يتم التحميل...

الموضوع: دور الرسالة الإسلامية في تربية الانسان‏

خطاب

الحاضرون: جمع من الطلبة الجامعيين والإيرانيين المقيمين في باريس‏

عدد الزوار: 142

التاريخ: 22 مهر 1357 هـ. ش/ 11 ذي القعدة 1398 هـ. ق‏
المكان: باريس، نوفل لوشاتو
الحاضرون: جمع من الطلبة الجامعيين والإيرانيين المقيمين في باريس‏

بسم الله الرحمن الرحيم‏

الشاه يفكر بالانتقام‏

ابلغت الآن ان الشاه يعتزم تنفيذ مجزرة كبرى ضد المسلمين الذين قرروا القيام غداً باضراب عن العمل حداداً على قتلاهم. وقد قلت مراراً: ان هذا الانسان فقد اعصابه ويعيش الآن حالة من الهستيرية ويريد الانتقام من هذا الشعب لانه يقضي أيامه الأخيرة. لقد فعل كلّ ما تسنى له. والآن حيث يرى صمود أبناء الشعب واصرارهم على رحيله، يشعر بأنه ينبغي عليه ان يرحل. ولكنه يفكر بارتكاب مجازر عامة ثم يرحل. فقد قال في احدى خطبه: (إذا تقرر ان اترك إيران سأحّولها إلى تل من تراب)! ويبدو انه يريد الآن تنفيذ قوله .. وقد ابلغت اليوم هاتفياً من طهران بأنه يستعد للقيام بمجزرة عظيمة.

الشاه راحل‏

غير اننا لا نعلم ما ينبغي عمله مع هذا النظام؟ ولا يعلم الشعب الإيراني المضطهد ما يجب ان يفعله تجاه هذا الشخص الذي أصيب بالهستيريا؟ مإذا علينا ان نفعل؟ أنا قلق لما سيحدث غداً، فلربما يفتح نيران الرشاشات والدبابات والمدافع ضد الناس. لانه يريد ان يذهب ولا يبقي احداً .. لقد ابتلينا بمثل هذا الشخص، ويجب ان نتضرع بالدعاء كي يجعل الله عاقبة هذا الامر خيراً. فإذا قام بهذا العمل ستصاب إيران بخسائر فادحة، وان كانت ازاحة هذا الشخص ستعوض عن جميع المصائب. ولكن لمإذا يجب ان نفسح له المجال ليقوم بهذه الأعمال؟! ومن الطبيعي ان رشاشات اميركا واسلحتها هي التي تدعمه والّا ما كان الناس ليفسحوا المجال له ولا لحكومته.

ان ما أردت تذكير السادة به هو ان بيتنا بيت جميع السادة وابوابه مفتوحة للجميع. فنحن مع الجميع على السواء، واني اودّكم جميعاً وادعو لكم. فلا يتوهم ان فئة خاصة تتدخل بالامور، أو انني اصادق فئة خاصة .. اني صديق للجميع، ودعائي للجميع.

مصيبة عدم التعرف على الإسلام بمختلف ابعاده‏

الموضوع الآخر الذي وددت التذكير به هو ان الإسلام كان قد ابتلي منذ البداية بالمحنة وهي عدم ادراكهم للإسلام. فالذين درسوا الإسلام لم يفهموا الإسلام بجميع أبعاده. فكل واحد ادرك بعداً من ابعاد الإسلام وفسّر قضايا الإسلام والقرآن الكريم طبقاً لذلك .. فقد كانت جماعة من المتكلمين في القرون السابقة تفسر الإسلام حسب فهمها الكلامي. وجماعة اخرى من الفلاسفة يفهمون الإسلام كفلسفة كانوا يتصورون بأن الاسلام مذهب فلسفي ... والجماعة الثالثة هم العرفاء اذ كانوا يفسرون الإسلام بالفهم العرفاني. واستمرت هذه الحال حتى عصور متأخرة ..

لم يتم التعرف على الإسلام بمختلف ابعاده. كلّ طائفة كانت تدرس الإسلام من وجهة نظر فهمها، وترجع كلّ الآيات واخبار النبي (ص) والائمة (ع) إلى وجهة نظرها، وتعيد جميع الاوراق إلى تلك الورقة التي ادركتها. لذلك لا يوجد فيها خبر عن البعد الدنيوي والحكومي للإسلام. كلّ تلك المواضيع فلسفية وعرفانية. اما ما هي وظيفة الناس في هذا اليوم الذي يعيشون فيه، وكيف تكون الحكومة الإسلامية، وكيف يجب ان يتعامل الناس مع الطبيعة؟ فلا يوجد شي‏ء عن ذلك في كلامهم. انهم درسوا فقط المواضيع التي ترتبط بما وراء الطبيعة والمسائل العرفانية والفلسفية، إلى ان وصل ذلك إلى هذه الطبقة المتأخرة. فعمل هؤلاء على العكس من اولئك، أي ان هذه الطبقة تركت الابعاد المعنوية والفلسفية والعرفانية للإسلام جانباً بشكل عام، ونظرت إلى الظاهر فقط. أي انهم تصوروا ان الإسلام رسالة مادية، مثلما تصور اولئك ان الإسلام رسالة معنوية وكأنه مفصول عن المادة اساساً. حتى انهم أوّلوا الآيات المتعلقة بقتال المشركين، بالقتال مع النفس وامثال ذلك.

وفي مقابل اولئك، وفي هذا الوقت الذي وصلت الينا علوم الغرب ودعاياته، نجد ان معرفة هؤلاء للإسلام- رغم كونهم مسلمين- تقتصر على البعد المادي للإسلام فقط!. وفيما كان اولئك يدعون إلى الباطن ويغفلون عن الظاهر والطبيعة، نرى هؤلاء يدعون إلى الماديات ويغفلون عن المعنويات، وكلاهما على خطأ. فالإسلام غير محدود في تلك المعنويات التي يقولها اولئك. ولا محدد في الماديات التي يقول بها هؤلاء.

الإسلام مدرسة لبناء الانسان‏

الإسلام رسالة نزلت للتربية الانسانية. ويجب ان نرى ما هي أبعاد هذا الانسان، الذي يقول البعض عنه انه ذو الماهية المجهولة، وما هي احتياجاته؟ وهل جاء الإسلام لتربية جوانبه الحيوانية فقط؟ أو جوانبه المعنوية فحسب؟ أو يريد تربية الانسان؟. ليس الانسان كسائرالموجودات، فإدراك الحيوان عما وراء الطبيعة ادراك ناقص، ولكن الانسان يستطيع ان يسير من الطبيعة، إلى ما وراء الطبيعة ومن ما وراء الطبيعة إلى الألوهية، إلى ان يصل إلى فهم ذلك.

الانسان كائن جامع‏

الانسان كائن جامع، كائن ذو أبعاد متعددة. الكائنات الاخرى بعضها ذات بعد واحد. وبعضها الآخر ذات بعدين أو اكثر. غير ان كافة ابعاد الوجود غير موجودة في بقية الكائنات .. الانسان وحده من بين كلّ الكائنات كائن متعدد الأبعاد، ولكل بعد من ابعاده حاجات. اما المدارس الفكرية الموجودة في العالم- باستثناء الإسلام- فهي مادية تصورت الانسان حيواناً وان جميع اموره تتحرك ضمن هذه الحدود، وتكامله يتم ضمن الاعتبارات المادية وقد اطلقوا عليها اسم (الامور العينية). يتخيلون ان الامور العينية هي عبارة عن نفس عالم الطبيعة هذا!، في حين ان هناك عوالم أخرى لم يدركوها، ولتلك العوالم حظ اكبر من العينية بالنسبة إلى عالم الطبيعة. ان عالم الطبيعة يقع في آخر مراتب موجودات عالم الوجود، أي ان عالم الطبيعة هو نهاية عالم الوجود وهو ادنى العوالم. ليس صحيحاً ان الانسان وحده الموجود وله هذه الطبيعة فقط، وليس ثمة مراتب اخرى بعد ذلك.

فللانسان مراتب، والذي طلب المرتبة العليا للانسان وغفل عن هذه المراتب، فقد اخطأ. ومن تمسك بعالم المادة فشهد مرتبة الطبيعة وغفل عما وراء الطبيعة فقد اخطأ ايضاً.

الإسلام يولي اهتماماً بجميع ابعاد الانسان‏

ان للإسلام منهجاً ومسلكاً لهذا الانسان الذي له مراتب من الطبيعة إلى ما وراء الطبيعة، ومن ما وراء الطبيعة إلى الالوهية. ان الإسلام يريد ان يربي انساناً جامعاً، أي يربيه بالصورة التي هو عليها: له بعد طبيعي فينمي فيه البعد الطبيعي. وله بعد برزخي فينمي فيه البعد البرزخي. وله بعد روحي فينمي فيه البعد الروحي. وله بعد عقلي فينمي فيه البعد العقلي. وله بعد الهي فينمي فيه البعد الالهي .. ان جميع الابعاد التي يمتلكها الانسان هي بصورة ناقصة ولم تصل إلى درجة الكمال. وقد جاءت الاديان لانضاج هذه الثمرة غير الناضجة، واكمال هذه الثمرة الناقصة.

وعلى المقيمين في الغرب، الغرب الغارق في الطبيعة الدنيوية والغافل تماماً عما وراء الطبيعة، أن لا يخدعوا بهذه المدارس الفكرية، ويتصوروا بأن الانسان ليس سوى ما هو عليه من الطعام والشراب وما عدا ذلك لا شي‏ء .. ان ذلك وليد الفهم الخاطئ للإسلام. لابد من وضع‏ كلّ شي‏ء في موضعه، أي ان للانسان نمواً طبيعياً إلى الحد الممكن. وان له بعداً طبيعياً بما هو طبيعي وسليم. وهكذا ينمو ويتكامل في مختلف الابعاد حتى يصبح انساناً متكاملًا.

فمن الصعب ان يصبح الفرد انساناً. لا تظنوا ان الإسلام جاء ليربي حيواناً. الإسلام يريد ان يربي الانسان ليكون كائناً متكاملًا يمتلك جميع الابعاد. ولدى الإسلام تعليمات لكل بعد من ابعاد الانسان. ففي الإسلام احكام للحكومة الإسلامية ولمؤسساتها، ولمواجهة الاعداء، ولتحريك المجتمع من اجل الوصول إلى ما وراء الطبيعة. الإسلام يملك كلّ ذلك.

فالإسلام ليس احاديّ الجانب ليقول الانسان انني عرفت الإسلام، وعرفت تاريخه مثلًا، وما كانت عليه حياته البشرية- على سبيل الفرض-، وقوانينه الطبيعية وامثال ذلك. فليس الامر بهذه الصورة. ان قضايا الإسلام اسمى من هذه المعاني ولها ابعاد كثيرة. وان من يريد ان يعرف الإسلام عليه ان ينظر جيداً في القرآن الذي هو المبدأ الاساس، ويلاحظ جميع الابعاد الموجودة فيه. وألّا يقول: أنا اقبل الآيات المتعلقة بالطبيعة والحكومة فقط، اما الآيات المتعلقة بيوم القيامة فلا اقبلها. ولان هذا الانسان لا يعلم ما معنى القيامة، وما هو ذلك اليوم الذي سيأتي، فيظن الامر وهماً. كلا، انه امر عينيّ وعينيته اكثر من عينية هذه الطبيعة، غاية الامر اننا لم نصل إلى ذلك.

عدم محدودية الإسلام‏

على أي حال، أردت ان اوصي الطلبة المقيمين في اوربا- وفّقهم الله جميعاً- ان لا يحدوا الإسلام (في شي‏ء). لا تتصوروا ان ديننا ومدرستنا مثل المدرسة الشيوعية أو الماركسية أو المدارس الأخرى، كلا. ليس الامر كذلك. فالذي يجهل الاسلام يتصور أنه لا يختلف عن هذه المدارس.

واجبنا ازاء إيران المضطربة

الموضوع الآخر هو اننا لدينا الآن واجبات ومسؤوليات. فنحن جالسون هنا بكل هدوء فيما تعيش إيران الغليان. ان إيران اليوم مضطربة، ونحن الآن قلقون. لا اعلم ما الذي سيحدث في إيران غداً. يجب ان نفكر في ذلك. فمنذ سنة تقريباً تعم إيران الاضطرابات. ففي كلّ منطقة ثورة، وفي كلّ مدينة اضراب. لقد عمّ الاضراب جميع ارجاء إيران. وسادت الاضرابات المعامل والصحف وموظفي القطاع الحكومي وغير الحكومي. الجميع يعيشون الاضراب ويشهدون المصائب، ويجب علينا نحن المقيمين هنا ان لا ننساهم. علينا مساعدتهم ما استطعنا. بوسعنا ان نقدم لهم المساعدة من خلال القلم. من خلال الكتابة في الصحافة هنا عما يدور هناك وعما يشهده الإيرانيون من ظلم وجرائم على يد نظام الشاه .. اعملوا على عكس جرائم هذا النظام في الصحافة هنا. اعملوا ما يمكنكم عمله. وإذا لم يتمكن احدكم من فعل شي‏ء فليدعو لهم بخلاصهم من هذا النظام المنحط.

وفقكم الله جميعاً بمشيئته تعالى .. سأتحدث اليكم في الغد ايضاً ان شاء الله إذا سنحت الفرصة .. انني اعتذر من السادة لتأخري في المجي‏ء ولقلة مكوثي معهم. فكما تعلمون بأن سني قد قاربت الثمانين، وانتم في سن الشباب والحمد لله، ولديكم القدرة على الجلوس والمقاومة، غير انني افتقد مثل هذه القدرة. فانا اعتذر لعدم تمكني من المكوث بينكم كثيراً. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


* صحيفة الإمام، ج‏4، ص: 13-17

2011-03-22