الموضوع: سمات وخصائص ثورة الشعب الإيراني الإسلامية، جرائم نظام الشاه والحماية الأمريكية له
حوار
المخاطب: ريتشاردكاتم (استاذ العلوم السياسية في جامعة بيطرسبورغ في ولاية بنسيلفانيا الأمريكية)
عدد الزوار: 181
التاريخ: 7 دي 1357 هـ. ش./ 27 محرم 1399 هـ. ق.
المكان: باريس، نوفل لوشاتو
المناسبة: لقاء باحث أمريكي الإمام الخميني في الشؤون الإيرانية
المخاطب: ريتشاردكاتم (استاذ العلوم السياسية في جامعة بيطرسبورغ في ولاية بنسيلفانيا الأمريكية)
سؤال- في لقاءاتكم الإمام1، بدأ كاتم تعريف علمه السابق لإيران، وأشار إلى الكتب التي كتبها وقال بأنه عازم على السفر إلى طهران لإكمال دارساته للثورة الإيرانية، وكان يرغب قبل سفره إلى إيران في أن يطلع على نظريات الإمام. وأشار ضمنياً في كتاب القومية في إيران إلى أهمية دور علماء الإسلام التاريخية في الانتفاضة الشعبية على امتياز التبغ والتنباكو والمشروطية، (الدستور). كما أشار إلى أن علماء الإسلام لم يكونوا شاعرين بقدراتهم هذه مقابل القاجار والشاه ولا مقابل الإنجليز، ولكن بعد ثورة التبغ وإلغاء الامتياز وانسحاب ناصر الدين شاه، انتبه الجميع على هذه القوة العظيمة الواسعة. كما قدم كاتم توضيحات لرحلاته الماضية إلى إيران والدراسات التي قام بها. وبعد انتهاء كلام كاتم حدثه الإمام الخميني قائلًا:
الإمام: لقد تغيرت الأوضاع الإيرانية كثيراً خلال هذه الخمسة عشر عاماً، ولا سيما في السنة الأخيرة، وكما أدركتم الآن، فإن العلماء والحكومات لم يكونوا على علم بهذه القدرة الوطنية، ونحن أيضاً مثل علماء عصرنا وكذلك الشاه وحكومته لم يكن لديهم علم بهذه القدرة الوطنية- الإسلامية بشكل عام، ولم نكن نعلم بأن مثل هذه القوة يمكن أن تثور، وأن تشمل هذه الثورة جميع فئات المجتمع، يعني أن يكون لها نفوذ من المناطق النائية إلى المركز، وعلى مستوى القاعدة البشرية من الشباب إلى الشيخوخة، كما شملت الأطفال والنساء والبنات (الفتيات).
لم يكن أحد منا يتصور مثل هذا الاتساع، وربما كنا نظن بأن قوة الشاه العسكرية الضاربة كانت تدعمها الدول العظمى: الولايات المتحدة الأمريكية، الاتحاد السوفيتي والصين غير قابلة للاهتزاز والتزعزع. ولم نكن نتصور أننا نستطيع أن نحدث تزعزعاً في السلطة، وقد لاحظنا أن مثل هذا التزعزع حصل في السنة الأخيرة، وأن قواعد سلطة الشاه تحطمت الواحدة بعد الأخرى.
فقد خسر كل شيء على الرغم من جميع المساعدات التي قدمها له كارتر خصوصاً ووقوفه إلى جانبه، إذ لم تترك هذه المساعدات أثراً في الشعب الذي لم يهتم لا بالحكومة العسكرية ولا بحكومة الشاه العسكرية ولم يخش تهديدات كارتر وأمثاله.
الأمر اللافت للنظر هو أنه لم يكن في كل التاريخ الإيراني سابقة لمثل هذه الثورة والانتفاضة. وهذا ما يدفع إلى الاعتقاد بأن هناك يداً إلهية وقوة خارقة تدخلت في هذه القضية، وكانت مرشدة
لها. ومن الأفضل الآن أن تذهبوا إلى إيران، وتروها عن كتب حيث حصلت خيانات حقيقية، وفي كل يوم كانت هناك حوادث قتل في مختلف مناطق طهران وإيران بلا داع إليها.
وفي هذا اليوم بالضبط أصدر أحد الضباط أمره بالهجوم على حشد من المشيعين لجنازة حصلوا على إذن- من النظام بتشييعها2 في الوقت الذي لم تكن هناك مظاهرات، حيث بدأت في أحد ساحات المدينة عملية إبادة بشرية قتلوا وجرحوا الكثيرين فيها.
ويمكن أن يتم تشييع جنازة أخرى أيضاً، ويحدث ما حدث. وما دام لديكم اطلاع وسوابق، فمن الأفضل أن تذهبوا وتبحثوا هل يوجد في إيران أو في مختلف مناطق العالم شاك وحاكم يقوم بدعوة الأشرار للإغارة على الشعب؟ يغدق الأموال، ويصنع العملاء لتفريق هذا الشعب الأعزل ليستمر الشاه في ظل سياسة العصا الغليظة وفي ظل العملاء والجلادين.
وهذه النقاط هي التي يجب أن تحفظ النظام، إذ يذهب بنفسه، ويعطي العملاء أجرهم ليستأجرهم، ويأتي بهم ليغيروا على أسواق الناس، وينهبوها وكذلك مساجدنا. فهل يمكنكم أن تجدوا مثل هذا العمل في الدنيا كما هو موجود الآن في إيران؟ إنها القوى التي سيطرت على السلطة، ولا تستطيع أن تجد شعباً كالشعب الإيراني الذي يقاوم ويقف في وجه المدافع والدبابات وهو أعزل من السلاح، فهم يقتلون والشعب يتظاهر على الشاه.
يجب أن تذهبوا وتشاهدوا، نحن مثلكم نراقب عن بعد، وعلى أية حال، فإن أبحاثكم ودراساتكم قيمة. وبعد هذه الدراسة تجب كتابة كتاب ضخم. مأساة طويلة. يجب أن تؤرخوا في دراساتكم موقف رئيس الجمهورية الأمريكي ووقوفه إلى جانب امرئ لا يهتم ولا يبالي بأي حق من حقوق الإنسان، ويتصرف ضد حقوق الإنسان، ولا أحد من شعبنا يقبل به أو يريده. إنهم يعلنون، رجال الدين والتجار وجميع طبقات الشعب، أنه لا أحد يريده.
إن كارتر يدعمه، وهذا له انعكاساته السلبية على الشعب الأمريكي. كارتر سيذهب، ولكن الشعب الأمريكي سيبقى، ونحن نريد أن يعيش جميع الناس بسلام وأمان، وأن يكون لدينا ثقة بالشعب. فأعمال كارتر تولد لدى شعبنا التشاؤم من الشعب الأمريكي. ويجب أن تفكّروا بحل لهذا الأمر، وجهوا تحذيراً للحكومة. الشخص الذي لا قاعدة له في إيران وقام بنهب إيران. وهذا ما هو مثبت في أمريكا بشهادة مستندات وزارة الخارجية الأمريكية.
سؤال- كاتم: المواضيع والنقاط الأساسية هي على الترتيب، الاعتقاد السائد أنه إذا رحل الشاه ستتوالى الانقلابات في إيران. وهنا نظريتان أساسيتان: إحداهما نظرية برجينسكي التي تلقى تأييد الجنرال براون- وزير الدفاع الأمريكي- والسناتور جاكسون- وهؤلاء يعتقدون بأن الاتحاد السوفيتي هو سبب هذه المشكلات في إيران، وهذا لا يعني أن للسوفيت علاقة معكم، بل أنهم يريدون أن تنتصر الثورة الإسلامية في إيران، لأنّ الانقلاب العسكري ليس أسهل على الروس من انتصار الثورة الاسلامية. ومن المحتمل وقوع انقلاب عسكري كالانقلاب الأفغاني بدعم روسي.
والنظرية الثانية: يتبناها جميع مسؤولي الحكومة الأمريكية، ومنهم منظمة المخابرات المركزية الأمريكية ، وهي قائمة على دليلين: هما أنهم يعرفون ايران جيداً، وأنهم يشعرون بالوضعية القائمة حالياً. فالجنرال ترنر رئيس السي آي أيه، يناقض رأي برجينسكي معتقداً بأن الحركة الإيرانية عريقة ومتأصلة، وليست تابعة للروس، لكنهم يظنون أنها حركة غير منسجمة، ولن تستمر في عملها، وليس لها مؤسسات تدعمها وتقويها، ولذا ستزول، وإذا أرادت أن تنجح، وتسيطر على السلطة، فإن انقلاباً سيحدث. هذا الإعتقاد، أي: عدم انسجام الحركة هو خاطئ والروس لن ينجحوا أيضاً.
النظرية الثالثة وهي مهمة جداً، وتعتقد بأن على أمريكا أن تسمح بدعم الحركة حتى يتغير النظام، ومؤيدو هذه النظرية قلة.
جواب الإمام: النظرية الأخيرة هي الصحيحة، نحن لدينا معرفة تامة بإيران من أدناها إلى اقصاها، وأنتم الآن بصدد الذهاب اليها، فتعرّفوها كلها: المظاهرات وأهدافها المعلنة، والشعارات والمطالب المتصاعدة في كل مكان صادعة بشيء واحد هو أنهم يريدون حكماً إسلامياً.
فحتى لو كان بين هذه الجموع الغفيرة من يوالون الاتحاد السوفيتي أو الشيوعية، فهم قلة من الشعب، وسيذوبون في المجتمع. فالشعب الذي يطالب بالإسلام، لا يعقل أن يكون موالياً للروس، أو أن يكون لروسيا سلطة عليه.
الاتحاد السوفيتي يخشى ارتفاع صوت الإسلام لئلا يُسمع في القفقاز، فيقوى فيها ويثير وتعلمون أن كل انقلاب وكل مسعى على الإسلام يبقى عقيماً. وعلى هذا الأساس تكون نظرية الاتحاد السوفيتي باطلة غير منطقية ولا أساس لها من الصحة.
أما النظرية الثانية، والتي لا قاعدة لها فإن الأمر فيها ظاهر وجلي، وستسقط مثل الزجاج، وذلك لأنها لا تعير لبّ القضية اهمية. فهم يظنون أن القضية سياسية مؤقتة، أو مثل السياسة تأخذ كل يوم شكلًا معيناً. لا يعلمون أن أساسها الإسلام، والإسلام أوضح من أن نبينه نحن. إنه فكر، إنه عقيدة. والإسلام دين، فلا يمكن القول بأنه سيسقط مثل الزجاج. والأمر الذي أشاروا إليه لا أساس له من الصحة.
والشيء الذي له أساس هو النظرية الثالثة، والثورة الراسخة والثابتة وذات الأساس القوي من دون تدخل أي قوة لاستنادها الى شعبها، ويجب على أمريكا أن تدرك هذا المعنى، وتتوقف عن مساعداتها، ويجب أن تعلم أن المساندة لا فائدة منها بل ستكون ذات آثار سلبية. وأنا أظن انه إذا ذهبت إلى إيران وراقبت الأحداث الإيرانية عن كثب، فإن نظريتك ستكون نظرية المجموعة الثالثة أي نظرية القلّة.
سؤال- كاتم: هل لديكم علم بقدرتكم ومحبوبيتكم؟ كنت قد حللت في كتابي أن مصدق لم يكن مطلعاً على مقدار قدرته ومحبوبيته، ولأنه لم يكن كذلك، كان يشعر بالضعف ويعتقد بأن أمريكا قوية جداً. وهذا ما أدى إلى الانقلاب عليه بينما فهمت بمحاورتكم أنكم لا تؤمنون بأن أمريكا قوية جداً، حتى تكون جميع الأحداث مرتبطة بها ومعتمدة عليها، لكن الكثيرين في إيران يعظمون القوة الأمريكية. واطلاعكم هذا يعطيكم الكثير من القوة.
جواب الإمام: هناك فرق بين مصدق وهذا الزمان، ما بين ثورة مصدق وهذه الثورة، فثورة مصدق كانت سياسية، وشعبنا دخلها من جانبها السياسي، وكانت هناك أخطاء أدت إلى الإخفاق.
أما هذه الثورة، فهي ثورة دينية- إسلامية، وقوة الإسلام عندنا فوق القوى أو السلطة المادية للدول العظمى (المستكبرة). إنك ترى هذه القوة تجعل القبضة تقف في وجه الدبابة والرشاش
وتدفع النساء إلى الشوارع، وقد أجبرت الأطفال الصغار على النشاط والتحرك. هذه هي قوة الدين والمعنوية. اتكالنا على الله وعلى المعنوية ولا تستطيع قوة في العالم أن تقف في وجهها، والشعب الذي يستند إلى هذه القوة سيقف في وجه كل القوى. أما القوة فتصبح أسطورة في الشعب الذي طال عليه الكبت. إنهم يعطون الأشياء الموجودة أكثر من حجمها مرات. ونحن نريد بقوة الله وعونه أن نخرق ونكسر هذه الأساطير، ونخرج الشعب الذي ما زال حتى الآن تحت وطأة تعذيب الشاه وأبيه من هذه الحالة.
وسنفهم القوى الكبرى أيضاً أن الشعب إذا لم يرغب في شيء فإنه لا يمكن إجباره عليه بالحراب. وهذه الإرادة ليست عرفاً حتى يكسروه أو يخرقوه، فهي القوة المعنوية التي لا تهزمها القوة العسكرية التي ليس لديها قوة الثورة.
سؤال- كاتم:- سؤالي الأخير عن السيد جمال الدين أسد آبادي، أترونه رجلًا مهما؟
جواب الإمام: كان جمال الدين رجلًا لائقاً، لكن فيه نقاط ضعف، ولأنه لم يكن يتمتع بقاعدة وطنية ودينية بين الناس لم تثمر مساعيه وجهوده. والدليل على أنه لم يكن لديه قاعدة دينية أنه عندما قبض عليه الشاه، ونفاه نفياً محزناً لم يكن له ردّ فعل، ولأنه لم يكن يتمتع بهذا الثقل والشعبية الدينية ذهبت مساعيه هدراً، ولم تصل إلى نتيجة.
بعد انتهاء المباحثات، شجع الإمام كاتم على متابعة دراساته للحركة الإسلامية الإيرانية ونشر الحقائق.
* صحيفة الإمام، ج5، ص: 197-200
1- ريتشاردكام له مؤلفات كثيرة حول القضايا الإيرانية، وكان عازماً على السفر الى إيران وفي نهاية جولته توقف في باريس، ليلتقي الامام، والامور التي طرحت الآن كانت مضمون تصريحات هذا اللقاء.( تاريخ 25 سنة إيرانية، ج 2، ص 330- 335).
2- المقصود، تشييع جنازة السيد كامران نجات اللهي حيث هجم الجيش على الشعب في اثناء ذلك.