يتم التحميل...

من أدلة وجوب المعاد:المعاد مقتضى العدل الإلهي

أدلة المعاد

لزوم العمل بالعدل، والاجتناب عن الظلم، من فروع التحسين والتقبيح العقليين، اللّذين هما من أحكام العقل العملي. فمن قال بلزوم فعل الحسن و اجتناب القبيح، يرى العمل بالعدل واجباً لكل فاعل مريد مختار، من غير فرق بين أن يكون ممكناً، أو واجباً لأنّ الحسن حسن في كل حال، والقبيح قبيح كذلك.

عدد الزوار: 129

لزوم العمل بالعدل، والاجتناب عن الظلم، من فروع التحسين والتقبيح العقليين، اللّذين هما من أحكام العقل العملي. فمن قال بلزوم فعل الحسن و اجتناب القبيح، يرى العمل بالعدل واجباً لكل فاعل مريد مختار، من غير فرق بين أن يكون ممكناً، أو واجباً لأنّ الحسن حسن في كل حال، والقبيح قبيح كذلك.

وهناك جماعة من المتكلمين "كالأشاعرة" ينكرون التحسين والتقبيح العقليين، ويتركون المجال في القضاء بهما للوحي السماوي، وهم أيضاً يقولون بلزوم العمل بالعدل والاجتناب عن الظلم، بحكم أن الشرع قد أمر بهما، وأنّه سبحانه وصف نفسه بالقيام بالقسط1، فتكون النتيجة لزوم معاملة العباد بالعدل.

ثم إنّ إثابة المطيعين من باب التفضل منه سبحانه، لأنّهم يطيعونه تعالى لفضل ما أنعمه عليهم من النعم الوجودية، كما أنّ عقاب العصاة، حق محض له، فله أن يعفو عنهم2.

هذا هو حكم العقل في كل واحد من القسمين: المطيع والعاصي، إذا لوحظا مستقلين.

ولكن هناك كلام آخر، وهو أنّه لو كان جميع العباد مطيعين سالكين نهج الإمتثال، فله التفضل بالثواب، كما له تركه. وكذلك لو كان جميع العباد، عصاة سالكين نهج المخالفة، فله سبحانه معاقبتهم أو العفو عنهم، ولكنّ العباد، ينقسمون إلى قسمين، إلى قسمين، فهم بين مطيع وعاص، والتسوية بينهم بصورها المختلفة، خلاف العدل. فإنّه لو أثاب الجميع أو عاقب الجميع، أو تركهم سدىً من دون أن يحشروا في النشأة الأُخرى، كان ذلك كلّه على خلاف العدل، وخلاف ما يحكم به العقل من لزوم كون فعله تعالى حسناً، فهنا يستقل العقل بأنّه يجب التفريق بينهما من حيث المصير والثواب والعقاب، وبما أنّ هذا غير متحقق في النشأة الدنيوية، فيجب أن يكون هناك نشأة أُخرى يتحقق فيها ذلك الميز، ويفرّق فيه بين المطيعين والعاصين، وهو المعاد.

وهذا الدليل العقلي يشير إليه القرآن الكريم في لفيف من آياته، وهي على قسمين: قسم يندد بالتسوية وينكرها، وقسم يصرّح بالفرق بين العاصي والمطيع في النشأة الآخرة.

فمن القسم الأوّل
قوله سبحانه: ﴿أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ(ص:28).

قوله سبحانه: ﴿أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالُْمجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُون(القلم:35-36).

قوله سبحانه: ﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ(الجاثية:21).

ومن القسم الثاني
قوله سبحانه: ﴿إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا وَعْدَ اللهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِي الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيم وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ(يونس:4.)

قوله سبحانه: ﴿يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ وَبَرَزُوا للهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ * وَتَرى الُْمجْرِمِينَ يَوْمَئِذ مُقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ * سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَان وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ * لِيَجْزِيَ اللهُ كُلَّ نَفْس مَا كَسَبَتْ إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ(إبراهيم:48-51).

قوله سبحانه: ﴿إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْس بِمَا تَسْعَى(طه:15)3.

فقوله: (لِيَجْزِي اللهُ) و(لِتُجْزَى)، إشارة إلى أنّ قيام القيامة، تحقيق لمسألة الثواب والعقاب، اللذين هما مقتضى العدل الإلهي.

وفي كلام الإمام علي إشارة إلى هذا البيان
قال عليه السَّلام: "يوم يجمع الله فيه الأوّلين والآخرين لنقاش الحساب، وجزاء الأعمال"4.

وقال عليه السَّلام: "فجدّدهم بعد إخلاقهم، وجمعهم بعد تفرّقهم، ثمّ ميّزهم لما يريده من مسألتهم عن خفايا الأعمال وخبايا الأفعال"5.


*الإلهيات،آية الله جعفر السبحاني،مؤسسة الامام الصادق عليه السلام.ج4،ص170-173

1- آل عمران: 18 ويونس:44.
2- كل ذلك مع قطع النظر عن وعده ووعيده.

3- ولاحظ  سبأ الآيات 3-5، الزلزلة:6.
4- نهج البلاغة، الخطبة 102.
5- نهج البلاغة، الخطبة 109.

2009-07-24