التاريخ: 6 دي 1358 هـ. ش/ 7 صفر 1400 هـ. ق
المكان: قم
الحاضرون: منتسبو شركة النفط
بسم الله الرحمن الرحيم
افضل الثورات
المسائل التي حدثت بعد الثورة تنقسم قسمين: المسائل المتعلقة باستمرار وتواصل الثورة- الثورة بمثابة طفل تجب تربيته وتنشئته، يحتاج إلى التمريض- وتوجد مسائل أخرى هي مسائل ثانوية عندما تتحقق الثورة تجب متابعتها. بعد كل ثورة تطرأ أحداث وبلبلة لا بدّ منها، ولا توجد ثورة بمنأى عن هذه الأحداث. الثورات العظيمة التي حدثت في العالم مثل ثورة فرنسا، ومثل ثورة اكتوبر (روسيا) مثل هذه الثورات شهدت مشكلات كثيرة بعد حدوثها. لقد شهدت بعض الثورات إبادات واسعة وصلت إلى أكثر من مليون، وفي بعض الأحيان وصلت إلى مليوني نسمة. لأن الثورات في تلك البلدان لم تكن ثورات أخلاقية. لم تكن ثورات إسلامية إضافة إلى أن هذه الثورات لم تكن منبثقة من بين شرائح الشعب ومن بين ظهراني المجتمع مثل ما هو في ثورتنا كانت في بعض الأحيان، ولكن ليس بهذا الشكل، فإنّ ثورتنا أنزه ثورة حدثت حتى الآن، فبعدها لم يتم تأديب أحد أو إعدامه إلا تلك الشرذمة التي كانت من عملاء النظام السابق وأولئك أيضاً نفّذ الحكم عليهم بعد محاكمتهم وإثبات الجرائم التي ارتكبوها. الحرية المطلقة التي تم تقديمها بعد الدكتاتورية المطلقة التي كانت تسود إيران كانت سريعة جداً. جميع الاقلام وجميع الألسن كانت حرّة. فالأقلام تكتب، وجميع الاحزاب حرّة والجميع كشفت عن وجودها، ولم يصدّهم أحد.
الصحافة العميلة للصهاينة وأمريكا
واستمر هذا الوضع خمسة أشهر، ولم تكن هناك خلافات. وبعد خمسة أشهر أدركوا أن بعض هذه الصحف، بعض هذه المجلات عميلة لإسرائيل وعميلة لأمريكا، وتقوم حالياً بحياكة المؤامرات. يحيكون الدسائس خلافاً لمسيرة الشعب. وحكمت المحاكم بأنه يجب البت في هذه الأمور، ولم نجد غي اي مكان بالعالم مثل هذا التعامل بعد انتصار الثورات. فبعض الثورات تغلق المطبوعات قاطبة، تغلق الصحف قاطبة، الكلام يتمّ إخماده في المنطقة. لم يكن من الممكن لأحد إصدار صحيفة بعد الثورة. وفي بعض الثورات كانت تبدأ عمليات الإبادة مباشرة بعد الثورة. عمليات ابادة كثيرة، تصفيات جماعية هي في حقيقتها إبادات. كانوا يقذفونهم في البحر، ولكن في الثورة الإيرانية لم تحدث هذه الأمور، ولم نشهد في يوم من الأيام أنّ مسؤولين من الحكومة أو الشعب عزموا على هذا الأمر أو قاموا بعمليات قتل. بعد الثورة وهكذا كانت الثورة.
مؤامرة إفساد الثورة من الداخل
غرماؤنا أناس مخضرمون وواعون، فقد قاموا بمطالعات واسعة، ليتلافوا الموقف، إنهم يرون مثل هذه الثورة حدثت في هذا الوقت بيد الشعب، ولم تكن انقلاباً لكي يتسلّم زمامه أحد ما والهيمنة عليه، بل جاءت الثورة على يد هذا الشعب وليس بالامكان كبح جماح الشعب، فماذا يجب أن يفعلوا لكي يحولوا دون أن تثمر هذه الثورة. يجب إفسادها من الداخل. فتركّز نشاطهم الآن على إيجاد النفاق والخلاف في الأوساط الثورية لوأد الوعي الجديد ودفنه. وبعد أن يقوموا بدفن الثورة، يأتون وينصّبون من تمّ اختياره سابقاً. فعلى شعبنا أن لا ينسى في أقل التقادير هذه المسألة الواضحة، وهي أن قوة عظمى كانت لديها مصالح هنا، كانت لها مطامع، كانت لها مصادر نفط في إيران، وكان لها موقع استراتيجي عسكري في إيران (تتربّص بنا). إنّ إيران منطقة حسّاسة لجميع القوى العظمى. مثل هذه البلاد التي انتفض شعبها، رجالًا ونساءً، صغاراً وكباراً، وبإرادة الله ووحدة الكلمة استطاعوا احراز التقدم، فهؤلاء الآن ولأجل الضربة التي تلقوّها ومصالحهم التي فقدوها، لا يستطيعون القيام بمخططاتهم ومؤامراتهم في هذا المكان كما في السابق، فعلى عهد النظام السابق كانوا يستخدمون هذا المكان للأمور التي يشاءون، مثلًا كانوا يريدونها، لكي يوجدوا فيها قواعدهم العسكرية، ولكن الآن لا يستطيعون فعل ذلك. فقرروا إفساد النهضة والثورة من الداخل.
العملاء المتغلغلون ومؤامرة بث الفرقة
لقد توغّل عملاء هؤلاء بين جميع الشرائح وفي كل مكان. في النفط، يوجد من هؤلاء في منشآت ومراكز النفط. أين ما تذهبون، في الجيش، قوى الدرك، في حرس الثورة، في لجان الثورة الإسلامية، في الدوائر، يوجد من امثال هؤلاء الذين فقد عدد منهم مصالح كثيرة كانت له سابقاً، لقد فقدوها وهم يسعون لاستعادتها بنظام شبيه للنظام السابق. والبعض منهم أيضاً من القوى العظمى، أولئك أيضاً فقدوا مصالحهم، ولا يتركوننا بسلام بسهولة. لقد توغّلوا في جميع هذه الشرائح بطرق مختلفة ويحاولون بث الخلاف بينهم. إنّهم شاهدوا النصر جاء من منطلق وحدة الكلمة واتكال الشعب على الله، وعرفوا جيّداً أنه مادامت هاتان المسألتان قائمتين (وحدة الكلمة والاتكال على الله) فإن الانتصارات الأخرى ستتواتر أيضاً. وتقطع أيديهم من إيران بصورة تامّة. لذلك يستغلون الشريحةالشبابية التي لا تدرك المسائل على حقيقتها، فيذهبون في كل مكان إلى الشباب الصفيّ السريرة والفطرة النقية ويؤثرون فيهم بالإعلام المكثّف. وعلى يد هؤلاء الشباب وباسم الإسلام وتحت لافتة الترحّم على الشعب، والترحّم على البلاد يستغلون هؤلاء. والغاية هي عدم السماح بإرساء الاستقرار في هذه البلاد ونشر الفوضى في كل مكان فيها، في جميع القوى الأمنية، بين حرس الثورة، في لجان الثورة الإسلامية، في المحاكم، في الإدارات، بين المزارعين بين موظّفي صناعة النفط، إنهم يحاولون اثارة البلبلة في جميع هذه الأماكن، لكي يعكسوا ذلك في الخارج، ويتقوّلوا بأن هذه البلاد لا تستطيع إدارة شؤونها، وأنها بحاجة إلى مدير لكي يدير شؤونها. قد يتحمل الشعب ضغوطاً ومصاعب وأعباء كثيرة، إلّا أنّ عليه أن يعرف ما هو المقصود من هذه الأمور. يحضرون في الأماكن التي يقوم الفلاحون بالزراعة، ويصدّونهم عن عملهم، ولا يسمحون لهم بالقيام بأي شيء. يبذلون ما بوسعهم لكي لا ينجزوا أي عمل في المصانع. ولكنهم لم يستطيعوا عمل شيء. قاموا بأعمالهم بأشكال مختلفة في الجامعات وفي الجيش وقوى الدرك وسائر القوى الأمنية. جميع هؤلاء لديهم غاية واحدة وهي منع حصول الانسجام الذي يجب أن يكون بين الشعب، وهو الذي استطاعوا بفضله تحقيق تقدمهم. ولأن المخالفين يعلمون جيّداً أن هذا الانسجام لو استمر لانتصر الشعب وقطع أيديهم إلى الابد. فماذا يجب ان يفعلوا؟ يجب ان يبثوا الخلاف بين هذه الشرائح بعنوان: أنا لا أملك بيتاً، أنا راتبي ضئيل، أنا مقامي ومسؤوليتي ليست بالمستوى المأمول، انه لا يريد أي منصب.
خطر الغفلة والخداع
أحد الأحاديث التي تتداول حالياً بين أوساط الجيش، هو أن بعض الشباب الذي تمّ تغريرهم يقولون: يجب أن لا تكون مراتب عسكرية، الجميع يجب أن يكونوا متساوين. وما أشبه ذلك من الأقاويل، إذ تم التلاعب بهم باسم الإسلام، فراحوا يقولون أشياء لا تمت إلى الإسلام بصلة. وفي بعض الأحيان يتعمدون أشياء يرتكبونها واعين، ويقومون بهذا العمل عن سبق إصرار. الاختلافات التي أوجدوها وأشاعوها بين الجميع، وأنتم شاهدتم انه في زمان الثورة، أي في الوقت الذي كان جميع الناس في خضم النضال ضد النظام السابق، لم تكن مثل هذه الخلافات، وان كانت موجودة آنذاك فانها لم تكن مؤثرة أبداً، إذ كان الجميع يتجاهلون مثل هذه الخلافات كلياً. لم يكن أحد يفكر كيف هي زراعتي، وما هي صناعتي، وأين هو بيتي. الجميع كانوا يفكرون بتأسيس الجمهورية الإسلامية. وحدة الكلمة هذه والانسجام اللذين كانا يسودان الشعب كانا منقطعي النظير في العالم، وهما كذلك الآن، هؤلاء يعرفون من أين يبدءون؟ وكيف يدمرون هذا الانسجام، منظروهم وخبراؤهم موجودون، ويستلهمون أعمالهم من المصادر الأخرى في الخارج، لبث الخلافات بين جميع الشرائح بكلّ وسيلة ممكنة. يمارسون التهمة، أين ما تذهب تجد التهمة سارية، وترى المرارة والألم طافحين بما يفعلون من اختلاق المشكلات وتكدير العلاقات فأينما تذهب ترى عدم الاستقرار، وكأن البلاد تسير نحو الفوضى، لأنهم لا يسمحون بأن تتم ادارة هذه البلاد بصورة صحيحة، ولا يسمحون بسيادة الهدوء لكي يتحقق جهاد البناء كما هو المطلوب. لا يسمحون بسيادة الهدوء لكي تتم إدارة القطّاع النفطي كما يجب، وكذلك في كل مكان. وهذا دليل على أن شبابنا لا يعون المؤامرة الكبيرة التي تحاك علينا اليوم. وتلك المؤامرة هي أن العامل الذي أدّى إلى هزيمتهم، ركزوا جميع جهودهم عليه، ويحاولون تدميره، إنهم يحاولون زعزعة عامل قوتكم.
خصيصتان مصيريتان
عامل قوتكم هو وحدة كلمتكم، فقد لاحظتم أنّه كان لهذا الشعب خصلتان، شكلتا سرّ انتصاره: الأولى هي أنّهم تنازلوا عن جميع الأشياء التي كانوا يرغبون فيها، ولم تكن هذه الأمور ذات أهمية لهم. الجميع كانوا يهتفون (الله أكبر). الجميع يقولون: (جمهورية إسلامية). الجميع كانوا يقولون: لا للنظام السابق. لم يكن أحد منهم يفكّر بوضعه الخاص آنذاك، حتى لو أفصح عن مكنوناته عند صديق له، فإن صديقه كان يقول له ضاحكاً: هذا الوقت ليس وقت هذه الأحاديث. هكذا كان الوضع. والخصيصة الثانية كانت تكمن في أن الجميع اجتمعوا على شيء واحد، وكان لله. والدليل على ذلك أنهم كانوا جميعاً يأتون ويهتفون بأنهم يرومون الشهادة، والشهادة مطلب إلهي.
فعلى هذا كان للانتصار سببان: الأول أنه كان لله فالهتاف: الله اكبر وأننا نقوم بذلك في سبيل الله، وأننا نريد جمهورية إسلامية. والثانية هي أنهم كانوا مجتمعين، كان هتافهم واحداً. الطفل الصغير والكهل الذي بلغ 80 عاماً كان كلامهما واحداً. وأعداؤنا وجّهوا سهامهم نحو هذين الهدفين. منذ اليوم الأول الذي تم فيه تحطيم حاجز النظام السابق ظهر الأعداء، وقاموا بخلق المشكلات وتوجيه حملاتهم لإسلامية النظام. قالوا: لا نريد الإسلامية، الجمهورية فقط، هذا الهجوم كان موجهاً للجانب الإسلامي، وكانوا لا يريدون الرضوخ للإسلامية، لأن هؤلاء الخبراء أدركوا أن النصر جاء من جهة الإسلام. لأن الناس لا يأتون للشهادة لأجل الجمهورية، فهم يقولون: إنهم يريدون الشهادة في سبيل الإسلام. والآن أيضاً يقولون: إنهم يلبسون الكفن لأجل الإسلام، وليس الكفن لأجل الجمهورية، ولا لأجل الجمهورية الديمقراطية. لقد أدركوا جيّداً أن هذه الجنبة هي الأساس، أساس الغاية، ويجب تحطيم ذلك. بالاقلام وبالأقوال بدأوا مهاجمة هذا الحصن، فقالوا: الإسلام لا ينفع الآن، الإسلام كان لألف وأربعمئة عام مضت، الإسلام حالياً شيئ تافه. وكانوا يقولون هذا تارة، ولا يقولون تارة أخرى. ولازم هذا أننا نريد الجمهورية، والمعنى هو أنه من غير الضروري أن تكون جمهورية إسلامية. هذا هو الهدف كان هذا ومازال.
الهجوم على رمز الانتصار
منذ ان حطمتم هذا الحاجز، وعدتم لكي تؤسّسوا الجمهورية الإسلامية، بدأ هؤلاء الناس بالبحث عن السر الذي أدّى إلى انتصاركم وأدركوا أن الإسلام هو السرّ، لذلك هجموا على الجانب الإسلاميّ من الجمهورية. كانوا يريدون منعكم من التصويت للجمهورية الإسلامية. فسعوا في الكثير من الأماكن أن يمنعوا إدلاء الناس باصواتهم. وفي بعض الأماكن حطموا الصناديق، وفي بعض آخر أحرقوها. منعوا الناس بالبنادق من الإدلاء بأصواتهم، لكنّهم واجهوا الاخفاق هنا، لأن الناس واجهتهم بالمعنويات السابقة، فأدلوا بأصواتهم. وبعد ذلك كلّما خطوتم أنتم خطوة إلى الأمام، استهدفوا تلك المرحلة التي لها جنبة إسلامية.
كنت أريد الآن التحدث بالتفصيل، لكن لا وقتكم يسمح ولا وقتي. طالعوا بدقة فإن في كلّ مرحلة معارضة، والمعارضة كانت الجانب الخاص بالإسلامية وهؤلاء كانوا يقومون بهذا الأمر إما عن علم- فهم عملاء- وإما كانوا شباباً غير مطّلعين. أولئك الذين يعلمون كانوا يتلاعبون بهم، وهؤلاء كانوا يتحدّثون. وفي هذه المرحلة وما تلاها من مراحل واجهوا الهزيمة، أي أن الناس أدلوا بأصواتهم للجمهورية الإسلامية. حوالي 98 بالمئة أو فوق ذلك من الأصوات كانت إيجابية، وبعد ذلك بدأت المعارضة لمجلس الخبراء، وخالفوا، ومع ذلك اختار الناس خبراءهم، وبعد ذلك قدّم الدستور للاقتراع، هنالك أيضاً بدأت المعارضة، وعارضوا، لكن مع ذلك حقق الشعب انتصاره. ولكنهم لم يقفوا جانباً، ووصلوا إلى هذه المرحلة. وطبعاً رئاسة الجمهورية ومجلس الشورى الوطني، هذه أيضاً ستواجه معارضات كثيرة، هذا كان جانباً واحداً.
محاولات العدو لبث الخلافات
الجانب الآخر من القضية هو اتحاد الناس، فقد كان جميعهم يداً واحدة، وكأنهم نفس واحدة، صوتهم واحد، فلو كنتم ذهبتم إلى بندر عباس لكنتم تسمعون ما تسمعون في الشمال. ولو كنتم تذهبون إلى شرق إيران، لكنتم سمعتم ما يقولونه في غربها. الأطفال كانوا يقولون الشيء نفسه، والكهول أيضاً كانوا يقولون الشيء نفسه، الفلاحون والمفكرون وكلّ الشعب هكذا. وأولئك الذين كانوا عكس هذا التيار، لم ينبسوا ببنت شفة آنذاك لأنهم ما كانوا يستيطعون قول شيء. وعندما وصلتم إلى المرحلة التي توقّعتم أنكم والحمد لله قطعتم شوطاً طويلًا فيها وانتصرتم، لم تلتفوا إلى أنه، لا لم ننتصر بل خطونا خطوة نحو النصر والطريق طويل بين أيدينا، فأولئك ظهروا في هذا الطريق الذي كانوا يقولون، وبدأوا ببثّ الخلافات. وأنتم اليوم إن ذهبتم إلى أي مكان سترون أن مجموعات تعارض مجموعات أخرى. مجموعة من المعارضين يتواجهون بالسلاح ويتقاتلون فيما بينهم ومجموعة أخرى لا تشبه سابقتها بل يتحدّثون بعضهم إلى بعض، ويتبادلون التهم. يفعلون أموراً كي يقللوا من العمل الذي يؤدّى في الدوائر. يفعلون أموراً على سبيل المثال كي ينخفض مستوى العمل في قطاع النفط، أو لكي تنتشر البطالة. يحاولون تفجير الأوضاع. ولو غضضنا الطرف عن هذه الأمور، ووضعناها جانباً نرى أنّ يداً واحدة تعمل وهي التي تريد عدم السماح بتأسيس الجمهورية الإسلامية بتلك الصفات التي يريدها الباري سبحانه وتعالى لأنه في تحققه تبوء جميع آمالهم بالخيبة.
التربص بالثورة الفتية
اننا اليوم ابتلينا بهذه المرحلة التي يجب أن نربّي فيها هذا الطفل (الثورة) هذا الذي يبلغ عمره عاماً واحداً، ولا يستطيع المشي حتى الآن. فيجب علينا مساعدته على المشي، وعلى جميع شرائح الشعب الالتفات إلى أن هؤلاء لا يريدون، ولا يرغبون في أن يكبر هذا الطفل، لأنهم تلقوا ضربة مؤلمة منه، وإن كبر فإنهم سيتحمّلون ضربات وأضراراً اكثر. انهم يحاولون الحؤول دون تحقق هذه الثورة، فيجبرون الأفراد في كل مكان، ويضعون شرائح المجتمع في مواجهة بعضها اليعض بشتى السبل. الصحف، المجلات، الإذاعة، و.. و.. كلما يرى الإنسان، يشاهد أنّ مجموعة تتهجم على مجموعة أخرى، اصحاب القلم يتهجمون بعضهم على بعض، الخطباء أيضاً يتهجمون بعضهم على بعض. هذا في المجال الذي يريدون فيه تحقيق مآربهم عن طريق الاقلام، ويحاولون تحقيق ذات المآرب باتخاذ الخطوات أيضاً. إلى أي دائرة تذهب وأينما ما تذهب، كلما كان المركز حساساً تجدهم أكثر، وكلما كانت المنطقة ذات حساسية تجدهم متكاثرين فيها. إن صدر صوت واحد من آذربيجان، رأيتهم يتقاطرون على الشمال، ليضخموا ذلك الصوت. وإن صدر صوت من الشمال، توجهوا إلى الجنوب لتأجيج الأوضاع. إن حدث أمر ما في شركة النفط تجمهروا هناك. وان لم يكن هناك، ففي مجال عمل العمال في شركة النفط. وفي وقت ما قالوا لنا: ما هي كمية المال التي يدفعونها لهم، لكي لا يقوم العمال بالعمل ويضربوا. من أين كانوا يأتون بهذه الأموال، ويقدمونها للعمال لكي لا يعملوا. ما هي الغاية من أن لا يسود الهدوء والاستقرار في بلادنا، ولماذا يحاولون توجيه الضربة إلى الشريان الحيوي لبلادنا، كانوا يصرفون أمولًا طائلة لكي لا يتم العمل.
الإسلام والاتحاد؛ السلاح الاساسي للشعب
يستطيعون بالترهيب، بالترغيب، بصرفهم ونقد الأموال كانت بين أيديهم بكثرة تأتيهم من الغرب والشرق. وجميع هذه الأمور كانت تتم لأمر ما وهو سلبكم هاتين الخصيصتين اللتين استطعتم بفضلهما تحقيق الثورة، سلبكم وحدة الكلمة (الاتحاد) وسلبكم الإسلام. ليجعلوكم شعباً أعزل. سلاح شعبنا كان الإسلام والاتحاد، فأنتم لم تكونوا تملكون سلاحاً غيرهما، وجميع الأسلحة عند العدو، ما عندكم شيء منها. سلاحكم كان الإيمان بالله. الإسلام ووحدة الكلمة. ولذا يحاولون سلبكم أسلحتكم وجعلكم عزلًا. يحاولون سلبكم الإسلام لتبقى الأسلحة عندهم وأيديكم خالية منها. سلاحكم كان الإيمان بالله، أي: الإسلام ووحدة الكلمة، ولمعرفتهم لقيمة هذا السلاح يحاولون سلبكم إياه. ولكن هذه المساعي ستبقى بائرة خالية، لأن الناس مسلمون، فلا يأتون ويقولون للناس لا تصبحوا مسلمين، بل يأتونهم من طرق أخرى، مثلًا لا يسمحون بأن تكون الجمهورية إسلامية .. والآن أيضاً يبذلون ما بوسعهم لتحقيق ذلك، ويستديمون هذا الخلاف الذي تشاهدونه في كل مكان، فحيثما ذهبتم رأيتم شريحة تقوم بوسوسة الناس. وتحاول تضخيم الأشياء وبث الأحقاد بين الناس. وتأجيج نار التفرقة والشعب الذي كان يرضخ للدكتاتورية خمسين عاماً، وكان مسجوناً، أطلق الآن من ذلك السجن، مثل هذا الشعب قد تكون له عقد وضغائن. وهم يحاولون تأجيج هذه الضغائن، لكي يوجهوا الثورة إلى المسير الخاطئ. أصحاب الاحقاد والضغائن يتوهمون أن هؤلاء هم اهل الخير، يتوهمون بان هؤلاء يريدون تقديم عمل خير لهم، عملًا جيداً. المنظّرون يعلمون جيداً ماذا يفعلون، يعلمون جيّداً أنهم يسوقون هؤلاء للطريق الذي يمضي فيه الشعب.
واجبنا في الوقت الراهن
ما هو واجبنا اليوم؟ إن واجبنا هو أن نتمسّك برمز النصر هذا. عليكم ساعة تشاهدون نقيصة ما في هذه الإدارة أو ذلك المركز أن تتلافوها، وتقووا تلك المؤسّسة، لتؤدّي عملها أداء حسناً. يجب علينا جميعاً نبذ هذه الشكاوى، وجميع تلك الأشياء التي تؤدّي إلى ازعاجنا، وهي أمور جانبية، لا ترقى إلى المسألة الرئيسية التي ابتلينا بها حالياً. وهي أن مخالفينا يزمعون تدمير أساس النهضة، فهم جادّون في منعنا من القيام بشيء ما لهذه الثورة التي انتصرنا فيها ويجب أن نهتم بها يوماً بعد آخر، ونربيها ونكبرها. انهم يحاولون منعنا من عمل الخير وسلبنا القدرة عليه ولو- لا سمح الله- لو استطاعوا سلبنا هذا الأمر، لفقدنا الحجر الأساس، وانهارت جميع الجدران. إننا لو لم نمض بهذه الثورة كما بدأناها، وبالقوّة التي انطلقت بها، وظهرت فينا أعراض التصدّع والتلف، مثل البطيخ الأحمر ظاهره حسن، وداخله فاسد.
الأصدقاء الغافلون والأعداء الفطنون
إنهم يريدون نخر بلادنا وعرضنا على العالم مثل تلك البطيخة التالفة التي لا تصلح لشيء، لكي يقولوا للعالم باننا نفتقد إلى الوعي السياسي، وأن إيران بلد تسوده الفوضى. الشريحة الدنيا لا تهتم بالشريحة العليا. الجندي لا يهتم بالعريف، والعريف لا يولي الضابط أهمية. إن إيران هي هذا البلد الذي فقدت قواه الأمنية الانسجام فيما بينها. ذلك البلد الذي لا تقوم إداراته بعمل، يتقاعسون عن العمل، ذلك البلد الذي يتناحر فيه الجميع اليوم ويتدابرون، فتحاول كلّ شريحة تدمير الأخرى، كلّ طائفة تحاول الخير لنفسها وحرمان الأخرى. انهم يحاولون تقديم بلادنا على هذا الشكل للخارج، وأنه لا يمكن البقاء والاستمرار هكذا، فيجب القيام بأمر ما والتقدم من منطلق الاهتمام، فيجب، إرساء النظم، انهم يحتاجون إلى وصاية، إن أعداءنا يتابعون هذا الأمر وأصدقاءنا غافلون عن ذلك.
أيقظوا الناس! اشرحوا لهم، وبيّنوا الحقيقة والواقع، لتشرح الأخوات للأخوات الأخر وللاخوة. ليشرح الإخوة للأخوات وليقولوا للإخوة: هذه هي القضية. إن مصيبتنا اليوم هي هذه، أعني أنهم يحاولون تقديم بلادنا على أنها ليست مؤهّلة للحرية، ولا يستطيع تقبل ذلك. انا كنت قد قلت ذلك سابقاً: السيد كارتر عندما كنّا في باريس وفي الفترة الأخيرة التي كنّا في إيران أحرز تقدماً كبيراً، إذ قال في أحد خطاباته: إنّه تم منح هؤلاء حرية أكثر من اللازم! وهذه تصريحات وقحة وخاوية، فهو كان يريد القول بأنّ هؤلاء ليسوا أهلًا للحرية. يجب أن يكون الاضطهاد من نصيب هؤلاء. كان يعطي الشاه الحق إنه يجب عليه أن يلجم هؤلاء! فإن رفع هذا اللجام فان الأوضاع ستتدهور. هذا هو الكلام الذي كان يقوله آنذاك، والشيء الذي تتم متابعته الآن. ويتابع بصورة عملية. انهم يحاولون تقديمنا إلى العالم على اننا بلد يفتقد إلى الأسس، فليس لهذا البلد قانون، فمن أعتدى على آخر لا توجد محكمة لتحول دون ذلك.
الجندي لا يطيع من هو أعلى منه، والعريف لا يطيع الضابط والضابط لا يطيع من هو أعلى منه، انها فوضى، الناس لا يطيعون الحكومة. والإدارات لا تخضع لأوامر الرئيس، ومثل هذا البلد بحاجة إلى وصاية، انهم لا يستطيعون إدارة شؤون أنفسهم. وهذا هو المخطط الذي يحيكونه لنا بحسب الاحتمالات والشواهد ونحن غافلون عن ذلك.
إن هؤلاء الذين يأتون ويضخمون الأمور ويرددونها دائماً لا يعرفون أننا يجب ان نعالج المشكلة الكبيرة حالياً. المريض المصاب بالسرطان ان حضر الطبيب لمعالجته وقال: يد هذا المريض مصابة بداء علينا ان نعالجه، هذا الطبيب يريد إنقاذ المريض من الموت، وذلك بأن يعالج السرطان. والبلاد استشرت فيها غدد سرطانية كثيرة، ويجب أن نفكر أولًا كيف نستأصل هذه الغدد السرطانية. وان اهتممنا بأمور مثل ما هو قدر مرتّبنا؟ وما هو مركزنا في الدائرة؟ في- لا أعرف- الجيش لا أعرف ما هو مركزي؟ وهكذا دواليك، ومثل ذلك الطبيب الذي ترك السرطان ولم يحاول معالجة داء اليد المصابة. فإن ذلك السرطان سيتسع وينتشر في أعضاء الجسم، ولا يبقى في اليد، وهذا السرطان المستشري الآن في إيران هو وليد تلك الغدة الكبيرة، وهو يعمل لتلك الغدة الكبيرة. فالأطباء، أعني جميع الناس الذين يريدون أن تكون بلادهم بلاداً، إن لم يهتموا بازالة هذه الغدة واستئصالها، واهتموا بمعالجة داء اليد، وانني ليس لدي بيت، او إن بيتي صغير، ومرتبي في الدائرة قليل، ودرجتي دانية، ان اشتغلنا بهذه المسائل، الرجل الفلاني ماذا حدث له، تجب هزيمته الآن، من المحتمل أن يحصل للرجل الفلاني كذا، يجب أن لا نسمح بذلك، ومثل هذه المسائل التي تعود جميعها في أساسها إلى المصالح الشخصية، إن اشتغلتا بهذه الأمور، وتغافلنا عن هذه الغدة السرطانية التي ابتلينا بها، وجلسوا في الخارج شاخصة أنظارهم نحونا وعملاؤهم يعملون في الداخل، وهم يعملون في الخارج، ان لم نتابع ذلك وندع هذه الأمور الجانبية الخاصة بنا، فإننا- لا سمح الله- سنكون مثل ذلك المريض الذي أصيب بالسرطان وقتله ذلك السرطان، ولم تبق يد لكي يبقى داء يد، لن تبقى بلاد لكي تبقى لها مشكلات.
اليوم هو اليوم الذي يجب أن نكون جميعنا معاً، دون تفويت الفرصة، يجب أن نسعى لتسوية هذه الخلافات. وليس من اللائق أن نضرب كلّ يوم، ولا من المناسب أن يضرب كلّ من واجه مشكلة، ويحرّض عدداً على الانضمام للإضراب. لمصلحة من تعود هذه الأعمال؟ لماذا هذه الاضرابات المتتالية وما نفعها؟ مجموعة تصبح عاطلة عن العمل، ومجموعة تتوقّف عن العمل في الإدارات لتضرب، أو يتركون الزراعة. هل هذه الأمور تنفع الشعب ام تنفع الذين يريدون استعادة بلادنا إلى ما كانت عليه من وضع إن لم يكن أشدّ سوءاً من الماضي فليكن مثله لكي يأخذوا كل شيء؟ هنا يجب على جميع العقلاء، والكتاب (أن يفكروا) فهم من هذا البلد الذي ترعرعوا فيه ونهلوا من عذب مائه وعاشوا على أرضه التي حملتهم بمحبَّة. ان هذه البلاد لها حق على هؤلاء الكتاب والمفكرين والمذيعين وعلماء الدين والجامعيين، فإنّها بلادكم بلاد الجميع، وعليكم وعلى هؤلاء الأخوات والإخوة. هذه البلاد التي نستمتع بخيراتها لها حق علينا، وذلك الإسلام الذي يدين له الجميع بالكرامة له حق علينا، وهذا الحق الجسيم الكريم هو أن لا نسمح بالنيل منه. يجب أن ننقذ البلاد بالكف عن هذه الخلافات الهامشية التي تعود جميعها إلى النفس الأمّارة بالسوء.
بأي عنوان يضربون عن العمل؟ ولماذا يخرجون من اجتماع لاجتماع؟ ما علّة تظاهرهم وعلى من يتظاهرون. ان جميع الاعتصامات اليوم، وجميع التظاهرات تعارض مسيرة شعبنا. الا ان صرخ كارتر كذا، ان هؤلاء يصونون الجبهة، يجب صون هذه الجبهة وعدم السماح بان تخمد نار هذه الثورة. يجب أن لا نسمح بطمس هذا النور الالهي. وهذا واجب يقع على عاتقنا جميعا. انه واجب عليكم وعلى جميع الشرائح. يجب على الشباب الحذر من التلاعب بهم من قبل هؤلاء اللاعبين الذين يحاولون الحؤول دون أن تتحسن أوضاع الشعب. نسأل الله- تعالى- أن ينبهنا جميعاً من غفلتنا إن شاء الله، ويمنّ عليكم أجمعين بالسعادة، وأقدم شكري لكم أنتم أيها الإخوة والأخوات الذين حضرتم إلى هنا. أنا خادمكم جميعاً والداعي لكم.
* صحيفة الإمام، ج11، ص:352,343