التاريخ 18 تير 1358هـ.. ش/ 14 شعبان 1399هـ.. ق
المكان: قم
المناسبة: منتصف شعبان ولادة الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف
المخاطب: أبناء الشعب الإيراني المسلم
بسم الله الرحمن الرحيم
أبارك للمسلمين والمستضعفين الولادة الميمونة لمنجي البشرية ووارث النبوة ولي العصر والزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف.
في السنة الماضية وفي مثل هذه الأيام، لم تقم الأعياد والأفراح في هذه المناسبة بسبب المصائب التي حلت بالإسلام والمسلمين يومئذ، رغم أن عملاء النظام الشاهنشاهي حاولوا إجبار الناس على ذلك للتغطية على ما حصل لكنهم لم يوفقوا والحمد لله. ولكن هذا العام فإن الاحتفالات جاءت مترافقة مع انتصار الثورة وأقيمت في أبهى حالات الجمال والروعة، وقد شكلت هذه المراسم الدينية العظيمة صفعة قوية للمسيئين، كما أصابت هذه الحماسة التاريخية أذيال النظام السابق وأتباع الشرق والغرب باليأس والخيبة، وأحبطت مخططاتهم الواهية كخيوط العنكبوت. ويجب أن تعلم هذه الجذور المتعفنة بأنها لن تجني من أعمالها هذه غير الفشل والفضيحة لها ولمن يقف ورائها من المجرمين. إن شعبنا الصانع للبطولات، الذي استطاع أن يدفن القوى الشيطانية بأيد عزلاء إلّا من الإيمان، سيدفن هذه الجذور المهترئة، وأنا أنذر هؤلاء المنحرفين الذين يقفون في وجه الشعب ويدمرون البلد لصالح الأجانب، فالوقت لم يفت بعد والخيانات والجرائم لم تثبت ولهذا فإني أنصحهم بالعودة إلى صفوف الشعب المتراصة، وإنقاذ أنفسهم من انتقام الحق المُتعال الذي سيكون على اليد المقتدرة لأبناء هذا الشعب.
والآن أحب أن أتوجه بالشكرإلى الشعب الإيراني الأبي على همته وتضحياته وخدماته منذ بداية النهضة العظيمة وحتى إحياء العيد الميمون في ذكرى ولادة ولي الله الأعظم (أرواحنا فداه) وأود أن أشير إلى بعض النقاط:
أولًا: لقد أعلنت مراراً بوجوب بناء إيران المستقلة، حتى تستطيع تحقيق استقلالها السياسي والعسكري والثقافي والاقتصادي بعيدا عن التبعية لدول مثل أمريكا والاتحاد السوفييتي وبريطانيا، هؤلاء الناهبون الدوليون، وان تعرف العالم بهويتها الأصيلة. ولكن للأسف فإن بعض المفكرين لازالوا غير قادرين على التحرر من الغرب والشرق في تفكيرهم، ولازالوا يعتبرونهم قدوة لهم في أعمالهم. غير أني آمل مع رواج الثقافة الإسلامية في حياتنا، أن تعود هذه المجموعة من المفكرين البعيدة عن الشعب إلى رشدها وأن تكتشف أصالتها الإسلامية وتتحرر من نير الثقافة الخارجية.
ثانياً: إن جميع المتهمين بموالاة ومساندة النظام البائد سيعفى عنهم، باستثناء الذين قاموا بأعمال قتل بحق الشعب أو أصدروا أوامر بذلك، والذين قاموا بتعذيب ثوريينا السجناء. وإن مهمة تعيين ذلك ستوكل إلى لجنة مؤمنة بالثورة الإسلامية.
ثالثاً: إن الحفاظ على الاستقلال والأمن وممارسة الفعاليات السياسية والاجتماعية والاقتصادية في أي دولة، يقع على عاتق قوى الأمن والجيش والشرطة والإدارة المحلية بشكل مباشر أوغير مباشر. أما في بلدنا الذي هو في حالة ثورة الآن فإن الحرس الثوري وبالتعاون مع قوى الأمن، سيقوم بهذه المهمة بالإضافة إلى تأمين الحماية الثورية. وعلى شعبنا الأبي أن يبذل قصارى جهده في الدفاع عن هذه القوات الفعالة وأن لا يتورع عن تقديم المساندة لها، لأنهم جنود الإسلام ويخدمون الإسلام، وقد قال أمير المؤمنين عليه السلام فيهم:حصون الرعية، وزين الولاة، وعزّ الدّين، وسبل الأمن، وليس تقوم الرعيّة إلا بهم 1. ونظراً الى أن هذه القوات في خدمة الخالق والخلق، لذا ينبغي أن تتمتع بروح قتالية عالية وأن تحظى بالأمن والاستقرار. وكونهم ضد الإسلام ومحط أنظار ولي العصر والزمان عجل الله فرجه الشريف فإني أعلن أن الشعب النبيل وأنا نعفو عن جميع العناصر في السلطات الثلاث، ولكن الاستثناءات الواردة في البند الثاني ستطبق هنا أيضا، و طالما أن أي تهمة توجه لهم لم تثبت شرعا، فلا يحق لأحد التعرض لهم. وأما المتهمين الذين لايشملهم العفو، يجب تسليمهم من قبل الجيش والشرطة إلى محكمة الثورة، ولايحق لأحد التعرض لهم بأي شكل من الأشكال.
رابعاً: الآن وبعد أن عرف الشعب المناضل سرّ النصر، واتضح دور وأهمية المساجد والتجمعات الدينية والمنابر في تشكيل قوات التعبئة، فمن الواجب الحفاظ على هذه الخنادق الإسلامية، وإعطاءها دورها في بناء المستقبل، خاصة أننا الآن مقبلون على شهر رمضان المبارك، ولذا فإنني أدعوكم إلى عقد الاجتماعات في المساجد وإقامة المراسم الدينية بشكل مجلّل وعظيم، وأدعو أرباب المنابر إلى القيام بدورهم كمنوّرين وحماة الإسلام على أكمل وجه، وإبطال مؤامرات الخونة وعملاء القوى الخارجية، والحفاظ على النهضة الإسلامية العظيمة، والسير بها قدماً. وإن الشعب النبيل بمشاركته في هذه التجمعات سيقطع دابر الطامعين.
خامساً: على الأمة أن تعلم أننا الآن في منتصف طريق النصر، والنصر النهائي لن يتحقق إلا بعد اجتثاث جذور النظام البائد المتعفنة ومؤيديه، واقتلاع أسنان الطامعين الغزاة من أرضنا. وأما الجمهورية الإسلامية فإنها لن تصبح واقعية وحقيقية إلا عندما يصبح مضمونها إسلاميا مئة بالمئة، يعني أن تطبق أحكام الله سبحانه وتعالى والقرآن في البلاد وأن يتم التخلص من القوانين الطاغوتية الفاسدة، وإيصال العملاء الخونة إلى مرحلة اليأس، وكل هذا سيتحقق بإرادة الله عز وجل وهمة الشعب، فليوفقكم الله.
سادساً: من جملة الأمور التي من المحتمل أن تكون مؤامرات خارجية لإضعاف الحكومة الإسلامية، التساؤلات التي يروّج لها بين الناس ويتم تضخيمها من قبل وسائل الإعلام والتي توجه انتقادات غير صحيحة للحكم، وتسعى إلى تشويه صورتها أمام الشعب. وان المؤيدين للحكومة غافلين عن هذه المؤامرة والأعداء كامنين في مخابئهم، أنا لا أقول أن الحكومة موفقة مئة بالمئة، ولكنها مطيعة للشعب وتسعى لتقديم الخدمات له، ولكن الخراب والدمار أكبر من أن يتم إزالته بسهولة، والانتقادات غير المبررة ليست إلا سوء استفادة من الحرية، وعلى الأشخاص المؤيدين للحكومة والمحبين للإسلام، أن يرشدوها في الأوقات المناسبة ويؤمّنوا لها الدعم، وألا ينخدعوا بالدعاية المعادية، وألايسمحوا بإضعاف الحكومة الإسلامية المخلصة لشعبها.
سابعاً: إن ما يقلقني هو أن يصبح شعبنا مثل الجيش المنتصر فيصاب بنشوة النصر والغرور ويضربه التفتت والتآكل من الداخل. وأن يصبح خصمنا مثل الجيش المهزوم المنصرف إلى حياكة المؤامرات واستجماع قواه. على عكس الحالة التي كانت سائدة قبل تحقق النصر بالضبط، وهذا أمر مرعب حقا، ولهذا فإني أطالب وبكل تواضع كل فئات الشعب الدينية والوطنية المحبة للإسلام والوطن والدولة الإسلامية أن يعودوا إلى انسجامهم وتضامنهم الذي كانوا عليه قبل الانتصار، وأن يحذروا من التفرق وإقامة التكتلات المختلفة في هذه الأوقات الحساسة، لأن هذا التفرق سيكون بمثابة الانتحار، وقد يؤدي إلى إرجاع نهضتنا إلى الوراء، لاسمح الله.
أيها الأصدقاء الأعزاء، اليوم نحن معرضون للخطر من كل النواحي، خطر من ناحية الأصدقاء الجهلة، الذين يسعون لدبّ الفرقة بيننا، وخطر من ناحية الأعداء الذين يحيكون لنا المؤامرات. استيقظوا! فالمحافظة على الانتصار والنهضة أصعب من تحقيق الانتصار.
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يعزّ الإسلام والمسلمين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
* صحيفة الإمام، ج9، ص: 26
1-نهج البلاغة، الرسالة 53.
2011-05-02