الموضوع: مؤامرات كارتر واستعداد الشعب لمواجهتها
خطاب
الحاضرون: حرس مسجد السيد أبي الفضل بطهران، لجنة الإعلام الإسلامي في بابل
عدد الزوار: 78
التاريخ 25 آذر 1358 هـ. ش/ 26 محرم 1400 هـ. ق
المكان: قم
الحاضرون: حرس مسجد السيد أبي الفضل بطهران، لجنة الإعلام الإسلامي في بابل
بسم الله الرحمن الرحيم
الإسلام لكل البشر
أشكر الأخوات والإخوة المحترمين من طهران ومن بابل الذين تفضلوا بالمجيء، لنتحدث معاً عن قرب. إنني أتباهى بكم جميعاً، لأنكم سواء الأخوات أو الاخوة مستعدون لخدمة الإسلام والجمهورية الإسلامية. الإسلام للجميع. ليس لأحد دون آخر. الإسلام لكل البشر، وليس لكل المسلمين فقط. لقد جاء الإسلام ليهدي البشر من الضلالة إلى الطريق المستقيم. وليس الإسلام كباقي المدارس الأخرى لا برامج له إلا للحكومة المادية الدنيوية.
كل الحكومات البشرية، وكل النظم غير التوحيدية برامجها لأجل فعل أشياء هنا في هذه الدنيا. حتى الصالحة منها لو افترضنا فانها توجد نظاماً دنيوياً. والأكثرية منحرفة يريدون أن يتسلطوا ويخضعوا الآخرين لسلطانهم ويستغلوهم.
إرادة التسلط بشعار العدالة الاجتماعية
لا تستطيعون الآن العثور بين كل الحكومات على حكومة تعمل بالعدالة ولو ضمن المساحة القليلة التي لها. قلّ ما يمكن تشخيص حكومة تكون حكومة عدل ولو على صعيد النظام الدنيوي فقط. المزاعم كثيرة، والادعاءات بأننا نريد العمل لأجل العدالة كثيرة. وانتم آذانكم مملوءة من هذه الكلمات التي يقول فيها محمد رضا عدالة اجتماعية وعدالة اجتماعية. كان قد ملأ اسماعنا وأسماعكم دوماً من العدالة الاجتماعية ورقي البلاد. والبلاد وصلت إلى (بوابة الحضارة الكبرى) أو عمّا قريب سندخل جميعاً في (الحضارة الكبرى) وتصبح إيران كبلد متقدم وستكون تطوراتها كذا وكذا. الادعاءات كثيرة. ولكن حينما تبين حال صاحب الادعاءات هنا، أدركوا وأدركنا أنه لا يريد أخذ هذا الشعب للحضارة، بل يروم إعادته إلى الوراء، ولا يسمح له بالتقدم خطوة واحدة إلى الأمام.
كان مكلفاً بهذه المهمة. وقد أنجز خدماته على أحسن نحو طوال حكمه، أي أنه شلّ كافة الأجهزة.
ضربة قاصمة للطاقات الإنسانية
لقد لاحظتم أي ضجيج احدثه هؤلاء، وأي وضع أوجدوه للاصلاح الزراعي. كان المخطط للاصلاح الزراعي في كل بلادنا أن يصار إلى تدمير الزراعة حتى نحتاج الى استيراد حتى القمح من البلدان الأخرى تحت عنوان الإصلاح الزراعي هذا. أية ضجة اختلقها هؤلاء ل- (النساء الحرات) و (الرجال الأحرار) أي وضع افتعلوه هم وتلك الطفيليات في مجلس الشورى الملكي، وليس الوطني ومجلس الأعيان، وموظفو منظمة الأمن موظفو الشاه نفسه، أية ضجة اثاروها بدعوى أنّ بلادنا اصبحت حرة! النساء حرات والرجال أحرار، وقد رأيتم طوال سلطة هذا الأب والإبن خاصّة ذاك الذي كان خلفاً لذلك الأب وفاقه، رأيتم طوال تصدي هذين المجرمين أنه لم تكن هنالك حرية لأحد. لم يكن أحد حراً ليقول كلمة حق واحدة. كانت الحرية أن يسمحوا بكل أنواع الفحش لدحر طاقاتنا الشابة إلى الوراء. الضربات التي وجهها هؤلاء لطاقات هذه البلاد الإنسانية لم يوجهوها لمصادره الطبيعية. لقد شلّوا البشر، ودمروا شبابنا. شبابنا الذين يجب أن يخدموا هذه البلاد، جرّوهم إلى أماكن لم يكن فيها سوى أن تشل أفكارهم ولا يستطيعون خدمة هذا الوطن. فتحوا أبواب مراكز الفحشاء كلها وطبلوا لها وزمروا وساعدوا على أن يتوجه شبابنا لمراكز الفحشاء تلك ويُشلوا هناك، ليُدفن شبابهم هناك. لقد سلبوا شبابنا شبابهم وشلّوهم. الأخوات المحترمات اللواتي سقطن في شراكهم وفي شراك دعاياتهم، سلبوهن واجباتهن الإنسانية. وصرن ألعوبة بأيدي المجرمين. إنها لحسرة دائمة للغيورين ولمن لم يفقدوا طبعهم الإنساني، ما فعله هؤلاء بهؤلاء المحترمات باسم الحرية.
الشعب الحي والاستنهاض البناء
وقد رأيتم أنه بمجرد أن انقلبت هذه الصفحة، وانهزموا بهمّة كل شرائح الشعب وخرجوا من هنا، كيف عادت الحياة لشعبنا العزيز، وكيف تحولوا إلى موجود آخر، وكيف اشتغل جميعهم بالخدمة. والآن إذا توجهتم لأي مكان في البلاد ترونهم مكبّين على الخدمة، لم يجبرهم أحد على جهاد البناء. يذهبون متطوعين من أنفسهم من المدارس ومن الأماكن الأخرى ليقدموا الخدمة للناس. أينما ذهبنا في إيران ثمة حرس ثوري. لم يُوجِدهم أحد. هم انبثقوا تلقائياً. في كل مكان ولكل محلة، بادرت المحلة ذاتها. شيخ المحلة، معتمد المحلة، مستنير المحلة، هؤلاء الذين بادروا، وأوجدوا الحرس، وأوجدوا اللجان، وأوجدوا المحاكم، الجماهير بنفسها بادرت لخدمة بلادها.
وطبعاً قلت سابقاً فيما يتعلق بهذا الموضوع، ويجب أن أقول الآن أيضاً: إنه يجب أن تتنبهوا أيها السادة في الحرس الثوري أيدكم الله إن شاء الله، وكذلك كل المحاكم وكل اللجان وكل الشرائح التي تريد خدمة هذا الوطن، ليتنبهوا أنّ هؤلاء كلهم خدمة الإسلام. إنها الآن جمهورية إسلامية، وأنتم من جنود الإسلام. أنتم جيش الإسلام. أنتم موظفو الإسلام وموظفو صاحب الزمان. حاذروا أن ترتكبوا خطأً وتسيروا بخلاف طريق الإسلام، وتضعوا خطوة خلافَ مسير الجمهورية الإسلامية. هذا واجب خطير على الجميع. علينا وعليكم.
خطيئة أعظم من كل الخطايا
العلماء وهم نواب رسول الله بين الناس، العلماء الذين يدّعون أنهم الآن نواب الإمام صاحب الزمان بين الناس إذا صدر عن أحدهم لا سمح الله شيء خلاف الإسلام، فإنه لن يدمر نفسه فقط، وإنما يشوه سمعة كل العلماء. إنه واجب كبير على عاتقه. فلو ارتكب العالِم مخالفة لا يقولون: إن زيداً ارتكب هذه المخالفة، فمخالفة العالم وخطؤه خطأه كبير يمتد بامتداد دائرة نفوذه، وهو خطأ من الصعب جداً مغفرته في حضرة الله، لأنه نائب، أي يدعي نيابة الإمام صاحب الزمان- سلام الله عليه- ونيابة الإسلام. نائب الإمام صاحب الزمان إذا وضع خطوة منحرفة لا سمح الله فسيؤدي هذا إلى سوء ظن الناس بالعلماء والشيوخ. وانكسار العلماء هو انكسار للإسلام. فهذه الطبقة هي التي حفظت الإسلام لحد الآن. وإذا ظهر في هذه الطبقة أحد أو آحاد يعملون خلاف مصالح الإسلام لا سمح الله كانت جريمة أسوأ من قتل البشر. خطيئة أسوأ من كل الخطايا. لأنها جريمة تصدر عمّن يشوه سمعة العلماء، ويغيّر رأي الناس أحياناً، الغافلين منهم، في الإسلام. جاء أن العالِم إذا فسد فقد فسد العالَم، لأن العالِم- بحسب الظاهر- نائب الإمام. وإذا ظهر فيه فساد لا سمح الله، أو فسد فإنه سيُفسد شرائح الشعب، وأحياناً يُفسد العالَم. أما إذا كان صالحاً، فسيُصلح شرائح الشعب ويُصلح العالَم.
التكليف المضاعف للشخصيات الإسلامية
حينما كنت في سن الشباب زرت إحدى المدن هنا، كانت مدينة محلات، محلات المعروفة، حينما زرتها وجدت أهلها من الصلحاء. إنها تختلف عن الأماكن الأخرى، فأهلها أناس طيبون، والمنحرفون بينهم قليلون. عندما أمعنت التفكير وجدت عالِمَ الدين في المدينة - في ذلك الوقت حيث كنت هناك- عالماً جيداً، علماء الدين هناك كانوا علماء جيدين جداً. الناس يصغون بكل جوارحهم وأذهانهم لما يقول هذا الرجل إمام الجماعة هذا، كيف هو.. إذا كان إمام ورعاً، لا تغره الدنيا، وهمه رضى الله - تعالى- سيتبعه الناس مؤيدين له. من هنا تقع على عاتق علماء الدين مهمة أخرى إضافة إلى بقية المهمات الأخرى. هذا ما يتعلق بعلماء الدين.
والحال نفسه ينطبق عليكم أنتم أيضاً، فما قام ويقوم به علماء الدين من تقديم الخدمات، تقومون به أنتم أيضاً إذ تخدمون الإسلام، أنتم حراس الإسلام. وهؤلاء أيضاً هم حراس الإسلام. كلكم معاً تقومون بعمل واحد، غاية الأمر أن مراكز عملكم مختلفة. هكذا الحال بالنسبة لكم. لا تظنوا أنكم إذا فعلتم مخالفة- لا سمح الله- سيقول الناس: هذا الإنسان قام بالفعل الفلاني، وإنّما يقولون: حرس الثورة هم هكذا، حرس ماذا؟ حرس الإسلام. أولئك المغرضون، أولئك الذين يريدون العثور على ثغرة يباشرون عملية الإعلام والتبليغ بأن النظام السابق قد ولّى وجاء نظام آخر كسابقه، بل أسواء منه. هذه الأمور تعطي انطباعاً وصورة سيئة لنظامنا، يعرّفونه على أنه نظام فاسد.
خطر الإساءة الى سمعة الاسلام
ما أجل الخدمات التي قدمتموها- حفظكم الله جميعاً- ما أكثر الرجال والنساء في هذا البلد، وخاصة النساء، اللاتي وقفن في المقدمة خلال مراحل هذه الثورة، قدّمن كل هذه التضحيات من أجل أن يتحقق الإسلام. كان شغلهم الشاغل أن تقوم جمهورية إسلامية ويتجلى العدل الإلهي. إذا بدر منّا ومنكم شيء لا قدر الله على خلاف العدل الإسلامي ونافى أحكام الإسلام، فإن أولئك المتربصين والمترصدين لكم سيعملون على تهويل هذا الأمر، ويقولون هؤلاء لا يقولون بأن حسناً أو حسيناً هو الذي أساء وأخطأ بل يقولون: حرس الثورة كلهم على هذا النمط. فالصلحاء أيضاً سيصنفون ضمن المخطئين بسبب واحد من الأفعال الخاطئة. هذا الأمور مدعاة لأن يتمادى هؤلاء، فيقولون: إن الجمهورية الإسلامية كلها بهذا الشكل. بل قد يؤول الأمر إلى ما هو أسوأ فيقولون: هذا هو الإسلام.
دسائس كارتر
هذا النمط من الدعاية والإعلام شائع الآن في الخارج. فأولئك الذين هم في الخارج (الأجانب) ممن تضررت مصالحهم لا يهدأون ولا يقر لهم بال. القوى الكبرى؛ السيد كارتر نفسه، هذا الذي يرى أنه فقد كافة مصالحه المادية وراح يواجه اليوم الهزيمة على الصعيد السياسي لن يقر له بال. فهو دائب في حياكة المؤامرات. يتوسل إلى هذا الرئيس وذاك الرئيس، لا أدري هذا الرئيس الفلاني، هذا المجلس الفلاني وذلك المجلس الكذائي؛ يتوسل إلى هؤلاء ويسعى أن يشاطروه التفكير في الوقوف بوجه إيران. كل هذا الأمر ناجم عن الخوف الذي تملّك هؤلاء، ليس هذا الشخص فحسب، بل كلهم، تملّكهم الخوف من احتمال قيام الإسلام وتطبيق أحكامه على الأرض. ولئلا يدوّي هذا الصوت وتنطلق هذه الثورة يوماً من إيران، هذه الثورة التي امتدت أشعتها اليوم لتخترق الحجب في كل مكان، كل العالم اليوم يتحدث بها، الصحف تتحدث بإيران، القنوات الإذاعية والتلفزيونية كلها تبحث وتدرس ما يجري في إيران وما يتعلّق بهذه الثورة. وخشيتهم من امتداد هذا الموج الإسلامي إلى الخارج فيفتح البلدان الواحد بعد الآخر، فيشلّ هؤلاء، ويلحق بهم الهزيمة في هذا العالم. من هنا لا يستقرون ولا يكتفون بالمراقبة. أخذوا يبحثون هنا وهناك عمّن ينضمّ إلى صفهم. لنرَ ماذا سيفعل العالم ورؤساء الجمهوريات ومن لفّ لفّهم. لنر إلى أي مدى تكون دول العالم مطيعة للسيد كارتر، وإلى أي مدى تبدي استعدادها للتنازل عن كرامتها وكرامة شعوبها من أجل السيد كارتر. إنه يريد أن يأخذ شقياً مريضاً إلى أمريكا ليعالجه هن- اك حتى يثبت للش- عب الأمريكي وبقية الشعوب حسب تصوره وفاءه للخونة الذين قاموا بعمل خياني من أجله، وليمهد لنفسه كي يجري انتخابه في الدورة الرئاسية التالية، لكنه في الحقيقة يفضح نفسه بهذا الفعل.
جرائم الشاه المتواصلة ودعم كارتر
إن علماء العالم ومفكريه في كل مكان يستهجنون كارتر اليوم، والسبب في ذلك يعود إلى الخيانة الكبيرة التي ارتكبها على شعب، وهذا الشعب يقول له الآن: هذا الجاني الذي جاء إليكم وآويتمونه ليس لاجئاً سياسياً، كي تقولوا بأنه لا يمكننا تسليم اللاجئ السياسي. إن هذا مجرم وفقاً للقواعد والأعراف السائدة. كل القواعد السائدة في العالم تقر بذلك؛ تقر بجرم من يمارس الظلم طوال خمسين عاماً، وهذا الإنسان أجرم ما يزيد على ثلاثين عاماً، كل هذه الجرائم على هذا الشعب وأذاقه كل انواع الأذى، فقتل من أبنائه كثيراً، وأحرق آخرين، وقطع أرجل مجموعة أخرى، إن ما ارتكبوه من جرائم لا نستطيع حتى تصورها، إرتكبوها في زنزانات تحت الأرض ودهاليز مظلمة تم عرضها في وقت من الأوقات؛ الدهاليز التي أوجدتها منظمة الأمن المجرمة. ما أفظع ما جرى في هذه الدهاليز على أبناء هذا الشعب المسلم، على هؤلاء الناس وهؤلاء المفكرين والنخبة. حتى أولئك الذين زجوا في تلك الأماكن ومن ثم تحرروا ربما لا يمكنهم أن يقولوا لنا كل ما فعلوا بهم.
إننا كشعب نعلن لكل العالم بأننا تعرضنا إلى هذا الحد من الجرائم. وبهذا الحجم نهبت أموالنا ومن ثم أودعت في جيب كارتر بيد محمد رضا بهلوي ومن لفّ لفّه، وبهذا الحجم ارتكبت هذه الجرائم ضد هذه البلاد، القتل والنهب كانا بهذا الحجم. ولذا نريد أن نأتي به إلى هنا ونحاكمه، لنعرف لماذا فعل كل ذلك! أصل الموضوع هو أن كارتر يخاف من أن يأتي هذا الشخص ويبوح بكل شيء. يقولون: إنهم يقومون الآن بغسل دماغه، ليستولي عليه النسيان، كي لا يستطيع البوح بشيء. إنهم مشغولون بهذا الأمر، ولا يتورعون عن القيام بأي شيء. بينما نحن لا نفعل ذلك. ليغسلوا دماغه كيفما ما أرادوا. ليفعلوا معه ما طاب لهم لينسى كل شيء. لكن شعبنا لن ينسى. إنه شعبنا الذي تصدح حناجر أبنائه هنا. أبناء شعبنا الذين يصرخون اليوم (الموت لأمريكا) إنما قصدهم كارتر. الشعب الأمريكي لم يرتكب شيئاً ضدنا، ولو عرف الشعب الأمريكي حقيقة الأمر فإنه سيكون ضميره الإنساني إلى جانبنا.
كارتر والنزعة الإنسانية!
هؤلاء الذين يعارضوننا هم ممن لا ضمير لهم. إن القوى الكبرى هذه لا يهمّها الإنسان. تدور في خلدهم أفكار جنونية فيعملون تحت عنوان الدافع الإنساني على قهر أحد ما والتغلب عليه. ويعمدون إلى فرض الحظر الإقتصادي والتدخل العسكري في بلد يبلغ عدد نفوسه خمسة وثلاثين مليون نسمة، وذلك بدافع إنساني! حسناً جداً، (تقولون) إنه إنسان، ومن هؤلاء القوم أنفسهم، وليس غريباً عنهم. أمن أجل مجرم ارتكب كل تلك الجرائم على مدى خمسة وثلاثين عاماً تريدون ممارسة ضغط اقتصادي على خمسة وثلاثين مليون نسمة حتى يموتوا وذلك من دافع إنساني حسب زعمكم. خمسة وثلاثون مليون نسمة من أهل هذه الديار لا أستطيع أن أقول بأنهم من نفس طراز هذا الشخص، فطينتهم تختلف عن طينته، وما هو بإنسان. عموماً لو كان باستطاعتكم لفعلتم، لكنكم لا تمتلكون قوة كهذه. أنتم يا من تقولون: إنكم تحملون نوازع إنسانية، هنا خمسة وثلاثون مليون إنسان، أيموت هؤلاء الخمسة والثلاثون مليون إنسان من أجل إنسان واحد حتى لا يفتضح أمركم! يا سيد الإنسانية! خمسون من أبنائنا، خمسون ألف إنسان من أعزائنا في أمريكا يواصلون دراستهم الجامعية.
هل تريد أن تطرد خمسين ألف جامعي من أمريكا دونما أي سبب. هل تحمل نوازع إنسانية؟! هل إنك تعمل وفقاً للقوانين الدولية؟! هل أنت تحب البشرية؟! أتراعي حقوق الإنسان؟! هؤلاء الخمسة والثلاثون مليون نسمة هنا، لا حق لهم في شيء أبداً! ومجرم شقي هو الذي معه الحق! خمسة وثلاثون مليون نسمة كثير منهم علماء دين وكثير منهم من حملة الشهادات وكلهم مؤمنون ومتقون، نفوس بعدد خمسة وثلاثين مليون نسمة تريدون أن تقولوا: لا حق لهم في هذه الدنيا أبداً. الحق فقط الى جانب محمد رضا. الحق إلى جانب هذا المجرم. ألسنا على حق في أن نقول: ما ارتكبه لم يكن بدافع إنساني يختلج في نفسه، لأن ذلك يتنافى والنزعة الإنسانية.
زلة كارتر
القضية هي أنه أساء التقدير والتخمين، ويبدو أنه يصر على تقديره السيئ. كان تقديره سيئاً منذ البداية، وقيل: فرض عليه. هدفه منذ البداية هو أن يحقق الفوز بولاية رئاسية ثانية. لقد أساء في اختيار الوسيلة، إذ لم تكن الوسيلة هي أن يأخذ الشاه إلى هناك، ويحيكوا الدسائس والمؤامرات. أو أن يقول يريد معالجته. على كل حال أنا لا أعلم. مجموعة تقول بأنه ذهبوا به هناك لتدبير مؤامرة، ومجموعة أخرى تقول: لا، فهذا تعيس وهو مصاب بالسرطان، وأشياء أخرى. لقد أساء اختيار الوسيلة والطريق. تصور خطأ أن الوضع الآن كما كان في السابق، كأن يقول لمحمد رضا شيئاً فيفرضه الأخير على الشعب، والشعب سيلتزم الصمت. هكذا كان الوضع آنذاك. حتى أنه كان يقال له بأن عليك أن تفعل كذا، أنت مأمور بأداء هذا العمل، وبالفعل كان يقوم بواسطة أزلامه بفرض ذلك الأمر على الناس، والناس كانوا على حال الاستسلام.
الخنوع للظلم أقبح من الظلم
كان يظن أن شعبنا اليوم على حاله في السابق. لا يدري بأن شعبنا قد شهد تغييراً بات موجوداً إنسانياً بمعنى الكلمة. موجوداً يريد الدفاع عن نفسه. موجوداً لا يرضى أن يركن للظلم. إن منهج الإسلام يأمر بأن لا تظلم وفي نفس الوقت لا تخنع أمام الظلم. الاستظلام يعني أن الخنوع للظلم لا يقل عن الظلم نفسه، فالاستظلام يعد بحد ذاته ممارسة الظلم. ممارسة الظلم على شعب ما. ظلم من هذا الطراز. كلاهما محظور في الإسلام. ليس لك الحق لا أن تظلم أحداً ولا تسكت مقابل من يظلمك. شعبنا بات على هذا النمط، لا يريد بعد الآن أن يتحمل منك أي ظلم. لا يريد. إن رؤساء الجمهورية الأمريكيين الذين مارسوا الظلم ضدنا حتى الآن وأتلفوا بأيدي عملائهم كل ممتلكاتنا وثرواتنا والأدهى أنّهم ساقوا كوادرنا نحو القهقرى، ولا نريد أن نتحمل هذا الظلم بعد الآن.
إننا نريد أن يأتي هذا الرجل إلى هنا لنحاكمه. علماً أنه ليس بمهم، ليس إنساناً. بل لم يكن آنذاك إنساناً أيضاً، نعم إنه ليس بشخص مهم. ماذا نفعل بتعيس ذليل يأتي إلى هنا. الشعب ليس عاشقاً لرؤيته! إننا نريد أن يأتي هنا لمحاكمته وليقوم بالإجابة عن الملفات الطويلة العريضة بشأن جرائمه. كل هؤلاء المعاقين وأصحاب العاهة الذين كان هو السبب في فقدهم لأعضائهم، لنعرض هذه الملفات إلى العالم، ونقول له هذا هو حالنا، هذا هو حال شعبنا على مدى السنوات النيف والثلاثين الماضية من حكومة هذا الإنسان. بهذا الشكل كان وضعنا؛ هذا ما حصل لشباننا، نأتي بالعجائز اللاتي فقدن أولادهن وهم في سن الشباب ليقدّمن صورهم، هؤلاء هم شباننا الذين فارقوا الحياة في (سينما ركس).
قلق أمريكا من الكشف عن الخيانات
اليوم جاءني أحد كبار السن يقول: فقد أربعة أو خمسة إلى ستة من أولاده.. حسناً، إننا نريد أن نفصح عن ذلك. هذا السيد ذو النزعة الإنسانية أخذ هذا الإنسان واحتفظ به إلى جانبه. لا لأنه يفكر في المحافظة على إنسان. حسناً، إنه ليس بإنسان حتى يحافظ عليه. إنه لا يفعل ذلك من دافع إنساني. إنه يخاف من تسليمه إلينا لئلا يفتضح أمر الرئيس الأمريكي ولا يستطيع في المستقبل الفوز في الانتخابات الرئاسية التالية. أي بمعنى أن ترفض أمريكا ذلك الرجل وتصارحه علناً بأنك لا تمتلك المؤهلات اللازمة للتصدي لرئاسة الجمهورية. ليعرف شعبه ماذا كان يفعل رؤساء جمهوريتهم مع الناس! ماذا فعلوا مع العالم! ليست الشعوب مسمومة الأفكار كهؤلاء الرؤساء. إن الشعوب سديدة النظر، إلا من لفّ لفّ هؤلاء الناس، فإنهم يخافون حصول هذا الأمر. ولو كان شعبنا قد قال منذ البداية: اقتلوا محمد رضا الذي تحتفظون به هناك، لقتلوه، فمثل هؤلاء لا يتورعون عن القتل.
رهائن وكر التجسس واستغلال كارتر
أنتم تتصورون أن هؤلاء متألمون لهؤلاء الخمسين جاسوساً الموجودين هنا، النيف والخمسين جاسوساً الموجودين هنا، وأنّ نزعتهم الإنسانية وحبهم لأبناء شعبهم هما السبب فيما حصل؟ ثقوا بأن الأمر ليس كذلك. فهم يرسلون جنودهم فوجاً بعد آخر خدمة لمصالحهم الخاصة، يرسلونهم إلى الجبهات كي يقتلوا ويُقتلوا. يعرّضون الآلاف من أبناء شعبهم للقتل، الأمر الذي دعا إلى أن يعلو صوت في أمريكا يقول: أي نمط من الناس رئيس جمهورنا هذا؟ هذا هو حالهم، وهذه هي نفسياتهم، حالة أرواحهم الآن ليست كالروح الأولية التي هي الفطرة الإنسانية أو الفطرة الأولى، لقد فقدوها.
إن كافة الناس يجبلون على الفطرة الصحيحة، لكنهم يتغيرون فيما بعد وفقاً للعوامل البيئية والتربوية وما شابه ذلك. هؤلاء ومن أجل النيف والخمسين نسمة الذين هم الآن في الحبس، وهو في الواقع حبس بمواصفات جيدة؛ فالمكان الذي كانوا يعيشون فيه يعيشون فيه الآن بنفس المستوى، وعلى ما أخبروني حتى الآن، وما أوصيتهم به دوماً يقضون أيامهم بمنتهى الرفاهية، غاية الأمر أن أولئك بدأت أصواتهم تعلو أن كيف يعيش هؤلاء وما إلى ذلك. ومن ذهب منهم الى هناك قال: ليست القضايا على ما يشاع.. لا، ليس تهافتهم وصرخاتهم هذه من أجل هؤلاء النيف والخمسين نسمة. هذا التهافت كله من أجل أن ينتخب (كارتر) رئيساً للجمهورية لولاية ثانية. هذا الأمر همّه الوحيد، وأنا أعده بأن لا ينتخب إن شاء الله. فاعتلاء منصب رئاسة الجمهورية له طريقته وأسلوبه.
حديث مع كارتر
حتى لو افترضنا أن انتخبت لأربع سنوات أخرى، تكون رئيساً لخمس سنوات تالية، فهل هذا الأمر يستحق أن يقوم إنسان بإظهار شعب يزيد عدد نفوسه على المائتي مليون نسمة وللناس بهذه الصورة؟ ألهذا الأمر قيمة؟ ارتكاب الجرائم لأربع أو خمس سنوات أخرى. حسناً، الرئاسة بالنسبة لهؤلاء تعني ارتكاب الجرائم. لها قيمة هذه الرئاسة التي تعادل ارتكاب الجرائم على مدى خمس سنوات. إن الأمر لا يستحق أن يجري تلويث الشعب الأمريكي الذي لا ذنب له في هذا المضمار، وجعل دول العالم سيئة الظن بهذا الشعب. أأنت خادم شعبك! لو كنت خادماً لشعبك لقلت: حسناً، هذا جانٍ ونحن نسلّمه لمن جنى عليهم. هذا هو معنى الخدمة، وفيه حفظ ماء الوجه، لشجعك وصفق لك كل الشعب الإيراني. لكن ما هو الحال الآن؟ إنهم يعتبرونك اليوم مجرماً، أسوأ من ذلك المجرم.
الآن باتت الأمور واضحة، وراحوا يعتبرونك تسوق شعبك نحو الضياع. هل لهذا الأمر قيمة؟ حتى لو افترضنا أنك ستصبح رئيساً للجمهورية فهل هذا الأمر يستحق أن يرتكب الإنسان كل هذه الجرائم من أجل خمس سنوات؟ نفس هذا الشاه المخلوع الذي كان يسمي نفسه بالشاه، ويقول: أنا الملك حتى نهاية عمري حينما كان يرتكب الجرائم كان يقول: إنه أمر قيّم، أنا موجود إلى نهاية عمري. لم يكن يعرف أن الله لم يشأ ذلك. لكن أنت يا رئيس الجمهورية، أنت رئيس للجمهورية خمس سنوات، أو ست سنوات، ليس حالك كالملك، لابد وأنك ستذهب بعد بضع سنوات. ما لك فعل حتى النهاية، فمنافسوك موجودون يتحينون الفرص، وليس معلوماً، الوهم يسيطر عليك في أنك ستبقى في هذا المنصب. أنت لا تدري اليوم إن كنت ستفوز بمنصب الرئاسة مرة أخرى أم المرشحون الآخرون.
أحدكم ينكل بالآخر. الوهم يجعلك تفكر؛ هل أنا باق سنوات خمساً أو ستاً أخرى في منصب رئاسة الجمهورية، وفي خضم هذا الوهم صرت تفقد شعبك وتضحي به. إنك تقوم بإظهار شعبك وكافة شؤون أمريكا بمظهر فاسد في مقابل الشرق، فهل يناسب أحداً أن يفعل كل هذا العمل من أجل وهم لا غير؟ أيقضي العقل بأن يرتكب الإنسان مثل هذا الكمّ من الجرائم، لا لشيء إلا لأني ربما أصل إلى ذلك المنصب؟ هكذا هو حال هذا النوع من الناس.
خاطرة من مرحلة الشباب
إننا اليوم مبتلون بمثل هؤلاء الناس، أو الآدميين أو الموجودات التي يجب على كافة أبناء الشعب أن تكافحها. إننا لا نهاب أن نُحاصر اقتصادياً، أو افترضوا أن يكون هناك تدخل عسكري. إننا لا نخشى هذه الأمور. ربما لا أحد منكم يتذكر كل هذا الضجيج الذي ترونه الآن كان موجوداً في السابق. لقد شاهدناه وعشناه. كنا في تلك المنطقة، أعني عندما كنا في خمين كنا نعمد إلى إيجاد السواتر. كانت عندي بندقية. غاية الأمر أني كنت في عمر الفتوّة، كنت في السادسة عشرة أو السابعة عشرة من العمر. ولديّ بندقية وقد تعلمنا الرماية بها ومازلت للآن أعرف الرماية. غاية الأمر أني صرت من الشيَبة اليوم. كنا نذهب إلى السواتر وكان هناك اضطرابات وصدامات مع شرذمة من الأشرار التي كانت تحاول الهجوم والنهب. لم يكن للحكومة المركزية القدرة على الأخذ بزمام الأمور. هذه المنطقة هي كاشان وحدود قم وكاشان وكانت بيد نايب حسين كاشي «1» وابنه اللذان كانا يهجمان على حدودنا هم والزلقيون «2» وغيرهم. وذات مرة جاءوا إلى خمين واستولوا على محلة منها. فانتفض الناس عليهم وحملوا السلاح بوجههم، وكنا منهم فتحركنا بقدر استطاعتنا.
عار الساسة التابعين لأمريكا
إننا نأمل أن يكون أبناء شعبنا كلهم حاملين للبنادق، وكلهم مقاتلين. نوجه ضرباتنا على قدر استطاعتنا. أنتم جئتم بالفانتوم فوق رؤوسنا. افعلوا ما شئتم، لا تحاولوا إخافتنا من أنكم ستأتون بالعسكر. اننا سندفن جنودكم هنا. لا تحاولوا انطلاقاً من نزعاتكم الإنسانية إخافتنا بتجويعنا. كلا، ليس الأمر كذلك. رزقنا يبعثه الله تعالى، ونحن قادرون على أن نستخرج قوتنا ورزقنا من أرض الله هذه. ولقد انتبه كل مزارعينا بإذن الله إلى الأمر وسيكرسون المزيد من الجهود لتحسين الإنتاج الزراعي. في كل الأحوال، نحن الآن مبتلون بمثل هذه القوة. ونأسف على أن في الداخل تيارات تحاول بشتى الطرق تحقيق مآرب المعتدين علينا أي تجهد نفسها من أجل أن تكون لأمريكا الهيمنة. كيف لنا أن نبعد وصمة العار هذه، أن يسعى أبناء البلاد ومن هم من صلب هذا الوطن الذين ولدوا هنا وترعرعوا هنا، لإعادة العلاقات مع أمريكا بعد أن قام بلدنا وشعبنا بتمزيق الهيمنة الأمريكية هنا؟ أنّى لنا أن نخفي وصمة العار هذه. لمن نشتكي ونقول أن من بيننا من يخل بمسيرة البلاد، ولا يريد أن تقوم الجمهورية الإسلامية فيها، لأن الجمهورية الإسلامية إذا قامت قصرت عنها أيدي الأسياد، يخافون لئلا يحصل هذا الأمر.
اتباع منطق كارتر
كانوا يحاولون الإخلال بالأوضاع منذ اليوم الأول الذي جئنا فيه إلى هنا، بل قبل ذلك. يحاولون الإخلال في كل خطوة. أردتم التصويت، فلم يدعوكم وشأنكم لتدلوا بأصواتكم، ولم يدعوكم تكونوا مجموعة واحدة. وحينها تقدمتم وهزمتموهم. ثم جاءت الخطوة الثانية التي تمثلت بقضية الدستور، وما أسخف الأباطيل التي تفوهوا بها لئلا يحصل مثل هذا الأمر الذي أدلى الشعب برأيه بنسبة تسعين في المئة أكثر من السابق. صوتوا بنسبة تسعين في المئة. والآن هاجوا بسبب أن الأسياد باتوا في مهب الريح، فماذا نفعل؟ لايزالون يواصلون ضجيجهم، يريدون تفضيل رأي عدد من الأشخاص على رأي كافة الشعب تحت لافتة مصلحة الشعب. هذا نفسه هو منطق كارتر، ومنطق كارتر هو أننا نسحق سكان بلاد بخمسة وثلاثين مليون نسمة من أجل شخص واحد. هؤلاء أيضاً يريدون إطفاء جذوة نهضتنا الإسلامية وهزيمة الإسلام من أجل بضعة أشخاص أو من أجل عدة معدودة أو من أجل حبهم لأمريكا. إنه ليبعث على الأسف. يريدون هزيمة الإسلام عن قصد أم غير قصد. لكنهم لن يستطيعوا. هكذا أصبحت بلادنا وشعبنا اليوم. فشعبنا بات يقظاً نبهاً يترصد بعينيه ولا جدوى من هذه المؤامرات بعد الآن فكلها سيحبطها الشعب.
أسأل الله تعالى أن يمنّ عليكم بالسلامة إن شاء الله، وأنا أدعو لأخواتي وإخوتي ولكم جميعاً، وسأظل أخدمكم طالما فيّ عرق ينبض. حفظكم الله جميعاً إن شاء الله.
* صحيفة الإمام، ج11، ص:218,208
1- نايب حسين كاشي أحد المتمردين المعروفين في المنطقة المركزية، الذي جاء هو وعدد من أولاده وأقربائه إلى طهران بحيلة دبرها وثوق الدولة، وحين وصل اعتقل وأعدم.
2-( الزلقي)، هي مجموعة متمردة كانت في أواخر عهد القاجاريين وأوائل حكومة رضا خان.