الموضوع: ضرورة المحافظة على الوحدة وتجنب الاختلاف
خطاب
الحاضرون: جمع من الطلبة والإيرانيين المقيمين في الخارج
عدد الزوار: 57
التاريخ: 9 آبان 1357 هـ. ش/ 28 ذي القعدة 1398 هـ. ق
المكان: باريس، نوفل لوشاتو
الحاضرون: جمع من الطلبة والإيرانيين المقيمين في الخارج
بسم الله الرحمن الرحيم
الوحدة طريق النصر الوحيد
ثمة اختلافات بين الفصائل والفئات. اختلافات مزاجية في النهج والسلوك. ولدى مجيئي إلى هنا شعرت ايضاً بأن هناك اختلافات موجودة بالفعل.
ويمكن تشبيه المجتمع الهادف الذي يبغي الوصول إلى نتيجة، بقطرات الماء والأنهار والسيل والبحر. افرضوا أن مليارات من القطرات موجودة ولكنها منفصلة بعضها عن بعض ومبعثرة قطرة قطرة، فلا أثر لها، فإذا اجتمعت القطرات وكونت جدولًا، فلا يمكن لهذا الجدول أيضاً أن يقوم بعمل مهم وكذلك الجداول الأخرى، أما إذا اتصلت هذه الجداول وكونت نهراً كبيراً تزداد قدرتها.
فعندما كان على شكل قطرات كانت قدرته بمقدار قطرة ولا يمكنها ان تبلل ورقة واحدة، أما الآن وباتصال بعضها ببعض كونت نهراً، أي اجتمعت القوى الصغيرة وظهرت قدرة متوحدة تتناسب مع عدد تلك القطرات، فعندما اجتمعت كانت النتيجة مجموعة تلك القطرات ويمكن أن تكون قدرتها أكثر احياناً، ولكنها مع ذلك قدرة محدودة وهي بمقدار تستطيع أن تبلل الأرض أو إذا سالت يمكن أن تشكل جدولًا صغيراً يحرّك قشة.
فإذا ما اجتمعت هذه الجداول الصغيرة التي تكونت من هذه القطرات وكونت سيلًا، تصير قدرة كبيرة، يصير هذا السيل عارماً يمكن أن يقتلع الأشجار ويهدم عمارات بهياجه! وإذا اتصلت هذه الأنهر بعضها ببعض وكونت بحراً، تكون القدرة عظيمة جداً!
إن مجتمعنا هو كذلك، فإذا كان مائة مليون كلُّ لوحده، فلا يستطيع هذا المجتمع المكون من مائة مليون، عمل شيء، فقدرة الفرد الواحد محدودة جداً، ولا يمكنه عمل شيء مهم.
وإذا فرضنا أن مجموعة شاركته في الرأي، غير أن بقية الأفراد لم يشاركوه في ذلك، أمكنه إجراء أعمال محدودة لعدم وجود معارض له، ولكن إذا عارضته جماعة اخرى، تحبط الأعمال، فلا هو يصل إلى هدفه ولا تصل تلك الجماعة إلى هدفها! حتى إن اجتمعت مائتا مجموعة، فلا يمكنها الوصول إلى الهدف لوجود هذه المعارضات.
إن ملياراً من المسلمين يعانون اليوم من هيمنة قوة عظمى مؤلفة من مائتي مليون نسمة لأن هؤلاء المائتي مليون متحدون، أما هذا المجتمع المتكون من مليار نسمة فليسوا متفرقين فقط بل إن كلًا منهم يعارض الآخر ايضاً! لنأخذ ايران كمثال، نجد أن علاقاتها مع جيرانها ليست على ما يرام. وان ما نجده سائداً بين هذه البلدان الإسلامية التي تختلف اختلافاً شديداً فيما بينها يؤدي احياناً إلى الحرب، ليس بوحي الصدفة انما هو نتيجة تخطيط القوى العظمى، إنهم يدفعونهم إلى التنازع والتفرقة، كي لا تأخذ هذه القوة المتكونة من مليار نسمة بزمام الأمور، وتضيق الأرض عليهم وتتغلب عليهم جميعاً!
إن القوى العظمى تفرقهم، كي يكون لهذا منهج، ولذاك منهج آخر، فيكون لكل واحد منهم مسير خاص به ويعارض الآخرين ويتنازعون ويتقاتلون. وذلك إما لخيانة رؤساء البلدان الإسلامية، أو بسبب جهلهم وعدم اطلاعهم، فلم يتمكنوا من التفاهم ومن أن يشكّلوا باتحادهم بحراً هائجاً يحطم ما يعترضه.
وحدة المسلمين سبيل انقاذ فلسطين
إنكم تلاحظون كيف أن عدداً قليلًا من الصهاينة في فلسطين قد أخضع عدداً من البلدان العربية وبعضها الآخر لا يستطيع عمل شيء وهم يكونون أكثر من مائة مليون نسمة! لقد مضت سنوات واسرائيل قد اغتصبت اراضي فلسطين وهذا التعداد من العرب في البلدان العربية لا يملكون القدرة على استرجاعها! يقولون إن أميركا تدعمها، لا! أنتم عاجزون وغير لائقين! فإذا اتّحد مائة مليون عربي فلا تستطيع اميركا ولا أوروبا ولا أي جهة أخرى عمل شيء، بل إن الذي يعمله اولئك هو أنهم لا يسمحون لهؤلاء بالاتحاد، وإذا ما آنسوا أن الدول العربية تبغي الاتحاد يقومون بما يفشل اتحادهم! فيذهبون مثلًا برئيس جمهورية مصر إلى أميركا ويعقدون معه اتفاقية ويذهبون به في طريق لا يسلكه الآخرون، كما يذهبون بآخر في طريق غير طريق الآخرين ايضاً، وهذا لعدم فهمنا وعدم لياقتنا نحن المسلمين، مما جعلنا أسرى بهذه الصورة وتحت نفوذ الآخرين!
لاحظوا أنتم إيران التي تتكون من خمسة وثلاثين مليون نسمة، فإذا تقرر أن يعمل كل بمفرده لا يستطيعون عمل شيء. لا تظنوا أن الأحزاب التي نشأت بعد الحركة الدستورية كان ظهورها من قبيل المصادفة وأن جماعة اجتمعت وكونت حزباً! لا، إنها كانت خطة شيطانية كي لا يسمحوا باتحاد إيران ولكي يعادي كل حزب الآخر!
هذا هو أحد الطرق التي يستفيد منها الغرب وأميركا والسوفيت من ثرواتنا وبلداننا من خلال افتعالهم الاختلافات داخل المجتمع بطرق شتى، المجتمع الذي يجب أن يكون له اعتباره وأن يرتقي، فيثيرون الاختلاف بين المذاهب المختلفة والحرب بين الأتراك والفرس والأكراد وغير الأكراد والبلوش وغير البلوش، فيشتتون البلاد التي يجب أن تتحد، وتدفع كل جماعة لتسلك طريقاً، وبهذه الاختلافات الموجودة في داخل المجتمع والتي لا تسمح له بالرقي، يضرب هؤلاء بعضهم بعضاً ويأتي اولئك فينهبون النفط والغاز وكلّ ما هو موجود، ولا يوجد من يتفوّه بكلمة! لأنه لا يوجد تفكير واحد، فالأفكار مختلفة ومتشتتة! هذه صورة من صور الاختلافات التي يثيرونها داخل مجتمعنا وليست هي من باب الصدقة، إن هناك مخططاً لايجاد هذه الاختلافات!
وهناك نموذج آخر، وهو أن آخرين يختلقون موضوعاً قبل حلول شهر رمضان وشهر محرم- شهري اجتماع المسلمين- وقد تساعدهم الحكومة على ذلك! لقد رأينا ما فعلوه في السنتين أو الثلاث الأخيرة حول كتاب (الشهيد الخالد)1 فقد قام اصحاب المنبر والمحراب من جهة وأهالي السوق من جهة، وصرفوا أيامهم في شهري رمضان ومحرم وسائر أيامهم وهدروا قواهم، وجلس جلالته بكل طمأنينة وابتلع أموال هذا الشعب وارسى دعائم حكمه!
فالمنابر التي يجب أن تحطم السد الذي أنشأه محمد رضا ليحول دون تقدم الإسلام والبلاد، اهدرت وصُرفت جميع القوى حول كتاب (الشهيد الخالد) وهدروا قواهم عدة سنوات، وها هم الآن يتابعون ذلك! وبعد ذلك جاؤوا بشيء آخر. قتلوا المرحوم شمس آبادي رحمه الله 2، وأضاعوا وقت الناس سنة في البحث حول من قتل شمس آبادي؟
لا يحدث هذا من دون تخطيط، إن ذلك مخطط بدقة! فهم يقومون بمثل هذه الأعمال عندما تجتمعون وتتحدون ويخافون مما سيحدث. وعندما تمضي عليه مدة، يأتون بأمر آخر! فكم هدروا قوانا الإسلامية في قضية (علي شريعتي) وأثاروا النزاع بيننا وحطموا جميع القوى بإثارة الاختلاف بين أهل المنابر! ولا تزال هذه الاختلافات موجودة ايضاً وأدت إلى أن ينعم الأعداء الاصليون بنوم هنيء!
ضرورة يقظة جيل الشباب
يجب على جيل الشباب أن يستيقظوا وينتبهوا إلى الخطط الشيطانية، إنكم اليوم في أوروبا واميركا عدة آلاف، فإذا سارت هذه المجموعة نحو هدف واحد وكانت اعمالها متناسقة ولها نظام
واحد ويعمل افرادها جميعاً لتنفيذ خطة واحدة، أمكنها انجاز كثير من الأعمال، ومما يؤسف أنه لا يوجد مثل ذلك، بل وهناك الاختلافات ايضاً! ليس الوقت الآن وقت اختلاف على هذه القضايا الجزئية! فهذا يشبه حدوث زلزال في مدينة وتدمّر البيوت وعند ذاك تجلسون وتتناقشون حول القضية الفلانية وسيقتل الزلزال الجميع عندئذ!
واليوم وقد اتحدت جميع قوى المسلمين في إيران ووقفت أمام القوى (الاجنبية)، فإن الاختلاف خيانة للإسلام والشعب! وإذا لم تثمر هذه الانتفاضة التي انطلقت في إيران ولم يكن لها سابقة في تاريخ هذا البلد، إذ ليس بوسعكم أن تجدوا في التاريخ فتى ينسجم في مطالبه إلى هذه الدرجة مع الشيخ العجوز. إذا لم تثمر هذه الانتفاضة- لا سمح الله- فسيسيطر عليكم الأجانب إلى الأبد وسيستأصلون اجيالكم.
لقد فهموا اليوم أن لإيران قوة لا تستطيع الاحكام العرفية تحطيمها، وإيران اليوم قوة زلزلت القوى العظمى! إنهم منهمكون بالدراسة كيف ظهرت هذه الانتفاضة وهدرت كالسيل وحطّمت جميع مخططاتهم، ليبحثوا عن مخطط لاحباطها.
وإن لم تثمر هذه الانتفاضة- لا سمح الله- فستهلك إيران والإسلام والمسلمون تحت سلطة أوروبا وأميركا إلى الأبد، فإذا تأكدنا من ذلك أو توقعنا حدوثه، فالشرع والعقل يقضيان بأن نكون متحدين فلا يجوز أن نختلف فيما بيننا! لابد للجميع من الاعلان بصوت واحد: لا لمحمد رضا شاه، ولا للاسرة البهلوية. ولا للندن واميركا والاتحاد السوفيتي .. لابد من الحصول على استقلالنا والتحكم بمصيرنا والذود عن ديننا واسلامنا. فلو استطعنا من تحقيق ذلك وحافظنا على هذه الوحدة وتقدم المسيرة، نكون قد تحررنا. فاذا لم نتحرر الآن سنبقى نتجرع مرارة هذه المعاناة الى ما شاء الله.
اللهم لقد بلّغت ما أدركت! والموضوع هو أن هذا الشعب كان تحت سيطرة ملوك كلهم جائرون طيلة الفين وخمسمائة سنة، وحتى العادلون منهم كانوا خبثاء! حتى أنوشروانهم العادل كان من اولئك الخبثاء ايضاً! حتى الشاه عباس (جنة المأوى!!) كان شخصاً منحطاً! ونادر شاه قد سمل عيني ابنه! لقد كان الشعب تحت سلطة وأقدام مثل هؤلاء الملوك!
الاستعمار يخطط منذ قرون
وعندما وجد الأجانب طريقهم إلى هنا قبل مائتين أو ثلاثمائة سنة درسوا كل شيء، درسوا نفسيات الناس في المناطق، سافروا على ظهور الإبل ودرسوا صحارينا وما يوجد فيها وما لا يوجد، درسوا أحوال الطوائف الموجودة في البلاد ابتداء بالبلوش وانتهاء بالأكراد واللر، لقد درسوا كل ذلك ليعلموا كيف يمكنهم إبقاؤهم متخلفين وإقناعهم بأن لا يثوروا يوماً ما!
فنحن منذ ذلك اليوم والى الآن تحت سيطرة أميركا وأوروبا. ففي البداية كانت أوروبا وانجلترا واليوم جاءت أميركا وهي اسوأ منهم! إن كلًا من السوفيت وأميركا تريدان تبديد ثرواتنا وما نملكه وإبقاءنا متخلفين ومساكين. لقد درسوا واقتنعوا بضرورة زرع التفرقة بين هؤلاء (المسلمين)، ففرقوا بين العراق وإيران وافغانستان وباكستان، وشغلوهم بالنزاعات فيما بينهم كي لا يقدروا على مواجهة القوى العظمى.
كما سعوا بشتى الطرق للقيام بأعمال داخل كل بلد مثل إيران كي تتفرق القوى. ففي عهد رضا شاه أهانوا العالم الديني إلى حد ما كان يستطيع معه الخروج من داره، لا خوفاً من الحكومة وإنما من أيدي الناس! لقد جعلوا الناس بهذا الشكل وكانوا يقولون إن هؤلاء المعممين كلهم عملاء البلاط!
وكان البلاط يزجّ علماءنا وطلبة العلوم الإسلامية السجون ويقتلهم، والشعب يقول من ناحية أخرى (إن هؤلاء كلهم عملاء البلاط)! هكذا أدخلوا في عقولهم. (وكانت الخطة تقضي) بأن يضعوا من مكانة هذا العالم بين شعبه ويبعدوه عنه لأنه يمكن أن يقف أمام القوى العظمى، وعندما تتحطم مكانته، لا يوجد من يتقدم ويعمل ويكون الشعب مساعداً له، فالعالم الديني هذا هو الذي يتقدم، ولذلك يجب تحطيمه!
ولم يقتصروا على علماء الدين فقط، فقد أطلقوا اسم الافيون على الدين الذي هو أساس جميع التحركات، وعلى القرآن الذي تتضح آيات قتاله الداعية إلى الثورة، والقرآن الذي نزل لقتال الطغاة! أي إن الدين يريد تخدير المساكين من الناس لينهب الطغاة! القرآن الذي شن حرباً شعواء ضد الطغاة واصحاب النفوذ، يقول عنه هؤلاء بأنه من صنع ذوي القدرة واصحاب النفوذ لكي يساعدهم على ابتلاع البؤساء والمحرومين .. وحسب منطق هؤلاء ان الرسول الاكرم وكل ما هو اسلامي إنما هو من اجل تمكين ذوي القدرة واصحاب النفوذ من الاستحواذ على السلطة.
إن هذا مخطط ليفرقوا فيما بينكم وبين القرآن. القرآن حصن منيع، إذا ما تمسك به المسلمون فلن يطالهم أذى. لقد أهملنا القرآن ولم نتمسك بهذا الحصن، ووصلنا إلى وضع توجّهت الينا الضربات من كل حدب وصوب.
لقد قال محمد رضا إن دول الحلفاء رأت أن المصلحة تقضي باستلامي العرش، وقال وزير خارجية انجلترا أول أمس إن حضرته يحافظ على مصالحنا! نحن نعلم أنه يحافظ على مصالحكم ومصالح أميركا. وإن صراخ الشعب هو لأنه جيء به ليحفظ مصالحكم، فلديه (مهمة من أجل الوطن)3 من قبل أميركا وانجلترا، ويجب عليه أن يعامل الناس بهذه الصورة، ويجب عليه أن يُبقي إيران متخلفة، ويجب عليه أن يحطم الثقافة الإيرانية وعلماء الدين في إيران ويعزل الإسلام، ويجب عليه أن يبدل التأريخ الإسلامي!
أتظنون أن ما قام به هذا الخبيث من تبديل للتاريخ الإسلامي عمل بسيط؟! إن خيانته منذ البداية وما يمارسه من الجرائم حتى النهاية في كفة، و (تغييره التأريخ) الإسلامي (الى الشاهنشاهي) في كفة أخرى. أهذه جريمة بسيطة ارتكبها هذا الرجل؟!
لقد تكاتفوا جميعاً ليحطموا هذه السدود. والآن وقد ثارت إيران والجميع يهتفون بصوت واحد (الموت لهذه الملكية)! فإن الاختلاف سواء داخل البلاد أو خارجها، والاختلاف بين طبقات المثقفين وغير المثقفين، والاختلاف في الجامعات بين هذه الطائفة وتلك، هو انتحار! الاختلافات هي تبديد للبلاد وخيانة للإسلام والبلاد! لماذا تختلفون؟! أنتم الذين اتيتم إلى خارج البلاد وتتحملون الصعاب لماذا تختلفون؟! اتحدوا بمشيئته تعالى! وليكن لكم صوت واحد وليكن ذلك صفعة تقلع جذور هذه الأسرة واولئك الذين يبددون مصالحنا بواسطة هذه الأسرة. دمتم في حفظ الله جميعاً بمشيئته تعالى! والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
* صحيفة الإمام، ج4، ص: 151-156
1- تأليف السيد نعمة الله صالحي نجف آبادي.
2- السيد أبو الحسن شمس آبادي، أحد علماء الدين البارزين في مدينة اصفهان.
3- إشارة إلى كتابه( مهمتي من أجل وطني).