الموضوع: جرائم النظام البهلوي
خطاب
الحاضرون: العلماء وطلبة العلوم الدينية وجمع من أبناء المدينة
عدد الزوار: 246
التاريخ أواخر دي 1356 هـ. ش/ صفر 1398 هـ. ق
المكان: النجف الأشرف، مسجد الشيخ الأنصاري
المناسبة: مذبحة مدينة قم في 19 دي
الحاضرون: العلماء وطلبة العلوم الدينية وجمع من أبناء المدينة
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
اني لفي حيرة، من أُعزّي بهذه الفاجعة الكبرى؟ هل أُعزِّي الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) والأئمة المعصومين والإمام الحجة (سلام الله عليهم) أو الأمّة الإسلامية والمسلمين والمظلومين في جميع أقطار العالم؟ أو الشعب الإيراني المظلوم، أو أهالي قم المحترمين المفجوعين، أو الآباء والامهات من أهل المصيبة، أو حوزات العلم والعلماء الأعلام؟ مَن يجب أن يُعزَّى؟ ومن يجب أن يُقدَّم له الشكُر في هذه القضايا التي تحصل للاسلام ولهذا الشعب الايراني الواعي الذي يستقيم قبالة هذه المصائب، ويُعطي القتلى ويهتك؟
لقد أطلقوا النار على الناس بلا سبب، ولا مجوّز قانوني، وما أخبرنا به حتى الآن- وإن كان مختلفاً- هو أن سبعين قتيلًا سقطوا. ونقلت بعض وكالات الإنباء أن القتلى مائة، والبعض أخبرنا أيضاً أنهم مائة قتيل أو مئتان وخمسون. وفي برقيات جاءت من أوروبا أو من أميركا ذكروا أنّ العدد هو ثلاثمائة، والأمر غير واضح، كما أن عدد المجروحين غير واضح أيضاً، ولابد أنَّ إحصاء دقيقاً سيتم فيما بعد، إذا تمكن الإخوة من ذلك. واذا لم يحدث مثل ماحدث في الخامس من حزيران حيث القوا بأجساد الناس في بحيرة حوض السلطان.
ويقال: ذهب ناسٌ للتبرّع بالدم لهؤلاء المجروحين الذين كانوا بحاجة إلى الدم في المستشفيات، إلا أن السلطات الأمنية اعتقلتهم، وتأكد هذا الأمر، ومات العديد من الجرحى بحرمانهم الدم. ولم تُعطَ اجساد القتلى لذويهم، وإذا أصرّ أحد على أخذ جثمان شهيد يأخذون منه خمسمائة تومان لإعطائه الجثمان، يأخذون خمسمائة تومان، لأنهم قتلوه. مَنْ يجب أن نشكره؟ ومن نعزّي؟
يجب أن نشكر الشعب الإيراني اليقظ، الشعب الواعي المقاوم للظلم، الشعب الذي يقاوم وهو يرى كل هذا الظلم، يقاوم ويعطي كل هؤلاء القتلى، ويقف هذه الوقفة التي ستوصله بلا شك إلى نتيجة. لاشك أن الشعب بعد أن وعى، وبعد ان ثار حتى النساء على الحكومة، وعلى هؤلاء المتجبّرين، لاشك أن مثل هذا الشعب سينتصر إن شاء الله.
سمعت أن المرحوم المدرّس قال لرضا خان- والد هذا الشاه-: سمعت أن الشيخ الرئيس قال: إنني أخاف من البقرة لأنها تمتلك أسلحة، ولا تمتلك عقلًا. هذا الكلام إذا لم يكن ثابتاً عن الشيخ الرئيس مثلًا، فهو كلام حكيم، فالأسلحة حين تقع في يد غير الصالحين وغير اللائقين لها مفاسد.
الإنسان مبتلى بهذا منذ القدم، فالأسلحة كانت في يد ناس غير صالحين منذ نشوء الحضارة البشرية- كما يتصور الإنسان- كانت الأسلحة في أيدي غير الصالحين، وجميع مشكلات الإنسان من هذا الأمر. ومالم يُنزع السلاح من أيدي غير اللائقين هؤلاء؛ فإنّ الإنسان لن يتمكن من تحقيق نتيجة تُذكر. والأنبياء جاءوا لنزع السلاح من أيدي غير اللائقين به الذين لا عقل لهم، لكنهم لم يتمكنوا، لأن هؤلاء كانوا متجبّرين، وبقيت هذه الأسلحة في يد غير اللائقين وغير الصالحين الذين لا عقل لهم.
جميع هذه المشكلات التي تلاحظونها هي نتيجة هذا المعنى، منذ أن جاء الإنسان إلى الدنيا، وبدأ التنازع بين الصالح وغير الصالح. في جميع تلك العصور كانت الأسلحة في يد غير الصالحين، إلّا ما ندر. ويا للجرائم التي وقعت بهذه الاسلحة! ولن تحتاج إلى سبر غور التاريخ البعيد، فهذه الحروب التي وقعت خلال القرن الأخير في العالم، الحرب العالمية الأولى الحرب العالمية الثانية، هذه الحروب التي وقعت مؤخّراً في فيتنام، هذا القتل للناس عمَّ بكون الأسلحة في يد غير الصالحين.
جرائم رضا خان
نحن نتذكر سفك الدماء خلال الخمسين سنة الأخيرة، وما زالت مرارات تلك الخمسين سنةً في خواطرنا، وقليل منكم أو لا أحد منكم يتذكر كلَّ ما جرى في هذه الخمسين سنة من الملكيّة غير القانونية وما عقده فيها سود الوجوه هؤلاء.
إننا نتذكر- خصوصاً نحن كبار السن منكم- جميع تلك المعاهدات المذلّة التي عقدتها السلطة غير القانونية لهؤلاء الظالمين خلال الخمسة عقود الماضية، كنّا نشاهد بُؤس الشعب، وهذه الجرائم، وهذه المجازر التي قام بها هؤلاء المسلّحون غير الصالحين منذ الانقلاب الأول الذي وقع وكنّا في ذلك الوقت في أراك، هذا بناء على ما قيل في الإذاعات في ذلك الوقت.
بعد ذلك بدأت الحرب الثانية- قيل هذا الموضوع في الاذاعات آنذاك- والناس كانوا يُدركون ما يحصُل آنذاك إلى حدّ ما، فالإعلام السيِّئ لم يسمح لهم أن يفهموا كلّ شيء بشكل صحيح، ولكن بعد أن تم طرد ذلك الذليل- أقصد رضاخان- من ايران أذاعت إذاعة دهلي نقلًا عن هؤلاء أنهم جاءوا به إلى الحكم، ولأنه خانهم، طردوه الآن.
الانجليز المجرمون، الإنجليز غير الصالحين الذين كانت الأسلحة في أيديهم أعطوا رضا خان الأسلحة، وجاؤا بهذا الإنسان العديم الأصل، وسلّطوه على الناس بقوّة السلاح، وأي جرائم قام بها هذا الرجل الفاسد في هذه المدّة! إنّها ممّا لا يمكن شرحه، ولا نستطيع أن نشرح لكم مرارات تلك الأيام.
هذه الجرائم محفوظة في التاريخ بشكل دقيق، وسيعلن التاريخ رأيه- إن شاء الله- بعد انقراض هذه الأسرة الظالمة، وتخرج الكتابات، وسوف تطّلعون على حقائق الأمور- ان شاء الله- وإذا لم نطلع نحن وأنتم فإنّ الأجيال اللاحقة سوف تطّلع على ذلك.
إذا استطاعوا ان يشرحوا تلك الجرائم التي ارتكبها ذلك الرجل، فسيتضّح مقدار الدماء التي سفكت، وعدد العلماء الذين اعتقلهم، ويتجلى الضغط الذي مارسه على هذا الشعب باسم توحيد الزِّي، والمظلومون الذين اضطهدوا، والعلماء الذين هتكوا، والعمائم التي نزعت من رؤوس أهل العلم.
وعندما زار هذا الرجل غير اللائق تركية رأى أتاتورك مارس مثل هذه الأعمال الشائنة، ومن هناك أرسل برقية- على ما قيل آنذاك- إلى أزلامه أن يوحّدوا أزياء الناس، وتذرّع بأنَّ هؤلاء المزارعين عليهم أن يضعوا غطاء على رؤوسهم، ليتّقوا حر الشمس. ولكن المسألة كانت واضحة أنها ليست لهذا السبب، فعندما عاد من تركية بدأت الضغوط وكانت هناك مجموعة ضغوط كثيرة وجرائم بعد وحدة المظهر هذه كما أوذي العلماء في هذه القضايا، ونُفُوا وقُتِلوا.
وهُتك الحجاب تقليداً لأتاتورك غير اللائق، أتاتورك المسلم غير الصالح، وما تبع ذلك من فضائح، الله يعلم ماذا جرى على هذا الشعب الايراني في نزع الحجاب هذا، هؤلاء مزّقوا حجاب الإنسانية، الله يعلم كم من المخُدَّرات هُتِكت حرمتُها على أيدي هؤلاء وعدد الذين هتكوهم.
لقد أجبروا العلماء- بقوة الحراب- على المشاركة مع نسائهم في الاحتفالات، وكانت أمثال تلك الاحتفالات على حساب الجماهير، والناس تدفع ثمنها بكاء وألماً، وهكذا كانوا يروّجون للتبرّج، ويدعون بقية الناس مجموعة مجموعة، ويجبرونهم على أن يحتفلوا مع نسائهم دون حجاب. كانت حرية المرأة هي هذه التي كانوا يفرضونها. يجبرون الناس المحترمين، والتجار المحترمين، والعلماء وأصحاب المهن لتنفيذ رغباتهم بقوة السلاح. بكى الناس كثيراً، ولو أن هؤلاء كان لديهم حياءاً لندموا على ذلك الاحتفال، وهكذا كان ايضاً، والله يعلم ماذا فعل البعض.
ومن أعمالهم المنع من ارتقاء المنابر والمنع من إقامة العزاء والخطابة بأي عنوان وفي كل إيران ولعلّه حصل أحياناً أن يمرّ عاشوراء دون اقامة مجلس عزاء واحد، عدا ما كان يعقده البعض- ممّن لديهم الجرأة- من المجالس بعد منتصف الليل أو آخر الليل، او عند السحر لينتهي مثلًا قبل الأذان. حرموا ايران هذا الفيض وذكر المصيبة، حتى الحديث. وما هذا، الا لأن الأسلحة كانت في يد شخص بلا عقل؟ إن الاسلحة يجب أن تكون بيد الأفاضل، فكونها في يد غير الصالح يحصُل منها تلك المفاسد وتلك الجرائم، والمجازر التي وقعت في مسجد جوهرشاد، وبادروا بعدها إلى اعتقال علماء خراسان والمجيء بهم إلى طهران وحبسهم هناك، حبسوا العلماء الكبار، وحاكموا بعضهم، وقتلوا بعضهم. كل ذلك لوجود الاسلحة في يد امرئٍ بلا عقل.
وبمجرد أن قال علماء اصفهان وعلماء اذربيجان كلمتهم، وبمجرد أن قالوا كلمة ما، وقاموا بنهضة اعتقلوهم ونفوهم إلى أماكن بعيدة، وبقي علماء اذربيجان مدّة حسب الظاهر في سنقر، كما بقي المرحوم السيد ميرزا صادق آقا- رحمه الله- بعيداً عن تبريز حتى وفاته. كما حصلت بعض الأمور في زمان ذلك الخبيث مما لا أذكره، كما أن من يتذكر ذلك لا يمكنه أن يذكر هذه المصائب في مجلس واحد أو مجلسين.
مذابح بأمر الشاه
وأنتم أيضاً ابتليتم بذي القرن هذا الذي لا عقل له، لا تتصوّروا طلقةً واحدة يمكن أن تطلق في ايران على إنسان دون إذن الشاه. لا تتصوّروا مثل هذا التصور أبداً، فرئيس نظمية قم، رئيس منظّمة (سافاك) قم وشرطة قم لا جرأة لهم على أن يطلقوا رصاصةً واحدة، ويقتلوا الناس.
كل عاقل لا يسعه تقبل هذا الموضوع، وكل ما يحصل هو أن تقارير تُرفَع بأن الوضع هكذا، ثم يأمر هذا الخبيث بصراحة أن افتحوا النار. ففي (الخامس عشر من خرداد) كان هذا الخبيث- وحسب ما قالوا- يتجول في طيارة مروحية، ويأمر بالهجوم، وكأنه يأمر بالهجوم على القوات العالمية الأجنبية التي هجمت على ايران!
هؤلاء الضعفاء الذين يخضعون إلى هذا القدر للسلاطين أو لرؤساء الجمهوريات، ورئيس الجمهورية الاميركي خاصّة، ويتملّقون إلى هذا القدر ويعتبرون أنفسهم عبيداً لهم ومرتبطين بهم. هؤلاء الضعفاء من ضعفهم انهم حينما يتعاملون مع شعبهم يؤذونه بشدّة لمجرد انهم يمتلكون القدرة. هناك يقبلون اليد ويتملقون، وفي بلادهم يقومون بأعمال قبيحة.
لقد ذكرت سابقاً هاهنا أن هؤلاء عندما كانوا يقولون سابقاً بأنهم أعطوا الحريات، قلت للسادة: إنَّ هذا الإنسان إذا عزّز عمالته لكارتر الخبيث هذا، فإنه سيوجّه صفعة قوية للشعب حينئذٍ أقوى ممّا وجّه اليه سابقاً، لكننا لم نتوقع أن يصفي حساباته مع كارتر، ويثبت عمالته بهذه السرعة.
انهم يفتعلون الذرائع، ليمارسوا ظلمهم، فقد فعلوا ذلك في قم حيث كان الناس يأتون العلماء بكل هدوء- حسب ما نقل الشهود- عدا صحافتهم طبعاً، فمن كانوا هناك نقلوا أن الجماهير كانت تأتي العلماء لعرض أحوالهم، فدفع هؤلاء واحداً من بينهم فرمى حجارة فكسر شيئاً، فهجم أزلامهم وأطلقوا النار.
وهكذا كان الحال في الخامس عشر من خرداد طبعاً، افرضوا أن الناس كانوا قد ثاروا لمصلحة معينة، ولكن لم يكن هناك فوضى. لقد قامت مجموعة من هؤلاء بافتعال بعض الأمور في طهران، فأحرقوا مكتبة، ونهبوا مكاناً ودكاناً، ليتخذوا من ذلك ذريعةً لاطلاق النار على الناس. فهم يفتعلون ما يسوِّغ ارتكابهم جرائمهم، والجريمة الأخيرة وقعت بذريعة أيضاً، فالناس لم يريدوا مواجهة السلطة، ولم يكن لدى أحد سلاح، فالعاقل لا يمكنه مواجهة ثور بلا سلاح، لم تكن ثمة مواجهة في الأمر.
ولكن الشاه يريد أن يُفهم أولئك أنه ليس ذلك الإنسان السابق غير المكترث، وإنما هو يمارس دوره، ويُعزِّز عمالته لهم، كما أنه يريد أن يثبت للناس أنه ما زال مرتبطاً، وأنه عميل، وأنه يقتل! ويعرب عن كل هذا الغضب والتهديد ليثبت للناس سطوته وعمالته، لئلا يظن أحد أنه كفّ عن عمالته، لكنه أخطأ. إذ لم يتوقع ما سيحصل له بعد هذه المجزرة.
ان ذلك الذي يقول: إن جميع الشعب يؤيدني، الجميع صوّت مثلًا لهذه الثورة البيضاء الدامية، الكل صوت لي، ثار الشعبُ عليه في كل أنحاء إيران، لقد بدأت المعارضة من قم وطهران، وامتدت إلى خراسان وأذربيجان، ومن تلك الجهة إلى كرمان ومن الجهة الأخرى إلى الأهواز وآبادان، كل إيران ثارت عليه، وهؤلاء الذين يزعم أنهم يؤيدونه جميعاً، وأنهم موجودون، وأنهم يريدونه والشعب يريده، ينزعون جلده حين ترفع الحربة الأميركية يوماً واحداً عن رأسه في بلاطه نفسه، في البلاط عينه، ليجرّب السيد كارتر مثل هذه التجربة يوماً واحداً، ليترك هذا الشعب الضعيف ليترك هؤلاء الناس، ليرى.
هذه المؤسّسات التي نسمع بها مؤسسة كذا ومؤسسة كذا كلّها لُعَب، ليس هناك أمن في هذا العالم حتى تكون منظمة الأمن هنا أو أن يكون هناك أمن عام، إن كل ذلك وسائل للتحكّم بالناس. إنهم يريدون التحكم بالناس كما تفعل الشيوعية ... وإلا فالشيوعية ليست سوى مخدّرة للشعب فهي ليست بشيء، ليست بالنظرية التي يمكنها حل عقدة معينة، فهل يمكن لمن ليس بإنسان أن يعمل للناس. هل يمكن للمسلّح غير الصالح أن يعمل للضعفاء.
كنت شاهداً بنفسي على احدى الوقائع في الحرب العالمية، التي كان مقرراً أن يلتقي في يوم من أيّامها قادة الجيوش ورؤساء الدول في إيران، كان ستالين رئيساً للاتحاد السوفيتي آنذاك، ستالين هذا الذي أسقطوا صوره حاليا، وإن كان بلا اعتبار مؤخّراً، لكنّه كان رئيساً للاتحاد السوفيتي، والاثنان الآخران احدهما من أميركا والآخر من إنجلترا، جاء بامر معتاد وذهبوا- حسب ما ذُكِر- الى سفاراتهم، وكان مقرراً أن تكون لديهم جلسة في طهران، لكن ستالين الذي كان الجميع يقول له أخي والجميع يقول لنا نحن كلّنا سواسية، وستالين منّا لا يستعلي علينا، ولا يبعد عنّا، وكانوا يقولون له (قارداش) «1»، قيل: إنه جلب معه بقرة يشرب منها الحليب، لئلا يشرب حليباً من بقر ايران! كانت الطيارة التي تقله، تقل تلك البقرة ايضاً!
إنها المسلّحة التي لا عقل لها وهو المسلّح الذي لا عقل له! والله يعلم أنه كان أسوأ من تلك البقرة، الله يعلم انه كان كذلك. هذا الإنسان جاء ودخل ومعه بقرة حلوب، ورأيت بعيني أيضاً المنطقة التي تقع بين طريق خراسان- من شاهرود أو قبل ذلك قليلًا وكانت تحت الاحتلال السوفيتي إذ قسّموا ايران عدة مناطق، وكانت تلك المنطقة للاتحاد السوفيتي- رأيت وأنا في حافلة كبيرة تقلنا للزيارة جنودهم يستجدون من ركّاب السيارات، وعندما يحصل أحدهم على سيجارة واحدة يفرح حتى إنه يضع يده خلفه ويبدأ بالصفير. الشيوعية جاءت للتحكّم بالناس، وإلا هل يمكن أن لا يكون للانسان اعتقاد بالمبادئ الغيبية، ولا يفكر بالناس وبالاصلاحات؟ كل ذلك لعب.
وهؤلاء المسلحون تارة يمارسون ما عليهم بالعنف، وتارة بالإعلام المكثّف المقترن بالعنف وأنتم ترونهم الآن يقمعون الناس ويقتلونهم، ويرتكبون كل هذه الجرائم، ويتسترون بإعلام مضلّل، فهم يحمّلون الناس مسؤولية كلّ ممارساتهم، ويقولون: إن القتلى كانوا ستة، وقع عدد منهم تحت أقدام الناس، وماتوا في الزحام وأحدهم طفل عمره ثلاث عشرة سنة، وشيء من هذا القبيل!
فليس هناك جريمة في الأمر، فالإعلام بأيديهم، هنا يقولون هكذا، وهناك يقومون بكل هذه الجرائم، كلّ هذه المفاسد يرتكبها أولئك المسلّحون غير الصلحاء. ان السلاح يجب أن يكون بيد الصلحاء.
الاسلام إلهه عادل ونبيّه عادل ومعصوم أيضاً، إمامه عادل ومعصوم أيضاً وقاضيه له اعتبار معين، فهو يجب أن يكون عادلًا وفقيهاً معتبراً أيضاً، حتى شاهد الطلاق يجب ان يكون عادلًا معتبراً. وإمام الجماعة يجب أن يكون عادلا معتبراً، فالعدل ينزل من الذات المقدّسة، ويعمّ من ذكرنا وغيرهم من الناهضين بحقوق الناس. يجب ان يكون القائد عدْلًا، والوالي عدْلًا. الولاة الذين كانوا يرسلونهم في الإسلام إلى هذه الجهة وتلك الجهة كانوا أئمة جماعة أيضاً أولي عدل، لأنه إذا لم تكن لدى الولاة عدالة، ظهرت أمثال هذه المفاسد التي ترونها.
حينما تكون الأسلحة في أيدي غير الصالحين، وغير المنصفين، العديمي العدالة، فإنّهم يمارسون القتل من جهة، ويردّدون شعارات (العدالة الاجتماعية، العدالة الاجتماعية) من جهة أُخرى يمارسون ضغطاً على النساء لخلع الحجاب، ويهتفون: (حرية النساء، حرية النساء)! هذه هي المهزلة، هذه هي الضحكة لا الحرية. يطرحون مشروع (الإصلاح الزراعي) من جهة، ويقيمون سوقاً للأميركا من جهة!
كل ما أُريدُ تحقيقه ب (إصلاحنا الزراعي) هو أن يصبح بلدنا- الذي كان جزء منه يكفي لإنتاج غذاء كاف للشعب بأسره، بل يفيض، ويذهب الباقي إلى الخارج ليحقق عائداً مالياً لنا- على حالة تجعل كل ما تضع يدك عليه يقال له: انه يجب أن يستورد من الخارج! ويفخرون بانهم استوردوا قمحاً وشعيراً وبرتقالًا، أو بيض دجاج. ان هذا لمما يبعث على البكاء، ولكن لا حياء لدى اولئك، اصلاحاتهم هي هكذا كلها مفاسد.
كانوا يقولون بأن كافة العلماء يؤيّدون الإصلاحات التي قاموا بها، وأنهم مع (الثورة البيضاء). واني اقول: يحق له (الشاه) أن يقول ذلك، إذا وجد في جميع إيران عالما واحدا يؤيد ثورته الدموية، وليضع جانباً صنائعه من المعممين، فهؤلاء ليسوا علماء، ان كل واحد منهم هو مجرد معمم وضع عمامة على رأسه، وراح ينشر الضجيج كيفما شاء، ولاشك ان هناك واحداً او اثنين من هؤلاء في كل مكان.
ولكن أطالبك بأن تعثر على واحد من ائمة الجماعة في طهران يؤيدك ويقول: إنني أؤيد مشروع الشاه. اعثر على إمام جماعة واحد من بين كل ائمة الجماعة في مختلف المحافظات يقول: انه يؤيدك. اعثر على شيخ واحد في قم يقول: إنه يؤيّدك. ولكن هؤلاء لا حياء لهم يقومون بكل أنواع المفاسد، وبكل الممارسات الخاطئة، ثم يقولون- تلاعباً بمشاعر الناس-: إنّ العلماء يؤيدونهم، وليس هناك معارض واحد، سوى اثنين ممّن هم ليسوا من أهل هذا البلد.
إنّ الأسلحة بيد من لا أصل لهم، وبيد غير الصلحاء، ولتتأملوا في ذلك جميع الاسلحة بيد غير الصلحاء، فالقلم مثلًا وهو أحد الأسلحة التي ينبغي أن تكون في أيدي الصالحين والأفاضل، إن وقع في أيدي الأراذل، فإن المفاسد ستزدادُ، وها هو بأيديهم فعلًا، وهاهم أولاء يُظهرون كلّ ما يقوم به ذلك الرذيل الذي يقودهم بشكل جميل، ويعرضونه ببديع البيان. وهذه الجريمة تنال الشعب من القلم.
المفاسد التي يقوم بها هؤلاء، الجرائم التي يرتكبونها، ما يسفكونه من دماء يصورها صاحبُ القلم غير الصالح بشكل معكوس يقلب كل الوقائع، وهذا من المأساة. فالقلم يجب أن يكون بأيدي الصالحين. الثقافة هي مبدأ جميع أنواع السعادة والبؤس للشعب، فإذا أساءت أساء الشبّان الذين ينتهلون منها، وفسد مستقبلهم.
الثقافة الاستعمارية تقيض للبلد شباناً استعماريين، الثقافة التي يقوم الأجانب بإعدادها لنا، ويسعون لترويجها في مجتمعنا إنما هي ثقافة استعمارية وطفيلية، وهي أسوأ من كل الاشياء، حتى من أسلحة هؤلاء المتجبرين، فأسلحة المتجبّرين تنكسر بعد حين، وهي مكسورة الآن، وكسرها يجعل شبابنا الذين هم الاساس لكل شيء طفيليين، ومتأثرين بالغرب.
هؤلاء يطرحون منذ البداية أموراً، ويضعون في أذهانهم أموراً معينة، ليصلوا إلى اهدافهم العليا: فإذا كانت الثقافة صحيحةً، فإنّ شبابنا ينضجون بشكل صحيح. إذا كانت الثقافة ثقافة حق ثقافة الهية، لمصلحة الشعب، لمصلحة المسلمين. وهؤلاء المتصدّون للأمور يأتون بثقافة من الخارج، وهي ثقافة استعمارية، وليست بأيدي الصلحاء، ولا يديرها صالح.
لو كانت جامعتنا جامعة سليمة ومستقلة، ولو كان هناك من الصالحين- لو كان هناك صالح واحد أيضاً- لتمكنوا من القيام بالعمل الذي يريدونه وهو الإصلاح، ولما وصل وضع بلدنا إلى هنا. ولعل الجيل القادم يصبح أسوة- لا سمح الله- جامعتنا سيطر عليها الطفيليون الاستعماريون العملاء. وكل هذا مصدره إنسان واحد.
هل يتمكن معلم أو أستاذ في الجامعة- إذا أراد أن يقول شيئاً- من قوله؟ وهل تسمح منظمة الأمن المسيّرة من قبل الشاه بأن يقال مثل هذا الكلام؟ لو كانت جامعتنا جامعة سليمة، لما عُرِّض شبابنا هؤلاء لهجوم الشرطة حين أرادوا أن يقولوا كلاما حقاً في الجامعة.
ان هؤلاء يضربون الفتيات، يضربون الفتيان، يضربون الشبّان، يسجنون ويفعلون ما يشاءون، لأن جامعتنا ليست مستقلة، في الاساس نحن لا نمتلك جامعةً، الجامعة التي يحكم فيها شخص واحد ليست بجامعة، فالمحيط العلمي يجب أن يكون محيطاً حراً.
عواقب المجلس غير الصالح وغير الوطنيّ
لو كان مجلسنا الوطني مجلساً صالحاً، ولو كانت هذه الاداة في أيدي الصلحاء، فهل سيسمح بتقنين هذه القوانين؟ هل سيسمح بالمصادقة على حصانة المستشارين الأمريكان التي كانت ذلّة لايران وعاراً عليها؟ نحن ليس لدينا مجلس. جمعوا عدّة مأمورين من منظّمة الأمن، وأطلقوا على تجمعهم اسم (مجلس) هؤلاء كلهم مأمورون.
لو كان هؤلاء أحراراً ولو كان المجلس مجلسا وطنياً للناس، لما سمح لهم بشراء كل هذه الأسلحة، يعطون نفطنا، ويشترون حديداً، حديداً لا يتمكّنون من استعماله، هم أنفسهم متحيرون باستعماله، يجب أن يأتي مستشار أمريكي ومختصّ أمريكي ويوضح لهم طريقة استعماله، وهو في الغالب لا يوضح لهم شيئاً، فأولئك حيوانات لا تقبل بهذا الكلام. أولئك جاؤا إلى هنا لتقاضي رواتب شهرية باهضة ليس لدينا اطّلاع عليها ولا نتصوّرها أيضاً، كل واحد منهم يأخذ شهرياً مبلغاً باهضاً، يقال إن أرقامها عالية جداً.
المستشارون ومرافقوهم الذين يبلغون عدة مئات، أو عدّة آلاف- لا أعلم الآن- وفي ذلك الوقت كانوا ظاهرا- يتقاضون الرواتب المبالغ الباهضة. كلّ واحد يأخذ رواتب جمّة من هذا الشعب. يُخرجون هذه الأموال من جيب هؤلاء الفقراء والمساكين، ويضعونها في جيب هؤلاء الاثرياء. بعد كل هذا هل تتصوّرون أنهم يدرّبون جيشناً تدريباً عسكرياً؟ إن أولئك يريدون ابقاء عسكريِّنا هكذا ليعملوا هم ما شاؤا.
لو لم يكن لنا جيش طفيلي، وكان لنا جيش مستقل، لما سُمِحَ أن يأتي المستشارون، وتكون جميع الأمور تحت تصرّفهم، ولا كان أولو الرتب العالية من جيشنا أدوات بأيديهم. لكن لأنّ جيشنا ليس بجيش أصبح كله تحت إمرة شخص واحد. إنسان فاسد أفسد كلّ شيء، كما يقول المثل: ان ماعزا اصلع يؤدي إلى اصلاع حظيرة.
ان هذا الفساد، وكل انواع الفساد هي بسبب ذلك الشخص ... ولكن ايران لا يمكنها تشخيص أن هذا الرجل سبب جميع المفاسد لما يعانيه من قمع، لا يستطيعون وضع اليد على مَنْ هو نبع الفساد كلّه، البعض يقول: إن المأمورين هم السبب! أخي من أين يأخذ المأمورون أوامرهم بقتل الناس؟ من أين يتلقّون الأوامر بمداهمة مدرسة الحجتية وقتل الطلبة؟ من أين تصدر الأوامر بقتل الناس في الشوارع؟ هل يتمكن أحد من اعطاء الأوامر سوى ذلك التافه؟ كل هذه المفاسد منه.
هل يحق للمجلس أن يقول كلمة بلا إذن هذا التافه؟ هل يحق للجيش أن يقول كلمة من دون اذنه؟ هل قضاتنا أحرار؟ هل لدينا استقلال قضائي؟ قضاتنا أيضاً يمسكون بحربة القضاء دون أن تكون لديهم اللياقة لذلك، والمشكلة تكمن في سبب ذهاب هذا الشخص ليكون قاضياً. فاترك ذلك إذا كنت لا تتمكّن من الحكم بالحق، لأنك ترتكب حماقة حينما تصبح قاضياً وأنت غير مؤهل.
إنك الان إذا وضعت يدك على قسم من جهاز الإدارة في بلدنا تجد الأسلحة في يد غير الصالحين وجميع المفاسد تعود بالنتيجة إلى البلاط، إلى هذا الشخص، الذي يجب القضاء عليه. أنا لا أعلم لماذا ينام هذا الجيش؟ لماذا يتحمّل هذا القدر من الذَّلّة، لم يمض اكثر من عدة ايام على ذهاب كارتر حتى حصل كل هذا، وهذا أول الغيث، ولو سمحوا بالبقاء أكثر لساءت الأمور. انهم إذا لم يخرجوا من غفلتهم ... فان الامر لن يتوقف عند مقتل عدة اشخاص، الامر الذي بلغ صداه جميع انحاء العالم وبثت الإذاعة اخباره إلى الخارج وكل مكان- والاذاعة بأيديهم أيضاً- يقولون كل ما يريدون.
ولكن هل سيخدع الناس مرة اخرى؟ الشعب اصبح واعياً، أخي إن الشعب أصبح واعيا. ولو لم يكن الناس واعين لما عطلوا الأسواق بهذا الشكل، فقد عطل السوق في طهران يوم الجمعة ويوم الخميس اعتراضاً على ما حصل، كما يقال، وقد ذكر مسؤولو الأمن ذلك أيضاً. وتعطيل السوق في طهران أعماله ليس أمراً معتاداً، بل أمر خارج عن المعهود، لا يمكن لأحد أن يقوم بهذا العمل وحيداً، إنّها مشاعر الجماهير وإحساساتها هي التي أدّت إلى وقوع هذا الامر. فلينظر ذلك المحترم الذي كان يقول: إن الجميع يؤيدونني، فهذا سوق طهران، وذلك سوق الأهواز وتلك إصفهان وتلك شيراز أيضاً وهذه هي كيفية حياتنا.
اننا نأمل أن يشمل الغضب كافة الطبقات، العلماء والمجتهدين، وطلبة العلوم الدينية والكسبة والتجار والعسكريين ومسؤولي البلد على هذا الخبيث، ونأمل أن يمدَّ كل هؤلاء أيدي الاتحاد لبعضهم، وأرجو أن تمارس أحزابنا السياسية فعاليات مستقلة.
لتكن هناك علاقات بين الجميع، كما أبدى الجميع حالياً استياءهم في هذه القضية، فمؤخّراً أبدت أحزاب سياسية استياءها أيضاً والعلماء واهل السوق والجامعيون والكل، والأجانب أيضاً ارسلوا إلينا برقيات وأبدوا استياءهم من النظام: من أميركا، من أوروبا، وكتب بعضهم أن ثلاثمائة شخص قُتِلوا في الأحداث الاخيرة. إنني آمل أن تتحد جميع الجبهات، وتكون معا؛ وإذا اتحد الشعب بكل طبقاته، تُنزع هذه الأسلحة من أيدي هؤلاء الطالحين، وتنكسر قرون هذا الثور.
لا تتشتتوا، لا تهيئوا أسباب التشتّت، لا تتحاربوا فيما بينكم بذرائع واهية وتافهة، لا تتنازعوا، فهذه الأمور هي مما يثيره أولئك لشغل الناس، حتى يستفيدوا هم. ليعي الناس كل ذلك، وقد اصبحوا كذلك إن شاء الله وليصبحوا معاً، ليجتمعوا كلهم، وليمدّوا أيديهم بعضها الى بعض، وستقتلع جذور الفساد قريباً إن شاء الله بحول الله وقوته، باتحادكم وتفاهم جميع الجهات معاً، وتجتثّ جذور الفساد قريباً ان شاء الله، ان شاء الله.
أسأل الله تعالى السلامة للجميع، أشكر للجميع، لأنهم لم يتركوا علماء الإسلام وحدهم. أشكر لجميع الجهات والعلماء الاعلام خاصّة، وأصحاب المتاجر الكرام. أشكر لهم جميعا. وأطلب منهم جميعاً أن يدعوا للاسلام، ويُقوّوا جبهاتهم، ويكونوا متحدين، ويوحّدوا كلمتهم، فإن كلمتهم الواحدة ستقطع أيدي الظلمة وأيدي الأجانب عن هذا البلد، عسى أن يعود النظام لبلدنا، وبتبعيد الاجانب عنه تعود المنافع للضعفاء وتصرف لمصالح اهل البلد أنفسهم وتصحّح كل أموره.
وهذا لن يحصل مالم يبادر الشعب إلى انتزاع السلاح من أيدي أولئك، ونأمل أن يتمَّ ذلك قريباً إن شاء الله.
والسلام عليكم ورحمة الله.
*صحيفة الإمام، ج3، ص: 271-280