الموضوع: السلالة البهلوية لا تحظى بالكفاية، الشعب الصالح يحتاج إلى حاكم صالح
خطاب
الحاضرون: جامعيون وإيرانيون في الخارج
عدد الزوار: 60
التاريخ: 10 دي 1357 هـ. ش./ 1 صفر 1399 هـ. ق.
المكان: باريس، نوفل لوشاتو
الحاضرون: جامعيون وإيرانيون في الخارج
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
شقاء الشعوب وسعادتها مرهونان بأمور عديدة من أهمها كفاية الجهاز الحاكم، فإذا كان الممسكون بمقدارت البلاد فاسدين جروها إلى الفساد، ودمروا جميع شؤونها وأفسدوها.
لاحظوا حقبة الخمسين عاماً هذه، وقد عشناها نحن ورأينا أن الذي غصب الموقع الأعلى في الدولة كان فاسداً، وتبعاً له كان معظم أعضاء المجالس النيابية التي تشكلت في إيران من غير الصالحين- كان فيها في بداية الأمر مجموعة من الصالحين، ولكنهم كانوا قلة، وتبعاً له كانت الحكومات التي أمسكت بزمام مقدرات البلاد غير صالحة، وتبعاً له أيضاً كان أكثر مديري المؤسسات والمتنفذين فيها من غير الصالحين، ولا يمكن بأمثال هؤلاء- الفاقدين للصلاح- إصلاح البلاد وإقامة دولة صالحة.
ورأينا في الحقبة الأخيرة وخلال الخمسة عشر عاماً المنصرمة من عمر النهضة أن الواحد من هؤلاء الفاسدين يبقى في منصب مهم- كرئاسة الحكومة أو رئاسة منظمة الأمن- خمسة عشر عاماً، وقد عمدوا اليوم إلى اعتقال رئيس منظمة الأمن 1- بعدما ارتكب خلال هذه المدة كل ما أراد- واتهموه بأنه ارتكب مخالفات خلال هذه المدة الطويلة! كما اعتقلوا رئيس وزراء هذه الخمسة عشر عاماً، واتهموه بالسرقة والمخالفات.
كما جاء الملك بعد كل ذلك، ليعترف كما اعترف أولئك بذلك، وقال: لقد وقعت في أخطاء. أجل لقد أعتقلوا رئيس منظمة الأمن الذي إعتدى على الناس طوال خمسة عشر عاماً بتهمة الاختلاس والانحراف، وفعلوا الشيء نفسه مع رئيس الوزراء الذي ظل يحكم البلاد طوال هذه المدة! ولو أمهل هؤلاء وبقوا في الحكم لجاؤا بعد خمسة عشر عاماً، ليفعلوا الشيء نفسه مع المسؤولين الحاليين.
إن صلاح الجهاز الحاكم والذين يتولون المناصب الحساسة يؤدي إلى صلاح العامة، ولو كان هذا الجهاز الذي يمسك بزمام الأمور والذين يقودونه وزعماؤه من الصالحين، لما آل وضعنا إلى الحالة التي هو عليها الآن، ولما كنت جالساً هنا لأتحدث لكم، ولما كنتم أنتم تستهلكون أوقاتكم في هذه الأعمال، فالسبب الذي دفعني إلى ترك عملي وهو طلب العلوم الدينية والمجيء إلى هنا هو فقداننا الحكومة والسلطة الصالحة فقد ساقوا بلادنا نحو العدم، ودمروا كل ما كان يرتجى منه الاصلاح.
لقد ضيعوا أحكام الإسلام ودمروا ثروتنا الزراعية وأكثر المصارف غير سليمة والوزارات بأيدي الطالحين والمجالس النيابية شكلية مزوّرة ولم يكن أعضاؤها يمثلون الشعب.
لقد جئنا إلى هنا لإبلاغ صرختنا، ولم يكن العزم في بادئ الأمر أن نأتي إلى هنا، ولكن هذا الذي وقع بانحراف الحكومة، ثم إدركوا فيما بعد زيغ رأيهم، فندموا. لقد جئنا إلى هنا لإيصال صوتنا للعالمين وتعريفهم محنتنا وكشف حقيقة هذه الحكومات المناصرة للملك وعمق الانحراف الفكري المتسلط على قادتها الذين لا يفكرون أصلًا بواقع أن شعباً يزيد عدده على الثلاثين مليوناً بعدة ملايين هو في معرض الفناء تحت مخالب وأقدام هؤلاء الحكام.
واليوم وبعد انهيار كل شيء وإذ لم يبق لهذا الملك شيء تركه الجميع وحيداً في حالة قاسية، ورحلوا في حين أن القوى الكبرى أو بعضها مازالت تواصل تأييدها وكأنها تؤيد ميتاً فقد أنقضى عهد التأييد. كل القوانين التي شرعت وجميع المجالس النيابية التي أسست خلال الخمسين عاماً المنصرمة كانت خلاف الدستور والقانون، فلم يكن لدينا مجلس نيابي واحد أُسس طبق الدستور حتى في بداية سلطنة رضا خان، حين كانت قوته محدودة، فقد أعطى حرية محدودة في انتخاب النواب وفي طهران العاصمة فقط ونواب طهران هؤلاء هم الذين كانوا يعارضون كالمرحوم (السيد) المدرس ومجموعة من الذين كانوا يتبعونه.
أما في المدن الآخرى، فقد كانوا هم (السلطة الحاكمة) يعينون النواب بأنفسهم، ويصنعون الآراء الانتخابية للناس، ويلقونها في صناديق أخذ الرأي!! فكل شيء كان في قبضتهم بيد المحافظين أو العساكر أو الشرطة وهم جميعاً عملاء الحكومة. فكانوا يقومون في الليل بتهيئة أوراق أخذ الآراء، ويكتبون أسماء الذين يريدونهم، ويملؤون فيها صناديق جمع الآراء.
إذن فلم يكن لدينا منذ البداية مجلس نيابي يكون جميع أعضائه وطنيين (ممثلين للشعب) قادرين على التدخل في شؤون الدولة وتمييز المصالح من المفاسد. وأنا أتذكر الدورات الأولى للمجلس النيابي وأنتم تعلمون دوراته الأخيرة فقط ولا تعلمون أوضاع الدورات السابقة، فقصتها واحدة!!
تلاحظون الآن وجود مجلس الأعيان ومجلس الشورى (النيابي) والحكومة، والأحاديث جارية بهذه القضايا، وجميع من فيها بغاة تجب محاكمتهم، فالإشكال الأول الوارد على هؤلاء النواب هو قولنا لهم: إنكم تعلمون بعدم دور للشعب في الانتخابات، فلماذا دخلتم المجلس؟!
إنكم تعلمون أنكم منصوبون من قبل أميركا أو الاتحاد السوفيتي أو هؤلاء! فالملك نفسه يقول: إن أسماء النواب كانت ترسل من قبل السفارات- وهو يتصور أنها توقفت عن إرسالها في عهده! (يضحك الحاضرون)- فالسفارات هي التي تقوم بتعيين نوابنا! فهو يعترف باستمرار هذا الوضع خلال عهد أبيه والسنين الأولى من عهده، ولكنه يريد الثناء على نفسه بالادعاء أن الوضع لم يستمر على هذا الحال فيما بعد، فقد تحسن للغاية، ولم يعد كما كان عليه قبل أيام، أي: كأنه يقول:- قبل وقوع هذه الثورة البيضاء التي أوجدت لدينا القوة المكافئة لكل القوى الكبرى- حسب وصفه-!!
كانوا يرسلون تلك الأسماء وكنا نتسلمها. إذن فأنت كنت خائناً للوطن منذ البدء باعترافك! ففعلك فعل الذي يحفظ عرشه بالخيانة. إذ أليس خائناً للشعب من يقبل تسلم مثل تلك الأسماء من سفارات أميركا أو إنجلترا أو الاتحاد السوفيتي ويفرض على حكومته تنصيب أصحاب تلك الأسماء نواباً في المجلس؟! أليس هذا العمل خيانة للوطن والدستور؟! وهذا الأشكال يصدق على الملك نفسه إستناداً إلى إعترافه؟
فأنت الذي جلست هنا (على العرش) قائلًا:- أنا صاحب الجلالة، ويجب أن يكون زمام كل الأمور بيدي! تسلمت بنفسك تلك الأسماء، وتحركت طبقاً لأوامر الأجانب، ألم تكن هذه خيانة؟! وهل يمكنك الاعتذار منها؟! اعتزل وقل: لقد ارتكبت هذه الخيانة، ولذلك أستقيل.
الحادثة التي أدت إلى قيامهم بعزل الملك أحمد هي أنه رفض التوقيع على المعاهدة التي قدموها له، ووضعوها على منضدته، ليوقعها في المأدبة التي أقاموها له عندما سافر للخارج. وكانت هذه الحادثة أساس تخطيطهم لعزله والاتيان بالملك رضا، فرفضه توقيع معاهدتهم تلك دلهم على أنه لا ينفعهم. أنت أيضاً كان بإمكانك الإحجام عن توقيع هذه المعاهدة قبل أن ترحل.
إن من يخون شعبه حفظاً لمنصبه ليس جديراً بالسلطنة، وهو لم يكن جديراً بها منذ البداية، فقد خلع نفسه بنفسه منذ البدء، حتى إذا قلنا بمشروعية سلطنته في البداية- ونحن لا نعتقد بذلك بالطبع- حتى عندما زعمت أنك إستقويت وتصديت للاتحاد السوفيتي وإنجلترا وأميركا فلم تعد تستقبل تلك الأسماء، لأنكم أخذتم تعدون تلك الأسماء بأنفسكم هذه المرة، وتختارون أنتم- لا الشعب- أعضاء المجلس النيابي، فيكف يصبح هؤلاء نواباً للشعب حقاً؟! أليس هذا العمل خيانة للوطن والدستور؟!
إذا كان تشكيل المجلس النيابي بأمر السفارات الأجنبية أو الملك وبطانته، فهو في الحالتين غير شرعي ولا وطني وليس مجلس الشورى الوطني. فمعنى مجلس الشورى الوطني هو أن ينتخب الشعب- بحرية- ممثلين له في مجلس للتشاور في أمور الدولة، لكن الشعب لم يتدخل أصلا في اختيار هؤلاء النواب، فمجلسهم شكلي غير وطني ولا دستوري وكل ما يصادق عليه مخالف للدستور وكل حكومة وثقها، أو يوثّقها غير شرعية دستورياً أيضاً.
هذا هو الحال عندما لا تكون مقدرات البلد في يد الشعب إذ ينتخب هؤلاء (الحكام) كل طالح وينصبونه. نقل أحد الساسة عن أحد العسكريين قوله: إن الملك خبير في سوء الاختيار (يضحك الحاضرون). فلو كان في البلد خمسة فاسدين، لعثر عليهم، وسعى إلى انتخابهم!
وسر ذلك هو أنه نفسه فاسد، والفاسد لا يستطيع أن يختار إنساناً صالحاً لرئاسة الوزراء، ولا أن يؤيد مجلساً نيابياً صالحاً، إذ لو أصبح المجلس النيابي صالحاً لمنع المفاسد، والملك نفسه هو مصدر كل المفاسد، ولو كان رئيس الوزراء أو مجلس الوزراء صالحين لما اصغينا لأقوال الملك الذي يريد التحرك خلافاً للمصالح، فإذا كان الرأس فاسداً، فكل الحكومة فاسدة وهكذا المجلس النيابي، وتبعاً له تفسد الثقافة والجيش والاقتصاد وكل فساد من فساد ذلك الرجل الذي يتصور أنه في القمة.
أما إذا كان الذي في القمة صالحاً جديراً بمقامه يفكر بالشعب ويعتبر من العار عليه أن يتبع الأجانب، وكان مسلماً خاضعاً لأمر الله الذي يحرم الخضوع للأجانب والانقياد لهم، فإنه يصلح كل شؤون البلاد التي يرأسها.
لقد سيقت كل شؤون بلادنا نحو الفساد، لأن من يعينه (الملك) رئيساً للوزراء- بحسب دستورهم- إنسان فاسد يفكر بمصالح الملك ويسعى لتحقيق طموحاته، فلا يمكن للملك أن يعين إنساناً صالحاً، لأن هذا يخالفه ويمنعه من السرقة.
كما أنه لا يمكن أن يروج ثقافة سليمة ويؤيدها، لأن الثقافة السليمة خلاف أهوائه. ولو كان لنا ثقافة سليمة، لما وصل حالنا إلى ما هو عليه الآن. هؤلاء لا يسمحون بإصلاح إي من شؤون بلادنا، وكل المفاسد ناشئة من رأس ذلك الرجل، فقد أمرت أميركا أحدهم بمهمة من أجل وطنه هو يصدق في قوله مهمة من أجل وطني فقد أمرته أميركا بإيصال وطنه إلى هذه الحالة التي ترونها.
لقد أطلعونا أيها السيد على المذابح التي تشهدها اليوم أيضاً طهران و خراسان وغيرها، فقد أوغل هؤلاء في قتل الناس وما لم يرتكب هذا الرجيل- الذي يلفظ أنفاسه الأخيرة ويستعد للرحيل- القتل الذريع، فلن يشفي غيضه. وهذا هو مصير البلد الذي يستحوذ على مقدراته غير اللائقين لهذه المناصب، فالنائب غير الجدير بمقام النيابة والنواب والذين يختارهم الملك لا يمكن أن يتحلوا بالإنسانية أو الصلاح.
وإذا كان الانتخاب بيد الشعب فهو يسعى لانتخاب الصالحين والجيدين حسب معرفة أبنائه الذين لن يتوجهوا لانتخاب الأشرار، فالشرير هو الذي يسعى للأشرار، أي أن: الشرير يرى تحقيق مطامعه واستغلاله رهيناً بوجود عملاء أشرار.
ومن المحال أن يحقق ما يريد إذا كان أعضاء سلطته من الصالحين، ولا يمكن تنفيذ ما ينسجم مع أهوائه ومصالحه أو مصالح الأجانب إلا بالاستعانة بمعاونين من الأشرار ولذلك ينصب هؤلاء في سلطته، والمجلس النيابي الفاسد بطبيعة الحال يوثق حكومة فاسدة، فالرأي الفاسد لا يمكن أن ياتي بغير مجلس نيابي وحكومة يعملان خلاف مصالح بلادنا.
وما من فائدة ما لم يتم إصلاح الامر من الأساس والبدء من النقطة الأولى، أي: الاطاحة بهذه الأسرة التي يجب أن ترحل، ليرحل هذا السارق إلى تلك الجزيرة التي اشتراها مؤخراً بما سرق، اشترى ثمانية هكتارات من الأراضي، وأقام بها كل شيء، ليسكن فيها كل بطانته وأسرته، وهو يعتزم الالتحاق بهم، ليعيش حياة يتصورها الناس مترفة وهي مميتة في الواقع. ما لم يحدث هذا الأمر وتتسلموا أمور بلادكم بأنفسكم، لن تستطيعوا تعيين رئيس لكم بحرية.
والشعب إذا أراد أن ينتخب رئيساً لجمهوريته لن ينتخب بالطبع رضا خان أو محمد رضا خان وأمثالهما، بل سيبحث ولا شك عن إنسان صالح ينفع البلاد، ويحل مشكلاتها، فإذا كان رئيس الجهورية صالحاً، فمن المؤكد أنه سيسعى لإصلاح البلاد باختيار الصالحين لعضوية الحكومة، فهو لا يريد أن يسرق، ليختار معاونيه من السراق، بل يريد إصلاح البلاد، فيجتهد في اختيارهم من الصالحين، لكي يستطيع بمساعدتهم إنجاز هذه المهمة الاصلاحية.
وعندما تصل للسلطة حكومة صالحة ستوفر (بلا شك)- أجواء الحرية للشعب للمشاركة في الانتخابات وأغلب أفراد الشعب صالحون، وليسوا فاسدين- ويرغبون في إصلاح وطنهم وجعله سليماً يستند إلى نظام اقتصادي سالم لتستقيم كل شؤونه، فهم يطلبون بكل وجودهم من الله ان يكون حكامهم صالحين.
وعندما تكون الانتخابات حرة، ولا يتدخل فيها الفاسدون سيدخل المجلس النيابي الصالحون وتقام حكومة صالحة ويعين رئيس صالح للجمهورية لا يتحرك خلاف مصالح البلاد.
إذن يجب البدء من هنا أي من القمة ووضع سلطة البلاد بيد من يسعى لخدمتها، وليس لتحقيق مطامحه الخاصة، مثلما فعل هؤلاء كما لاحظتم في تلك النشرة التي نشرها المصرف الوطني والمصارف الأخرى وهي لا تمثل كل ما سرقوه، فالمصارف لا تعلم بكل ما سرقوه، ويبدو أن الرقم المتعلق به يزيد على ثلاثة مليارات وسبعمائة مليون دولار.
وهذه هي سرقاتهم الجديدة أما ما سرقوه من قبل، فلا علم لي به، ولن نستطيع معرفته لا أنا ولا أنتم. إنهم يسألوننا باستمرار عمّا نريد القيام به مستقبلًا، والجواب هو أننا نريد جعل حق انتخاب رئيس الجمهورية بأيدي أبناء الوطن أنفسهم، أما ما هي نتيجة ذلك؟
فالجواب واضح بملاحظة أن أبناء الشعب لا يعادون أنفسهم، ولا يستطيع الأجانب أن يضغطوا عليهم جميعاً، أجل الأجانب يستطيعون تنصيب لص على العرش ليقوم بتسليط حكومة فاسدة ومجلس نيابي فاسد وقوم فاسدين على رأس المؤسسات العامة التي فيها الكثير من الصالحين وفيها لصوص ملؤا جيوبهم مما سرقوه. وبهذه الكيفية يفسد الوضع فساداً كاملًا وهذا ما نرفضه نحن.
إن برنامجنا هو الرجوع إلى الرأي العام وآراء الشعب وعزل القوى الأمنية والشرطة في كل المدن عن التدخل في تنظيم الانتخابات، وتحول هذه المهمة لشباب الشعب أنفسهم كل في مدينته، فالشعب هو الذي يتولى بنفسه حفظ صناديق الآراء وغير ذلك بمجموعة من الثقاة المعتمدين والمخلصين للوطن ينتخبهم في كل مدينة للإشراف على سلامة الانتخابات.
الشعب هو الذي يعين واحداً منه رئيساً للجمهورية، ونحن أيضاً نبدي رأينا للناس علناً، فأقول: هذا من أختاره أنا، فإن شئتم انتخابه، فالأمر اليكم وأنتم أحرار في ذلك. ومن الطبيعي أن ينتخب أبناء الشعب عندما يكونون أحراراً إنساناً صالحاً، فلا يمكن أن يخطىء الرأي العام وثلاثون مليوناً من أبناء البلاد.
وقد يقول قائل: قد ينتخبون منحرفاً، فيقال له: إذا وجدوه كذلك عزلوه ساعة يكتشفونه. نحن نقول: يجب أن ننتخب بأنفسنا وأن يعين شعبنا رئيسه بنفسه. ومن الطبيعي أن ينتخب الشعب إنساناً صالحاً لإدارة البلاد لا فاسداً، ويبعد الخطأ عن انتخاب ثلاثين مليون نسمة. وسنقوم بتبليغاتنا الانتخابية في وقت الانتخابات، ونعلن أسماء مرشحنا لرئاسة الجمهورية، ونراجع ونبحث في كل مكان للعثور على صالح لهذا المنصب، لا لص يريد ملء جيبه، نريده مجرباً معروفاً لدينا، فنرشحه- حتى لو كان من الحمالين- ونعلن انه صالح، وبالطبع يجب أن يكون خبيراً ولا ضير إن كان من الطبقة الثالثة (الفقيرة).
ولن نذهب الى المترفين لننتخب أحدهم، إنما نسعى لاختيار إنسان صالح، فإذا أصبح في القمة شكل حكومة صالحة- ولن يأتي بحكومة منحرفة وفاسدة- وستقام الانتخابات لكلا المجلسين بحرية وسنشكل باشراف الشعب نفسه المباشر مجلساً نيابياً وطنياً إن شاء الله الحاضرون: إن شاء الله) لا يرتبط بسفارة الاتحاد السوفيتي ولا انجلترا ولا أميركا ولا يسعى للدفاع عن مصالحه، فلو دخل في عضويته مئتان من الصالحين المخلصين لوطننا ومن غير اللصوص الذين يريدون ملء جيوبهم أو الوصول إلى الجاه، بل هدفهم خدمة الشعب، فانه سيهتم بمصالح البلد وإذا قدموا له مثلًا معاهدة بين حكومتنا وإحدى الحكومات الأخرى، فسيدرسها ويناقشها طبقاً لمصالح الشعب. ويرصد ما يحتمل وجوده فيها من المفاسد المضرة بمصلحة الشعب التي ربما لم تتنبه اليها الحكومة، لأن الحكومة الصالحة هي التي تدرس أولًا هذه المعاهدات، فإذا كانت فاسدة رفضتها، وقد تعجز عن إدراك بعض المفاسد فيها، فيرصدها المجلس النيابي ويصلحها، وفي هذه الحالة تصان مصالح بلادنا صيانة كاملة أو بنسبة تسعين بالمائة وهذا ما نطلبه وهو ليس بعيداً عن الواقع.
أما بالنسبة لدستورنا، فهو الذي حدده لنا الله- تبارك وتعالى- والدستور الموجود الآن وتتمته مقبولان مع إصلاح ما خالف الشرع منهما. وهذا ما نطالب به نحن، لكنه لم يطبق ونحن نريد تطبيقه عملياً، نريد إقامة دولة يحكمها الصالحون.
قال افلاطون: إن الفلاسفة هم الذين يرأسون الحكومات، هذا هو رأيه، حتى الفيلسوف يجب أن يكون صالحاً. ونحن نقول: نريد صالحين ويجب أن يكون من يتولى سياسة البلاد ونسلمه مقدراتنا منتخباً من قبل الشعب. فإذا كان الأمر كذلك فمن الطبيعي أن يختار الشعب صالحاً، وإلا فان المعزة الصلعاء تصيب كل الشعب بالصلع كما تعرفون (يضحك الحاضرون).
أما الإنسان الصالح، فهو يقود البلد إلى شواطئ السلامة، فتصبح جامعاتنا سليمة لا على ما هي عليه اليوم فبعد خمسين عاماً على تأسيسها يستلزم إستيراد طبيب لجراحة اللوزتين. وهذا عيب علينا ألّا تقدّم لنا جامعتنا طبيباً حاذقاً، وهذا ما يعترفون به هم بأنفسهم، فإذا جاءهم مريض أمروه أن يذهب الى انجلترا للعلاج! لماذا يحدث هذا؟! لانعدام التعليم الصحيح الذي لم يدعوه ينمو، لا أنّ الشرقي عديم الاستعداد.
فهذا قول خاطئ، الشرق يضم بلدان الشمس التي يفتقدها الغرب كما تلاحظون، لكن قادة الدول الغربية يمتلكون جدارة تجعلهم يتحركون لتحقيق مصالحهم ومصالح بلدانهم هم، وليس مصالحنا نحن بالطبع فجدارة بعضهم كانت مضرة للغاية لبلداننا، قربوا أبناء بلدانهم تربية تعليمية سليمة، ولو كانت لدينا جامعة تحظى بنظام تعليمي سليم لتفتحت الطاقات في شمس الشرق، ونحن نريد لهذه الطاقات أن تتفتح.
أما ما يثيرونه من القول: بأن فلاناً يقول يجب أن يرحل الملك، ولكن ماذا بعد ذلك؟ أي اعتراض هذا وما الذي سيحدث إذا رحل الملك؟ وأي بقعة في العالم ستضطرب؟ وما الذي يقدمه لنا الآن سوى القتل؟ وأي خدمة يقدمها الآن لبلادنا حتى إذا رحل سبّب فراغاً؟
أجل إن الفراغ الذي يحدث هو توقف هذه المذابح الجماعية! نحن نريد دولة تكون مقدراتها بيد الشعب نفسه، فلا يستطيع رئيس الجمهورية فيها أن يفعل ما يشاء بعدما يصل إلى السلطة إذا كان صالحاً في البداية، وانتخبه الشعب على هذا الأساس، لا يستطيع أن يفعل ذلك، لأنه يبقى في قبضة الشعب، وينتهي أمره متى أعلن الشعب رفضه له، فلا يكون الحكم للحراب كما هو عليه الآن، إذ ينزل أبناء الشعب الى الشوارع وهم يهتفون منذ عام بكلمة الرفض (لهذا الحكم) ورغم ذلك ما زال هؤلاء (الحكام) ينكرون ذلك ويتسائلون عمّا يريده الشعب! أي شيء تريد أن يقوله الشعب أوضح من هذا؟!
إنهم يهتفون طوال الليل: لا نريد هذا الملك ورغم ذلك ينبري أحد المنحرفين للقول بأن الشعب لا يريد شيئاً! فكيف يمكن تصديق هذا الادعاء؟! وكيف وأين يعلن الشعب رفضه للملك بعدما صدع مجاهراً بهذا الرفض في الشوارع ومن فوق سطوح المنازل وفي مختلف ساعات الليل والنهار ومنذ أكثر من عام؟!
وإلى من يذهبون ليعلنوا له كلمتهم هذه ويقولون: نحن نطالب برحيل هذا الحاكم ورحيل هذه الحكومات التي جثمت على صدورنا لنتفرغ لاصلاح أوضاعنا وتنتخب رئيساً صالحاً. ولا داعي لأن يقلق هذا الطرف من التحالف مع منافسه ولا العكس، فنحن لسنا حلفاء لا لهذا ولا لذاك. لقد بدأت الآن تتردد الدعايات القائلة بأن للاتحاد السوفيتي يداً في النهضة! ومن هو الاتحاد السوفيتي ليتدخل فيها؟ (يضحك الحاضرون).
وما شأنه بنا؟! إنه لا يستطيع التدخل؟ وكيف يمكن وهو المعادي للإسلام أن يقول للجميع: اهتفوا باسم الإسلام؟! إن من الحماقة إطلاق هذه الأقوال، فهل يمكن الادعاء بأن الكفار هم الذين قالوا لهذه الفئة التي وقفت متحدية مطالبة بالحكم الإسلامي لا غير: طالبي بالإسلام! ليس فعل الاتحاد السوفيتي ولا غيره، بل نحن الذين نطالب بذلك بأنفسنا وهذا ما يريده الشعب معلناً استقلال موقفه. وبعد انتباهكم لهذا المطلب- أيها الشباب- فإننا بحاجة إليكم إذا أصلحتم نفسكم، فاجتهدوا في إصلاحها لكي لا تسقطوا في الخيانات.
فمن يذهب إلى أسواق الأجانب، أو معارضهم التجارية، ويأخذ منها- لا سمح الله- شيئاً ما خلسة بذريعة أنهم قد سرقونا منحرف وخائن لا ينفع بلادنا. أصلحوا أنفسكم فمن لا يصلح علاقته بالله لا يستطيع أن يصلح علاقته بخلقه، ويسوس المجتمع سياسة سليمة.
عليكم إصلاح علاقتكم بالله، لكي تستطيعوا القيام بتلك المهمة، فنحن بحاجة إلى أن يتربى شبابنا تربية إنسانية، أي: تربية إسلامية ويتحلوا بالروح الإنسانية لا أن يكتسبوا صفات لا تليق من النزعة الشهوانية وغيرها.
نحن نريد إقامة دولة إنسانية إسلامية، أي أنها عندما تكون إسلامية فهي إنسانية، فالقرآن هو كتاب تربية الإنسان الحقيقي، والإسلام هو منهج لتربية الإنسان بجميع أبعاده، ومن يطبق أحكامه على نفسه بصورتها الحقيقة فمن المحال أن يخطىء عن عمد، ومن المحال أن يخون أخاه طبعاً.
ونحن نطالب بتطبيق هذا المنهج الذي يربى بني الإنسان منذ بداية أمرهم، ويهديهم الى تنمية الكمالات الإنسانية، فهل تجدون في العالم منهجاً مثل الإسلام يهتم بتربية الإنسان حتى قبل زواج والديه، فيحدد آداباً للزواج؟
جميع المناهج الأخرى في العالم تهتم بأمر الإنسان الناضج الذي يتحرك وسط المجتمع، أما الإسلام، فهو يحدد لكل من والديه قبل زواجهما الشروط التي يجب توفرها في الطرف الآخر. والسبب هو أن هذين الزوجين هما منشأ ظهور فرد واحد أو مجموعة من الأفراد، والإسلام يريد أن يكونوا من الصالحين في المجتمع ولتحقيق ذلك يحدد الصفات اللازمة في الزوجة والزوج والأعمال والأخلاق التي ينبغي توفرها على الأسرة التي تربيا فيها، ويحدد أسلوب تعاملهما بعد الزواج وآداب الولادة وحضانة الطفل. والهدف من كل هذه الآداب هو أن تكون ثمرة هذا الزواج موجوداً صالحاً للمجتمع وليتم بذلك إصلاح أوضاع العالم كله.
هذا ما تقوم به شريعة الإسلام الهادفة إلى تربية الإنسان الحقيقي، ولذلك بدأت بالتمهيد لذلك حتى قبل انعقاد نطفته، فمدّت توجيهاتها لما قبل الزواج وآدابه، ثم عينت آداب الولادة وما بعدها خلال الرضاعة ومعاملة الوالدين للطفل رضيعاً وصبياً في المدرسة الابتدائية وصفات معلميه ومربيه فيها. ثم توجه الخطاب إليه هو نفسه عند بلوغه الاستقلال والاعتماد على نفسه، فشرعت الأعمال والفرائض التي يجب عليه القيام بها.
والهدف من كل ذلك هو أن يتربى جميع أفراد المجتمع تربية صالحة، وبالطبع لم يتحقق ما أراده الإسلام إلا الشيء القليل ولو تحقق كلّ ما أراد، لما كانت السرقات أو الخيانات أو نظائرها الموجودة الآن ولما اعتدى أحد على آخر.
إن ما نطالب به هو تحقق هذه الأهداف التربوية، ونحن عندما نطالب بالحكومة الإسلامية فلا تتصوروا أن إقامتها تعني أننا سنشهر السيوف، ونقطع بها رقاب الجميع، ونحبس النساء في أكفان، أو نسجنهن في المنازل! أي صلة لهذا بالإسلام؟!
إن الإسلام منزّه عن ذلك. عندما نطالب بالحكومة الإسلامية، تنطلق من الجهة الأخرى أصوات تقول: إنها ستقتل كل اليهود والنصارى! وهي ادعاءات تهدف الى حفظ تاج الملك وعرشه الفاسد وهو يجبر عملاءه على ترويجها، فهو يتشبث بكل وسيلة ممكنة. إن حكم الإسلام هو التعامل بالحسنى والعدل مع اليهود والنصارى والمجوس وجميع الأقليات الدينية التي تعيش في بلادنا، ونحن أتباع ذلك الذي اعتبر المؤمن غير ملوم إذا مات كمداً لسلب خلخال يهودية في ظل الدولة الإسلامية، ونحن نسعى لطاعة مثل هذا الإنسان.
نحن نملك خطة عمل، ولسنا جالسين هنا عبثاً بانتظار انتهاء الأمر. أجل لدينا خطة عمل يرضاها عقلاء العالم، ولا غرابة أن يأباها السيد كارتر العالم يؤيدها برغم إبائه لها. فعندما كان كارتر يطلق تلك الادعاءات أرسل فلاسفة بلاده وعلماؤها الى رسالة أعربوا فيها عن شكرهم وتأييدهم لهذه النشاطات النهضوية وللشعب الإيراني. فليس الشعب الامريكي مخالفاً لمصالحنا، بل هو يؤيدنا ويعرب عن أسفه على ما تقوم به حكومته والحكومات الفاسدة الأخرى، فهل من المعقول أن يتصور أحد أن فساد محمد رضا خان يعني فساد الشعب الإيراني؟! لا، فلا علاقة للشعب بهؤلاء.
ما أريد قوله لكم- والذي يجب أن أكرره باستمرار- هو أن أصلحوا أنفسكم- أيها السادة- واجتهدوا دوماً في تهذيبها وجعل أعمالكم مطابقة لأحكام الإسلام، وهو الدستور الإلهي، والله هو العالم بالأعمال التي يجب القيام بها للوصول الى الثمار التربوية المطلوبة. فإذا طبقت الأعمال التي أمر بها يكون الوزير والنائب ورئيس الجمهورية والكاسب من الصالحين، فيصلح كل منهم محيطه، فيعم الصلاح كل مكان.
أسال الله أن يتفضل عليكم جميعاً بالتوفيق (الحاضرون آمين) وأن يوفقكم لإصلاح أنفسكم (الحاضرون: آمين) وإصلاح بلدكم (الحاضرون آمين).
* صحيفة الإمام، ج5، ص: 217-224
1- اشارة الى الجنرال نصيري رئيس منظمة الامن الملكي( السافاك).
2011-03-25