلقون توتراً في كل مكان باسم معين وبشيء معين يختلقون توتراً. تارة يذهبون لكردستان ليثيروا اضطراباً. وتارة يثيرون اضطراباً في أذربيجان وهو ما نعانيه الآن بالفعل. وسيفعلون ذلك في مكان آخر لاحقاً، ولن يكفوا أيديهم. لقد خسروا مصالح كبيرة ولحقت بهم هزيمة سياسية.
الهزيمة السياسية والأخلاقية لكارتر
لقد هُزِمَ كارتر الآن في العالم. هزم كارتر سياسياً في هذه القضية التي يطرحها. وهم لا شك قد سمعوا من الصحف أنه بعث وزير خارجيته للجدية الجوالة. هذا الرجل المحب للإنسانية! هذا الرجل الذي ضمّ المجرم محمد رضا إليه ليرعاه حباً للإنسانية أو يريد أن يبدأ التآمر من هناك. هذا المحب للإنسانية بعث وزير خارجيته للجدية الجوالة من أجل جعلنا معزولين اقتصادياً ويحاصرنا اقتصادياً. هذا الرجل المحب للإنسانية يريد تعبئة كل العالم لنموت نحن من الجوع! يتوهم أنه يستطيع. والسيد كارتر أرسل وزير خارجيته فجال في العالم ودار، فلم يبال به أحد، ورفضوا طلبه، وقالوا هذا غير ممكن، حتى في بلاده التي قال فيها لابد من الحظر الاقتصادي واجه المعارضة، حتى داخل بلاده. خالفه حتى بعض وزرائه. هذا الرجل المحب للإنسانية أخذ ذلك الشخص، واحتفظ به عنده لأسباب إنسانية، ويزعم أنه محب للإنسانية إذ يحتفظ بهذا الشخص. يريد أن يطرد خمسين الفاً من شبابنا في امريكا وفي تلك الأماكن بذريعة من الذرائع. وقد كانت هناك مذابح إذ أطلقوا الكلاب على شبابنا. وأخيراً عاد القاضي الفلاني، ليقول: إنّ هذا غير قانوني وغير ممكن. وقد هزم هنا هزيمة أخلاقية، ولم تكن ثمة أخلاق حتى تكون هزيمة. فُضِحوا بأن هذه هي أخلاقهم. كانوا قد أقحموا أنفسهم زيفاً في عداد محبي الإنسانية، وأثاروا الضجيج بأن نزعاتنا الإنسانية أملت علينا أن نستضيف إنساناً مسكيناً «1» للعلاج.
خسران فئة من المتنوّرين
لقد انكشف أمرهم، وبان أن القضية ليست مجرد خمسين من الجواسيس يريدون انقاذهم. فالبشر غير مهمين لهم أصلًا، فالمهم لأمثال السيد كارتر هو أن يكون رئيساً للجمهورية هذه الدورة ايضاً، وكل تخبّطاته من أجل أن يكون رئيساً للجمهورية هذه الدورة أيضاً. هؤلاء يفهم اكثر نم ذلك. إنهم لا يعتبرون الإنسان شيئاً أصلًا. هؤلاء السادة المحبون للإنسانية يبعثون لنا أدويتهم التي يريدون أن يعرفوا هل هي مفيدة أو ضارة، يصدّرونها إلى الشرق. مثلما يجرب الأطباء بعض الأدوية على الفأرة أو الأرنب، ليفهموا ما هي هذه الأدوية، فإن هؤلاء يجربون علينا. وللأسف فإن من بين مثقفينا من اتضح أمرهم. كان من بينهم اتباع لهذا الشخص الذي اتضحت حقيقته. وللأسف فإن هؤلاء لا يزالون يمدحون أولئك، لأن الدماغ قد تبدّل. الشخص الذي يربي هؤلاء دماغه خمسين عاماً، ويخرجونه من الدماغ الإنساني، ويضعون مكانه دماغاً غربياً، مهما وجّه الغرب من الضربات لبلاده ولهذا البلد، لا ينفك عن مدحهم، ويتوخى عودتهم. بعض هؤلاء المفسدين الذين طردوا من إيران ذهبوا هناك ولجأوا إلى بريطانيا من أجل التآمر. من أجل أن يعيدوا الوضع إلى سابقه. يتآمرون ليعيدوا تلك الأوضاع. ولهم علاقاتهم بالداخل وهي ماتزال قائمة. فعلاقاتهم قائمة مع امريكا وهي من أجل التآمر. ومع بريطانيا ايضاً.
اليقظة والحذر من المؤامرات
يريدون على وفق المخطط أن يعيدوا تلك الأوضاع بعد مدة. وهؤلاء يعتبرون أنفسهم وطنيين ومستنيرين ومخلصين لهذا الوطن.
علينا أن نتيقظ، وعلى شعبنا أن يفتح عينيه، وليستعر عينين إضافيتين، وينظر بأربع عيون، ليعلم حقيقة العناصر المنهمكة بهذه الممارسات. أصدقاؤهم يجب أن يتفطنوا بدقة. وإن لم يتفطنوا فربما تفرض علينا تدريجياً تلك الأوضاع نفسها. وهذا غير ممكن بهذه السرعة طبعاً. لكننا إنْ لم نتحل بالوعي السياسي، ويتحقق الإسلام هنا، وتصبح بلادنا بلاداً إسلامية لها برامجها من أجل الاستقلال والحرية، ولا تجيز أن يرتبط المسلم بغير المسلم الذي يروم الهيمنة عليه، وترى هذا الارتباط حراماً. إذا استطعنا تطبيق الإسلام هنا في هذا البلد على أيديكم أيها السادة وبأيدي كل الشعب، فإن الإسلام يضمن لنا كل شيء، فاسعوا لتحقيق هذا الهدف.
لا تكتفوا ب- (إن شاء الله) و (بسم الله) وبالدعاء فقط، بل اعملوا، يجب أن تعملوا، ينبغي أن تكون هنالك اعمال في الجامعة، وفي الإدارات. أخرجوا الصورة عن تلك الصورة الأجنبية، وقدّموا صورة شرقية، قدموا صورة إنسانية، قدموا صورة إسلامية ولا تخافوا.
ضرورة تنقية الثقافة واللغة الفارسية من المفردات الأجنبية
من مشكلاتنا أن هؤلاء يخافون القول بأننا شيء يذكر. يخافون القول بأننا بشر. من المشكلات التي نعانيها هي أن الآدمي عبارة عن شخص يتعلم أربع كلمات أجنبية، ويضع في أحاديثه كلمة أجنبية بين كل عدة كلمات يتفوّه بها. انظروا إلى الخطابات، كل من تكون في أحاديثه كلمات أجنبية فهو عالم كبير! يرون العالم في أن تكون هناك كلمات أجنبية في أحاديثه، والسبب هو أن الخطابات خطابات استعمارية. هو نفسه اضحى إنساناً استعمارياً.
اذهبوا إلى امريكا، واستمعوا لخطاباتهم، هل تجدون كلمة فارسية واحدة في كل أحاديثهم وفي كل كتبهم؟ لكننا حينما نؤلف الكتب، حتى حينما يضعون الأسماء يجب أن تكون أسماء اجنبية. والكتاب إذا لم تكن فيه كلمات أجنبية مكتوبة بالحروف اللاتينية لا يكون كتاباً نافعاً. فبهذا يكثر مبتاعو الكتاب، ويشتهر مؤلفه أكثر بأنه عالم كبير. مجرد أن يضع عدة (اضافات) «1» في مفرداته، تنتهي المشكلة. ومهما كانت أفكاره فارغة من اللباب، فإنه يستطيع تعويض ذلك بهذه الأشياء.
ما لم نكتشف أنفسنا، ومالم نستعمل لغتنا- لا تقولوا: إن اللغة العربية ليست لغتنا، فاللغة العربية لغتنا، وهي لغة الإسلام، والإسلام للجميع، وما ليس منا هو هذه ال- (الاضافات) التي كبّلتنا- وما لم يتحرر كتابنا من هذا الفخ، ويتخلص متحدثونا من هذا الشراك، ومالم تتطهر كتبنا، وتتغير أسماء شوارعنا، وترتفع تلك الأسماء عن بضائعنا- إذ ينتجون الأدوية بأنفسهم ويضعون عليها أسماءً أجنبية- ومالم نكتشف أنفسنا وتتبدل أدمغتنا، لن نستطيع الاستقلال. لن نستطيع الاستقلال في أي شيء.
السعي للاستغناء والاكتفاء الذاتي
ينبغي أن نفهم من الآن أننا بشر. نتكلم بلغتنا، وبعلمنا. أنا لا أقول: يجب أن لا نأخذ العلم من الخارج، فقد تركونا متخلّفين وهم متقدمون علينا كثيراً، تركونا متخلفين. ولذا أقول: علينا أن نتعلم منهم الأشياء الجيدة، ونستبعد الأشياء السيئة وهم يعلموننا السيئات، ولا يمنحوننا الحسنات. إنها لمصيبة أيها السادة أن يذهب شبابنا إلى هناك يتلقون دروساً استعمارية. حتى طبهم استعماري، لا يدعونهم يتقدمون. إذا كان لديهم أشياء حسنة فيجب أن نأخذها عنهم، ولا نعارض هذا الأمر، ولكن يجب أن نفكر بأن نصنع الأشياء بأنفسنا، وأن يكون لنا انتاجنا. كانت هناك بلدان تأخذ عن غيرها. لكنها ارتقت تدريجياً وفاقت الآخرين، هكذا كانت اليابان، وهكذا كانت الهند. حسناً، علينا نحن أيضاً أن نصنع، والخطوة الأولى هي أن نفهم أننا قادرون أيضاً، فنحن أيضاً شيء يذكر. وأنا أتمنى أن نستطيع كما قرر الله تبارك وتعالى، وكما عرض علينا الإسلام أن نحقق الإسلام لهذا الشعب المستضعف الذي أخّروه طوال ألفين وخمسمئة عام أو على الاقل هذه الخمسين عاماً التي شهدناها. وتكون أنفسنا لأنفسنا، وتكون مصالح بلادنا لنا.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
* صحيفة الإمام، ج11، ص:193,184
1- سورة البقرة، الآية 257.
2- الميرزا محمد تقي الحائري الشيرازي( المعروف بالميرزا الصغير) أو( الميرزا الثاني) من تلامذة مدرسة الميرزا حسن الشيرازي( الميرزا الكبير) صاحب حكم تحريم التنباك. وقد مارس الميرزا محمد تقي الشيرازي دوراً قيادياً في ثورة العشرين الاستقلالية في العراق بإصداره حكم الجهاد على المحتلين الانجليز.
3- محمد رضا بهلوي.
4- أواخر أسماء المدارس والمذاهب المختلفة في اللغات الاجنبية.