الموضوع: النظام الملكي، نظام منسوخ ومطروح
خطاب
الحاضرون: مجموعة من الايرانيين المقيمين في الخارج من الجامعيين و غيرهم
عدد الزوار: 154
التاريخ: 26 آبان 1375 هـ. ش./ 16 ذي الحجة 1398 هـ. ق.
المكان: باريس، نوفل لوشاتو
الحاضرون: مجموعة من الايرانيين المقيمين في الخارج من الجامعيين و غيرهم
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
نتابع الحديث بالأصول الثلاثة التي اقترحناها نحن والشعب الإيراني، ونقدم الحديث باثنين منها:
الأول: هو أن الملكية البهلوية ليست دستورية، ويجب أن تزول. والثاني: هو أنّ النظام الملكي باطل، ويجب أن يسقط. وفي الدستور مادة يستند اليها الملك محمد رضا في تسويغ حكمه مفادها أن الملك هبة إلهية يقدّمها الشعب للملك. فهل الشعب هو الموجود فعلًا في هذه البلاد تضمه وحدة عقيدة، أو وحدة عوامل أخرى، أو هم الماضون من أهل هذه البلاد؟ هل الماضون هم الشعب، أو كانوا؟
ولاشك في أنّ ايران سيسكنها قوم بعد خمسمائة سنة، فهل ساكنوها الآن هم الشعب فعلًا، او أولئك الآتون بعد تلك السنين؟ وعلى هذا النحو هل علماء ايران وحزب الشعب الإيراني هم الآتون بعد خمسمائة سنة حتى إذا قالوا: يجب الأخذ برأيهم في هذا الشأن مثلًا، وجب التنفيذ؟ هل الآتون بعد دهورهم، الآن أطباء أو علماء فعلًا؟ إن هؤلاء ليسوا موجودين فعلًا، لنصفهم بالطبيب او العالم. وهكذا الأمر بالإضافة الى غيرهم.
وما تقدم يبين أن تلك المادة الدستورية لا تنطبق على الواقع، فاذا قيل: إن الشعب الإيراني يهب شيئاً ما، السلطنة مثلًا، فلا يعني هذا الشعب الذي سيأتي فيما بعد، لأن شعب كل عهد هو الشعب الموجود فعلًا. فأطباء هذا الشعب الموجودون فعلًا هم المقصودون بقولنا:- أطباء إيران، وكذا علماء إيران ومهندسوها، فالمراد هم الموجودون فعلًا.
ونفس الأمر يصدق على مختلف الطوائف الإيرانية كالأكراد مثلًا، فالمقصود الموجود فعلًا. وأما الذين سيوجدون بعد خمسمائة سنة، فليسوا- الآن- علماء إيران ولا أطباءها ولا مهندسيها ولا شعبها أصلًا. وأما الذين كانوا قبل خمسمائة سنة ولا وجود لهم الآن، فهم كانوا علماء إيران ومهندسيها في الماضي وليس الآن أي الأمر إنتهى اليوم.
وإستناداً إلى هذا المعيار يكون الشعب المقصود بالمادة الدستورية- التي يتشبثون بها الآن وهي تنص على أن الملك هبة إلهية يمنحها الشعب الملك- هو الشعب الموجود الآن فعلًا وهو الذي يهب المُلك.
ولو فرضنا أنهم وهبوها قبل خمسمائة عام لمحمد رضا خان إستناداً الى علمهم الغيبي بأنّ هذا سيظهر في السنة الفلانية في إيران، فلا أثر لهذه الهبة، فهؤلاء شعب إيران في ذلك العصر وليس الآن. ولو وهبها له الشعب الإيراني الحاضر بحسب الدستور- الذي يتشبث به- واقر له بالمُلك مختاراً، كان ملكاً دستورياً. لكن هذا الشعب الحاضر لم ينتخبه، من انتخبه من هذا الشعب؟ نحن هنا لا نقول: انتخبه، ثم تراجع.
يصح أن ينتخب أولئك الذين كانوا قبل خمسمائة عام مثلًا الجد الأعلى لهذا الملك حسب الدستور الذي يقول: المُلك هبة إلهية يمنحها الشعب لمن يختاره، وهذا يصدق على ملك عصرهم فقط، لأنهم شعب ذلك العصر، لا شعب عصرنا، ولم ينتخبوا الملك الموجود الآن، ولو انتخبوا فرضاً فما هم شعب إيران اليوم- لتصدق على انتخابهم تلك المادة الدستورية-، فالذين انتخبوا رمّت عظامهم، وباد إنتخابهم وهبتهم أيضاً وأنتهى الأمر وذهب كل لشأنه، فلا هم موجدون اليوم ولا أصواتهم: فهل يستطيع أحد اليوم ان يقول:- إن آرائهم مؤثرة اليوم؟ لا رأي لهم اليوم، فقد توفوا جمعياً- رحمهم الله-.
إذن فالشعب- وطبق الدستور- لم ينتخبه ولم تجتمع كلمته على إنتخابه كما نعلم جميعاً. ومع ذلك لنفرض أن من كانوا في عهد رضا خان انتخبوه، لكن هؤلاء لم يبق منهم سوى أربعة أو خمسة أومائة من الطاعنين في السن، وهم ليسوا الشعب الإيراني طبعاً، ليستند لانتخابهم المفترض وإنما الشعب الإيراني اليوم هو نحن الموجودون فعلًا، فابحثوا في ايران كلّها، فهل تجدون أحداً إنتخب هذا الملك، لتنطبق عليه المادة الدستورية القائلة بأن المًلك هبة إلهية يقدّمها الشعب للملك؟ إذن فهي لا تنطبق عليه.
وثمة إشكال آخرعلى هذه بهذه المادة الدستورية أيضاً، فلو وهب الشعبُ المُلكَ لأحدٍ معين هو أبو هذا الرجل- على فرض صحة الهبة وهي ليست صحيحة أصلًا- وأضاف اليها قبل خمسين عاماً لفظة (وذرّيته) لما استحق بها المُلك، لان الذرِّية عنوان لا أحد بعينيه. وعنوان لا نفس، والنفس العالم هو السيّد الفلاني مثلًا، و أن الدستور يقول:- المُلك هبة إلهية يقدّمها الشعب للملك نفسه.
ومعنى هذا أننا لو غضضنا الطرف عن الاشكال الأول، وقلنا فرضاً إن السابقين يمّثلون الشعب الإيراني الموجود الآن فإنَّ الابن لا يستحقّ المُلك، لأنّ الدستور ينص على تقديم المُلك لانسانٍ معيَّن، يعني لهذا الرجل الذي طولُهُ ذراع ونصف! ويتميز بالطباع الفلانيَّة وإسمه محمد رضا خان ويتحلى بهذه الأخلاق الكريمة التي تؤهله لقتل كل الشعب! (يضَحك الحاضرون)، أي هذا الشخص الموجود في الوجود الخارجي فعلًا وله رأس وأذنان.
في بداية حكم الملك رضا- وكُل شؤونهِ كما قلت باطل في باطل في باطل- فالذين إنتخبوه أعطوا شخص رضا خان تلك الهبة الإلهية- والعياذ بالله- (يضحك الحاضرون)، وهذا حسن جداً لكنهم لم يهبوها لشخص هذا (محمد رضا) فقد قالوا السلالة البهلوية وذريته وهذه عناوين كلية عامة وليست شخصاً كما ينص الدستور، أي أن حكم هذا (محمد رضا) خلاف الدستور الذي ينص على منح السلطنة لشخص وهم لم يمنحوها لشخص.
وكل هذا هو على نحو الفرض، وهذه فروض باطلة نفرضها ونقول: إن الشعب الإيراني إنتخب رضا خان عندما نفّذ انقلابه العسكري، واحتل طهران، وإرتكب تلك الفعال والفضائح! في حين أن الشعب لم يكن يعلم بالأمر أصلًا، بل كان يرفض- بذاته- رضا خان، ولكن كان الحكم للحراب مثلماً أن الحكومة العسكرية الآن هي حكومة حراب، لقد جاء رضا خان بالحراب وبها شكل المجلس النيابي وجاء بمجموعة لعضويته دون علم الشعب، ولكي تصادق على ما يريد، وبالحراب أجبرها على خلع الأسرة القاجارية وتنصيب نفسه ملكاً، فالأمر تم بأكمله بقوة الحراب ولم يكن للشعب دور فيه أصلًا، أي: لم يتحقق العمل بتلك المادة الدستورية قطّ.
أقرأوا التاريخ منذ المرة الأولى التي شهد العالم ظهور حكم السلاطين- أي منذ 2500 سنة كما يقول هؤلاء قولوا مائة ألف عام- وإلى الآن كان الوضع أن تأتي حفنة من السراق، وتستولي على بلد بالقوة، ثم تفرض حكمها عليه، فمتى كان الشعب ينتخبهم، ومتى كان لهم اهتمام بالشعب؟
وقبل الحركة الدستورية (المشروطة) لم يكن الدستور الحالي موجوداً، وكان الحال هو أن كل من استولى على منطقة فهي له، فيتحول من كان سارقاً إلى صاحب الجلالة (يضحك الحاضرون). ومن الحركة الدستورية إلى الآن لم يتحقق العمل بتلك المادة الدستورية، من بداية هذه الحركة في زمن الملك مظفر الدين إلى زمنكم جاء محمد علي ميرزا بعد مظفر الدين شاه وبعده أحمد شاه ثم أصبح رضا خان ملكاً وخلفه هذا الحالي. وطوال هذه المدة لم يتحقق العمل بتلك المادة الدستورية، فهي تقول بأن السلطنة هبة إلهية يعطيها الشعب لشخص السلطان.
فليأتنا بشاهد واحد يشهد أن الشعب أو قرية واحدة من قراه قد أعطته مثل هذه الهبة. يعد قرية واحدة- شريطة أن يجعل أهلها أحراراً، لا أن يجبرهم عليالإنتخاب بقوة السلاح بل يرفع عنهم الحراب ويعطيهم الحرية- ثم يأتي إلى ميدان القرية إنساناً عادياً، ويستفتي أهلها، فاذا انتخبته قرية واحدة فسنؤيد أنه سلطان السلاطين!
ولكن هذا مفقود، فلم ينتخبوه إلى الآن ولم يتحقق العمل بتلك المادة الدستورية أصلًا لا في عهده ولا في عهود أسلافه فلم يلتزموا بها حتى لو غضضنا النظر عنها، فهي مادة معطلة مثل الكثير من مواد الدستور التي لم يتحقق العمل بها منذ البداية وإلى يومنا هذا. واستناداً إلى عدم دستورية مُلك هذا السيد فهو- أولًا- عاص، فمن جاء بلا قانون، وحكم بالقوة كان جبّاراً لا ملِكا.
لذا تجب محاكمته هذا الشخص (محمد رضا) وإستجوابه عن مجيئه للحكم وإدعائه المُلك وتسلّمه لأجور هذا المنصب وإقامته مراسم التتويج و فِعَله بالشعب والكثير من الأسئلة الأخرى التي لا يملك الجواب عنها.
والمهم أن جميع الاتفاقات المعقودة منذ الحركة الدستورية وحتّى اليوم باطلة حسب الدستور، لأنه ينص على أن قانونيتها رهينة بمجلس نيابي منتخب من قبل الشعب وبأمر ملك العصر الذي أقسم للشعب على الوفاء وغيره بأجراء الانتخابات الحرة ثم تقام عملياً بصورة سليمة ثم يكتسب ما يصادق عليه النواب الصبغة بعد ذلك وطبقاً لقواعد أخرى نص عليها الدستور وتتمته، ولكن كل هذه الاتفاقات التي عقدت منذ حركة المشروطة الدستورية- سواء في عهد مظفر الدين شاه أو أحمد شاه أو في عهد هذين الأخرين- لم يتم عقدها ضمن تلك الضوابط، فلا السلطان كان قانونياً- حسب الدستور- ولا المجلس النيابي كان قانونياً.
فبالنسبة للسلطان بينت أنّ الشعب لم ينتخب أياً من هؤلاء للسلطنة أصلًا، وهذا ما يفترض أن يعترف به هو (الملك محمد رضا) أيضاً غاية الأمر أنه يقول:- إن الشعب مجبول على حب السلطان، وكل طفل يولد على حب الملك، حتى هذا اليوم بالموت الملك، فإنك إذا سألته قال لك: إن الشعب محب للملك (يضحك الحاضرون) وهذه الهتافات هي علامة حبهم له! هذا بالنسبةِ السلطنة القانونية هذه!!
ولنتوجه الى المجلس النيابي وهو أيضاً- بمقدار ما نعلم- لم يكن منتخباً من قبل الشعب ولا قادراً على إنتخاب شيء لا في عهد رضا خان ولا في عهد ابنه، وهذه من الحقائق الواضحة التي يتذكرها الجميع، وأنتم تتذكرون وتعرفون وضع هذا المجلس. فهل تعتقدون أن الأهالي هم الذين انتخبوا النواب سواء في طهران أو إصفهان أو يزد أو كرمان أو غيرها؟
أو أن السفارات الأجنبية هي التي ترسل أسماء من تختارهم، وتسلّمها للحكومة، وتقول:- هؤلاء يجب أن يؤلّفوا المجلس- حسب قول الملك الذي اعترف هو نفسه بذلك. فما شأن الشعب بالأمر، وما شأن الحكومة حتى الملك به؟ فالذي يجب أن يقرر مصيرنا هي سفارات أميركا وانجلترا والاتحاد السوفيتي، وقد قامت بهذه المهمة عملياً إلى اليوم، وكانت تعد أسماء الذين تختارهم لعضوية المجلس النيابي من أصدقائها او من خدامها بعبارة أخرى لكي يصادقوا على كل ما تريد وتشتهي.
إذن فما نتذكره من عهد هذين المستبدين (محمد رضا وابيه) هو أن المجلس لم يكن دستورياً أصلًا ولا وطنياً، إذ لم ينتخب الشعب أعضاءه، ولو فرضنا أن الشعب انتخب أربعة منهم فمن المؤكد أنه لم ينتخب الآخرين. إنتخب أربعة فقط في طهران مثلًا، لوجود شيء من الحرية لرعاية الملاحظات، فانتخب الأهالي مثلًا أربعة من النواب مثل المرحوم المدرس.
المجلس يكون قانونياً طبق الدستور إذا دخل جميع أعضائه اليه بصورة قانونية، وكان لرأيهم تأثير في القضايا وتستطيع الأكثرية في دوراته أن تعقد اتفاقات وغيرها مع أطراف معينة. أما إذا فرضنا أن أربعة فقط من هذه الأكثرية كانوا وطنيين حقاً وقد إنتخبهم الشعب فلا أحد يستطيع الادعاء بأن المجلس النيابي كان وطنياً، كما في عهد الملك رضا وابنه.
وإذا إدعى أحد أن الشعب انتخب في دورة أو إثنتين السيد المدرس، فنقول: أجل لقد انتخب السيد المدرس وبعض أمثاله ولكن لا يمكن إصلاح ذاك الخلل بنائب واحد أو اثنين أو ثلاثة أو أربعة، بل يجب أن يكون جميع النواب وطنيين، أي: منتخبين من قبل الشعب لكي يصبح المجلس قانونياً حسب الدستور، فاذا صادقت الأكثرية فيه على أمر معين و كان موافقاً للدستور، اصبح صحيحاً وقانونياً. ولكن الأمر لم يكن على هذا النحو.
إن جميع الاتفاقات المعقودة منذ الحركة الدستورية وعهدي رضا خان وابنه، خلاف الدستور ورغبة الشعب الرافض لها كلها، فليس بينها اتفاق واحد صحيح قانونياً حتى لو كان فرضاً مفيداً للشعب، ولا علم لي بوجوده. ولو تألفت حكومة وطنية اسلامية، ودرست تلك الاتفاقات، ووجدت بينها ما ينفع الشعب أمضته، وصحّ منذ امضائها له.
قبل ذلك، فهو باطل، أي أنّ ما تقبله هذه الحكومة القانونية يصحّ في القانون، لكن لا يعود بأثر رجعي، لأن صحته تبدأ من ساعة موافقتها عليه. وكل ما سبق هذه الموافقة من اتفاقات وعقود مخالف للقانون، ولا يؤخذ به. ولو أصرت الحكومات التي تدعم محمد رضا خان حالياً على مواصلة دعمها له، فإن جميع ما وقعته معه سيلغى حتى لو كان مفيداً للشعب فعليها أن تعيد النظر في (مواقفها) بهذا الصدد. ولن يخضع الشعب الايراني لمحاولات القمع بالقوة هذه. بلى من الممكن أن يطلقوا الاوباش- كما يحصل الآن فعلًا- أو الغجر أو العسكريين الذين يتنكرون بملابس مدنية، ليهاجموا الأهالي.
أما احتمال أن ترسل الحكومة السوفيتية والأميريكية قواتهما لمهاجمة البلد، فهو احتمال شعري لا يمكن وقوعه على وفق المعايير القائمة في عالم اليوم وهو يختلف عن عالم الأمس، فلا يمكن لأي طرف أن يفعل كل ما يريد من أعمال القمع بالقوة، لأن القيام بذلك يجب أن يتم طبق تلك المعايير، وهذا الشعب يقف راسخاً- بكل فئاته- هاتفاً:- نريد الاستقلال، أي: أن لا تتدخل أميركا في شؤون بلادنا، ولا يتدخل فيها الاتحاد السوفيتي ولا انجلترا، بل نريد أن تكون بلادنا لنا.
نحن نعلن الآن: إذا أصرت هذه الدولة على موقفها المتعنت الداعم لمحمد رضا خان، فإن الشعب الإيراني سيأمر الحكومة المرتقبة حينما يتم تشكيلها بإلغاء الإتفاقات التي وقعتها (مع ايران) حتى لو كانت لمصلحتنا فنحن لا نريدها. وإذا لجت أميركا في إصرارها على هذا الدعم، فلن تعقد معها مستقبلًا أية إتفاقية، فعليها أن تضمن موقعها وتحدده منذ الآن، وعلى جميع رؤساء هذه الجمهوريات والحكومات أن يصلحوا من الآن حساباتهم ومواقفهم من إيران.
والمعيار في هذا المجال هو الكف عن دعم هذا الرجل وأسرته الذين قمعوا الشعب طوال خمسين عاماً، وارتكبوا كل هذه المجازر البشعة على أبنائه في الأعوام الأخيرة والعام الماضي خاصة. لقد قتل الأعداد الكبيرة في واقعة 15 خرداد، فهو عدو للشعب والشعب عدو له. وإذا واصلت تلك الأطراف دعمها له وأصرت عليه، فإن الشعب الإيراني سيلغي جميع الإتفاقات المعقودة معها، ولن يعقد أية إتفاقية معها بعد، فلا نفط نعطيهم (يضحك الحاضرون). أمّا إذا كفت عن هذا الدعم، وتعاملت تعاملًا انسانياً، فإنها بذلك تحدد موقفها المستقبلي مع إيران ونحن لا نريد أن نأكل النفط، بل نبيعه ونقبض ثمنه لخدمة الشعب، لا أن نبيعه بأسلحة لا تخدم سوى مصالح مصدريها.
وأمس تحدث السيد كارتر حديثاً جاء فيه إن حكومة ايران اشترت منا اسلحة بثمانية عشر مليار دولار، أوجدت دولة قوية تحقق مصالحنا، فهي تردع الشيوعيين والمسلمين اليساريين، وهي شرطينا في الخليج ونحن نوليها أهمية كبيرة.
ولكن الشعب الإيراني يعترض على هذا قائلًا:- نحن لا نريد هذا النظام الذي يشتري منكم أسلحة بثمانية عشر مليار دولار، ويعطيكم نفطنا، ليكون شرطياً وحارساً لكم. أجل لهذا السبب يضحي الشعب الإيراني بشبابه وأمواله وكل ما يملك إبتغاء إسقاط هذا الذي يخونه هذه الخيانة.
وبرغم هذا يرى كارتر مناقب الملك بشراء الأسلحة منهم بثمانية عشر مليار دولار وتقوية إيران لمواجهة الشيوعية عدو الأميركيين وردع اليساريين من المسلمين لأنهم أيضاً عدو لنا ولحفظ مصالحنا في الخليج! وأمثال ذلك من الأقوال التي يطلقها كارتر.
وهذه المناقب هي التي فجرت صرخات الشعب الإيراني ليعلن:- نحن لا نريد أن نكون تابعين للأجانب أيها السيد، ولا نريد أن نعطي ثرواتنا بل نريد صرفها على الفقراء والمساكين والذين يفتقدون حتى الماء الصالح للشرب والمعدمين ففي إيران مناطق تفتقد كل شيء ولكن لا تتصوروا أنهم يعرضون فعندما كان الملك يعزم على المرور على منطقة معينة بمعية الرئيس الفلاني كانوا يجبرون الناس على إعداد سروال وسترة- من أي مكان- وإرتداء هذا الزي والوقوف على حافتي الطريق الذي يمر فيه الملك ومن معه فيتوهم الذين يرون هذه المناظر أن جميع أبناء شعبنا يمتلكون الملابس الفاخرة!
المساكين يقاسون ألم الجوع ولكن إذا جاء أحد من الخارج أجبروهم على تهيئة تلك الملابس والظهور بها والوقوف على حافتي الطريق والهتاف بحياة فلان يتوهم القادم ان إيران دولة تعيش في رفاهية حقاً! لا تلاحظوا فقط هذا الشوارع الأربعة في طهران! إذهبوا إلى خوزستان وما حولها، وأنظروا كيف تذهب المياه هدراً وتبقى الأرض مواتاً وأهاليها يعانون الجوع. إذهبوا إلى المناطق وأنظروا إلى الوضع فيها وما ذكرته قبل مدّة صحيفة إطلاعات أو كيهان من أن انعدام الماء في بعض المناطق يجبر الأهالي على استخدام البول لفتح أعين الأطفال عندما يستيقظون في الصباح والاجفان ملتصقة بسبب مرض التراخوما أجل انهم يغسلونها بالبول لفتحها! أجل، لا تنظروا الى وضع طهران التي فتحوا فيها أربعة شوارع لإظهار البلاد بمظهر الرفاهية، فاللازم مشاهدة البلاد كلها، لاحظوا المناطق النائية منها، وأوضاع سكنة الأكواخ في طهران نفسها وكيف يعيشون.
لقد تفجرت صرخات الشعب الإيراني، وعلت من هذه الأوضاع التي أوجدها له النظام الذي تضج أبواقه وأجهزته الاعلامية بالمدح والثناء عليه فمتى ما فتحوا الاذاعة سمعوها تتحدث بأن صاحب الجلالة الشمس الآرية قام بالانجاز الفلاني أو أن صاحب السمو الفلاني قام بالانجاز الفلاني. وما من وسيلة واحدة من وسائلهم الإعلامية لا تتحدث مقابل هذه الدعايات بأنّ الحاكمين أسروا الشعب في حالة بائسة من الضعف والذلة و المسكنة والجوع. بالطبع توجد طبقة مترفة تعيش في رفاهية لارتباطها بالنظام الحاكم أو لغير ذلك.
وعلى أي حال ما عاد الشعب يصغي لتلك الأقوال، فاجعلوا الحكم عسكرياً أو الحكومة عسكرية، فلن يتغير الوضع القائم والحكم العسكري موجود فعلًا، فغير- إن شئت- اسمه وسمِّه حكومة عسكرية، فإيران تعيش منذ مدة في ظل الحكم العسكري وهو معلن رسمياً في عدد من مدنها وقائم بصورة غير رسمية في المدن الاخرى، ولا وجود للحكم المدني، فكيف تستطيع العيش دون الحراب ولو رفعت الحراب يوماً واحداً، لهلكت فأنت لا تستطيع العيش دونها.
أفرض أن خطة أميركا هي المجيء بحكومة أخرى بعد هذه، وإخراج الملك وتنفيذ انقلاب عسكري وتكرار الحكم العسكري وهذه المجازر والممارسات، لكن الشعب أيضاً سيواصل تحركه الفعلي، ولن يتخلّى عنه، فهو يريد الخلاص من سلطة هذا الحكم الجاثم على صدره، وعليهم أن يفكروا بالأمر ويغادروا إيران، ويتركوها ويذهبوا لشأنهم، وفقكم الله جميعاً- إن شاء الله- موفقين- إن شاء الله.
* صحيفة الإمام، ج5، ص: 10-15
2011-03-25