الموضوع: شمولية الإسلام
خطاب
الحاضرون: جمع من الطلبة الجامعيين والإيرانيين المقيمين في الخارج
عدد الزوار: 213
التاريخ: 24 مهر 1357 هـ. ش/ 13 ذي القعدة 1398 هـ. ق
المكان: باريس، نوفل لوشاتو
الحاضرون: جمع من الطلبة الجامعيين والإيرانيين المقيمين في الخارج
بسم الله الرحمن الرحيم
اقتران العلم بالعمل
العمل هو لرقي الشباب والمجتمع، وستبقى صورة هذا العمل الذي هو عمل روحي والهي، في ذلك العالم (الآخرة)، وستصلون إلى تلك الصورة في ذلك العالم الذي هو فوق تصورنا. ان الاعمال التي نقوم بها هنا تنعكس كانعكاس الصوت، وعندما نذهب إلى هناك (عالم الآخرة) نجد تلك الاعمال. وقد ورد في القرآن الكريم: (فَمن يَعمل مثقال ذرة خيراً يَره) وسيظهر هذا العمل هناك بشكل حسن ومناسب وسيلازم الإنسان بعد موته إلى النهاية. (ومَن يعمل مثقال ذرة شراً يره)، فالجنة والنار من أعمالنا، ولذلك عليكم ان تقضوا العمر الشريف الذي منحكم الله تبارك وتعالى إياه بالاعمال الحسنة ولا تهدروه! ولما كان الله تبارك وتعالى مطلعاً على الحقائق- من أن أيّ عمل يعمله الإنسان هنا سيراه هناك- فلذلك هداكم للقيام بالاعمال المفيدة للمجتمع ولأنفسكم. ان كل عمل يقوم به الفرد في هذه الدنيا سيرى جزاءه في الآخرة. فكما تترك الادوية والسموم التي يتناولها الانسان تأثيرها عليه، فان الاعمال ايضاً تترك آثارها على عاقبة ومصير الانسان. وعلى هذا فان عقل الإنسان يقضي بألا يُهدر العمر والافضل من ذلك ألّا ينفقه في طريق الشرّ فيكون هناك وبالًا عليه!.
ضرورة عدم تأخير العبادات واغتنام فرصة الشباب
وربما بدا للإنسان تأخير عمل الخير إلى أواخر العمر! ولكن هذا من الاوهام الشيطانية التي تمنع الإنسان عن عمل الخير. أن أي عمل خير تقدمونه لانفسكم ولمجتمعكم سترون جزاءه حسناً عند الله- إن شاء الله-. فالشيطان يسعى الى استدراج الانسان الى الاوهام ليشل عنده القدرة على القيام بالاعمال الحسنة، فيخاطبه انك الآن شاب فاستمتع بشبابك واطلق العنان لشهواتك وإن شاء الله تتمكن من جبران ذلك في اواخر عمرك .. ليس بوسع الانسان جبران ما فات. فاذا لم تقفوا منذ الآن أمام الشهوات الفاسدة فلن تُصدّ أبداً. لا تسمحوا لأقدامكم ان تزلّ بكم- لا سمح الله- إلى الميول غير السليمة والى الاعتداء على حقوق الناس! فاقضوا هذه الايام القليلة من عمركم في تجارة لا ينقطع أثرها حتى النهاية. ففي الوقت الذي فتحت أبواب النعم الالهية أمامكم وتستفيدون منها بكل حرية، عليكم مراعاة الحدود. ويجب ان تكون جميع تصرفاتنا وفق الاحكام الشرعية ليواصل الإنسان تقدمه.
شمولية تعاليم الإسلام
إن الاحكام الالهية تختلف عن القوانين الدنيوية، فقد لوحظ في القوانين الدنيوية ما يتولى تنظيم بُعد أو بُعدين من الحياة في هذا العالم فقط، وحتى ليس من المعلوم ان يوفقوا في معالجة جميع هذه الابعاد ويضعوا ما يناسبها من القوانين. اما الإسلام والقوانين الالهية فقد تناولت حياة الإنسان قبل ان تنعقد نطفته فترى نور الحياة إلى ان يحين وقت موته، خطوة فخطوة. بامكانكم أن تتصوروا الآن بأنه اذا اراد احد الزواج، فان الإسلام قد وضع تعاليم لذلك، وضع مواصفات للرجل الذي ينبغي ان تختاره المرأة، واخرى للمرأة التي يختارها الرجل. واذا تم الزواج، وضع الإسلام تكليفاً للحياة الزوجية من اجل أن تنمو الثمرة في ارض طيبة، كذلك ثمة تعاليم لانعقاد النطقة وحمل المرأة والحضانة وتربية الطفل وواجبات الابوين ازائه. وكلما كبر الطفل زادت واجبات الابوين إذ انهما مكلفان بتربيته قدر استطاعتهما. ثم تنتقل تربيته إلى المعلم. كل ذلك من التعاليم الالهية حتى يصبح إنساناً مستقلًا.
وقد أعدت قوانين الإسلام هنا (في هذا العالم) قوانين ما بعد الموت أيضاً! وهي ليست كالقوانين البشرية التي لا تستطيع رؤية سوى هذا الوجه المادي. لقد نظرت تلك (القوانين الإسلامية والالهية) إلى الوجه المعنوي ايضاً. وبُعث الانبياء لتربية البشر بجميع أبعاده. وأما غير الانبياء، حتى لو كانوا صالحين، لا يستطيعون ان يرّبوا احداً الا للحياة الدنيوية هذه، اذ ان الإنسان لا تصل يده إلى البعد الآخر الذي يلي هذه الحياة، لكي يستطيع ان يربي أحدً لذلك البعد! أما الانبياء فيربون الإنسان للأبعاد الدنيوية والابعاد المعنوية معاً، وقد علّموا البشر قوانين كثيرة.
العمر أمانة الهية
وانتم الذين تملكون نعمة الشباب وتدرسون (خارج البلاد)، اسعوا لتكونوا ذوي فائدة لشعبكم وبلادكم ولأنفسكم. لا تضيّعوا اعماركم، فإذا ما وصلتم إلى سنّي واردتم عمل شيء حسن فلا تسمح لكم حالة الضعف والمرض بذلك! أنفقوا هذه القدرة والامانة المهداة من الله في سبيله، والانفاق في سبيل الله هو الانفاق في صالح البلد الإسلامي وفي تعزيز قدرة الإسلام، وفي استخدامه لطرد اعداء الإسلام وهؤلاء الأشخاص الذين جاؤوا وأخذوا ينهبون ثروات المسلمين.
اعمار الدارين
وراعوا أيضاً آداب حياتكم الموجودة في ذلك الجانب الآخر، واصلحوهما كليهما هنا وهناك. فلا تهدروا قواكم في الشهوات الفاسدة، لا تهدروها على هذه الدنيا فحسب. عمروا الدارين هنا وهناك. فالإسلام ليس كالمسيحية ليقول أجلس جانباً! انا لا أستطيع أن اقبل عقلياً ان تكون للمسيح (ع) كهذه التربية! وذاك كلام الشيطان وليس كلام المسيح (ع) من يقول: (اذا صفعك الظالم على خدّك فأدر له الخد الآخر)! المسيح (ع) نبي عظيم، والقساوسة هم الذين يتكلمون بمثل هذا الكلام هم انفسهم ايضاً لم يعملوا بذلك، فلا تتصوروا أنهم يفعلون ذلك. فهم يقولون ليفعل اتباعه ذلك، فهذه ليست من اخلاق المسيح!.
التقاء التعاليم الاخلاقية والاجتماعية في الإسلام
وعلى كل حال إن نظرية الإسلام واضحة، فقد ورد في القرآن عن قتال الكفال والفسدة كثيراً، حيث يأمر بأن جرّدوا سيوفكم واقتلعوا هذه الأعشاب الضارة، إذا كان من غير الممكن استصلاحها! فالشيء الفاسد من الممكن ان يفسد المجتمع بأسره. وتوجد آيات كثيرة في القرآن حول الحرب وكذلك حول السلم وايضاً حول التربية الأخلاقية!
الإنسان كائن له حاجات كثيرة، والقرآن مشحون بالأمور التي يحتاج اليها الإنسان. وحاجات الحيوانات إنما هي الحاجات المادية، وإن الذين يدعوننا إلى تلبية الحاجات المادية، فهي دعوة لنكون حيوانات! فليس صحيحاً ان يقال لمليار شخص انكم حيوانات تأكلون وتنامون1. فالإنسان ليس بحيوان! للانسان فكر ومعنوية وله قدرات أخرى يجب ان تنشط. والإسلام يهتم بالدنيا كما يرى هؤلاء، ولكن الدنيا السليمة! فلا يمنع الإسلام والقرآن التسلية السليمة والترفيه عن النفس. فالاسلام يعارض المفاسد والشهوات التي تقود الانسان الى الانحطاط.
معارضة المفاسد
إنّ ما يخالفه الإسلام هو استدراج الناس إلى الشهوات (النفسية). فإذا تكلم علماء الإسلام عما آلت اليه دور السينما، ذلك لأن السينما الموجودة في إيران اليوم هي لافساد جيل الشباب. فإن كانت السينما اخلاقية وعلمية، من الذي يمنعها؟! ولكننا نرى بدءاً بالسينما حتى المدارس في بلادنا استعمارية! فإننا نغلق ابوابها! وإن صار المسجد احياناً كذلك نسد بابه ايضاً! إن النبي الأكرم (ص) هدم مسجداً اتخذوه ضراراً وقد بني لمعارضة الرسول (ص) وكان يقوم بالدعاية اللاأخلاقية وأمثال ذلك فاذا كان هناك مسجداً يستغل للاضرار بالاسلام ولم يتسن لنا اصلاحه، فاننا سنعمل على اغلاقه، فما ظنك لو كانت احدى دور السينما تمارس ذلك؟ فنحن عندما نعارض السينما نعارض في الحقيقة السينما المنحرفة وليس السينما بصورة مطلقة .. لماذا نعارض السينما؟ فإذا كانت السينما أخلاقية ولتربية شبابنا، فهي إحدى طرق التربية، وإنها كالمعلم أو المدرسة. ولكن وضع إيران نموذج خاص!
لقد بدأ سُرّاق النفط هؤلاء منذ البداية عندما درسوا الشرق وإيران وشاهدوا وجود ثروات كثيرة في الشرق، بالدعاية وتربيتنا تربية استعمارية، ولم يسمحوا لنا بالتقدم ولا لمدارسنا بتربية إنسان سليم! فجميع ما أعدّه هؤلاء لنا هو مضر لشبابنا، ونحن نخالف هذه الأمور! وينبغي لكل عاقل ان يعارض ذلك. وإلّا لو كان امراً نافعاً، ذات فائدة عقلانية، فلا يعارضه أحد. ومهما يكن فإنهم روجوا لذلك من أجل نهب ثرواتنا. واليوم يفعلون الشيء نفسه لمواصلة نهب ثروات إيران.
ضرورة الانسجام مع نهضة إيران
فعليكم أيها السادة فضلًا عن تربية انفسكم، ان تخططوا لمساعدة الشعب الإيراني الذي قام بثورة إنسانية- إسلامية كبرى ما استطعتم! كل واحد من موقعه وبما يقدر عليه. لابد من تقديم المساعدة لهذا الشعب الذي انتفض من أجلكم، عسى ان نقضي- إن شاء الله- على عنصر الفساد هذا ونقطع أيدي هؤلاء الذين ينهبون جميع ثرواتنا!
هذا هو مغزى كلامنا، ولتكتب الآن الصحف ما شاءت أن تكتب! افتحوا اعينكم وآذانكم، فإن كل ذلك ليأخذوا نفطنا وليبتلعوا ثروات الشرق! وإن حديثنا مع أميركا والاتحاد السوفيتي اللذين ينهبان نفطنا وغازنا الطبيعي، هو أننا نريد ألا تنهبوا منّا ذلك، إننا نريد القضاء على الأسرة البهلوية هذه التي تخدمكم وتخوننا!
أرجو الله ان يوفقكم ويجعلكم من العاملين بمشيئته تعالى! والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
* صحيفة الإمام، ج4، ص: 29-32
1- اشارة الى جمهورية الصين الشعبية حيث كان نفوسها آنذاك مليار نسمة.
2011-03-22