الموضوع: النهضة الالهية، التبعية الشاملة، سكنة الغارات
خطاب
الحاضرون: جمع من الطلبة الجامعيين والإيرانيين المقيمين في الخارج
عدد الزوار: 185
التاريخ: 28 مهر 1357 هـ. ش/ 17 ذي القعدة 1398 هـ. ق
المكان: باريس، نوفل لوشاتو
الحاضرون: جمع من الطلبة الجامعيين والإيرانيين المقيمين في الخارج
بسم الله الرحمن الرحيم
انتفاضة عارمة وشاملة على طريق الإسلام
عندما ألتقي هذه الوجوه الإنسانية، وهؤلاء الاشخاص الذين ضحّوا بكل آمال حياتهم في سبيل الله، وتحملوا الصعاب، لا أستطيع ان اقول شيئاً سوى الشعور بالضآلة في نفسي! وكنت أفكر دائماً بأنني لم أقم بعمل ولم أتمكن من اداء ديني تجاه اولئك الذين ثاروا في سبيل الله، وازاء الشعب الإيراني الذي يضحي بما يملكه في سبيل الإسلام، وأمام هؤلاء الآباء الذين فقدوا شبانهم! وليس لي سوى ان أطلب من الله العذر على تقصيري، لأننا جميعاً طوع إرادته وفداء أحكامه المقدسة!
لقد ثار الشعب الإيراني اليوم من أجل إحياء الأحكام الإسلامية! ثورة لم يسبق لها مثيل في تاريخ الإسلام وإيران. لم يسبق ان شهدنا نهضة بهذه الدرجة من الاصالة والعمق والشمولية حيث تشارك فيها جميع الشرائح والطبقات على السواء. ففي السابق حينما كنا نشهد تحركاً ما، كان يقتصر على سبيل المثال على فئة علماء الدين وحدهم، او الاجنحة السياسية او بعضها، او الكسبة. غير أننا نرى التحام جميع الأجنحة في إيران اليوم بقدرة الله تبارك وتعالى وهي تطالب بشيء واحد ولم يسبق ان التقت جميع الاجنحة على هدف واحد: الفئات السياسية وعلماء الدين والكسبة وتلاميذ المدارس وطلبة الثانوية والجامعات، التقى الجميع وانتفضوا مرة واحدة، والكل يطالب بهدف مشترك .. الجميع يرفع عقيرته صارخاً: نطالب بالحرية والاستقلال! وبداية لهذه الحرية والاستقلال أننا لا نريد هذه الأسرة الخبيثة، الأسرة التي لم تقم بعمل منذ البداية الا الاضرار بإيران وبالإسلام! الجميع معاً بما فيهم الاطفال الصغار. فعندما يخرج الاطفال من مدارسهم وطلبة الثانوية وهم في طريقهم الى منازلهم، تراهم يهتفون بالموت للشاه. وان مثل هذا الامر ليس بالشيء الذي بوسع الانسان أن يحشد كل هذه الجموع والفئات لتنطلق معاً وبصوت واحد.
إن هذه يد غيبية الهية تستوجب ان يكون لنا أمل بها! وأرجو أن يتدفق هذا المجتمع كالسيل ويدمر ما يقف أمامه. فعندما يثور شعب ويكون ما يريده حقاً، فان جميع المجتمعات البشرية تحقه. عندما يسألونهم ماذا تريدون من إضرابكم الذي قمتم به؟ وما الغاية من التضحية بشبابكم؟ وماذا تريدون ليُسجن علماؤكم ويعتقل سياسيوكم ويعذب وينكل تجاركم؟ فيجيبون قائلين: اننا لا نريد ان نكون اسرى بأيدي القوى الكبرى! ونريد إدارة بلادنا بأيدينا! نريد الحرية، لا كالحرية التي يمنحها الشاه! فان حريته ك- (المصالحة) التي تقوم بها الحكومة وكلّها اراقة للدماء! ان حريته كلها سجن وتعذيب!
فهؤلاء كلهم يهتفون بصوت واحد: نريد الحرية والاستقلال! لا نريد ان يكون جيشنا تحت اشراف المستشارين الاميركيين، تنفق عليه اموال إيران، ولكنه يعمل من أجل أميركا! فاذا ذهبنا الى الجيش نجد الاميركيين مهيمنين عليه. نراه يدار من قبل المستشارين الاميركان. وحتى السيد الشاه نفسه قد نصبه الحلفاء! ذكر ذلك بنفسه حيث قال: (الحلفاء رأوا من الصلاح ان اكون في الحكم)! ونصب الانجليز أباه ايضاً، حيث اعلنت اذاعة دلهي اثناء الحرب الكونية الثانية قائلة: نحن الذين جئنا برضا شاه إلّا أنه خاننا فعزلناه. اخذوه إلى جزيرة موريس والقوا به في جهنم!.
الثقافة الاستعمارية
وعندما ننظر إلى ثقافته نرى ان هذه الثقافة ثقافة استعمارية، يعني ثقافة مزيفة أمر بنشرها. فقد نشر كتاباً عنوانه (مهمة من اجل وطني)، وقد صدق فان لديه (مهمة) كلف بها. أي إن الشاه مكلف من قبل أميركا لافساد أبناء الشعب وإبقاء البلاد متخلفة، كي لا تنمو طبقة الشباب ولا تقف امام اميركا وتسألها ما هي دعواك؟!
لقد مضت سبعون سنة على تأسيس (مدرسة) دار الفنون ومضت سنوات طويلة على جامعتنا، ولكنهم يأتون بالطبيب من اميركا أو مكان آخر لاجراء عملية جراحية للوزة الشاه أو لابن الشاه! أو اذا مرض من ذوي اصحاب الثروة والنفوذ يذهب الى خارج البلد للعلاج.
نفهم من ذلك إذن أننا لا نملك جامعة، فلو كانت لدينا جامعة سليمة لكنا قادرين على ادارة بلدنا بأنفسنا، لكان لدينا اطباء حاذقين. وعندما يريدون انشاء بناية أو سدّ أو تعبيد طريق أو حتى شق طريق يأتون بالخبير الأجنبي أيضا! فان كان لدينا خبراء فإن من الخيانة ألا تفوضوا الامور اليهم، وإن لم يكن لدينا خبراء فإنكم قد خنتم كذلك بأننا يجب علينا ان نأتي بعد كل هذه السنين بالخبراء من الخارج من اميركا أو اوروبا لبناء سد أو مشروع ما.
التبعية الاقتصادية القاتلة
فإنكم ما من شيء تلحظونه الا وتجدونه مختلّا. فإن نظرتم إلى اقتصاده فبلاء! فكما يقول الخبراء ان زراعة إيران لا تكفيها الا لمدة ثلاثة وثلاثين يوماً في السنة، والبقية يستوردونها من الخارج! وها نحن نرى ذلك بأعيننا وقد أدّى (الإصلاح الزراعي) الذي قام به هذا السيد، إلى اقامة سوق لتصريف النفايات الأميركية! وحولوا البلد الى سوق لتصريف السلع الاميركية التي كان ينبغي لها أن تلقيها جانباً. وسينفد نفطنا بعد ثلاثين سنة أيضاً كما يقول الشاه. أي إنهم سينفدونه بتصديره بأنابيب يبلغ قطرها قامة إنسان! ليجلبوا بدله اسلحة للقواعد الاميركية، ان اميركا ومن اجل تشييد قواعد عسكرية لها في ايران ينبغي أن تسترضي ايران على افتراض ان تسمح لها بذلك، والذي يجب أن لا تسمح. ولكنها وبدلًا من تعويض ايران نراها تأخذ نفطها وتقيم قواعد لها على الاراضي الايرانية مقابل ذلك. وليس هذا فحسب بل تشتري أشياء باهظة الثمن لا تنفعنا من البلدان الاخرى كفرنسا!.
الى أي شيء تلقون النظر في إيران، تجدون ان هذا الشخص (الشاه)- الذي كان أسوأ من أبيه وأبوه أسوأ من (شمر)1- قد أضرّ بنا ابتداءً من الدين إلى المسائل السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والعسكرية، فيهتف شعبنا الموت لهذه الملكية الخائنة، إننا لا نريدها. فالملكية منذ البداية كانت خيانة. حتى محاسنها- إذا كانت لديها محاسن- سيئة. وان هؤلاء الذين يدعون لها هم خبثاء ايضاً.
إن منطقنا هو أننا نريد حكومة مشفقة بالشعب، وتكون هناك عدالة، ولا توجد العدالة إلّا في الحكومة الإسلامية. فالكل يعملون لأنفسهم! غاية الأمر ان جماعة تعمل برفق واخرى متطرفة. وحكومة بلادنا من تلك التي تريد تخريب بلادنا بسرعة! وإذا ما بقي هذا الشخص وهذه الحكومة النحسة- لا قدّر الله- فلن يبقى لجيلنا القادم إلا الفقر، لأنهم مستمرون بتقديم نفطه وغازه الطبيعي وسيأتون عليه، وقد منحوا مراتعه وغاباته لهذا وذاك. وليست لدينا زراعة تكفي مجتمعنا! وإن نداء العلماء والسياسيين والمشفقين على هذا البلد، أن اسمحوا ببقاء هذا البلد للجيل القادم! كي يتسنى له العيش. فبعد قرن من الزمن أو حتى بعد ثلاثين عاماً، لا يمكن العيش في هذا البلد، لانهم قضوا على كل شيء فيه وبصدد تدميره.
افضل خادم للشرق والغرب
لقد قال الشاه في احد خطاباته واحاديثه الصحفية: (إذا تقرر ان أذهب سأحول البلاد إلى تلّ من تراب)! لقد جَعَلته اليوم وأنت موجود أسوأ من تل من تراب! فلم يبقي الشاه لنا شيئاً. ويجب على أميركا أن تدعمه، لانه لا يوجد أي عميل أفضل منه يمنح كل بلادنا ويقيم بدلًا منها قاعدة عسكرية لها! من الطبيعي ان تقول اميركا (إن الشاه منح الحرية وهو الآن يبني بلاداً متقدمة)! إن الحرية في منطق كارتر عبارة عن هذه المجازر التي تحدث في إيران كل يوم! وهي في تزايد مستمر. والرقي الاجتماعي هو عبارة عن هذه الامور التي صارت من نصيبنا وانهارت جميع جوانب بلادنا! اجل انه جيد بالنسبة لكم. نعم، إن نفط الشرق ولا سيما نفط إيران والحجاز، لقمة سائغة بالنسبة للأجانب، فيجب ان يدعموه! كما ينبغي للاتحاد السوفييتي ان يدعمه ايضاً لانه يحصل على الغاز الإيراني. غير أن شعبنا يقول نريد ان نستخرج ثرواتنا بصورة معقولة ونبيعه بشكل صحيح. نحن لا نريد ان نشرب النفط، ولكن في عين الحال لا نريد ان يُنهب! فنبيعه لاي بلد يشتريه بشكل أفضل ونأخذ العملة الصعبة وننفقها على الشعب! لا أن نأخذ بدله نفايات بالية من الحديد لا تفيدنا!
سكنة الكهوف والاكواخ
لاحظوا هؤلاء الذين يعيشون في الخيام والاكواخ البالية في ضواحي طهران العاصمة والأكثر قرباً إلى (بوابة الحضارة الكبرى)، وشاهدوا كيف يعيش هؤلاء!. اذهبوا الى ضواحي طهران وانظروا كيف يعيش الناس في الكهوف والاكواخ البالية والخيام .. لماذا جاء هؤلاء للعيش هنا؟ عندما نفذوا (الإصلاح الزراعي) لم يستطع هؤلاء البقاء في اريافهم، واضطربت أوضاعهم، ولذلك زحفوا نحو المدن وبالأغلب إلى ضواحي طهران، ويعيش هؤلاء المساكين اليوم بأسوأ حالة واصعبها! ليس جميعهم في سنّ الشباب ليبيعوا شيئاً أو يقوموا بالعتالة، إن أكثرهم من المسنين والعجائز والضعفاء والمساكين! لقد كتبوا إليّ أن هؤلاء المساكين يقيمون في أكثر من ثلاثين حي في طهران وفي مدينة (حضرة عبد العظيم) وليس لديهم ماء ولا كهرباء. وبعضهم يعيش في حفيرة كبيرة ويجب ان يصعدوا مسافة كبيرة لجلب إناء من الماء! أما طهران فتقطع الكهرباء في عدة مناطق منها يومياً! ويأتون من أقصى القرى إليّ ويستأذنونني في اعطاء مبلغ من النقود ليضم إلى مبلغ آخر يعد من قبلهم بغية احداث مخزن للمياه كي تجتمع فيه مياه الامطار ليستفيدوا منه عندما ينحبس المطر، لان قريتهم تبعد فرسخاً- كما يقولون- عن مخزن الماء الموجود في المنطقة!
لا تنظروا إلى هذه السيارات التي يركبها عدد من الاشخاص في طهران! إن طائفة من هؤلاء هم منهم، وطائفة تستطيع اقتناءها. انظروا إلى سائر المدن والقرى الإيرانية والأكواخ البالية في نفس طهران ايضاً، وانظروا ماذا يجري على هذا الشعب! لو كان لدينا دولة حاكمة أمينة، تبيع النفط بأمانة وتنفقه على الشعب، لم يكن وضع الشعب على هذه الحالة!
إن نداءنا هو: لماذا تعيش طائفة من المساكين على هذه الحالة وينفق خمسة ملايين دولار على زراعة الازهار لفيللا إحدى أخوات الشاه؟! لقد كتبوا لي يطلعونني بأنه تم انفاق خمسة ملايين دولار لتزيين قصر احدى اخوات الشاه بالزهور .. من اين جاءوا بهذه الاموال؟ فقد قام رضا شاه بانقلاب عسكري وهو خالي اليدين، فمن اين جاء هؤلاء بهذا المال؟! وبأي أموال تدار مؤسسة (بنياد بهلوي)؟! انها بأموال هذا الشعب الذي يسرقون نفطه بهذه الصورة ويعيش هو بهذه الحالة!
إن نداءنا هو ان يتوقف هذا النهب، ويجب ان يتبدل هذا النظام كليا! وسنهتف بذلك حتى النفس الأخير، وإذا انقطع هذا النفس فالله تبارك وتعالى سيعذرنا.
مسؤولية التوعية وكشف الحقائق
أنتم مكلفون ايضاً! إنها مصالح الإسلام ومصالح الشعب. قوموا بالدعاية ضد هؤلاء ما استطعتم، أي تحدثوا عن المواضيع الحقيقية وعما يجري الآن على هذا الشعب! وما تشهده الجامعات. حتى ما يجري في المدارس الابتدائية، حيث قتلوا صغار البنات هذه السنة! فقد جاء دور الفتيات الصغار ذوي السبع والثماني سنوات. تحدثوا عما يجري في سجون إيران، وما يجري على إيران التي أضحت سجناً اليوم! أنتم مكلفون بالتحدث عن ذلك لاصدقائكم ومعارفكم ومن تلتقون بهم. فإذا تحدث كل واحد منكم عن هذه المواضيع مع عشرة أو عشرين شخصاً فسيحدث تيار مؤثر. ان اولئك (الناس) يضحون بأنفسهم ويخدمونكم، فيجب عليكم ان تقوموا بالإعلام. عليكم ان تتحدوا وتعرفوا العالم بقضية شعبكم. انشروا مقالاتكم في الصحف، ويمكنكم عقد لقاءات صحفية. أنتم لستم مثلي، وقد حظر عليّ المقابلات الصحفية!
اسأل الله تبارك وتعالى السلامة لكم جميعاً، وآمل ان يجرف- إن شاء الله- هذا السيل الهادر الذي نشأ بقدرته تعالى كما أؤمن إذ ليس بوسع احد أن يفعل ذلك، هؤلاء المستهترين وهذه الاعشاب الضارة وأن تديروا شؤون بلادكم بأيديكم! وفقكم الله!. هذا ولا يسعني إلّا ان اعتذر منكم لعدم تمكني من المكوث بينكم كثيراً لان صحتي لا تساعد. حفظكم الله.
* صحيفة الإمام، ج4، ص: 48-52
1- شمر بن ذي الجوشن الذي حزّ راس الامام الحسين بن علي في واقعة الطف بكربلاء.
2011-03-22