يتم التحميل...

الموضوع: الاوضاع الايرانية بعد الاطاحة بالشاه‏

خطاب

الحاضرون: جمع من الإيرانيين المقيمين في الخارج من الجامعيين وغيرهم‏

عدد الزوار: 136

التاريخ: 5 آذر 1357 هـ. ش./ 52 ذي الحجة 1398 هـ. ق.
المكان: باريس، نوفل لوشاتو
الحاضرون: جمع من الإيرانيين المقيمين في الخارج من الجامعيين وغيرهم‏

بسم الله الرحمن الرحيم‏

من المحاولات اليائسة التي تشبثوا بها لحفظ الملك هي ترويجهم القول بأن إيران مجاورة للاتحاد السوفيتي، ولها معه حدود مشتركة تمتد عدة مئات من الكيلومترات، والملك هو الذي حفظها من العدوان، فاذا رحل وقعت في أحضان السوفيت بسبب هذه الحدود المشتركة الطويلة!

وقد وردت في كلمات الملك نفسه مراراً مقولة: (لو رحلت لتحولت إيران الى إيرانستان)!

والآن لندرس الأمر لمعرفة هل من الصحيح القول بأن الملك هو الذي دفع شر الاتحاد السوفيتي عن إيران، فإذا رحل سقطت في احضانه؟!

أحد الاحتمالات الفرضية هو ان يقوم الاتحاد السوفيتي بمهاجمة إيران مباشرة بعد رحيل الملك، ويحتلها، او يحتل آذربيجان، والاحتمال الفرضي الآخر هو ان تسقط تحت نفوذه بفعل التيار الشيوعي الإيراني الذي سيقوم بتحريكه اذا رحل الملك، وهذا فرض آخر تلزم مناقشته لمعرفة مدى صحته.

بالنسبة للفرض الأول نقول: هل اقتدار الملك الذي ردع الاتحاد السوفيتي الى اليوم عن مهاجمة إيران يستند الى الشعب أو لا؟

إنه ادّعى انه مستند الى الشعب الذي يملك القوة اللازمة لردع الاخرين عن العدوان عليه، فيجب أن نلاحظ أوضاع إيران لمعرفة هل برمتها تدعم صاحب الجلالة؟

هل يمتلك قاعدة شعبية في إيران، أو أن حاله مثل الحال الذي آل اليه أبوه؟

انني أتذكر جيداً ما حدث عند بدء الحرب العالمية (الثانية)- ولعلكم جميعاً لا تتذكرون ذلك- فعندما أراد الحلفاء احتلال إيران واتخاذها جسراً للمناطق الاخرى التي كانوا يحاربونها هاجمت إيران ثلاثة جيوش- من انجلترا وأميركا والاتحاد السوفيتي- من ثلاث جهات، وكان الملك رضا يردده في تلك الايام الاقوال التي يرددها ابنه اليوم، فقد كان يقول: إننا بلغنا القوة التي تجعل الجميع عاجزين عن العدوان عليها، ثم اتضح فجأة انه ادعاء أجوف لا أكثر، وقيل يومها: إن البيان العسكري الاول للجيش الإيراني لا ثاني له!

ويبدو ان الامر لم يستغرق في الظاهر اكثر من ثلاث ساعات وعندما سأل الملك قادته العسكريين عن سر اقتصار الامر على ثلاث ساعات فقط، أجابوه: ان هذه الساعات كانت كثيرة أيضاً، فلم نكن نملك شيئاً فيما كانوا هم يملكون كل شي‏ء، وقد تحركوا وكانوا يأتون إلينا وقد استغرق مجيئهم ثلاث ساعات، فلم تكن ثمة مقاومة أصلًا! (يضحك الحاضرون).

أما إذا استثنينا قوة الشعب، فهل الملك نفسه يمتلك القوة الرادعة لهذه القوة الكبرى- الاتحاد السوفيتي- أو أن في الامر قضية أخرى؟

اذا فقدت أي سلطة دعم الشعب، أصبح حالها حال الملك رضا، فعندما هجمت تلك الجيوش الثلاثة على إيران، واحتلوها، وأحاط بها الخطر من كل مكان وكان كل ما فيها معرضاً للخطر في تلك المدة كنا نلاحظ بوضوح أن أبناء الشعب قد فرحوا بذلك برغم كل الاخطار التي جاء بها الحلفاء، لكن السرور كان عاماً، لانهم أستأصلوا شر رضا خان، وأبعدوه وكان هذا الواقع وجدانياً مشهوداً، في تلك الاوضاع كان ثلاثة من كبار الاعداء الأجانب يعرضون للخطر كل شؤون إيران ورغم ذلك كان أبناء الشعب فرحين بمجيئهم، ولعلهم كانوا يتبادلون المباركة فيما بينهم، لان مجي‏ء هؤلاء قد أدى الى رحيل هذا الملك ودفع شره، فقد عامل أبناء الشعب بالصورة التي جعلتهم يرجحون مجي‏ء هؤلاء الاعداء الذين يختلفون عنهم في الدين وفي كل شي‏ء، لان مجيئهم يعني رحيل هذا الملك.

وهذا هو الوضع الذي آل إليه حال هذا السيد أيضاً (الملك محمد رضا) فقد أصبح مكروهاً في أعين الشعب حتى إنهم يرجحون معها قوة أجنبية- لا سمح الله- إذا أدى الى الاطاحة به، لان اعتداءاتها على الشعب محسوبة، وقد مارس أولئك المحتلون العديد من الاعتداءات على الشعب بالطبع لكنها لم تكن مثل تلك التي كان يمارسها رضا خان الذي لم يرتكب لا الاتحاد السوفيتي ولا انجلترا ولا أميركا ما ارتكبه هو على إيران من قمع وأذى ألحقه بالشعب برغم ان هؤلاء الاجانب احتلوها.

وكان الوضع سيئاً وقبيحاً للغاية، لكنه كان دون ما كان عليه سلوك الملك رضا، وهذا هو أيضاً حال ابنه. فكابوس سلطته ثقيل على صدور الأهالي الى الدرجة التي لا يمكن معها القول بأنهم لن يفرحوا- بتلك الصورة نفسها- اذا جاءت قوة اخرى وأزاحته، وعلى أي حال فقوة هذا الملك ليست مستندة إلى الشعب أصلًا، بل ان الشعب ليس راضياً عنه أساساً.

لنفرض ان الجيش كله معه- وهذا مجرد فرض، فقد أصبح الجيش الآن خاوياً منهاراً داخلياً، وليس راضياً عنه بتلك الصورة المزعومة، ولكن توجد بالطبع فئة مؤثرة فيه موالون للملك، وهي على أيةحال لا تمثل كل الجيش-، لكنه مع ذلك لا يستطيع فعل شي‏ء في مواجهة قوة مثل الاتحاد السوفيتي، ولذلك لا يمكن القول بأن قوة صاحب الجلالة هي التي تمنع الاتحاد السوفيتي من مهاجمة إيران، بل ان الذي يردعه عن ذلك وجود قوى اخرى في مواجهته وأسباب اخرى جعلت كلا الجهتين عاجزتين عن الهجوم عليها.

فإذا قالت اميركا شيئاً أعلن السوفيت أنه يتعارض مع مصالحهم، وأنهم لن يسكتوا عنه، واذا أعلن الاتحاد السوفيتي عزمه على القيام بأمر ما قلت أميركا إنه يخالف مصالحها، فهذا الوضع القائم بين هاتين القوتين الكبيرتين هو الذي حفظ إيران، وليس جلالته، وعليه فقوته المعزولة عن الشعب قوة منهارة، وليست قوة أصلًا.

ولو فرضنا غياب هذه الحالة من التنافس بين الأميركيين والسوفيت، وبين انجلترا والسوفيت والمانعة لكل منهم من الهجوم على إيران، فإنه (الملك) لو رحل وأراد الاتحاد السوفيتي مهاجمة إيران فإنه لن يستطيع القيام بذلك، لان الشعب الإيراني متّحد الآن.

ولو فرضنا ان جيشه هجم، ودخل إيران، فلن يستطيع البقاء فيها، لان اهالي كل قرية يدخلها سيسحقونه مثلما رأينا كيف تم طردهم من آذربيجان، فالآذريون هم الذي طردوا الاتحاد السوفيتي منها عندما قرر البقاء فيها خلال الحرب العالمية.

وعندما قاموا بذلك انبرى ذاك السيد (الملك) ليقول مطبلًا: أنا الذي أنقذت آذربيجان! برغم ان الجميع يعرفون انه لم يكن منقذها، بل ان أهلها هم الذين أنقذوها.

واليوم أيضاً إذا أراد الاتحاد السوفيتي مهاجمة إيران، وكان هو (الملك) غائباً، فالشعب موجود، ولكنه إذا كان هو موجوداً، فالشعب غائب، لان الشعب لا يشكل قاعدةً له، ولعله سيؤيد السوفيت اذا هاجم إيران مثلما دخله السرور في تلك الايام.

إذن يمكن حفظ إيران بصورة أفضل في ظل غيابه، برغم أن الحالة التنافسية القائمة بين اميركا والاتحاد السوفيتي وانجلترا تشكل رادعاً لكل منهم عن هذا العدوان، لان صدوره من أي منهم واعتراض الطرف الآخر عليه يؤدي الى وقوع حرب عالمية، وهم يدركون أنها تعني الآن ابادة البشرية دون ان تؤدي الى غلبة أحد الاطراف وتدميره للطرف الآخر وبقائه هو، لأنها ستكون حرباً ذرية ونووية تدمر كل البشرية، وهذا ما لا يرضاه أي عاقل، فهذه الحرب العالمية ليست مثل سابقتيها الاولى والثانية اللتين لم تتوفر فيهما هذه الاسلحة، فقد كانت قليلة جداً في الاولى، وكانت موجودة في الثانية، لكنها ليست بتلك الصورة الموجودة الآن، ويعلم عقلاء العالم وهذه القوى الكبرى نفسها ان الحرب العالمية إذا وقعت الآن، فلن تكون مثل تلك الحروب، بل ستفني البشرية أي ستدمر الاتحاد السوفيتي وأميركا وسائر الدول الاخرى.

ولذا لن تقع مثل هذه الحرب، وإذا وقعت ستكون عاقبتنا- وسائر الجماهير- الى خير، أما أولئك، فلا يدرون الى ما ستؤول عاقبتهم (يضحك الحاضرون).

وعلى أي حال، فالمنطق الذي يستند اليه هذا القول هو منطق فاسد، فهو يعني الادعاء بأنّ غياب صاحب الجلالة سيؤدي الى بدء العدوان الامريكي على إيران من جهة وعدوان انجلترا من جهة اخرى، وأنه هو الذي يقف بقوته الذاتية في مواجهة جميع القوى الدولية، فقوته تواجه القوى الكبرى الثلاث أميركا والاتحاد السوفيتي وإنجلترا، وليس الاتحاد السوفيتي وحده، ولذا يرتجف كارتر عندما يفكر بوجود مثل هذه القوى المقتدرة في إيران (يضحك الحاضرون).

أو أن أهل الكرملين يرتجفون- فرضاً- إذا جرى الحديث بهذه القوة، أو أن مثل ذلك يحدث في انجلترا. فهو يدعي أن وجوده هو سبب عدم تقسيم إيران، فاذا رحل عُرِّضت للتقسيم، هذا ما يقوله، ولا غرابة فيه، فقد اعتاد منذ صغره اطلاق هذه الاقوال (يضحك الحاضرون). وهو الآن يرددها!

نصل الآن الى مناقشة الفرض الثاني، وهو أن غيابه يؤدي الى هجوم أولئك على إيران، بل الادعاء بأن وجوده الآن هو علة الاستقرار القائم وسبب عجز الشيوعيين المحليين عن القيام بشي‏ء ولكنهم سيعمدون الى اثارة الاضطرابات بمجرد رحيله، وسيقدمون آذربيجان للاتحاد السوفيتي أو أن إيران ستصبح شيوعية!

هذا ما يدعيه هو (الملك) بعبارات مختلفة، فاذا أمعنا النظر فيه وجدناه قولًا أجوف لا اساس له، فهل الشيوعيون الموجودون في إيران الآن يخشون سطوته فاذا رحل لن يحسبوا حساباً لسائر أبناء الشعب؟!

من بين كل الشعب الإيراني الذي يزيد عدد نفوسه على الثلاثين مليوناً توجد مجموعة قليلة من الشيوعيين، وهؤلاء ليسوا من الشيوعيين الذين يريدون الاتيان بالاتحاد السوفيتي الى إيران، ولا اصدق كثيراً أنهم شيوعيون أنقياء- حسب اصطلاحهم-، وأكثر هؤلاء أيضاً، والمقصود زعماؤهم فلعل شبابهم ليسوا كذلك، فهؤلاء الزعماء الذين تخرجوا في البلاط وهم يقومون الآن ببعض الاعمال، وبعضهم خدم للبلاط، هؤلاء هم من نوع (الشيوعي الامريكي) حسب ما أصطلح عليه أنا، وليسوا من نوع (الشيوعي الحقيقي). لنفرض وجود مجموعة من الشيوعيين الحقيقيين، ولكننا رأينا الشعارات المرفوعة في هذه الثورة التي تشهدها إيران الآن، فهل هي شعارات شيوعية أو إسلامية؟

كما ان الجميع يعلمون بحقيقة انه حتى لو أطلق شعار ما- لنفرض انه شيوعي- في منطقة محدودة، فهو لا يعدو أن يكون قطرة مقابل البحر، إذ إن جميع انحاء إيران ومناطقها كافة تهتف مطالبة بالحكم الإسلامي، فافرضوا وجود طائفة قليلة تطلق شعارات شيوعية- كما يقول هؤلاء- فهذه الثلة القليلة مصيرها الانهيار في مواجهة هذا السيل والبحر البشري من الذين تحركوا مطالبين بالحكومة الإسلامية.

أذن هي أقوال جوفاء يتوهم (الملك) صحتها، بل انه يعلم بعدم واقعيتها، لكنه يريد تضليل الآخرين بها، وهذا ما لن يستطيع تحقيقه. ما معنى تقسيم إيران أو تحولها الى الشيوعية؟ فتارة يقول: إنها ستُعرَّض للتقسيم، أي: أن يأخذ الاتحاد السوفيتي جزءاً منها وإنجلترا ثانياً وأميركا جزءاً ثالثاً مثلًا، وتارة أخرى يقول: انها ستصبح شيوعية. فهل ذاك الجزء وحده سيصبح شيوعياً فيما تبقى الأجزاء الاخرى على حالها؟! أي هل سيستولي الشيوعيون وحدهم على آذربيجان أو سيأتي السوفيت ويحتلونها مباشرة؟!

هذه أقوال يروجونها ويرددون فيها مزاعمهم بشأن ما سيحدث في غياب الملك، والهدف منها جميعاً حفظ حكمه، وهذا هو الهدف الذي تسعى له أميركا عندما تطلق هذه الأقوال والاتحاد السوفيتي يؤيده، ولعله يلمح الى تلك الأقوال بهدف حفظه، وقد ترددها إنجلترا للهدف نفسه.

وبالطبع فهؤلاء كافة يؤيدون بقاءه، إذ لا يوجد لديهم الآن أفضل منه يضمن لهم حفظ مصالحهم، ولو أنهم عثروا على خادم أفضل منه لما دعموه كثيراً، لكنه خادم عريق يعرف سبل خدمتهم، وقد أدرك كيف يعمل، وبرغم أنه أصبح الآن عاجزاً عن العمل ما يزالون يرغبون في بقائه، لكي يواصل حفظ مصالحهم مدة معينة، لكن الشعب الإيراني يقف اليوم في مجابهة هؤلاء جميعاً معلناً الرفض وقائلًا: نحن نريد أن تكون ثرواتنا لنا ونكون أحراراً مستقلين، ونريد حكومة إسلامية، وليس حكومة جائرة تدمر كل ما لدينا.

نحن نريد حكماً أميناً يكون أعضاؤهُ من الامناء على مصالح الشعب، ونحن لدينا من أمثال هؤلاء الأمناء داخل إيران او من الذين يقيمون الآن خارجها، وهم جديرون بأن يحلوا محل هذا المرء (الملك) وجهازه الحاكم.

وأكرر مرةً أخرى القول بأننا- المقيمين الآن خارج إيران- مكلفون جميعاً مساعدة الإيرانيين والشعب الإيراني الذي وضع كل ما يملك على كفه بإخلاص، وانتفض برمته من أجلنا جميعاً، وهو يضحّي بكل شي‏ء، فعلينا نحن أيضا أن ندعمه بما نستطيع، ونحن هنا نستطيع القيام بذلك بالمقابلات الصحفية أو نشر المقالات- إذا استطعنا- في الصحف.

عندما تتحدثون مع الناس هنا قولوا كلمتكم، وبينوا لهم أن ابناء الشعب الإيراني ليسوا (أراذل وحقراء) يريدون إزاحة حاكم شريف من بلاده كما يقول السيد كارتر، بل إنهم يطالبون بحقوقهم وبالحرية والاستقلال، وهذا من أيسر حقوق الانسان، ويريدون إخراج الذي تجاوز على هذا الحق من إيران وقطع أيدي الذين سلبوهم هذا الحق، بينوا هذه الحقيقة للذين تعرفونهم وكرروها حتى يتولد تيار في الخارج أيضاً، وإن شاء الله تحققون ثمرة ذلك قريباً، وأنا أرغب في أن تحققوها سريعاً (الحاضرون: ان شاء الله) وفقكم الله جميعاً بفضله.


* صحيفة الإمام، ج‏5، ص: 82-86

2011-03-25