الموضوع: التطلع الى الشعب والالتحاق به، تساهل الجيش والحكومة، الموعظة والتحذير النهائي
خطاب
الحاضرون: الجامعيون والإيرانيون في الخارج
عدد الزوار: 74
التاريخ: 8 بهمن 1357 هـ. ش./ 92 صفر 1399 هـ. ق.
المكان: باريس، نوفل لوشاتو
الحاضرون: الجامعيون والإيرانيون في الخارج
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
كل مصيبة تنزل بالاخوة الإيرانيين وكل مشقة يتحملونها هي حمل ثقيل يقع على عاتقي، ولا أستطيع الاعتذار منه، ففي الايام القليلة الماضية وقعت مرة أخرى مذابح في إيران بعثت فينا الأسى، فيما تدفق أهالي مختلف المدن الإيرانية على طهران وهم يتحملون الأذى في برد الشتاء وهذا الأمر يؤذيني أيضاً، وكل هذه أعباء تثقل كاهلي، وإني أسأل الله- تبارك وتعالى- الموفقية لشعب إيران وجماهيرنا، وأسأله- تعالى- السلامة للجميع، وكنت قد قررت الذهاب الى الإخوة الإيرانيين بهدف الخدمة في صفوفهم راغباً في مشاركتهم في كل غمٍ إذا حل بهم- لا سمح الله- وأكون معهم في تحمله، لكن أصابع الخونة خرجت من أكمامها مرة أخرى، ومنعت عودتي والآخرين، وأغلقت الطرق، لانها ترى أن عودتنا الى إيران ستضر بمصالحها ومصالح أسيادها، وإني سأنفذ- بمشيئة الله- قراري الراسخ في العودة في أول فرصة.
يروى أن النبي الاكرم- صلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلمْ- رأى مجموعة من أسرى الكفار وهم يساقون بالأغلال فقال: إننا نريد أن نسوقهم الى الجنة بالأغلال! أو ما يقارب هذا المعنى، إن الهدف من بعثة الأنبياء- عليهم السلام- هو تحقيق السعادة للبشر بمختلف أبعادها في الحياة الدنيوية والأخروية، فهم كانوا يسعون لإيصال بني الانسان الى الكمال المناسب للنوع الانساني، لكن أكثر البشر لم يستجيبوا لهذه المساعي ولا يستجيبون.
ونحن قمنا بهذه النهضة اتباعاً للنبي الاكرم- صلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلمْ- لإيصال هذا الشعب المحروم الى كماله الجدير به، فقد عانى طوال عهود حكم الملكية وعلى مدى حقبة الخمسين عاماً الأخيرة التي عاصرناها- الحرمان والمحن في مختلف المجالات، فقد ضيع (الحكام) كل ما يملكه، ونهبوا وما زالوا ينهبون كل ثرواته، ودمروا كل طاقاتنا.
فنهضت إيران ونهضنا إثر انتفاضة الإيرانيين، ونحن- بدورنا- نوجِّه بضع كلمات ونتحرك خطوات لكي ننقذ هذا الشعب، نحن نريد إنقاذ الحكومات الحاكمة في إيران! نريد إنقاذ جيشها من هذه الطفيليات، وقد عارضنا منذ البداية مجيء المستشارين العسكريين الأميركان وتسلطهم على الجيش، ورفضنا منح الحصانة القضائية للرعايا الأميركان في إيران، وأعلنا براءتنا من ذلك.
فنحن نريد جعل هذه الحكومات مستقلة، لكنها لا ترضى بذلك، نقول لها: كوني مستقلة في بلدك وقومي بمسؤولية إدارته بنفسك وهي ترفض وتقول- بالعمل وليس باللسان طبعاً: أريد أن أكون خادمة للأجانب.
ونريد إنقاذ الجيش من المستشارين الأميركان وقادته الكبار المترفين، لكنهم لا يرضون بذلك، ويريدون إبقاءه تحت سلطة هؤلاء، وحالتهم هي حالة أولئك الذين قال عنهم النبي الاكرم أن المسلمين يجرونهم بالاغلال الى الجنة والى السعادة وعلينا أن نجر هؤلاء المترفين بالأغلال الى السعادة: نحن نريد أن تكونوا سادة وأنتم تقولون: نريد أن نكون عبيداً للآخرين.
نحن نقول: يجب أن تتولوا بأنفسكم مهمة إدارة بلدكم وجيشكم لتكون ثروات بلدكم لكم ولهؤلاء المساكين من سكنة الأكواخ، فترفضون ذلك، وتأبون أن تتحلوا بالصفات الانسانية. نحن نريد تهذيبكم، لكي تتحلوا بهذه الصفات، لكنكم ترفضون.
إنكم تواصلون إطلاق الادعاءات التي ابتلينا باطلاقها منذ البداية، فعندما كان محمد رضا خان في الحكم كان يطلقها تباعاً، فتذيعها الاذاعة، ويعرضها التلفزيون، وتتابعهما في ذلك الصحف، وعندما كان المرء يطالع الصحف كان يجد في صدر صفحاتها أقوال صاحب الجلالة الشمس الآرية أو صاحب المقام السامي أو صاحبة الجلالة الملكة، وهي الاقوال نفسها التي كان يسمعها من المذياع كلما فتحه، والتي كان يجب على كل متحدثٍ أن يرددها في كل حديث.
كان (محمد رضا) يردد دائماً القول: بأننا سننقل البلاد الى التحضر العظيم، وسنحقق الانجازات ونفعل ونفعل. وعندما قضوا عليه ورحل عرفنا أنه لم يحقق شيئاً، فحيثما تضعون أيديكم من مظاهر التحضر تجدون الدمار الذي أوجده، فلا تنسوا محمد رضا، فجميع مآسيكم صادرةً عن هذا الخبيث، لا تنسوه بل إذكروه ولا تقولوا: إنه رحل من إيران وانتهى أمره، فلا ضرورة للحديث به بعد ذلك. لا، يجب أن يبقى ذكره السيء حياً حتى يدفن هو وأسياده وحينئذٍ لا شأن لنا به.
لقد كان الحديث الى الأمس بحكم وملك الملوك في إيران، وأن شعبها محب له منذ البداية، وأنه لا يستطيع العيش من دونه. ولكننا اليوم بلا ملك، فكيف بقينا أحياء إذن؟!
نحن جالسون هنا والإيرانيون ما زالوا أحياءً، وهذا السيد نفسه قال: لو سقط الملك، لأصبحت إيران شيوعية! وها هو ذا قد رحل الملك، فهل أصبحت شيوعية؟! هل الملك موجود اليوم؟! إنه غير موجود، فهل الذي دفع الشيوعية نظام ملك الملوك المفقود الآن أصلًا، فليس ثمه ملك ولا نظام ملكي الآن.
كان محمد رضا يقول: إذا رحلت تقسّم البلاد بين إنجلترا وروسيا وأميركا. وقد قلنا في حينها: إن هذا الوضع التقسيمي قائم بوجودك، فارحل أنت لكي ينتهي هذا الوضع، وقد رحل الآن، فهل عُرضت بلادنا للتقسيم وأخذ كل طرفٍ جزءاً منه؟! لا، لقد رحل وانقضى الأمر.
أجل، لقد كنا طوال هذه المدة مبتلين بادعاءات محمد رضا الجوفاء تحت عناوين حكم ملك الملوك وصاحب الجلالة الشمس الآرية!! واليوم نبتلى بالادعاءات نفسها تحت عناوين الوطنية و الحرية وأمثالهما، فيذهبون الى قبر الدكتور مصدق، ويطلقون هذه الادعاءات، ونحن لم نصدق أولئك ولا نصدق هؤلاء، نحن لا نصدق بسرعة فماذا نفعل؟!
إننا نرى هؤلاء وهم يقومون اليوم بالممارسات ذاتها التي كان يقوم بها الملك السابق محمد رضا خان، ففي السابق كانوا يقتلون الناس، وينهبونهم، ويمنعون الاجتماعات، وهؤلاء أيضاً يقومون باعمال القتل والنهب والمنع ذاتها. أنتم أيضاً تمنعون اجتماع أكثر من اثنين، ولكنكم عاجزون عن تنفيذ هذا المنع عملياً ولو استطعتم لقمتم بذلك، بل لمنعتم اجتماع حتى اثنين، ولكن لا طاقة لكم بذلك الآن، والأهالي لم يعودوا يهتمون بذلك.
إذن المنهج نفسه والممارسات نفسها لم تتغير، والذي غيروه هو الاسم فقط، فأمس كان نظام ملك الملوك واليوم النظام الوطني والجمهورية الديمقراطية وأمثال ذلك، فهؤلاء مع الجمهورية وضد الإسلامية أي ضد الشطر الثاني من شعار (الجمهورية الإسلامية) لأنهم أعداءُ الإسلام، وإلا إذا لم تكونوا تعادونه، فلماذا تقولون: الجمهورية الديقراطية عندما تعرضون برنامجكم السياسي؟ وما هو ذنب الإسلام؟! وما الذي فعله بكم؟! إنكم تعادون الإسلام، لأنه يمنع تحقيق المصالح الشخصية، ويمنع هؤلاء المترفين من العيش المستعلي او الجاري على وفق ما تقتضيه شهواتهم.
الإسلام يقيم التوازن والعدالة، ويمنع تسلط الأجانب على المسلمين، ويكافح الظلم والاستبداد. ومع منع الاسلام للاستبداد، هؤلاء يقولون: لقد تخلصنا من استبداد محمد رضا خان، ووقعنا في ظل استبداد الملالي، فأي استبداد لدى رجال الدين وما الذي فعلوه؟!
نحن نقول: لا تستبدوا، فهل هذا يعني أننا ندعوكم أن تستبدوا؟! إننا ننهاكم عن الاستبداد، ولا نمنع سوى الفساد، ونريد أن يعيش الناس أحراراً، وهذا ما تمنعونه أنتم. أجل لم يتغير غير الأسم، فالذين كانوا يدعمون محمد رضا خان يدعمون اليوم هؤلاء، فمحمد رضا خان ظهر بعنوان، وهؤلاء بعنوان آخر، والمحتوى واحد. ولذا بجب على الإيرانيين الانتباه، فلا يتصوروا اننا انتصرنا وانتهى الأمر، لقد طردنا محمد رضا، وهذا جيد، ولكن الذي حدث هو تغير الواجهة، فقد ظهرت الواجهة الثانية، فتارة كانوا يتعاملون بسلاح القوة والتجبر والاستبداد، وتارة بسلاح التصالح والمرونة- حسب زعمهم- وأخرى بسلاح التصالح والتجبر معاً!!
إنهم يتحدثون اليوم بالنظام الإسلامي الديمقراطي والمضمون هو نفس مضمون أحاديثه في السابق بترويج دين الإسلام المبين، فهي نفس الخطط التي كان يسير عليها ذاك الرجيل، إذ كان يتحدث عن دين الإسلام المبين، وهو لا يعرفه أصلًا وفي الوقت نفسه يسعى لقطع جذوره.
إن الإسلام يأمرك بترك السلطة، لانه يعارض الحكومة الجائرة، وأنتم جائرون، والإسلام يرفض الظلم وقد حاربه نبيّ الإسلام ثلاثاً وعشرين سنة تارة بالوعظ والقول- كما كان الحال في مكة- وأخرى بالسيف- كما كان الحال في المدينة- وأنتم تروجون الظلم، وقد ذبحتم شبابنا، فأنتم سفاكون ومصاصون للدماء.
أما نحن، فإننا نسعى لتحريركم من سلطة الاستعمار لكنكم تريدون البقاء خاضعين لها، فعقولكم عاجرة عن إدراك الأمر، ولذا ينبغي أن نضربكم على هاماتكم حتى تتحرروا منها، سنقيدكم بالأغلال لكي نجركم ونخرجكم من حالة الخضوع لهذه الصورة الاستعمارية، نأخذ بأيديكم ونخرجكم بالقوة لأن عقولكم عاجزة عن إدراك ضرورة ذلك، وليعلم أفراد جيشنا أننا نسعى لجعلهم مستقلين، لكن هؤلاء الاثنين أو الثلاثة المتسلطين عليكم لايسمحون بذلك. فأردعوهم وأطردوهم، وليعلم المسؤولون الحكوميون أننا نريد إقامة حكومة مستقلة، وهؤلاء العبيد لا يسمحون بذلك، فاطردوهم وأجبروهم على ترك السلطة. إنني راحل- بمشيئة الله- الى إيران في أول فرصة تسنح لي (الحاضرون: إن شاء الله). والخطوة الأولى التي سأقوم بها هي أنني سأقيم حكومة إسلامية تستند لأحكام الإسلام وانتخاب الشعب (الحاضرون: إن شاء الله).
فنحن نقترح على الشعب وننال تأييده، فنؤسس حكماً إسلامياً- والشعب الإيراني مسلم ولا اعتقد بأن أحداً من أبنائه يخالف ذلك بأستثناء ثلة قليلة من الذين يرون الإسلام معارضاً لظلمهم، وقد أدركوا هذه الحقيقة. أما عامة الشعب الإيراني، فنحن رأينا عظمة اجتماعه أمس واليوم في طهران، وقد طالب المجتمعون بالإسلام، وهم يرفضون الخضوع لحكومات جائرة، ويطالبون بالحكومة الإسلامية.
لا يتوهم هؤلاء أننا لا نعرف معنى الجمهورية الإسلامية، إذ يتظاهرون بعدم قدرتهم على معرفة معناها، لماذا لا تفهمونها؟ معنى الجمهورية واضح لكم جميعاً، وهو يعني لزوم الأخذ بموقف الرأي العام، والإسلامية تعني الالتزام بقواعد الإسلام، فهل تعارضون الإسلام وأحكامه؟!
للإسلام أحكام في المجالات السياسية والاجتماعية وكل شيء، ونقول: نعم لقوانين الإسلام ودستوره، ولا للدستور الذي يأباه. أتراكم تقبلون أن تكون جمهورية، وترفضون أن تكون إسلامية؟! إذا كان الحال كذلك، فأنتم فاقدون في حقيقتكم للإيمان والاعتقاد بالإسلام، فأنتم لستم مسلمين. نحن نريد أن يكون جيشنا مستقلًا لكي لا يأتي عقيد من أميركا، ويسحق هيبة مهيب إيراني.
أيها المهيب، نحن نريد إنقاذك فترفض؟! إن عقلك لقاصر عن إدراك ضرورة الخلاص، ولذلك يجب أن ننقذك بالقوة. ما زالت فطرة شبابنا في الجيش حية، ولم تمت موتاً تامأً موت فطرة كبار قادتهم الذين تاصلت فيهم النزعة الوحشية لكثرة أعمال القتل والظلم التي ارتكبوها. وهذه الحالة لا تشمل شبابنا، فيا أيها الشبّان هبوا لإغاثة بلادكم وإنقاذ جيشكم، ولا تسمحوا لهؤلاء العجائز الأربعة الذين جمعوا أموالنا، وبعثوها الى خارج البلاد- بالإبقاء على ذاك الوضع، بل اعملوا لانهائه.
لقد قلت: إذا جاءت الحكومة- أي رئيسها حسبما يزعمون هم- الى هنا، فلن استقبله ما لم يكتب استقالته أولًا ويعلنها. وعندما أقول: استقالة فلا أقصد المعنى الحقيقي للكلمة، فهذا ليس رئيساً للحكومة أصلًا، لكي يقدم استقالته من هذا المنصب لكني أستعمل كلمة الاستقالة حفظاً للظاهر، فهو ليس رئيساً للوزراء أصلًا، فاذا فعل فأنه ليس مثل أولئك الذين كثرت جرائمهم الى الدرجة التي لم اكن اطيق معها أستقبالهم، حتى مع تقديمهم الاستقالة أو عدمه، إنه لم ينحدر الى هذه الدرجة. فإذا كان عاقلًا، فليقدم استقالته ويأت الى هنا تائباً ليصبح مثل بقية أبناء الشعب إذا لم يفقد فطرته السليمة بالكامل. وعلى أي حالٍ هذا الأمر مرتبط به وحده.
أما بالنسبة لنا، فإننا سنستقبله إذا جاء تائباً. أما إذا عاند، فالموقف ثابت لكنه سيندم، وأني أقول له الآن: ستندم، وقد رأيت كيف ندم سيدك وألتمس معتذراً من الناس، فلم يقلبوا منه، فلا تدع الأمر يصل بك الى حيث تتوسل بهم فينبذوك، لا تهدر كرامة عشيرتك، لا تدمّر نفسك وتنهار بين عشيرتك أيضاً.
نحن نريد صلاح المجتمع، فنحن أتباع الأنبياء الذين جاؤوا لاصلاح المجتمع وإيصاله للسعادة. وهذا يستلزم اللجوء الى القوة لإيصال من لا يبصرون ولا يعقلون الى السلامة والسعادة. أما الذين يبصرون فهم يتبعون الأنبياء طواعية، ونحن نريد- إقتداء بالأنبياء جعل مجتمعنا سعيداً، فنحن في ألم وأسى بسبب هذه المحن النازلة بإيران، وعلماء الدين يريدون إنقاذكم، ونحن ندعوكم بالموعظة الى اتباع الإسلام وأحكامه، فاذا قبلتم، فإنّ أصحاب الجرائم غير الكثيرة هم منا إذا تابوا، وإذا أبيتم فسنفرض عليكم القبول بالقوة، أي القبول بالحق والكف عن ارتكاب الجنايات. سنفرض عليكم ذلك بالقوة وبالضغط الشعبي وبضغط صرخات الشعب. ومثلما طردت هذه الصرخات الشعبية ذاك الطفيلي، فإنها ستطردكم أنتم الفاقدين لأية جذور، فأصلحوا أنفسكم، وبادروا بأسرع ما يمكن، ففي هذا صلاحكم، وأنا أريدُ صلاحكم.
على الشعب الإيراني أن يصر على موقفه في هذه المرحلة الحساسة، وأن يواصل نهضته فانتصارهم قريب- إن شاء الله- (الحاضرون: إن شاء الله). أدعو الله- تبارك وتعالى- أن يمن عليكم جميعاً بالسلامة، حفظكم الله جميعاً ووفقكم. أيدكم الله إن شاء الله.
* صحيفة الإمام، ج5، ص: 371-375
2011-03-25